البصرة تصدمها عودة قيادة المرأة للسيارة

عبد الله الرفاعي-البصرة
يبتسم شرطي المرور وهو يشير بالعلامة الخضراء التي يحملها للسيدة أن تمر بسيارتها في شوارع البصرة جنوب العراق، ربما هي المرة الوحيدة التي تنطبع ابتسامة على وجه الشرطي المثقل بالتعب، وهو يقف في منتصف الشارع وحيداً بعدما توقفت إشارات المرور منذ زمن.
يقول شرطي المرور أبو علي إنه بالرغم من ندرة النسوة اللاتي يقدن السيارات، فإنه لم تسجل عليهن أية مخالفة، ويبدو أن القليلات من النساء منحن الشارع البصري دفقاً من الحياة، فعودتهن من جديد إلى الشارع يشعرهن بالمساواة التي طالما طالبن بها منذ بداية الاحتلال الأميركي حتى اليوم.
منذ عام 2003 لم تقد امرأة في محافظة البصرة السيارة بسبب القيود الكثيرة التي حددت حركتها، منها قيود دينية واجتماعية عشائرية وأمنية |
ظروف مختلفة
منذ عام 2003 لم تقد امرأة في محافظة البصرة السيارة بسبب القيود الكثيرة التي حددت حركتها، منها قيود دينية واجتماعية عشائرية وأمنية، هذا ما قالته الناشطة المدنية أبرار الفيلي التي تجولنا معها في شوارع المدينة وهي تقود سيارتها بترو وهدوء، بينما يتجاوزها بعض السائقين وهم يلتفتون إليها باستغراب.
قالت الفيلي إن المرأة قبل عام 2003 كانت تقود السيارة بحرية وكان الشارع مليئا بهنّ، إلا أن كل شيء تغير بعد ذلك التاريخ، وهو ما تطلب من بعض الناشطات النسويات أن يبادرن إلى كسر القيود بقوة متجاوزات النظرة الذكورية التي تقلل من شأن المرأة.
وذكرت للجزيرة نت أن هناك كثيرا من الرجال الذين يبدون رغبتهم في مساعدتها في حال تعرضت السيارة لأي خلل، وهو أمر بالرغم من روعته فإنه لم يدع المرأة أن تتعلم إصلاح سيارتها بنفسها.
وأكملت أبرار حديثها وهي توقف سيارتها جانباً، قائلة إنها استطاعت أن تقنع عددا من النساء بدخول دورة لتعلم السياقة، وكثيرات منهن وافقن، لكن لم تلتحق منهن بالدورة إلا عشرون امرأة بسبب منعنهن من أزواجهن أو أولياء أمورهن.
وذكرت أن اللاتي التحقن معها استطعن أن يكسرن الحاجز النفسي الذي وضعته الأعراف العشائرية والمحاذير الأمنية، مبدية اندهاشها من تفكير الأهالي الذين يحمل أغلبهم شهادات جامعية لكنهم يمنعون بناتهن من سياقة السيارة.
وحين طلبنا منها تصوير لقطت فيديو رحبت أبرار الفيلي بالفكرة، ووجدت أنها يمكن أن تشجع النساء في العراق عموما وفي البصرة بشكل خاص على النزول إلى الشارع بقوة وتحدي رعب التقاليد والأعراف، وما فرضته الظروف بعد أحداث عام 2003.

عودة الحياة
الشاب جميل فاضل يرى أن وجود المرأة في الشارع يضفي جمالا على المكان حتى إن كان هناك ازدحام. ويقول للجزيرة نت إن الناس لم يتعودوا بعد على رؤية مثل هكذا مشاهد وهي طبيعية قبل عام 2003، إلا أن المجتمع تغير كثيرا، وفيما تتغير المجتمعات نحو الأفضل والأحسن كان تغيير المجتمع العراقي سلبيا.
وتساءل فاضل عن الضير في أن تقود امرأة السيارة، مبديا امتعاضه من اعتبارها "عورة"، مؤكدا أنها كائن بشري لا يختلف عن الرجل، وأن وجودها يعطي درسا للسائقين الطائشين لأنها "تسير بهدوء ولا ترتكب أي مخالفات".
حالة معيبة
وذكر الشيخ رائد الفريجي (رئيس مجلس عشائر البصرة) أن هناك وجهة نظر عامة وخاصة بخصوص قيادة المرأة للسيارة، والنظرة العامة هي في اعتبار المرأة مكملة للرجل وشريكا له في الحياة السياسية والعامة، ألا أن النظرة الخاصة هي في رفض العشائر أن تتقدم المرأة على الرجل، وأن سياقتها للسيارة حالة معيبة.
وبين للجزيرة نت أن "الرجل هو المسؤول عن المرأة، ولا يجوز لها أن تضع الرجل خلفها، وأن صورة المرأة التي تقود السيارة ويجلس بجانبها الرجل شيء غير مقبول، بحسب وجهة النظام العشائري".
وتابع الفريجي "أن قيادة المرأة في الدول المتحضرة شيء عادي حيث لا يكون للأعراف العشائرية قوة كما في العراق".