"صبارتك لعندك".. عائلة غزّية تكافح البطالة بفكرة بسيطة وجذابة

عبد الرؤوف زقوت-غزة
على الطابق السادس في مبنى سكني بشارع النصر جنوب مدينة غزة، داخل الشرفة الغارقة بروائح الأزهار والزينة الجميلة، يعمل وجدي وزوجته أماني بجد واجتهاد في تنظيم أصص (مزهريات) نبات الصبار بمختلف أحجامها وأشكالها، تحضيرا لإرسالها لنقاط البيع.
"صبارتك لعندك" هو مشروع الشاب وجدي عودة (28 عاما) والذي جاء عن طريق الصدفة، فبينما كان عودة يتجول في أحد محلات الهدايا في المدينة، لاحظ وجود هدايا بلاستيكية على شكل نبتة الصبار، ومن هنا لمعت في رأسه الفكرة.
منذ طفولته يحب وجدي الزراعة المنزلية، لكنه كان يعاني من اضطراره لتغيير الأزهار والأشجار كونها موسمية، في وقت كانت فيه نبتة الصبار هي الوحيدة لديه التي تحافظ على اخضرارها طيلة العام، فسأل نفسه "لماذا لا يبدأ ببيعها بدلا من تلك البلاستيكية المعروضة؟"، وعرض الفكرة على محلات الهدايا.
بداية بسيطة
يقول عودة للجزيرة نت "لم أكن أتوقع أن يتقبل المتجر فكرتي من الأساس، لكنني فوجئت بالموافقة والتشجيع، فعدت لمنزلي وبدأت الزراعة، وتوزيع نبتات الصبار الصغير، كل واحدة في أصيص تمهيدا لإرسالها إلى المتجر".
تفاجأ الشاب العشريني بأن صاحب المتجر يهاتفه بعد أسبوعين فقط ويخبره أنه باع 20 أصيصا (مزهرية) من نبات الصبار خاصته، ويطالبه بالمزيد في أسرع وقت، الأمر الذي كان صادما له وجعله يضع خطة سريعة ليبدأ مشروعًا حقيقيا في وقت هو بأمس الحاجة فيه إلى المال.

شهادات جامعية ولكن
قبل زراعة الصبار كان لعودة مشوار طويل مع الوظائف غير المنتظمة والمشاريع المتقطعة، وهو الحاصل على شهادتي بكالوريوس في المحاسبة وعلاج النطق ومشاكل الكلام، لكن ذلك لم يكن كافيا ليتغلب على شبح البطالة.
وبحسب آخر إحصائية لجهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن معدل البطالة في قطاع غزة بلغ 45%، وبلغ عدد العاطلين عن العمل من 15 سنة فأكثر 215.100 شخص في القطاع.
لم يفوت وجدي الفرصة التي أُتيحت له، وراح يبحث عن كافة نقاط البيع المحتملة التي يمكن العمل معها، وخلال وقت قصير نجح في الاتصال بثلاثين نقطة في مختلف محافظات قطاع غزة، مع إقبال جيد جدا من قبل الزبائن.
وبينما كانت الفكرة تكبر، بدأ عودة بتجهيز فريق عمل ليواكب التطور، ضم زوجته أماني عيسى واثنين من إخوته وهما لمياء وغسان، إذ يقوم كل منهم بعمل محدد في عجلة إنتاج نبتة الصبار من الزراعة حتى وصولها إلى الزبون.

مشروع عائلي
يشرح عودة دور شركائه في المشروع قائلا "زوجتي أماني موهوبة في الرسم، ولم تستطع أن تجد وظيفة في تخصصها الجامعي، لذا بدأت بالرسم على الوعاء الخارجي للنبتة بمساعدة أختي لمياء، في حين يقوم أخي غسان بمتابعة الزراعة والعناية بالنباتات".
كما يتابع جميع فريق العمل الصفحات الخاصة بمشروعهم "صبارتك لعندك" على مواقع التواصل الاجتماعي، والرد على طلبات واستفسارات الزبائن، ودلالتهم على أقرب نقطة بيع، إضافة إلى أخذ طلبات الرسم إذا كان الزبون يريد أصيصا مميزا.
يضيف عودة "درست دورة حياة النبتة جيدا من أجل الوصول إلى الطريقة المثلى لزيادة أعدادها عن طريق أخذ نبتة الصبار وزراعتها بشكل مستقل، وذلك في محاولة لتقليص عملية شراء الصبار من المشاتل الخاصة لتقليل النفقات".

ويؤكد عودة أنه استطاع الوصول إلى مرحلة يضمن فيها لزبائنه عدم تلف النبتة مدة طويلة جدا، وذلك باتباعه طريقة صحيحة في زراعتها، مشيرا إلى أنه إذا تلفت أي نبتة خلال فترة قريبة فإنه لا يتردد في استبدالها.
فكرة متطورة
يطمح عودة وفريقه إلى امتلاك متجرهم الخاص لهم في قطاع غزة تحت عنوان "صبارتك لعندك"، إضافة إلى تطوير المشروع ليشمل أفكارا جديدة مثل "الزوايا الزراعية" التي بدأ الفريق بالعمل عليها على استحياء.
يقول عودة "صنعنا عددا من الزوايا الزراعية، إضافة إلى زوايا التصوير، لعدد من المطاعم والمنازل، لكن الأمر يأخذ الكثير من الوقت كوننا لا نمتلك الأدوات الخاصة بالعمل، تحديدا تلك التي تخص قصّ وتركيب الأخشاب".

ويعاني قطاع غزة من ارتفاع كبير في معدلات البطالة منذ الانقسام الفلسطيني بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس)، واشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع والمنع الكلي لعماله من العمل في "إسرائيل".
كل هذا أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة. وبحسب المؤسسات الدولية، فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا.