تبنّي القطط في مصر.. "بريستيج" اجتماعي ومشاعر بديلة
القاهرة – "قطط مقطقطين وعسل جدا عمرهم 45 يوم، اللي يحب يأخذ منهم تبني، بس يا ريت يراعي ربنا فيهم".. هذا نموذج لإعلان باللهجة العامية المصرية يتكرر مضمونه على مواقع البيع والشراء ومواقع التواصل الاجتماعي بمصر لمشهد جديد في المشهد العام المصري عنوانه تبنّي القطط، والذي بدأ يضرب -وفق مراقبين متخصصين- بجذوره في البيوت المصرية، ورغم بعض الأوضاع الاقتصادية الخانقة فإنه لاقى رواجا في الفترات الأخيرة لأسباب متنوعة.
ويرى مختصون -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن ظاهرة تبنّي القطط باتت تأخذ شكلا من أشكال الموضة و"البريستيج" (الهيبة) وتعويض العواطف المفتقدة في المجتمع داخل الأسر المصرية، وهو ما يتطلب التوازن وإعادة التأكيد على الوصال الأسري والدفء المجتمعي، مع تحديد الأهداف من تبنّيها بحيث لا يجور على حقوق البيت زوجة أو زوج أو أولاد، ولا يستبدل الدفء الإنساني بالبديل الحيواني.
ظاهرة منتشرة
ترى الاستشارية الأسرية والاجتماعية منال خضر -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن هناك انتشارا لظاهرة تربية القطط في البيوت بشكل مبالغ فيه بدعوات من أصحاب القلوب الرحيمة لتبنيّها وتبادلها وتزويجها والاهتمام بالحالة الصحية والنفسية لها، وهو ما تعتبره أمرا يستحق التوقف أمامه كظاهرة يشترك فيها الرجال والنساء على مستويات اجتماعية مختلفة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلمقتني الحيوانات الأليفة من أصحاب الشقق الصغيرة.. نصائح لتزيين المنزل
شاهد- قطة تركية بأربع آذان تحصد شهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي
فوائد مدهشة لاقتناء حيوان أليف لأطفالك
وتشير خضر إلى أن الاهتمام بالقطط وتربيتها والعناية بها أصبح ضرورة ملحة للشعور بالدفء والحب بمصر، في عصر أفتقد أفراد الأسرة الواحدة إشباع باقي الأسرة من الحب والدفء والوصال، وأمسى الهاتف المحمول جليس وأنيس وصاحب كل فرد من أفراد الأسرة الحقيقي، ولا يكاد يلاحظ أفراد الأسرة من كان منهم مريضا أو حزينا ومن منهم يعاني من اكتئاب كاد أن يؤدي به إلى الانتحار.
وتلفت الاستشارية الأسرية والاجتماعية الانتباه إلى أن القطط أصبحت كذلك رفيقة لكبار السن بسبب غفلة الأبناء وانشغالهم بحياتهم الخاصة، حتى باتت الصديق الأليف الوحيد الذي يمكن أن يضاحك كبار السن ويلاعبهم ويشعر بهم ويكون عوضا لهم عن الوحدة والغربة في ظل غياب اهتمام الأبناء.
وتشير خضر إلى أن تبنّي القطط بات كذلك في مصر نوعا من أنواع الموضة والديكور و"البريستيج" الاجتماعي.
وتوضح أن العلم أثبت أن القطط تساعد على معالجة التوتر وتحسين المزاج، ولكن لا ينبغي أن نلغي الأصل الإنساني ونضع له بديلا حيوانيا، مؤكدة أنها كمستشارة أسرية وراصدة مهتمة في المجتمع ترى أن هذه الظاهرة توحي بتراجع وصال الإنسان بالإنسان ورحمة الإنسان بالإنسان لحساب الوصال بالحيوان كمسكن لفقدان الحب والدفء والسعادة والخواء والتفكك الأسري، مما يدل على خلل في المنظومة الإنسانية.
وتعرب الاستشارية الأسرية والاجتماعية عن خشيتها من تأثر العلاقات الاسرية والاجتماعية من إشباع الحنان بالبديل الحيواني فقط، قائلة "دعوة مني لكل أفراد المجتمع، أشبعوا أحباءكم بالحنان والعطف والوصال واسمعوهم وتحدثوا معهم وتفقدوا أحوالهم لأننا في خطر حقيقي وهو انفراط عقد الأسر، فنحن لم نقم بواجباتنا تجاه أهلنا وأحبتنا وأصبحنا في رفاهية في الوقت والجهد والمال إلى أن أصبح اقتناء القطط ظاهرة بين معظم أوساط المجتمع".
