مصورو احتجاجات السودان.. الكاميرا مقابل البندقية
الخرطوم – مع نهاية كل موكب مندد بإجراءات المجلس العسكري في السودان تحتشد منصات التواصل الاجتماعي بالصور التي تعكس البهجة، وتوثق كذلك لحكايات الرعب والموت، وتروي فصولا من البسالة والتضحيات.
تفتح الأفواه عن آخرها دهشة من إبداعات الثوريين وسخريتهم اللاذعة، وتتوسع حدقات العيون مطلقة الدموع الغزيرة أسوة بما تفعله الغازات المدمعة حين يتعلق الأمر بصورة محتج على محفة أو آخر على حافة الموت.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحصان ضاحك يخطف الأنظار في أميركا
طاقم روسي يعود إلى الأرض بعد تصوير أول فيلم في الفضاء
عن فئة “البورتريه الحيواني”.. مصور كويتي يفوز بأبرز مسابقة لتصوير الحياة البرية في العالم
فائز أبو بكر ومدين ياسر شابان من مصوري الاحتجاجات السودانية البارزين، ويقبعان بأعمالها عند أخطر نقطة، تلك التي تقع بين قوات الأمن الساعية لتثبيت أركان السلطة وقوى الشارع الساعية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي.
عن البدايات
يندرج فائز أبو بكر (29 سنة) ومدين ياسر (21 سنة) ضمن قائمة أفضل المصورين الفوتوغرافيين لحركة الاحتجاجات بالبلاد، ويظهر ذلك جليا في حجم الحفاوة الكبير التي يجدانها عند ظهورهما في الشارع العام.
حكاية فائز بدأت حين شارك قبل سنوات في احتجاجات سبتمبر/أيلول 2013، فاعتزم عقبها تحويل مناظر القمع التي اختزنتها عيناه جراء التعامل العنيف لأجهزة أمن الرئيس المعزول عمر البشير إلى مناظر تختزنها كاميرته لصالح الأجيال المقبلة، لتروي تضحيات السودانيين من أجل الحرية والدولة المدنية.
أما مدين (طالب يدرس المحاسبة) فقد وجد في نفسه شغوفا بالتصوير الصحفي، عزز ذلك وجوده في واحدة من قلاع حركة الاحتجاج (ضاحية جبرة جنوبي العاصمة)، فخلط الشغف مع الشارع، وخرج بتوليفة التوثيق لأبناء جيله في تطلعاتهم لبلد يحتكم لإرادة الشعب.
ما بعد 25 أكتوبر
كان فائز ومدين حاضرين في جل النشاط الاحتجاجي بعد إجراءات الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويؤكدان أن وجودهما وبقية رفاقهما المصورين يحول في لحظات كثيرة دون تفشي الانتهاكات الأمنية ضد المحتجين مخافة توثيقها واتخاذها كقرائن إثبات وإدانة في مراحل لاحقة من عمر البلاد.
يقول فائز للجزيرة نت إن وجودهم في المنطقة الوسطى بين التوثيق والقمع يجعلهم في منطقة خطرة، خاصة لأولئك المتبرمين من الأدوار التي يلعبونها في نقل النشاط الاحتجاجي.
أما مدين فقص للجزيرة نت جانبا من هذا الفصل (فصل استهدافهم) بقوله إن أشخاصا بالزي العسكري استولوا على كاميرا تخصه بعد مظاهرات 19 ديسمبر/كانون الأول الأخيرة عند نقطة تفتيش نصبوها جنوبي محيط منطقة الاحتجاجات بقلب الخرطوم.
ومع إيمانه بأن ما تعرض له لا يسوى شيئا مع تضحيات من فقدوا أرواحهم لأجل الثورة دوّن الشاب العشريني مدين بلاغا لدى الشرطة، على أمل أن يسترد كاميرته المسلوبة.
ساعات الرعب
عاش فائز ومدين خلال تغطيتهما الحراك الاحتجاجي في السودان لحظات عديدة، بعضها بلا شك مثير للرعب والخوف.
