دخول المغاور في المغرب.. تحد ومتعة واكتشافات

عبد الغني بلوط-عين الزرقاء/المغرب
وشغفت كنزة بدخول المغاور منذ نعومة أظفارها عن طريق أبيها، وتقول إنه نشاط جذاب ومن اكتشف أسرارها وعاش لحظات رحلات مميزة خلالها لا يمكنه مقاومة التعلق بها، وكل من يقوم به يكتشف نفسه مجددا ويعيش لحظات استثنائية بعيدة عن كل مؤثرات العالم الخارجي.

مغارة عين الزرقاء
تعد مغارة "عين الزرقاء" من المغارات الطبيعية الجديدة التي تم اكتشافها مؤخرا، وانضافت إلى مغارات أخرى تتوزع بجبال الأطلس والريف، ومن أشهرها مغارات أفريواطو والشعرة وينتمدوين.
وتقول الباحثة الأكاديمية المتخصصة في علم الجيولوجيا عائشة توريرت للجزيرة نت إن المغارات -عمودية كانت أو أفقية- تشكلت تحت أقدام البشر عبر ملايين السنين، ومن أهم ما يبعث الدهشة داخلها أماكن الصعود والنزول، وتمتاز بجمال فائق وأشكال طبيعية كلسية خلابة.
ويوضح محمد قاسمي نائب رئيس الاتحاد المغربي للاستغوار للجزيرة نت أن 18 ناديا وجمعية ينخرطون تحت لواء الاتحاد، ولا يمكن لممارسي نشاط الدخول إلى المغاور ممارسة هذه الرياضة من دون حضور خبراء مرشدين تلقوا تكوينا علميا وتقنيا داخل المغرب أو خارجه.

دهشة البدايات
حين تصل مجموعة كنزة إلى فوهة مغارة عين الزرقاء مشيا على الأقدام، يثبت خبراء المجموعة الحبال على الصخور الصلبة ويتأكد كل مستغور أن كل معداته جاهزة وسليمة لبدء المغامرة.
ويقول الخبير في رياضة الاستغوار سعد توفيق وهو يراقب المعدات الرياضية لأحد أعضاء المجموعة المبتدئين "من شروط خوض هذه المغامرة الاستعداد النفسي واللياقة البدنية الكافية ومعدات رياضة احترافية في حالة جيدة، إضافة إلى شروط السلامة والأمان".
وتتملك كل مبتدئ في النشاط الدهشة، لكنها تتحول عقب ذلك إلى متعة بعد كل تقدم عمودي عبر الحبال داخل المغارة، كما يؤكد محمد أنزال للجزيرة نت، والذي يخوض التجربة لأول مرة.
في حين يقول محمد إكسي -وهو يلتقط أنفاسه بعد أن أنهى مرحلة الهبوط بسلام- "يشعر المستغور في هذه المغارات بالرغبة في التحدي، لكنه يدرك أيضا قوة الخالق وجمال المخلوقات ودقتها".
وتشعر كنزة وباقي أفراد المجموعة بعد نهاية مرحلة النزول بالحبال بغبطة كبيرة وهم يجلسون لاستراحة قصيرة ويأخذون صورا توثق لحظات من المغامرة، لتبدأ مرحلة جديدة يعتمد فيها كل مستغور على جرأته وإقدامه هبوطا أو نزولا عبر ممرات أفقية صعبة يجبر فيها مرات عديدة على التقدم زحفا أو انحناء.

رحلة الاكتشاف
يصادف المستغور الحشرات والفراشات والزواحف ويراقبها من دون إزعاج، وقد يتحول إلى مسعف بمساعدة البعض منها على البقاء حية، ويرى الأستاذ محمد أنزال أن المغارة تراث جيولوجي يحتاج إلى دراسات علمية وحملات توعية ليبقى ملاذا آمنا ونظيفا للمخلوقات التي تعيش فيه.
ورغم تردد بعض ممارسي نشاط اكتشاف المغاور في بداية كل تجربة فإنهم يخوضونها، إلا أنهم يتسلحون بالشجاعة عقب ذلك، ويغوصون في بحر ظلام دامس وصمت رهيب تنتابهم خلاله مشاعر خاصة، فيتذكر فيه أحدهم قصة أهل الكهف، أو يسترجع آخر شريط حياته سريعا.
وتبدأ -بعد ساعات من الاستكشاف والمتعة والتحدي في هدوء تام لا تقطعه سوى أصوات خفافيش محلقة قريبة من رؤوس المستغورين- مرحلة الخروج من المغارة عبر تسلق الحبال بكل صعوباتها وتحدياتها.
ويقول المستغور محمد أكس "يشعر المستغور المبتدئ بأن قوته قد تنهار في أية لحظة، ويتملكه خوف طبيعي بأنه لن يستطيع الخروج إلا بمساعدة كبيرة وشاقة من المجموع، لكن صوتا داخليا يهتف داخله يخبره بأنه يمكنه رفع التحدي والوصول إلى أعلى المغارة مستعينا بتقنيات تعلمها في مرات سابقة على جدران طبيعية معدة للتمرين".
ويصادف كل مستغور وهو يخرج من المغارة تلألؤ النجوم في السماء، وهي لحظة جميلة أخرى من المغامرة الفريدة -لمن اختار الاستغوار ليلا –وتغمره فرحة كبيرة بنجاح تجربته في الدخول إلى المغارات و الخروج منها سالما.