أفريقيات يجمّلن النساء على قارعة الطريق بالمغرب

تجميل في الهواء الطلق على أرصفة باب مراكش بالدار البيضاء
تجميل في الهواء الطلق على أرصفة باب مراكش بالدار البيضاء (الجزيرة)

الجزيرة نت-الرباط

دخلت ستيفاني مصففة الشعر الأفريقية -بالقرب من ساحة باب مراكش في مدينة الدار البيضاء وسط المغرب– في نقاش قصير مع زبونتها إيمان وهي طالبة جامعية، للتعرف على نوع تسريحة الشعر التي ترتضيها، قبل أن تتوجه إليها بإسداء النصائح المناسبة بما يتلاءم مع شكلها.

لم تتردد إيمان في تسليم شعرها الطويل لستيفاني السنغالية، لتشكل منه ضفائر شقراء طويلة، على الطريقة الأفريقية. وبخفة ظاهرة، شرعت في تقسيم شعر زبونتها إلى خصلات من بداية الشعر، ثم قامت بتقسيم كل خصلة إلى ثلاث، وعملت ضفائر ناعمة متراصة بدت كشبكة صيد صغيرة. ولأنها تتقن هذه التسريحة كباقي نساء أفريقيا، فالأمر لم يتطلب إلا دقائق معدودة.

أبدت الطالبة إعجابها بضفيرة "الراستا" التي تعرف بها الأفريقيات والتي تناسب برأيها "نمط الحياة السريع، حيث لا تحتاج لاستخدام المشط بشكل يومي".

تجميل على الرصيف
وفي صف طويل، تصطف مغربيات أخريات فوق كراسي خشبية، مانحات وجوههن لشريكات ستيفاني في المهنة من أجل تجميلها بما اشتهين من نتف الحواجب وتركيب الرموش، وتركيب الأظفار.

بينما تؤكد ستيفاني أن كل ماله علاقة بالتجميل مرغوب ومحبوب وله زبونات وفيات، وتصف الخدمات التي تقدمها رفقة أفريقيات أخريات قصدن المملكة للبحث عن حياة كريمة، بـ"الأكثر قربا وحميمية".

وتقضي هؤلاء الأفريقيات ساعات نهارهن من التاسعة صباحا إلى الثامنة ليلا على الأرصفة، مستعينات بألبومات صور لتسريحات شعر أفريقية مختلفة، وكميات من الشعر المستعار بألوان متعددة، والرموش والأظفار الاصطناعية.

وبلكنة أفريقية تختلط بعبارات ترحيب بالدارجة المغربية، تحاول "بائعات الجمال الأفريقي" إقناع مغربيات يفضلن المجيء لهذا المكان بخدمات تتوزع بين تسريحة "الراستا" بمختلف أشكالها بأثمنة "تصل إلى ثلاثين دولارا للشعر العادي، وما بين 79 و99 دولارا لخصلات الشعر الاصطناعية، وعشرة دولارات لتركيب الأظفار الشفافة، والرموش بخمسة دولارات".

وليس هذا فحسب، بل في المكان ذاته تقوم المزينات الأفريقيات بإخضاع الراغبات في إزالة الرؤوس السوداء لحمام بخار، وكل ذلك في الهواء الطلق أمام مرأى المارة الذين تأقلموا مع تلك المشاهد وأصبحت في نظرهم جد عادية.

مغربيات منحن وجوههن للمزينات الافريقيات من أجل تجميلها (الجزيرة)
مغربيات منحن وجوههن للمزينات الافريقيات من أجل تجميلها (الجزيرة)

تخوفات
وقالت زبونات مغربيات "لا يهم إن كانت الأفريقيات تقمن بعملهن أمام أنظار المارة ما دام عملا شريفا" وإنما تهم "البساطة والتميز، ولو كان عبر أدوات متواضعة" و"الأسعار المنخفضة مقارنة مع أثمنة صالونات التجميل الموجودة بالمدينة".

وإذا كانت الزبونات وأغلبهن شابات تتراوح أعمارهن بين 15 و45 سنة لا تتخوفن من تداعيات التجميل بالهواء الطلق، فإن فيصل -وهو فاعل جمعوي (ناشط من المجتمع الأهلي)- عبر للجزيرة نت عن انزعاجه من السماح بتطور مهنة بهذه المواصفات يرى أنها تهدد الصحة العامة للمغربيات وتساهم في نقل الأمراض، لكون المواد التي تستعمل في التجميل لا تخضع للمراقبة. 

أستاذ علم الاجتماع إبراهيم الحمداوي: الإقبال على الموروث الشعبي الذي تسعى الأفريقيات لإبرازه من خلال مجموعة من المهن يحكمه اعتبار قدرة المغاربة على الانفتاح واحتضان ثقافة مهاجرين قدموا من دول جنوب الصحراء

تعايش واندماج
لم تخف ستيفاني أنها دخلت صدفة هذا الميدان، وأقنعت شريكاتها بامتهان المهنة ذاتها بعد أن ظهر جليا حجم الرواج الذي تعرفه.

ويشهد حمزة المغربي (صاحب محل للخياطة مقابل الفضاء الذي يحتضن مهنة الأفريقيات) بأن هذا العمل انطلق عام 2010 مع أربع أفريقيات من السنغال وساحل العاج، يتقاسمن منزلا متواضعا بالمدينة القديمة للدار البيضاء، ليصل عدد المجموعة اليوم إلى 15 أفريقية".

وانعكس هذا الشغف والحماس بشكل كبير على مستوى الأداء، لتكون النتيجة أن إدارة ما تنعته مغربيات مجازا بـ"صالون التجميل في الهواء الطلق" نجحت في كسب زبائن موالين لخدماته، وهو عبارة عن كرسي ومرآة ولا شيء عدا ذلك. ورغم بساطة هذه المهنة -التي تعرف إقبالا كبيرا بالتزامن مع الأعياد المختلفة والمناسبات- فإنها تشكل سبيلهن في اكتساب لقمة العيش.

ويرى أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في تطوان إبراهيم الحمداوي أن الإقبال على الموروث الشعبي الذي تسعى الأفريقيات إلى إبرازه من خلال مجموعة من المهن يحكمه اعتبار قدرة المغاربة على الانفتاح واحتضان ثقافة مهاجرين قدموا من دول جنوب الصحراء، وكذا قدرة الأفارقة على التعايش والاندماج إذ أصبحوا بنظره جزءا من تركيبة المجتمع المغربي وعاملا من عوامل التنوع الثقافي.

المصدر: الجزيرة

إعلان