الصيادون الصغار.. أطفال سوريون يمتهنون صيد الأسماك لإعالة أسرهم

شمال سوريا – مع اقتراب غروب الشمس مساء كل يوم، ينطلق الطفل مراد العبود من منزل أسرته المتواضع في بلدة دركوش في ريف إدلب شمال غربي سوريا نحو ضفاف نهر العاصي، متلقفا رزقه عبر صيد الأسماك وبيعها للتجار في البلدة مقابل مردود مادي يمكنه من شراء الخبز والقليل من الخُضَر.
يحمل مراد (13 عاما) معدات الصيد البسيطة التي تتألف من قصبة صيد وخيطان نايلون وطعم إضافة إلى شبكة صيد صغيرة وقليل من الطعام والشراب للتزود به خلال رحلة الصيد الطويلة.

يستخدم مراد مع صديقه محمد قاربا خشبيا صغيرا للصيد من النهر حيث يجدّف بعيدا عن ضفة النهر بيديه الصغيرتين، قبل أن يلقي الشِباك في الأماكن التي تكثر فيها الأعشاب والطحالب التي تعد غذاء للأسماك.
فيضان النهر
وهكذا، يمضي الطفل الصغير وقته "في انتظار الرزق" وفق تعبيره. ويلجأ أحيانا إلى الصيد بالصنارة عندما يصعب التجديف والصيد بالقارب، وكثيرا ما تنتهي رحلة الصيد من دون أي مردود، لأن الأمر متعلق بحركة المياه ومواسم الصيد من النهر.

ويقول مراد إن أفضل الأوقات للصيد هي فترة فيضان نهر العاصي، إذ تتجه الأسماك للتجمع والسباحة في الأماكن الضحلة، ويستخدم خلالها شبكة الصيد المعدة من خيوط النايلون والتي يتم نصبها لفترة من الزمن.
ويضيف مراد -في حديثه للجزيرة نت- أن "أسعار كيلو السمك تتراوح بين 30 و80 ليرة تركية (وهي العملة المستخدمة في تلك المنطقة من البلاد)، بحسب نوع السمك ومذاقه، حيث تنتهي الأسماك التي يصطادها إلى محال بيع الأسماك بالجملة في البلدة الواقعة شمال غربي سوريا".

وعن المخاطر التي يتعرض لها، يوضح مراد أنه يخشى السقوط في النهر في أوقات ارتفاع منسوب المياه وشدة تدفقها، فضلا عن حالة الإنهاك والتعب التي تصيبه جراء الوقت الطويل في الصيد والتعرّض لأشعة الشمس صيفا.
معيل الأسرة
مراد ليس الصياد الصغير الوحيد في البلدة، إذ يتجمع عدد لا بأس به من أقرانه الأطفال الباحثين عن أرزاقهم قرب ضفة النهر الذي ينبع من لبنان ويصب بتركيا، في بلد أنهكته الحرب وحوّلت الملايين من شعبه إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية.

ومثل مراد، يقوم محمد (12 عاما) بإعالة أبيه المُقعد في الفراش من خلال الصيد وبيع الأسماك، ولم يعد يذهب إلى المدرسة منذ أن توفيت والدته في قصف لطائرات النظام السوري على مدينة خان شيخون قبل سنوات.
ويقول محمد للجزيرة نت إن "والده لا يستطيع الحركة مطلقا ويحتاج إلى عمل جراحي في ركبته ويعاني اليوم من آلام مبرحة في ظهره جراء إصابات سابقة تعرض لها أثناء النزوح من دياره مع أسرته".

وأصبح محمد المعيل الوحيد لأبيه وشقيقته الصغيرة، إذ لم يجد بُدا من العمل في الصيد، رغم مخاوفه من الأفاعي التي تسبح في نهر العاصي والثمن الضئيل الذي يدفعه تجار السمك له مقابل صيده.
وأقصى أحلام محمد -كما يقول- أن يعود إلى مدينة خان شيخون كي يكون قريبا من قبر والدته، ويتمكن من زيارتها متى اشتاق إليها. وهو يحنّ إلى الأيام التي أمضاها في كنفها، في حين لا تتشابه أحلامه مع أمنيات الأطفال في اللعب أو العودة إلى المدرسة.

خارج المدرسة
وفي حين يجتهد أطفال في سن التعليم الأساسي لصيد السمك تدخل الحرب بسوريا عقدها الثاني، في وقت أصبح فيه نحو 90% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر وفق تقديرات أممية، الأمر الذي يدفع آلاف الأسر للزج بأطفالها في سوق العمل وعمالة الأطفال بعيدا عن التعليم والمدارس.
ويشير آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) إلى أن أكثر من مليوني طفل في سوريا ما زالوا محرومين من التعليم جراء الحرب، وأن نحو 1.6 مليون آخرين معرضون لخطر التسرّب وفقدان التعليم.

ووفق المنظمة الأممية، فإن 40% من البنية التحتية للمدارس في سوريا تعرّضت للضرر أو الدمار أثناء الحرب، في حين يحتاج واحد من بين 8 أطفال في كل صف دراسي إلى دعم نفسي واجتماعي متخصص، لتحقيق التعليم الفعال.