العراقي غسان: الإعاقة نعمة قربتني من الله
"المرض والإعاقة نعمة قربتني من اللّه"، هكذا ينظر الشاب العراقي غسان مطلك (37 عاما) لإعاقة الجزء السفلي من جسمه منذ طفولته، وذلك بسبب خطأ طبي فاقم من مرضه عند الولادة.
ومطلك الذي ولد في بيجي (في محافظة صلاح الدين شمالي العراق) تعرض لخطأ طبي تمثل بقيام الأطباء بتجبيس الجزء السفلي من جسمه لمعالجته، إلا أن النتيجة كانت عكسية حيث تفاقمت حالته وأصيب جزئه السفلي تماما بالشلل.
ومنذ نشأته تعلق غسان بالمساجد، حيث وجد في الروحانيات والتداخل بين صفوف المصلين منذ صغره في جامع البتول -القريب من منزله- ذاته التي يبحث عنها وشعوره بالطمأنينة، وتكفل أخوه الكبير بذهابه وإيابه أوقات فراغه ووجوده في المنزل.
وتقول والدة غسان -والعبرات توشح كلماتها- "إن عنايتي بغسان وسهري على راحته واجب أقوم به، وأتمنى أن يتحقق لي قبل وفاتي أن أتمكن من الطواف به حول الكعبة المشرفة".
معاناة الإعاقة
لا شك أن للمعاناة حيزا في حياة غسان وإن تفاوتت من فترة إلى أخرى، فقد أكد أن يومه لا يخلو من مصاعب في إدارة احتياجاته داخل المنزل كالاستحمام وقضاء الحاجة فهي أمور يتكرر معها الحزن، ناهيك عن أخرى خارج البيت.
ويقول غسان "لا أنكر وجود بعض الإحراجات من حالتي، والتخلص منها ليس سهلا بما فيها خلال التعامل مع الأقارب والأصدقاء، وحتى في وقوفي منفردا بجنب أو خلف المصلين في المسجد".
وأضاف غسان أنه بعد النزوح -بسبب الأحداث التي عصفت ببعض المحافظات العراقية مطلع عام 2014 بسبب هجمات تنظيم الدولة- إلى أربيل (في كردستان العراق) تغيرت حياته كثيرا إلى الأحسن.
وأضاف أنه خلال سنواته الأربع الأخيرة حظي بإخوة لم تلدهم أمه من خلال ما قدموه من مؤازرة أنسته أوجاعه.
وخص بالذكر من دعاه رفيق غربة النزوح عمر رشيد، حيث حقق له بقربه منه أمنية قضاء ساعات أطول في المسجد، حتى أصبح جامع الصفار في أربيل مقرا رئيسيا لقضاء يومه.
قدوة حسنة
واعتبر عمر رشيد أن خدمته لغسان باتت جزءا من حياته، وأنه سعيد إزاء ذلك ولا ينتابه شعور بالتخلي عنه.
ويعتبر رشيد أنه بعلاقته بغسان هو المستفيد، فمن ناحية يرجو الأجر من الله، وثانيا يعتز بأخوة تربطه بغسان الذي يبعث على التفاؤل ويقوي العزيمة خاصة من جهة الالتزام بالصلاة في المسجد.
وعن غسان يقول رشيد إنه لعب دورا روحيا حقيقيا ملهما لأهل الحي منذ ملازمته جامع الصفار المستمرة منذ أربع سنوات.
من جهته يقول أحد المصلين في الصفار ويدعى بدر الدين، إنه والكثير من الآباء بدؤوا باصطحاب أبنائهم وخاصة الصغار معهم إلى المسجد وتقريبهم من غسان لجعله مثلا وقدوة لهم حتى صار الكثير منهم يسمونه الشيخ غسان أو ينادونه بالعم غسان، فقد أحدث رغم إعاقته ثورة إيمانية في الجامع، ووصف الشيخ فائق وجوده بينهم بمثابة داعية نحو الفلاح.
ويقول الإمام الرديف في الجامع الشيخ سامي حامد إن غسان أصبح بمثابة جاذبية روحانية تولدت حولها هالة من رجالات المسجد، فأصبح محورا لحلقة تلاوة وتدارس للقرآن للكبار قبل الصغار، فهو حالة نادرة بالتزامه وتقواه، وهو حجة على الأصحاء الذين شغلتهم الدنيا ومنعتهم من الالتزام بصلاة الجماعة.
أمنية
التعمق دينيا وملء الروح إيمانا لم تمنعها الإعاقة من الشوق لزيارة البيت الحرام، فأثناء الحديث مع غسان كان الشوق لأداء الحج يتخلل كلامه كثيرا، وهو ينتظر لحظة الوقوف أمام الكعبة المشرفة والطواف حولها.
ويبدو أن حلم غسان للحج اقترب من التحقق، حيث تكفل شيخ من مدينة الفلوجة يدعى عبد المنعم الفياض بتقديم أربعة آلاف دولار له لأداء الحج في الموسم القادم.