بيتنا أخضر.. مبادرة لتحويل الخرطوم إلى مدينة تستحق لقب "ملتقى النيلين"
الخرطوم – "لِمَ تكون مدينة محاطة بكل تلك الأنهار، قاحلة لهذه الدرجة؟". كان هذا تساؤلا موجعا من سائح أجنبي، قبل سنوات، دفعه إليه خلو الطريق من مظاهر التشجير، في مقابل اكتظاظه بالمباني المُجلد بعضها بواجهات تجمع بين الألمنيوم ومادة البولي إثيلين أو البلاستيك بطبقات متعددة والتي تزيد من درجات الحرارة، والسيارات التي تبث ثاني أوكسيد الكربون في الجو بكثافة، أسوة بغرف المدخنين في بعض المرافق والمؤسسات.
عاصمة خضراء
وضمن عدة أسباب، أبرزها إزالة هذا التصور الذهني عن الخرطوم وتحويلها إلى عاصمة خضراء تستحق لقب "عاصمة ملتقى النيلين"، دشن شباب سودانيون عام 2020 مبادرة طوعية غير ربحية باسم "بيتنا أخضر"، بهدف تشجيع ثقافة الزراعة بين المواطنين.
ويختصر مؤسس المبادرة الطالب الجامعي علي دياب أهداف المبادرة للجزيرة نت في إصلاح البيئة، ونشر ثقافة الزراعة، وعلى وجه الخصوص الزراعة المنزلية للخضروات والفواكه، بهدف نشر الاخضرار، والأهم تقليل كلفة المعيشة التي تضاعفت جراء الغلاء والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ووصل حجم التضخم في السودان خلال فبراير/شباط الماضي إلى 258.40% وفقا للجهاز المركزي للإحصاء، في ظل تراجع العملة المحلية إلى 610 جنيهات مقابل الدولار الأميركي في نوافذ البنوك التجارية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالجيلي.. مدينة تاريخية بالسودان في معركة ضد الطبيعة والإهمال فهل يبتلعها النهر؟
بالفيديو: أطفال يواجهون فيضان نهر النيل بالسباحة والقفز من ارتفاع شاهق
إغلاق الجامعات الحكومية في السودان.. آثار أكاديمية واقتصادية واجتماعية
ويلفت دياب إلى أنه علاوة على الورش والدورات التدريبية، تمكنوا من الوصول إلى آلاف الأسر، بعدد من القرى بولاية الخرطوم والجزيرة، حيث يعلمون أحيانا لفترات تصل إلى 10 أيام، في توزيع البذور والشتلات.
ويكشف عن وصول عدة دعوات لطاقم المبادرة لزيارة ولايات جديدة، تشمل دارفور غربي السودان، والقضارف شرقي البلاد.
وتقوم هياكل المبادرة على 4 شباب، هم المسؤولون عن الإدارة، والتواصل مع الجهات ذات الصلة بالعملية الزراعية والمنضمون تحت لواء المبادرة.
وتعمل كافة الفرق في المبادرة بشكل تطوعي، وتضم في ثناياها محبين للزراعة أو راغبين في الاكتفاء الذاتي من الخضار والفواكه، وبزيادة مداخيلهم عبر بيع إنتاجهم في السوق المحلية.
وترتكز المبادرة في مشروعاتها بشكل رئيس على منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقدم أحد القائمين على أمر المبادرة المهندس الزراعي مزمل إلياس للجزيرة نت شروحات إضافية لما تقوم به المبادرة، قائلا "المبادرة تقدم البذور والخبرات النظرية والعملية للراغبين في الدخول إلى الحقل الزراعي، ومن ثم تواصل أعمالها بتقديم الاستشارات المجانية عبر منصات التواصل المختلفة، وصولا إلى الزيارات الحقلية بغرض تذليل كافة العقبات أمام المتعاملين مع المبادرة.
تجارب جديدة
اهتمت المبادرة بمجالات جديدة، أبرزها زراعة الفراولة التي لطالما قيل إن البيئة السودانية غير صالحة لإنباتها بالمرة.
