"اكتشاف أميركا" بين "شواهد التاريخ" و"الروح الإمبراطورية"

خليل مبروك-إسطنبول
وكانت أقوال الرئيس أردوغان قد وردت في كلمته أمام ملتقى قيادات المؤسسات الإسلامية في أميركا اللاتينية الذي اختتمت فعالياته بمدينة إسطنبول التركية الأحد 16/11/2014 بعد خمسة أيام من الانعقاد.
وذكر الرئيس التركي أمام أكثر من 75 من القيادات الإسلامية حضروا من نحو أربعين دولة أميركية لاتينية أن كولومبوس نفسه تحدث عن رؤيته مسجدا على تلة في كوبا، معربا عن استعداد تركيا لبناء مسجد في المكان ذاته.
ويلفت الاهتمام التركي باحتضان التجمعات الإسلامية والملتقيات الرسمية والأهلية الخاصة بالعالم الإسلامي الانتباه إلى عودة قوية لـ"روح الأمة" في الأداء التركي الحديث، فيما يعد معارضو الرئيس أردوغان ذلك استحضارا لـ"النفس الإمبراطوري" في الخطاب الديني.

الحقائق التاريخية
ومسترشدا بالمصادر التاريخية والحفريات والآثار القديمة التي سادت في القارة الأميركية لقرون من الزمن، عبر المؤرخ التركماني نظام الدين إبراهيم أوغلو عن اتفاقه مع رأي أردوغان بنسبة 100%.
وقال للجزيرة نت "إن حضارات المايا والأزتيك وثقت بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن المسلمين نجحوا في عبور المحيط الأطلسي وجابوا العديد من جزره، ووصلوا إلى الشواطئ الأميركية قبل أن يطأها كولومبوس، وكانت لهم علاقات وثيقة مع بعض قبائل الهنود الحمر".
وعرض المؤرخ التركي مجموعة مصادر علمية وصفها بالموثوقة تتحدث عن اكتشاف المسلمين القارة الأميركية قبل كولومبوس، منها كتاب "تاريخ التراث الإسلامي" للبروفيسور والمؤرخ التركي فؤاد سزكين، والمخطوطات الصينية المعروفة بـ"وثائق سونغ" التي تعود إلى عام 1178 ميلادي.
وأكد إبراهيم أوغلو أن المسلمين هم من اكتشفوا القارة الأميركية في القرن الـ12 وليس البحار كريستوفر كولومبوس الذي وصل إليها بعد ذلك بثلاثة قرون، و"بالضبط وصلوا إليها قبل 314 عاما من اكتشاف كولومبوس لها".
وبحسب العديد من كتب التاريخ، فإن كولومبوس وصل إلى القارة الأميركية في 1492 أثناء بحثه عن طريق بحري جديد إلى الهند، فيما تحدث بعض العلماء المسلمين مؤخرا عن وجود الإسلام قبل كولومبوس في القارة، وأن البحارة المسلمين وصلوا إلى أميركا ابتداء من عام 1178 ميلادي.
كما أشار أوغلو إلى أن المؤرخ يوسف مروة استند في مقال نشر عام 1996 إلى مقطع في يوميات كولومبوس تحدث فيه عن مسجد في كوبا، قائلا إن سفن المسلمين منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان نجحت باختراق المحيط الأطلسي، وقد أثرت من رحلات المسلمين بعد ذلك اكتشافات ابن فضلان وأحمد بن ماجد وابن بطوطة والمقدسي والصفتي والمسعودي وابن الوردي وياقوت الحموي وابن خرداذبه والغرناطي وابن القصار وغيرهم.
وأوضح المؤرخ التركي أن كثيرا من الجهات الغربية "سرقت ببساطة" علوم المسلمين ونسبتها لنفسها دون ذكر مصادرها بسبب "حقدها على الإسلام"، كما قدم للجزيرة نت نصوصا من 14 كتابا ومخطوطة إسلامية وصينية وفرنسية وأميركية تشير إلى أسبقية العرب في اكتشاف أميركا.

الروح الإمبراطورية
وأثارت التصريحات التركية حول اكتشاف المسلمين القارة الأميركية قبل كولومبوس حفيظة كبريات الصحف اللاتينية في إسبانيا وفي أميركا الجنوبية، نظرا للحساسية تجاه التطلعات التركية للاضطلاع بدور محوري في العالم الإسلامي.
وقال الخبير في الشؤون الإسلامية عبد الوهاب أكنجي للجزيرة نت إن تركيا تتجه فعلا لقيادة العالم الإسلامي بالنظر لما تملك من مقومات إستراتيجية على صعيد التاريخ والجغرافيا ونظرا لتعاظم مكانتها الاقتصادية وقوتها العسكرية.
وأوضح رئيس رابطة علماء أهل السنة أن الأداء التركي المتنامي باتجاه لعب دور مركزي في العالم الإسلامي بات محط أنظار كثير من رجال العلم والفكر والباحثين السياسيين حتى من غير الأتراك، مؤكدا أنه يلمس هذا التوجه في لقاءاته وجولاته ومشاركاته في الأنشطة والفعاليات الدولية المختلفة.
وأشار أكنجي إلى أن الأمة الإسلامية تتطلع إلى من يشغل الموقع الشاغر في قيادتها بغض النظر عن هويته القومية، قائلا إن المطلوب من أي دولة تقود العالم الإسلامي أن تخدمه وترعى مصالحه لا أن تمارس السيادة الشكلية على رعاياه.
ويبلغ عدد سكان تركيا 77 مليون نسمة أغلبيتهم العظمى من المسلمين السنة، كما تحتل المركز الـ16 في الاقتصاد العالمي، وكانت إمبراطوريتها العثمانية قد احتلت مكانة أقوى الدول الإسلامية عبر التاريخ وأطولها عمرا وأوسعها مساحة.