ساعة بغداد معلم سياحي وتحفة معمارية بارزة.. هذه حكايتها
بغداد- من يزور العاصمة العراقية بغداد ويتجول فيها، وبمنطقة ساحة الاحتفالات بجانب الكرخ، يلفت انتباهه برج عال تعلوهُ ساعة ضخمة ذات 4 أوجه تستند إلى قاعدة ثُمانية الشكل تحوي متحفا.
وتعود فكرة البرج والساعة إلى 1986 عندما طرح ديوان الرئاسة مسابقة لتصميم ساعة بغداد المركزية، وبعد أن عرضت التصاميم على الرئيس الراحل صدام حسين فاز التصميم المُقدم من قِبل المعماري محمد ضياء البراك وزوجته نسرين القيسي، وبدأ العمل على تنفيذ المشروع عام 1989.
عن ساعة بغداد وتصميمها وكل التفاصيل التي رافقت تنفيذ المشروع، تحدث مصمم المشروعِ المعماريُ ضياء البراك، للجزيرة نت، قائلا إنه بطلب من رئيس الجمهورية حينها كلف المركز القومي للاستشارات الهندسية والمعمارية بتنظيم مسابقة لتصميم متحف ونصب لساعة بغداد "تخليدا لذكرى شهداء الحرب العراقية الإيرانية".
وأوضح البراك أن متطلبات التصميم المقدمة من الرئاسة كانت متحفا تُعرض فيه الهدايا المقدمة للرئيس، يضم 7 قاعات عرض مع ملحقاتها من قاعات محاضرات ومكاتب وصالات للضيافة وغيرها.
برج الساعة
وعن تصميم القاعات، أوضح البراك أنه ارتأى أن يكون شكل المبنى ثمانيا لاستقرار هذا التكوين من الناحية الهندسية، كما أنهُ يُتيح أقصر حركة مركزية بينَ القاعات وباقي ما يحتويه المبنى، حيث يتم الدخول من ضلع واحد بينما تتوزع قاعات المتحف على باقي الأضلاع بالمستوى الرئيسي للمبنى في المركز مشكلا محورا أفقيا وعموديا.
وأضاف أن التصميم يعمل على أن يكون الانتقال إلى الطابق السفلي من خلال فضاء مركزي توجد فيه أروقة المشروع التكميلية من مكاتب وقاعات محاضرات ومخازن، كما يتم الانتقال إلى الطابق الأعلى من خلال الفضاء ذاته حيث صالات استقبال كِبار الضيوف، ويشكل هذا الطابق قاعدة برج الساعة محافظا على التناسق الثُماني بشفافيته الزجاجية وبتكوين ثلاثي الأبعاد الثُماني مشكلا جوهرة تتلألأ في سماء بغداد عليها 4 ساعات بمختلف الاتجاهات، أما عقاربها فكانت عبارة عن سيوف عربية مستقيمة.
ويكمل البراك حديثه: تأكيداً لرمزية الزمن توجب نقل الوقت من ساعات البرج الخارجية إلى داخل المبنى حيث توجد على جانبي المدخل جداريتان متداخلتان مع عرض يُجسد بالصورة والصوت بغداد منذ تأسيسها.
وبعد دخول المبنى -حسب البراك- يجد الزائر نفسهُ متوسطا قاعات المتحف مُطلاً للأسفل على بحيرة صغيرة تحوي ساعة محاكاة ليزرية ومتطلعا للأعلى لفضاء برج الساعة الداخلي حتى القمة.
وتمَ تصميم بندول ضخم يتدلى من أعلى البرج حتى مستوى البحيرة يتزامن كلاهما مع توقيت الساعة أعلى البرج الذي يكون مرتبطا بالتوقيت العالمي، ويعتمد من قبل العراق توقيتا رسميا لكل الدوائر والمؤسسات الحكومية والمطارات ومحطات الإذاعة والتلفزيون.
وعن تنفيذ المشروع وباقي التفاصيل ذات العلاقة، تحدث مدير مشروع ساعة بغداد علي حسن خضير -للجزيرة نت- قائلا إن العمل نفّذ بعقد تنفيذي بينَ شركة الفاو ودائرة المشاريع الهندسية بعد منافسة بين عدة شركات حكومية بمدة تنفيذ أمدها سنتان، وبوشر العمل في أبريل/نيسان 1989.
وأُريد للمشروع أن يكون تحفة معمارية تُظهر التطور الذي حدث خلال عقد من الزمن، وفي إنجازه تم استخدام مواد ذات جودة عالية وعلى المستوى العالمي، فتمَ التعاقد على شراء ساعة ذات 4 أوجه بمساحة 16 مترا مربعا لكل وجه مع بندول يتوسط المبنى بطول 45 مترا يحتضن في نهايتهُ بنادق مطلية بالذهب من شركة سويسرية مع ساعات جدارية تُبين التوقيت في كافة عواصم العالم.
وأوضح خضير أنه تم شراء 7 آلاف متر مربع من الرخام الإيطالي للأرضيات، مع نفس الكمية من حجر الغرانيت لتغليف الواجهات الخارجية للمبنى، كما جُهزت مقاطع الألمنيوم الخاصة بالأبواب والشبابيك وزجاج البرج الذي يبدو متصلا من الأعلى للأسفل بدون فواصل.
ويكمل حديثه بأنه بعد أن شارفت جميع المواد المطلوبة على الوصول بدأ العمل لإنجاز المشروع قبل المدة التعاقدية، إلا أن العمل توقف بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب 1990 وبعدها حرب الخليج عام 1991 والحصار الاقتصادي الذي فُرض على البلاد مما عطل وصول المواد المتبقية لإنجاز المشروع، فأصدرت الرئاسة قرارا بإكمال المشروع بمواد محلية وتم إنجازه منتصف عام 1993.
وفي العام 1994 افتتح المشروع الذي يضم برج الساعة و"متحف النصر".
يضم المتحف الهدايا المقدمة للرئيس (حينها) صدام من مختلف أنحاء العالم، ومن بينها سيوف وخناجر من الذهب مطعمة بالأحجار الكريمة والماس وساعات وتحف مختلفة.
عام 2003 عند اجتياح القوات الأميركية لبغداد، تعرض البرج والمتحف للقصف مما أدى إلى تدمير أجزاء منه، ونُهبت محتويات المتحف.
هذا وقد احتفظت القوات الأميركية ببعض المقتنيات التي كانت موجودة ثم أعادتها فيما بعد للسلطات العراقية التي قامت بإعادة إعمار البرج وقاعدته.