محيي الدين كلّاب.. 50 مؤلفا في علوم الحديث وتاريخ فلسطين وبائع متجول في غزة
غزة – ما بين "البسطة" و"الصومعة" يقضي محيي الدين كلاّب حياته يومياً، بائعاً في النهار في سوق مخيم الشاطئ بمدينة غزة، وقارئاً باحثاً بين كتبه في الليل.
ويتخذ من زاوية صغيرة في منزله المتواضع في المخيم ركناً للقراءة والبحث يطلق عليه "الصومعة" يلجأ إليها بعدما يفرغ من عمله في السوق.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالثمانيني إبراهيم الهمص.. أقدم ساعاتي في غزة وأكبر من إسرائيل بـ6 أعوام
دكتور بالاقتصاد يوزع طلبات الأغذية على دراجته في الأردن
بالفيديو: أب فلسطيني برفقة أبنائه الخريجين الأربعة يفتتحون “بسطة مشروبات” ويستعرضون شهاداتهم
كلّاب شاب في العقد الثالث من عمره، ويحمل الشهادة العليا في الحديث الشريف وعلومه، اضطرته الظروف المتردية في غزة، وعدم توفر فرصة عمل في مجال تخصصه، إلى عمل "بسطة" لبيع الفراولة في سوق المخيم، لإعالة أسرته وأطفاله الثلاثة.
بائع بدرجة دكتور
ويقول كلّاب، ويعرف بين جيرانه ومعارفه بـ "أبو عمر" للجزيرة نت "إن أهل الدين وطلبة العلم لا يرضون بالذلة، والرزق على الله، والسعي للرزق من أي مهنة بالحلال أفضل ألف مرة من الركون لليأس".
وعندما لم يجد "أبو عمر" فرصة كان يمنّي نفسه بها، طوال فترة دراسته، بالوقوف أمام الطلبة محاضراً للحديث الشريف وعلومه في إحدى جامعات غزة، لم يجد أمامه سوى الوقوف على "بسطة" صغيرة، يبيع فاكهة الفراولة، التي يستيقظ مبكراً لجلبها من مزارعها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
كان أحد تجار السوق يستمع لخطبة صلاة الجمعة يلقيها الدكتور كلّاب "تطوعاً" في أحد مساجد المخيم، فأعجب بها كثيراً، وعندما علم بأن لا عمل لديه، تبرع له بمساحة صغيرة من محله في السوق، ليضع عليها هذه البسطة الصغيرة ليبيع الفاكهة، ويكسب قوت أسرته.
يبدأ يوم "أبو عمر" مبكراً، يؤدي صلاة الفجر، وينطلق نحو مزارع الفراولة التي تشتهر بها بيت لاهيا، يشتري الأفضل منها ليعرضها على بسطته، ويعود إلى منزله بعدما ينتهي من بيعها، ويقول إن ما يكسبه يومياً من وقوفه في السوق لساعات طويلة لا يزيد على 15 شيكلاً (حوالي 4 دولارات).
يعود لأسرته بالقليل من الاحتياجات الأساسية، ويقول إن ما يكسبه من البيع في السوق لا يفي بمتطلبات الحياة اليومية، ولكنه "يغني عن سؤال الناس" فضلاً عن حصوله شهرياً على 100 دولار ضمن "المنحة القطرية" المخصصة من دولة قطر للفئات الأشد فقراً في غزة، وبحسب "أبو عمر" فإن هذه المنحة -رغم بساطتها- ساعدته على استكمال دراسته الجامعية.
الصومعة
يجلس "أبو عمر" مع زوجته وأطفاله، يتابع أمورهم ويطمئن عليهم، قبل أن يدخل صومعته التي "تعج" بالكتب والمؤلفات المتكدسة في كل ركن، يقضي فيها ساعات طويلة قارئاً وباحثاً ومؤلفاً.
شهدت هذه الزاوية منذ أن كان طالباً في الجامعة على الكثير من أحلامه، التي كانت تداعب مخيلته، وينتظر اليوم الذي يقف فيه خطيباً على منابر المساجد في غزة، ومحاضراً لطلبة الحديث الشريف وعلومه في الجامعات، غير أن هذه الأحلام "تحطمت" على "صخرة" الواقع المتردي في غزة، بفعل سنوات الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي.
وتظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مؤسسة رسمية) أن نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات في مختلف التخصصات بلغت 78% في غزة خلال العام 2020، مقابل 35% في الضفة الغربية.
وبحسب بيان نشره الجهاز على موقعه الرسمي في يوليو/تموز من العام الماضي حول "مجال الدراسة وعلاقته بسوق العمل" فإن مؤسسات التعليم العالي خرجت العام 2019 أكثر من 42 ألف طالب وطالبة في مجالات مختلفة، في حين لا يستوعب سوق العمل المحلي سوى 8 آلاف متخرج سنوياً.
ورغم هذا الواقع المرير، فإن "أبو عمر" يتمسك بالأمل، ويقول إن عمله في السوق "ليس عيباً" ولكنه مؤقت، وسيأتي اليوم الذي يستفيد به من علمه الشرعي ويفيد به غيره من الطلبة والباحثين.
إنجازات
وقوف "أبو عمر" على بسطة في السوق لم يمنعه -كما يقول- من ممارسة دوره الدعوي، يفيد الناس من العلوم الشرعية التي اكتسبها خلال دراسته الجامعية وبحثه اليومي.
وخلال ساعات عمله في السوق، يتجاوب "أبو عمر" مع طلبة يلجؤون إليه سواء بالحضور أو عبر الهاتف، طلباً للمساعدة في مسألة ما أو بحث علمي يحتاجونه في دراستهم الجامعية.
وإضافة إلى خطب ودروس دينية تطوعية يلقيها "أبو عمر" في مساجد غزة، فإنه ينشر على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تتناول مسائل متخصصة في الحديث الشريف وعلومه.
مؤلفات
ويبقى الإنجاز الأهم في حياة هذا الشاب الثلاثيني إصداره نحو 50 مؤلفاً في الحديث وتاريخ فلسطين، وجدت لها أخيراً مكانا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ومن أبرزها:
- مسند غزة، ويتناول فيه أحداث ثبت من خلال إسنادها أنها وقعت في مدينة غزة عبر التاريخ.
- أعلام بيت المقدس ومن نزلها من البشر، ويتناول فيه مؤثرين من السياسيين والاقتصاديين والعلماء الذين تركوا بصمة في المدينة المقدسة عبر التاريخ، وهو من جزأين، الجزء الواحد مكون من 600 صفحة.
- معجم المعارك والعمليات العسكرية على أرض فلسطين، وهو مؤلف من 500 صفحة، يرصد ما شهدته أرض فلسطين تاريخياً حتى عام 2018 من معارك حربية.
- قراءات في مخطوطات أثرية وتاريخية، ترتبط بتاريخ فلسطين وأعلامها.
- كيف تكون محبوباً؟ كتاب من 400 صفحة، يقدم نصائح مهمة بناء على تجارب يومية من الحياة والعلاقة مع الناس.