يحكي فائز عن وجوده الباكر صبيحة 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتغطية ردات الفعل الأولى المنددة بإجراءات الجيش في جسر المنشية الرابط بين وسط الخرطوم ومنطقة شرق النيل (شرقي العاصمة).
يصف فائز تلك اللحظة بالمهيبة، حيث توسط المسافة بين شارع غاضب يصر أفراده على الوصول إلى محيط القيادة العامة للجيش وبين قوة عسكرية تتبع للجيش وتقف حائلا دون عبور هذه الموجة البشرية إلى مقرها الرئيسي.
ورغم أن اللحظة انتهت بصورة جيدة بعد مفاوضات بين الطرفين تم بموجبها فتح مسار الحركة أمام المتظاهرين فإن فائز قال إنه كان يتوقع سيناريوهات مخيفة، من ضمنها أن يصاب أو يقتل في حال استخدمت تلك القوة الرصاص الحي لتفريق محتجين النيل عن يمينهم وشمالهم، وفوهات البنادق من أمامهم، فيما هو عالق بين كل تلك المسافات.
أما اللحظة الأكثر إرعابا لمدين فكانت ساعة شروعه في تصوير من سطح هيكل مبنى خراساني بالمنطقة تفريق مظاهرة على يد قوى الأمن بمدينة بحري.
يقول مدين "بعد أخذ عدة لقطات من الوضع راقدا أبصرني أحد الأمنيين، وأبصرت في كادر الكاميرا غضبته تجاه ما أقوم به".
وصوّر تلك اللحظة بعبارة "حين كان عدستي موجهة إليه كان سلاحه مصوبا نحوي".
وأضاف "مرت هذه الثواني كعمر كامل، بعدها أنزلت الكاميرا، وزحفت إلى الوراء، ونزلت بسرعة متوجها إلى أحد المنازل القريبة، حيث تمت استضافتي لحين انجلاء الموقف".
استعدادات مبكرة
مع حقيقة إمكانية تعرضهما للاستهداف -سواء أكان مباشرة أو بصورة غير مباشرة- حكا الشابان فائز ومدين للجزيرة نت جانبا من استعداداتهما لتغطية الاحتجاجات.
ويتفق الشابان على أن التغطية تستدعي الوصول المبكر إلى مركز الاحتجاج، ومعرفة المداخل والمخارج بصورة جيدة دون إغفال شحن بطاريات الكاميرا وتأمين عدد من بطاقات التخزين الإضافية.
ويشيران إلى ضرورة اتخاذ الموقع المناسب الذي يختلف من لحظة تجمع المواكب، ولحظة تعامل السلطات معه لأغراض فضه وتفريق مجاميعه.
ويضيف فائز إلى قائمة الاستعدادات أهمية ارتداء ملابس محايدة وغير مميزة، والانسحاب في اللحظة المناسبة مخافة خسارة جزء كبير من العمل المضني، فيما يوجد في لائحة مدين بند بأهمية الفصل بين المشاعر والعمل، خاصة في حالة وقوع ضحايا، إذ تكون الأولوية وقتها لتوثيق اللحظة، لحظة يقول إنها لا تقل أهمية عن دور الطواقم الطبية.
لقطات مميزة
يعتقد فائز أن من ضمن صوره المميزة جدا تلك اللحظة التي صور فيها محتجو منطقة شرق النيل وهم يعبرون بحماس كبير جسر المنشية (نواحي وسط العاصمة الخرطوم)، مخترقين ارتكازا أمنيا تحرسه عدة عربات محملة بالجنود.
بدوره، يقول مدين إن من بين لحظاته المميزة توثيق لحظة تلاحم المواكب القادمة من عدة مسارات، حيث يعلو الحماس والأدرينالين إلى منتهى ذروته.
ومع وصولهما بعديد اللقطات الرائعة إلى تدشين مرحلة تعاون مع وكالات أنباء وصحف عالمية يشدد فائز ومدين على أن وجودهما في الشارع لا يعطيهما أي ميزة إضافية عن بقية المحتجين، فكل يؤدي دوره المرسوم في الموكب بدقة أو بصور عالية الدقة.