مسجد عتيق.. أقدم مبنى في أصفهان ونموذج للعمارة الفارسية بعد الإسلام

يرتبط المظهر الحالي للمسجد بشكل أساسي بأعمال العصر السلجوقي، لكن إصلاحاته وإضافاته مرتبطة بالفترات اللاحقة وخاصة العصر الصفوي

تم تسجيل مسجد عتيق في قائمة الآثار الوطنية الإيرانيةعام 1932 وأيضا في قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2012.الجزيرة copy
مسجد عتيق سجل على قائمة الآثار الوطنية الإيرانية عام 1932 وعلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2012 (الجزيرة)

أصفهان تعد مدينة أصفهان الواقعة في وسط إيران من أكبر وأعرق المدن التاريخية في البلاد، ونظرا لأهميتها ومكانتها الخاصة في التاريخ الإسلامي، فقد احتضنت عددا كبيرا من العلماء المسلمين والمواقع الدينية ولطالما كانت ملهمة للباحثين في هذا المجال.

وليس غريبا أن تحتضن هذه المدينة أحد أقدم مساجد إيران، مسجد عتيق، أو مسجد جامع أصفهان، كما يطلق عليه، والذي يعكس تطور العمارة الفارسية بعد الإسلام خلال القرون الـ13 الماضية، ويمنح السائح فرصة زيارة متحف حي ويمر في نفق الزمان بطول 13 قرنا من خلال التجول في هذا المسجد العريق.

لهذا المسجد أكثر من 480 طاقا(قناطر) والذي لا يتشابه أي منها بعضهم البعض. الجزيرة
لمسجد عتيق أكثر من 480 طاقة (قناطر) تزيده جمالا (الجزيرة)

قائمة التراث الوطني واليونسكو

تم بناء مسجد عتيق أو مسجد جامع أصفهان الذي وحّد قرى المنطقة وشكّل النواة الأساسية لتأسيس مدينة أصفهان، عام 156 للهجرة في موقعه الحالي. وتم تسجيله في قائمة الآثار الوطنية الإيرانية عام 1932، وأيضا سجل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2012.

ووفقا لعلماء الآثار بني مسجد عتيق على أنقاض مكان آخر، والذي ربما كان معبدا للزرادشتية قبل الإسلام في العصر الساساني، ومنذ ذلك الحين قامت الحضارات عبر التاريخ بما في ذلك الديلميون والسلاجقة والإيلخانيون والمظفريون والتيموريون والصفويون والقاجاريون، بتوسيعه أو ترميمه حتى الآن.

لا يزال من الممكن رؤية النقوش الحجرية من فترات تاريخية مختلفة في المسجد. الجزيرة
لا يزال من الممكن رؤية النقوش الحجرية من فترات تاريخية مختلفة في مسجد عتيق (الجزيرة)

إيوانات المسجد

ويعتبر مسجد عتيق أقدم مبنى تاريخي في أصفهان، مجمعا تاريخيا ضخما بمساحة 170 × 140 مترًا شمال شرق أصفهان ويضم اليوم أقسامًا وإيوانات (قاعات) مختلفة أشهرها "إيوان درويش" و"إيوان صاحب" و"إيوان أستاذ" و"إيوان تلميذ" وكذلك "إيوان عُمَر" و"مكتبة خواجه نظام الملك" و"بيت الشتاء" و"محراب الجايتو" الذي يمثل كل منها مسار العمارة الإسلامية في فترة معينة.

ويرتبط المظهر الحالي للمسجد بشكل أساسي بأعمال العصر السلجوقي، لكن إصلاحاته وإضافاته مرتبطة بالفترات اللاحقة وخاصة العصر الصفوي، ومع ذلك كشفت الحفريات عن قطع أثرية من عصور ما قبل الإسلام.

سقف إيوان التلميذ في مسجد عتيق (الجزيرة)

من الطراز العربي إلى الطراز الفارسي

تم استخدام أنماط مختلفة من العمارة الفارسية والأجنبية في بناء مسجد جامع أصفهان، وتغيرت هندسة هذا المبنى في القرن الخامس الهجري من الطراز العربي أو الخرساني إلى الطراز الفارسي، ولأول مرة في التاريخ أصبح مسجدًا به 4 إيوانات تُعرف بالمساجد الفارسية (4 إيوانات في كل جهة من باحة المسجد) وامتد هذا النموذج إلى بلاد المسلمين خارج إيران.

