تعود لفترة الاستعمار الفرنسي لتونس.. تونسي يعيد الحياة لطاحونة تقليدية
زياد قال إن هدفه الرئيسي من إعادة تشغيل الطاحونة هو إهداؤها إلى روح جدّه الراحل وتكريمه وإحياء تاريخه من جديد وإيجاد مورد رزق له ولأبناء وبنات منطقته.
تونس/ زغوان – "إلّي خلّف النبات ما مات"، مثل شعبي تونسي يُقصد به إحياء الأبناء والأحفاد لذاكرة أجدادهم والسير على نهجهم الصالح وجعل سيرهم أطول من أعمارهم، والشاب التونسي زياد بن ماضي ابن محافظة زغوان (شمال شرق) خير مثال على ذلك.
خلال فترة الاستعمار الفرنسي لتونس، نزلت سنة 1954 بعض العائلات الإيطالية في منطقة "النازلة" بمعتمدية (حكم محلي) الفحص بزغوان وأقامت إحداها ضيعة شاسعة وأحدثت فيها طاحونة تقليدية الصنع من الخشب الخالص لطحن مختلف أصناف الحبوب التونسية المحلية من القمح والشعير.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبالفيديو- مدينة نابلس الفلسطينية أم الحلويات الرمضانية.. مهنة الآباء والأجداد
تعرف على دورهم.. كيف يسهم الأجداد في تنمية مواهب الأحفاد؟
مهرجان كتارا للمحامل التقليدية.. لوحة تراثية تروي حياة الآباء وتاريخ الأجداد
وبرحيل الإيطاليين عن المنطقة، اشترى جد زياد الضيعة والطاحونة واستكمل العمل فيها إلى حين تاريخ وفاته سنة 2008 فبقيت من بعده مهجورة مغلقة لا تعمل.
العودة إلى الطاحونة
أنهى زياد (31 عاما) تحصيله الدراسي سنة 2010 في مجال حقن البلاستيك وعمل في عدة مؤسسات في مناطق مختلفة من البلاد، ولكن هوسه بقطاع الزراعة الذي ترعرع فيه منذ الصغر وذكريات لهوه في محيط طاحونة جده لم يفارقه فقرر العودة إلى الديار سنة 2017.
ولنفض الغبار عن محرك الطاحونة وبث الحياة فيه من جديد، كان على زياد أن يضحي ويثابر ويصبر، فلجأ لبيع سيارته الخاصة لاستكمال مصاريف إعادة تهيئة مقر الطاحونة وصيانته لتكون صالحة للاستعمال بالمستوى المطلوب.
يشدد زياد في حديثه للجزيرة نت على أن هدفه الرئيسي من وراء إعادة تشغيل الطاحونة هو إهداؤها إلى روح جدّه الراحل وتكريمه وإحياء تاريخه من جديد، إضافة إلى إيجاد مورد رزق له وإفادة أبناء وبنات منطقته.
وحرص الحفيد الشاب على المحافظة على مميزات الطاحونة التقليدية القائمة على استخدام آلة غير صناعية للطحن، مما يجعل منتجاتها صحية وطبيعية، إلى جانب حاجة الطاحونة إلى يد عاملة بشرية لتشغيلها.
صعوبات توفير القطع
واجه زياد صعوبات في توفير بعض قطع غيار الطاحونة النادرة في تونس، فتولى بنفسه في مرحلة أولى صناعة بعضها إلى حين حصوله على قطع غيار محرك الطاحونة التقليدي من إنجلترا.
بدأ الشاب في حصد ثمار ما زرعه ولاقت فكرته استحسان سكان منطقته الذين لجؤوا إليه خلال فترة انتشار فيروس كورونا في تونس لرحي محاصيلهم من القمح والشعير اللين والصلب، فكانت لهم طاحونة الجد خير ملجأ ولم يجابهوا، كبقية المحافظات التونسية، مشكلة فقدان المواد الأساسية من سميد وفارينة (طحين).
أهداف المشروع
لا يقف طموح الحفيد الشاب على طحن الحبوب فحسب وإنما يسعى إلى أبعد من ذلك، حيث شرع في تثمين بعض المنتجات الزراعية المحلية بطرق تقليدية على غرار الكسكسي وشوربة الشعير والبرغل.
كما يطمح إلى توسعة مشروعه حتى يشمل كافة المراحل، بدءا بزراعة أصناف الحبوب المحلية القديمة ومرورا بمرحلة حصاد المحصول، وصولا إلى مرحلتي التثمين والتخزين.
ولم ينس زياد المصابين بالأمراض المزمنة مثل مرضى السكري والأطفال، حيث كان من أبرز أولوياته العاجلة توفير منتجات زراعية طبيعية صحية لهذه الفئة عبر إحداث فضاء يستقبل المواطنين يتذوقون في عين المكان منتجات الطاحونة للتعريف بها وتشجيعهم على استهلاكها. ويسعى في مرحلة قادمة إلى المشاركة بمنتجات طاحونته في سوق الإنتاج الكبرى والمعارض والمسابقات الوطنية والعالمية.
كشاب صاحب مشروع ناجح، يدعو زياد الشباب التونسي إلى عدم الاستكانة إلى اليأس رغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة للبلاد وعدم الاستسلام والبحث عن حلول بديلة، والأخذ بزمام المبادرة والبداية من الصفر لتحقيق النجاح.
كما يدعو السلطة إلى دعم الشباب الذي يمتاز بإمكانيات وقدرات عالية للإبداع، ومنحه الفرصة لتفجير طاقاته والمشاركة الفعالة في تدوير عجلة الاقتصاد والإنتاجية.