فراغ اجتماعي
من جانبها، تصف الخبيرة النفسية والاجتماعية أسماء كمال طايع الظاهرة -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- بأنها "ظاهرة جديدة تعبر عن الفراغ الاجتماعي الذي يعيشه أناس كثيرون مع التطور التكنولوجي الذي أضر بالوئام الأسري وساهم في التباعد الاجتماعي، مما أدى للبحث عن إشباع هذه العواطف بشكل مختلف بعيدا عن اللوم والعتاب والجدال والنقاش الحاد المنتشر في الأسرة".
وتضيف طايع أن البعض تراه مندمجا عاطفيا مع الظاهرة، حيث يتبنى قطا يتمسح فيه ويضمه إلى صدره ويلاعبه ويراقب تصرفاته كالطفل الصغير الذي يفرح به والداه، والآخر يفرح بعودته عند وصوله إلى البيت ويُقبل عليه دون سؤال أو نقاش.
وتوضح أن من أسباب هذا التبني الوحدة لمن ليست لديه أسرة ويعيش وحيدا، والتعويض العاطفي للأطفال لمن ليس لديه ذرية، وانشغال الآباء في العمل، والعمل على تسلية الأبناء وإشغالهم بالاهتمام بقططهم اللطيفة، والبعض اتخذ الأمر كمظهر اجتماعي مواكبة للعائلات "الستايل" كما يقولون.
وتشير الخبيرة النفسية والاجتماعية إلى أن ظاهرة تبنّي القطط حاليا ليست لدى الغني فقط والمستطيع، بل انتشرت أيضا بين الفقراء، فضيق العيش لا يمنع من شراء قط يشعر معه صاحبه بالروح الاجتماعية التي تدعم ذاته ووجوده بوجود صاحب إلى جانبه ولو كان قطا.
وتؤكد طايع على أهمية عودة المصريين لإشباع الإحساس بالمحبة والاهتمام من النظير البشري مع عدم تجاهل الرفق بالحيوان مع سؤال كل متبن للقطط نفسه عن هدفه من ذلك التبني ومبررات ذلك، وهل ذلك سيشغله عن أعماله وأهدافه؟ وهل سيمثل له عبئا في حياته أم لا؟ وله القرار بعد ذلك، ولا ضير في كلتا الحالتين: التبني أو عدمه.
وتشدد على الحرص على ألا ينشغل المتبني بهذا التبني عن حياته الاجتماعية الأساسية مع زوجته وأولاده ووالديه، وألا يكون سببا في تعطيل عمله، وكذلك يحرص الوالدان على ألا يكون ذلك سببا بتأخير الدراسة والواجبات المدرسية لأطفالهما.
رواج واسع
وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر حالة رواج واسعة للدعوة لتبنّي القطط والاعتناء بها، وفق ما تم رصده.
وعادة ما يذكر مالك القطط مواصفاته للتبني وضوابطه، ويطالب الآخرين بالحرص عليها وعدم تركها بالشوارع.
وقد أسهمت ظروف السفر أو الانشغال بضغوط الحياة في دعوات التبني بالعديد من المجموعات والتدوينات، وانتشرت في مصر "ملاجئ" تهتم بالحيوانات، وتساعد من يريد حماية القطط وتربيتها.
ووفق تقارير صحفية محلية، فإن جمعية إيسما (الجمعية المصرية للرحمة بالحيوان) من أفضل وأشهر الجمعيات بين محبي الحيوانات، وتقع في محافظة الجيزة (شمال العاصمة القاهرة).
وتعاني بعض الملاجئ من أزمات مالية في ظل الضغط المتزايد عليها، واشتكى مدير "ملجأ المنصورة لإنقاذ الحيوانات" في صفحته على موقع فيسبوك مؤخرا من عدم دعم القطط.
وكتب مدير الملجأ في تدوينة باللهجة العامية المصرية "بكتب بوست، وكالعادة محدش هيساعد كل الرسايل خدي قطط انا مش بأخذ قطط، جو برد القطط عايزه أكل أكثر، الأسعار بتزيد بشكل مستفز طيب مفيش مساعدات يبقى الحل إيه".
وعلى التوازي، انتشرت الفتاوى في مصر حول اقتناء القطط، وأصدرت دار الإفتاء المصرية فتاوى عديدة في هذا الشأن، ففي 18 يناير/كانون الثاني الماضي تحدثت دار الإفتاء من خلال بث مباشر أجرته عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك حول "حكم القتل الرحيم لقطة قعيدة ولديها مشاكل كثيرة".
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية الدكتور محمد عبد السميع في إجابته عن السؤال "يجوز القتل الرحيم للحيوانات التي تتألم ولا يوجد لها علاج".
وأكدت دار الإفتاء في فتاوى سابقة أن اقتناء القطط جائز شرعا ولا حرمة فيه، وذلك ردا على أسئلة كثيرة في المجتمع حول اقتنائها.