مسجد جامع أصفهان يعتبر أقدم مبنى تاريخي بها (الجزيرة)

ومسجد عتيق هو المسجد الوحيد في إيران الذي تم تسجيله ضمن قوائم العالمية، وله العديد من النقوش والنصوص الأثرية من العصر الإسلامي بخطوط الكوفية والثُّلث والنسخ والنستعليق، (أحد الخطوط الرئيسية الإسلامية المستخدمة في الفارسية والأوردية والتركية العثمانية وكذلك في العربية، وهو مزيج من خطي النسخ والتعليق)، الأمر الذي ضاعف من قيمته وخلق مشاهد بصرية لافتة للنظر.

وأشار عبد الرضا كارغر مشرف مسجد عتيق إلى أن لهذا المسجد أكثر من 480 طاقة (قناطر) والتي لا يتشابه أي منها مع بعضها بعضا، وهناك أيضا أعمدة تعود إلى عصر البويهيين عمرها 1100 عام، وكذلك قبة خواجه نظام الملك في مسجد عتيق هي أول قبة في العالم تم تغييرها من قبة رباعية الزوايا إلى قبة دائرية.

مسجد جامع اصفهان زخارف ومنقوشات محراب الجايتو في مسجد عتيق. الجزيرة (2)
جزء من زخارف ومنقوشات محراب الجايتو في مسجد عتيق (الجزيرة)

محراب الجايتو

ووفقا لكارغر فإن لهذا المسجد 8 مداخل و14 محرابا، 6 منها من البلاط و5 من الحجر و3 منها من الجص، ويعتبر "محراب الجايتو" (اسم أحد حكام المغول قبل اعتناقه للإسلام وتغيير اسمه إلى محمد) والذي يبلغ عمره 700 عام من أجمل المحاريب المنقوشة بزخارف الجبس في إيران.

محراب الجايتو في مسجد جامع أصفهان وعمره 700 عام يعتبر من أجمل محاريب الجبس في إيران (الجزيرة)

تم بناء مسجد جامع أصفهان من الطين الخام، ولكن نظرا لثبات وسرعة بناء الطوب وعوامل أخرى، فقد تم استخدام الطوب في إعادة بنائه. وقد تم إعادة بناء المسجد في العصر الحالي بعد قصف القوات العراقية لمدينة أصفهان في الحرب بين إيران والعراق عام 1985.

ونظرا لعراقة وازدهار مسجد عتيق في العهد الإسلامي، فقد كان وما يزال مقصدا لكثير من السياح والرحالة، وقد ورد ذكره في العديد من الكتب القديمة ومنها: کتاب "صورة الأرض" لأبي القاسم محمد بن حوقل، وکتاب "أحسن التقاسیم في معرفة الأقاليم" لشمس‌ الدین أبو عبد الله الشامي المَقدسي، وكذلك کتاب "الأعلاق النفیسة" لأبي علي أحمد بن عمر بن رُسته.

بسبب طبيعة عمارة مسجد جامع أصفهان تكون درجة الحرارة دافئة في الشتاء وباردة في الصيف (الجزيرة)

نبض مدينة أصفهان

ويعد مسجد عتيق مثالا حيا للفن والعمارة الإيرانية والإسلامية، وإضافة إلى جماله البصري فهو أيضًا رمز للوحدة والتضامن بين المسلمين الإيرانيين، لأن كل الحكومات السنية والشيعية ما بعد الإسلام صلوا فيه ولعب كل منهم دورا في تطويره وترميمه.

ينعكس مسجد عتيق تطور العمارة الفارسية خلال القرون الثلاثة عشر الماضية بعد الإسلام. الجزيرة
مسجد عتيق يعكس تطور العمارة الفارسية بعد الإسلام خلال القرون الـ13 الماضية (الجزيرة)

وما يزال ينبض قلب مدينة أصفهان بمسجد عتيق الذي حافظ على رونقه حتى الآن، وإضافة إلى الصلوات اليومية الخمس، تقام فيه طقوس رمضانية في الشهر الفضيل مثل موائد الإفطار وحلقات القرآن الكريم والخطب الدينية وإحياء ليلة القدر.

المصدر : الجزيرة