ساحات الحرب العالمية الأولى بعد مرور أكثر من قرن على اندلاعها

شلالات من الدماء تدفقت عبر أوروبا، ومنها إلى بقية العالم، حيث لقي أكثر من 17 مليون شخص مصرعهم بسببها، وخلّفت أكثر من 20 مليونًا آخرين بين معاق وعاجز، وغيّرت موازين القوى السياسية والدولية للأبد.
عُرفت آنذاك باسم "الحرب العُظمى" إلى أن اندلعت الحرب الثانية (1939-1945)، فصارت تسمى بالحرب العالمية الأولى.
وعلى الرغم من مُضيّ أكثر من قرن على اندلاع الحرب الأولى (1914-1918)، لا تزال مواقع حدوث المواجهات بين الفرق المتحاربة محل اهتمام كثير من المصورين الذين يرون فيها ندوب الحرب، ويسمعون فيها اليوم صدى المعارك ودبيب الجنود.
وهناك مناطق لا تزال مليئة بالذخائر غير المنفجرة، وممنوع الاقتراب منها حتى اليوم. كما أن مناطق أخرى في فرنسا وبلجيكا تم الحفاظ عليها كمعالم تاريخية، فيما انتهى الأمر بالحقول والمزارع التي كانت ساحات قتال كمقابر شاسعة لملايين القتلى من الجنود.
"يظل الضرر المادي المرئي الذي لحق بالمناظر الطبيعية دليلاً على العنف الهائل والدمار الذي أودى بحياة ملايين الأشخاص منذ زمن بعيد". آلان تايلور، رئيس قسم الفوتوغرافيا في The Atlantic

سبب اندلاع الحرب
كانت أوروبا في القرن الـ19 تعيش حالة من التوتر بفعل التحالفات السياسية المتشعبة، التي كانت تهدف إلى الحفاظ على توازن القوى الكبرى.
وأدى التوتر السائد بين تلك القوى، مع بدايات القرن العشرين، إلى ظهور فريقين متعارضين: قوات الحلفاء (الوفاق الثلاثي، وهم: المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا، والجمهورية الفرنسية الثالثة، والإمبراطورية الروسية) ضد دول المركز (الإمبراطورية الألمانية، والإمبراطورية النمساوية المجرية، والدولة العثمانية، ومملكة بلغاريا).
اندلعت الحرب بين الفريقين واستمرت أكثر من 4 سنوات (من 28 يوليو/تموز 1914 وانتهت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918).
وخلال تلك الفترة حصدت آلة القتل ملايين الأرواح، ولا يزال الأمر مستمرًا حتى يومنا هذا، فقد قُتل عاملا بناء بلجيكيان في مارس/آذار 2014 عندما واجها قذيفة غير منفجرة مدفونة منذ قرن في إحدى المناطق التي دارت فيها المعارك.
وتعمل وحدات إزالة الألغام والقنابل في فرنسا وبلجيكا على التخلّص من أطنان القذائف المكتشفة كل عام.
كيف يبدو المشهد؟
التقط العديد من المصورين العالميين صورا للمناطق المختلفة التي كانت ساحات للحرب، وأبرزها منطقة ماسيج في شمال شرقي فرنسا، والتي شهدت معارك حامية بين القوات الفرنسية والألمانية، في الفترة من سبتمبر/أيلول 1914 وسبتمبر/أيلول 1915، حتى أن جمعية "ماسيج" الفرنسية المعنية بالترميم الأثري للمنطقة عثرت على 7 جثث لجنود بعد أكثر من قرن على اندلاع الحرب.

ولعل واحدة من أشهر صور الحرب العالمية الأولى والتي تشي بقصة إنسانية طالما مست القلوب، ودفعت بأحزان الفقد إلى الواجهة، وهي للبريطاني مايكل سانت مور شيل، وتظهر فيها خوذة جندي سقطت على حجر أثناء الحرب، ولم يتم تحريكها منذ ذلك الحين. وعلق عليها المصور البريطاني الشهير مور شيل عليها قائلاً: "تمثل إرثًا آمل بأن يفتح أبوابًا إلى استيعاب ساحات القتال (…)، وبالتالي تكوين الوعي والفهم للأحداث والتأثيرات التاريخية للحرب العالمية الأولى".

ومن غابة سبينكور بالقرب من فردان بفرنسا، اشتهر مخبأ ألماني قديم من الحرب العالمية الأولى بفضل المصور الألماني شون غالوب، رغم قيام العديد من المصورين من اقتفاء آثار الحيوات التي فقدت والمشاعر والدماء التي اختلطت برماد المكان. وما زال ما لا يقل عن ستة من المخابئ قائمة في الغابة في منطقة احتفظ فيها الجيش الألماني بمستشفى ووصلات للسكك الحديدية ومراكز قيادة خلال معركة فردان.

"ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام" – أبو تمام
تقف اليوم مئات الخنادق والأراضي والمقابر وشواهد القبور شاهدة على الجنون الذي وصلت إليه تلك الحرب؛ التي أفرزت سياقات فلسفية وسياسية وفنية جديدة كليا ومروعة في الآن ذاته. وبالطبع، كانت تلك السياقات تحاكي حجم الدمار والجنون الذي تعيشه الإنسانية.