الرحالية في العراق.. بعد أن كانت خضراء يقصدها الرحالة تعاني الإهمال وشح المياه
تقع مدينة الرحالية في قلب الصحراء إلى الجنوب الشرقي من محافظة الأنبار (غربي العراق)، وتمتاز واحاتها بوفرة النخيل، وتنوع التمور، كما تشتهر بوجود عدد من عيون المياه، ومن أشهرها عين الزرقاء وعين الجفة وعين البخيتي.
وتسكنها عشائر عربية عدة، منها قبيلة العبيد والحروب والبيقات هما السادة الحسنية والحسينية، وكذلك عشيرة الجنابيين والعويسات والكبيسات والزبيد البوعجيل والمشاهدة والبو علوان والبوعيسى، بحسب أحد سكان الرحالية التربوي الأستاذ غازي محمد إبراهيم.
نظرة على الرحالية
ويضيف إبراهيم للجزيرة نت أن أبرز ما يميز المنطقة عن باقي المدن، هي ميزة مياه السقي، فمنذ سنوات قليلة كانت تعتمد على مياه العيون الطبيعية النابعة من جوف الأرض، وتسقي الزرع من دون واسطة.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsبعد 15 عاما من الجفاف- شاهد.. عيون الماء تنعش الحياة مجددا في صحراء كربلاء
من أجمل البنايات في العالم.. قصور صدام التي ورثها معارضوه
ويلفت إلى أنه في الوقت الحاضر جفت هذه العيون وصار الناس يعتمدون على حفر الآبار الارتوازية، وحتى هذه الآبار أصبحت غير فعالة بسبب قلة الضغط في المنطقة بسبب كثرة الآبار المحفورة، مما اضطر السكان إلى أن ينصبوا مضخات المياه لسقي مزارعهم وبساتينهم.
ويضيف إبراهيم أن الرحالية تمتاز اجتماعيا بتقارب سكانها وتآصرهم فيما بينهم، حيث يشاركون بعضهم الأفراح والأحزان، لافتا بالقول: "إذا مات شخص يجتمع سكان المنطقة، ويعطلون أعمالهم، ويحزنون لحزن ذوي الميت، ويساعدونهم في مراسيم العزاء".
وحول معالم المنطقة التاريخية، فيشير إبراهيم إلى أن في الرحالية معالم قديمة عدة، ومن أبرزها قصر البردويل، وهو قصر تاريخي قديم ويعد أقدم بناء زقوري.
شبه جزيرة النخيل
ويشير الباحث الدكتور عبد الله يوسف الهاشمي -وهو من سكان الناحية- إلى أن الرحالية محاطة بأشجار النخيل من جهات ثلاث، وكأنها شبه جزيرة من النخيل، كما أنها موغلة في القدم، حيث وجدت فيها مقابر لأمم غابرة، وكان يتردد عليها أصحاب ماشية رحالة في القرون السبعة الماضية، يأتون إليها تارة ويغادرونها تارة أخرى.
ويبين الهاشمي للجزيرة نت أن الرحالية مرت بمراحل عدة، قبل أن تصبح ناحية، ولولا قلة الميزانية المالية لأصبحت قضاء في عهد الدولة العثمانية، ورغم تاريخية هذه المنطقة فإنها مظلومة من حيث عدم التطرق إليها من قبل المؤرخين، ربما يلتمس لهم العذر لبعدها واختبائها بين أشجار النخيل.
وينوه إلى أن ما يميز الرحالية عن غيرها هو ذلك الترابط الاجتماعي من حيث المصاهرة، فمن لم يكن ابن عم لك، فهو ابن خال، ولا تكاد تجد ذلك إلا في الرحالية.
وعن أبرز المشاكل التي تعاني منها الناحية، يقول الهاشمي إن زراعة النخيل تراجعت بسبب غياب الطائرات المخصصة لرش المبيدات، وكذلك ما حصل من جفاف لآخر عين بقيت من عيونها، وهي العين الزرقاء التي كانت تروي ظمأ نصف بساتين الرحالية، فضلا عن أهلها.
كما تعاني الناحية -بحسب الهاشمي- من انخفاض التيار الكهربائي خاصة في فصل الصيف، إضافة إلى افتقارها للكادر الطبي، وقلة الدرجات الوظيفية.
مأوى للرحل
من جانبه، يقول مدير الناحية مصطفى أبو ريشة إن الرحالية تضم ما يقارب 16 ألف نخلة من أجود أنواع التمور في العراق، وهي عبارة عن واحة من النخيل وسط الصحراء.
وفي حديثه مع الجزيرة نت يوضح أبو ريشة أنها سميت بالرحالية لأنها كانت تأوي الناس الرُّحَل، الذين يمرون بالصحراء حيث تستضيفهم عوائل هذه الناحية، لافتا إلى أنها واحدة من أقدم مناطق محافظة الأنبار.
ويعزو أسباب تراجع الزراعة التي يعتمد عليها سكان المنطقة بالدرجة الأولى، إلى شح المياه وجفاف معظم العيون وقلة الدعم المقدم إلى الفلاحين، إضافة إلى ضعف التيار الكهربائي الواصل إلى الناحية.
ويشير مدير الناحية إلى أن الكثير من السكان يعملون في مقالع الرمل، حيث تضم نحو 20-25 معملا لإنتاج الرمل، كما يعمل البعض في مجال رعي الأغنام.
سلة الغذاء مهددة
بدوره يقول الدكتور محمد داود العبيدي، وهو من سكان المنطقة، إن الرحالية كانت تشتهر بزراعة النخيل وكافة أنواع الحبوب وأبرزها الحنطة والشعير والدخن والذرة والباقلاء وجميع أصناف الخضروات، كونها تتميز بجودة تربتها ووفرة مياهها، وكانت الزراعة جيدة جدا قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لكنها اليوم سيئة.
ويلفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن من أبرز المشاكل التي يعاني منها سكان الناحية هي غلاء الأسعار وغياب الكهرباء وعدم توفر البذور والأسمدة والمبيدات التي تعالج النخيل، المورد الوحيد للمنطقة.
بدوره يؤكد الأستاذ غازي محمد إبراهيم أن واقع المنطقة اليوم غير مشجع ومتراجع في مختلف المستويات، ولعل أول الأسباب هو جفاف مياه العيون، بالإضافة إلى تردي الواقع الخدمي، حيث يعتمد سكان الرحالية على مياه الشرب من خلال شرائها من أصحاب الشاحنات الأهلية، لكنها تسبب الأمراض وخاصة للأطفال كونها مياها غير صالحة للشرب.