يقول صهيب -وهو أحد المستفيدين من مشروع زراعة الفراولة غربيّ أم درمان- إنه تلقى تدريبات على يد مهندس زراعي مصري الجنسية، تضمنت تدريبات نظرية وأخرى حقلية.
مشيرا إلى توصلهم إلى أن التربة الرملية في المنطقة صالحة لزراعة الفراولة، مع امتلاكهم لتقنيات تتضمن أنواع جديدة من الأسمدة، ساعدت في زيادة الإنتاج وصولا إلى تسويقه محليا.
ويضيف عبد الهادي في حديثه للجزيرة نت إنه يفكر وبشكل جدي بالتوسع في زراعة الفراولة لأغراض التصدير، باعتبارها "الذهب الأحمر" على حد تعبيره.
فتح أسواق
ولقياس أثر المبادرة، نجدها نجحت عبر أعضائها في إقامة عدد من أسواق بيع الخضار والفواكه بصورة مباشرة للجمهور.
يقول إلياس إن أسواق البيع المخفضة تعكس نجاحات المبادرة، وتكسر حلقة الوسطاء والسماسرة المساهمين في زيادة أسعار المنتجات والمحاصيل الزراعية بصورة كبيرة.
تأهيل الحدائق
في مشروع جديد للمبادرة، بدأت مؤخرا في تأهيل "الحديقة النباتية" بقلب الخرطوم. وتعد الحديقة النباتية إحدى أكبر وأهم وأقدم المساحات الخضراء بالعاصمة، وهي وجهة مفضلة للباحثين عن المعارف والترفيه، حيث تحتضن كميات كبيرة من الأشجار (بعضها نادر)، كما تشهد تنظيم مهرجانات راتبة لبيع البذور والشتول، بجانب أنها وجهة معتادة لطلاب كليات الزراعة والبيئة.
ولبى العشرات دعوة مبادرة "بيتنا أخضر" لتأهيل الحديقة النباتية، حيث شارك في عمليات التأهيل شباب بعضهم ينتمي إلى كليات زراعية، وآخرون منضمون تحت لواء جمعيات البيئة، بجانب محبين للزراعة.
وقدّم بعض المختصين إفادات قيمة عن الحديقة النباتية، وأهميتها، ودورها في خفض درجات الحرارة والانبعاثات الكربونية، بجانب التعريف ببعض أنواع أشجارها المستخدمة في مجالات الاستطباب.
ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام، مشاركة فتيات ويافعين وأطفال في عمليات التأهيل، ما يجعل منهم بذرة لنشر ثقافة الاخضرار بالعاصمة والولايات.
صعوبات
يقول صناع المبادرة إن مشكلتي الترحيل والتخزين هما أبرز ما يحد من أنشطتهم حاليا. ويأملوا في أن يتمكنوا بوقت قريب من الحصول على عربة تساعدهم في نقل المتطوعين والبذور والشتول إلى مناطق جديدة، وتمزيق فاتورة النقل، أو الاعتماد على مركبات المتطوعين.
بينما يقول إلياس إنهم في حاجة ماسة مع مكتبهم الصغير بالقرب من الحديقة النباتية إلى مشتل مزود بمخزن لحفظ الشتول والبذور المهداة للمبادرة بطريقة علمية سليمة.
دور حكومي
ينظر عضو جمعية البيئيين سعيد محمود بتقدير بالغ لجهود شباب مبادرة "بيتنا أخضر"، ويقول للجزيرة نت إن المبادرة ونظيراتها قادرات على تلطيف أجواء الخرطوم الحارة، وإعطائها مسحة من الجمال المفقود، بجانب تخفيف أعباء المعيشة بالنسبة للمواطنين.
وعبر محمود عن خشيته من أن يقود الإهمال الحكومي لكافة المبادرات ذات الطابع البيئي، لتوقفها عن العمل، ما يعني زيادة رقعة الفقر والقبح في عاصمة يفترض بحكم الجغرافيا أن تكون مستوطنا للخضرة والجمال.