شاب عراقي يرعى الأغنام بإلقاء قصائد الشعر عليها ويعدها جمهوره الوفي

الشاب حيدر إسماعيل: شغف استماع الأغنام إليّ بينما ألقي الشعر عليها ساعدني في كتابة نحو 70 قصيدة حتى الآن (الجزيرة)

السليمانية- بعيدا عن ضجيج الحياة وصخبها، يجد حيدر إسماعيل (18 عاما) ضالته في رعي الأغنام بإلقاء القصائد عليها، وهو يبث شكواه لبيداء تبدو هادئة مثل أحلامه المبتورة بين الحب ومآسي الفقر التي أبعدته عن ضوء عشقه.

يفتح الشاب العراقي قفص آلامه ويناجي أغنامه بصوت مكسور لا يختلف عن شكل رحيل الشمس عند الغروب، ويلقي يوميا قصائد عدة، بينما تتجمع حوله أغنامه التي يصفها بـ"جمهوره الوفي"، وهي تستمع لأنينه مثل أمٍ تمد أذنيها لطفلها وهو يكشف لها عن أوجاعه.

الشاب حيدر إسماعيل ينحدر من قرية نور الدين التابعة لبلدة قلعة دزي في أقصى الحدود بمحافظة السليمانية (الجزيرة)

فوران القريحة الشعرية

يُقسم الشاب -الذي ينحدر من قرية نور الدين التابعة لبلدة قلعة دزي في أقصى الحدود بمحافظة السليمانية- ساعات يومه بين رعي الأغنام والدراسة، فهو في الصف الخامس الثانوي (مثل يقابل الصف الحادي عشر، أي العام المقبل يحصل على الشهادة الثانوية). لكنه يجد في رعي الأغنام المتنفس الوحيد لمحو كبت ذكرياته مع قصة حب، على غرار ما يحدث مع كثير من العاشقين.

وبمجرد ما يحين موعد التجمع مع أغنامه والتوجه نحو صحراء ومناطق جبلية وعرة لا يسمع فيهما إلا صوت المحرومين، تبدأ القريحة الشعرية لدى إسماعيل بالفوران كبركان مكبوت منذ قرون، فيرتجل الشعر.

الشاب حيدر بدأ ينظم الشعر في الـ13 من عمره (الجزيرة)

يبدو مظهر الشاب المحب للشعر -الذي يقول إنه بدأ ينظم الشعر في الـ13 من عمره- وهو يوقد النار في كومة حطب أسفل إبريق شاي من أكثر المشاهد جماليةً، ويتبعه مشهد جمع أغنامه وهو يلقي عليها كالعادة قصائده تحت زخات المطر التي لم تمنعه من ذلك على الرغم من قسوة برودتها.

"بعد أن مص الفقر دم قصة حب عشتها وسرق منها ابتسامة ربيعها، لم أجد غير إلقاء الشعر للأغنام نافذةً تنقل إليّ الأكسجين لتهبني حياة تعجز عن وصفها كلمات أو جمل"، يقول إسماعيل للجزيرة نت، بينما يتوكأ على عصاه بيده اليمنى.

حيدر إسماعيل يلقي عدة قصائد يوميا بينما تتجمع حوله أغنامه (الجزيرة)

قراءة عيون الأغنام

يقول حيدر إسماعيل إن شغف استماع الأغنام إليه وهو يلقي الشعر عليها ساعده في كتابة نحو 70 قصيدة حتى الآن، ويعلق على ذلك قائلا "لكني أعيش أحيانًا حالة من الانكسار حينما أنظر إلى عيون الأغنام وأقرأ فيها أنها تريد أن تقول لي إنها تتفهم معاناتي لكنها تعجزُ عن التعبير، فتكتفي بالانصياع والتجمع حولي".

مثلما قُطع الأكسجين عن قصة الحب التي عاشها، يبدو أن الفقر يقف مجددًا أمام الشاب وهو يطمح إلى جمع قصائده في ديوان شعري واحد، من دون أن يحدد أو يعرف موعد ميلاده.

ويروي واحدة من لحظاته التي يصفها بـ"القاسية جدا"، عندما دفعته نوبة حزن عميق جراء معاناته الفقر إلى جمع الأغنام تحت زخات المطر وإلقاء الشعر عليها وهي ترتجف من شدة البرد.

الفنان هه زار محمد أمين يتوقع أن يصبح الشاب حيدر أحد أهم الشعراء الشباب في المستقبل القريب (الجزيرة)

البيئة والطبيعة والفقر

يقول أستاذ الموسيقى ورئيس فرقة "قلعة دزي" الموسيقية، هه زار محمد أمين، إن موهبة إسماعيل بدأت جلية منذ نعومة أظفاره، "لكن البيئة والطبيعة وحالة الفقر التي عاشها الشاعر الشاب كان لها أثر واضح في نمو موهبته إلى أن وصل إلى المستوى الذي هو عليه اليوم".

وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر أمين بدايات إسماعيل عندما أتى إليه طالبا منه الدعم والمساندة، وكيف أخذ بيده إلى الطريق الصحيح وطوّر قدراته، بعدما استمع إلى مجموعة من القصائد التي كتبها في بداية مشواره.

ويتوقع أستاذ الموسيقى أن يذهب تلميذه إلى أبعد من ذلك ويصبح أحد أهم الشعراء الشباب في المستقبل القريب، لكنه يربط ذلك بالقراءة والمطالعة المستمرين، فضلا عن التمسك بالأسس الصحيحة في كتابة القصيدة والابتعاد عما يصفه بـ"الشكل المنحرف" في بعض القصائد.

حيدر إسماعيل: لم أجد غير إلقاء الشعر على الأغنام نافذةً تنقل إليّ الأكسجين لتهبني حياة تعجز عن وصفها الكلمات (الجزيرة)

تعزيز بمسابقة سنوية

أما الصحفي صابر عبد الله، فيشير إلى أن منطقة قلعة دزي تضم مواهب شبابية عدة، مثل حيدر إسماعيل، سواء على مستوى الأدب أو الغناء والموسيقى، لكنهم يفتقرون إلى الإعلام الذي من المفترض أن يعرف بمواهبهم ويشجعها، بالإضافة إلى الدعم اللازم من الجهات المعنية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقترح صابر تنظيم مسابقات سنوية دورية للشباب تشرف عليها وزارة الثقافة أو المديريات العامة المعنية بالأدب والموسيقى لاكتشاف المواهب، معتبرا أن الخطوة ستدفع الكثير منهم إلى صقل مهاراتهم وتطوير أنفسهم وقدراتهم من أجل تقديم الأفضل، وإظهار جيل جيد من أصحاب الكفاءات.

المصدر : الجزيرة