مصلح تلفزيونات البصرة يترحم على متانة القديم

عبدالله الرفاعي-البصرة

في حي الجمهورية أقدم أحياء مدينة البصرة (جنوب العراق) تقع ورشة معن محمد قاسم أقدم مصلحي الأجهزة التلفزيونية في المدينة. وفي ورشته الصغيرة يبدو الرجل غارقا بجسده النحيل وسط غابة من القطع الإلكترونية وبقايا أجهزة تلفزيونات من مختلف الأنواع والأحجام، تجعل من الصعب على الزائر الحصول على مكان للجلوس.

هذه الورشة هي عالم معن، حيث يقضي فيها نهاره بين الأجهزة التي مضى على صناعة بعضها عقود كثيرة، ومنها ما اختفى من السوق تماما، وإصدارات مختلفة دخلت عليها الأجهزة الحديثة من التي يطلق عليها "الشاشات".

يقول معن للجزيرة نت إنه لم يلتحق بأي معهد أو دورة تدريبية، لكنه تعلم إصلاح أعطال الأجهزة الإلكترونية بنفسه، وبدأ مع أجهزة التلفاز العادية، التي تستلم البث بالأبيض والأسود وتعمل على "اللمبات" (الصمامات)، ومنها أجهزة "توشيبا" و"فيلبس" وغيرها من الأجهزة.

معن مع زميله فؤاد (الجزيرة)
معن مع زميله فؤاد (الجزيرة)

وداعا للمتانة
ويذكر معن أن أجهزة التلفزيون في السابق كانت تصنع بمتانة، ولم يكن في البصرة إلا عدد محدود من المصلحين، حيث لم يقتصر عملهم على إصلاح أجهزة التلفزيون فقط، بل كانوا أيضا يصلحون أجهزة التسجيل التي تعمل على "التيب" ومن ثم نزلت في السوق أجهزة "الكاسيت".

وأشار إلى أن تصنيع أجهزة التلفزيون اختلف كثيراً الآن، حيث كان المنشأ في السابق هو منشأ أصلي، غير أن بلاد المنشأ اختلفت الآن، ويستورد التجار أجهزة ليست متينة كما كانت سابقا، وصار لكل تصنيع ما يعرف بالباب الأول أو الباب الثاني، وتمتاز بكثرة الأعطال التي حركت سوق التصليح في البصرة، "فمصائب قوم عند قوم فوائد".

وتحدث معن عن عدم وجود قطع غيار لأجهزة التلفزيون، وقال إنه يستبدل بعض القطع من الأجهزة الأخرى العاطلة "التي تسمى "التفصيخ" أي شراء جهاز وتفكيك قطعه".

أما مساعده فؤاد حسن فقال إن تقنيات الأجهزة الحديثة تختلف عن الأجهزة السابقة التي تمتاز بحجم الدوائر الكهربائية الإلكترونية فيها، "حيث إن الجهاز اليوم بالرغم من حجمه الكبير 46 بوصة مثلا فإن الدائرة الكهربائية فيه أو ما تسمى "الطبلة" تكون صغيرة جدا ومختزلة، وهنا تكون الصعوبة في إصلاح الجهاز، كون جميع أجزائه تحتاج إلى عدسات مكبرة لرؤيتها".

‪أحد المواطنين يحمل جهازه للتصليح‬ (الجزيرة)
‪أحد المواطنين يحمل جهازه للتصليح‬ (الجزيرة)

أجيال
وأشار إلى أن قلة المواد الاحتياطية بسبب عدم استيرادها من الشركات المصنعة وانقراض أغلب الأنواع العالمية دفعهم لشراء الأجهزة المستخدمة الأصلية لإخراج المفيد منها لتصليح الأجهزة، "لأن المواد وإن كانت موجودة في السوق فهي رديئة وغير عملية والمستخدم أفضل حالا من الجديد".

وخلال الحديث مع معن ومساعده، كان عدد من الناس يأتون بأجهزتهم التي لا تعمل، أحدهم كان كمال جبار الذي أرجع كثرة الأعطال في الأجهزة الإلكترونية والكهربائية إلى" تردي الكهرباء"، مضيفا أنها المرة الثالثة التي يأتي بجهازه لإصلاحه.

أما فاضل أحمد الذي يحتفظ بجهاز تلفزيون قديم من نوع "فيليبس" جاء لإصلاحه، فقال إنه يفضل القديم على الجديد "لأن كل السلع الجديدة التي دخلت البصرة ويستوردها التجار رديئة ومنشؤها غير معروف، وقال وهو يشير إلى الجهاز القديم الذي يحمله: هذا ينطبق عليه المثل القائل "عتيق الصوف ولا جديد البريسم".

المصدر : الجزيرة

إعلان