الانتحار يتسلل لحياة اليونانيين


تشهد اليونان في الآونة الأخيرة تنامي ظاهرة اجتماعية تبدو غريبة عن اليونانيين أو هي على الأقل نادرة الحدوث لديهم إلى وقت قريب، وهي ظاهرة الانتحار، التي بدت مؤخرا وكأنها أخذت مكانا لها في حياة اليونانيين.
وقد يكون الأسبوع المنقضي دليلا واضحا على ذلك عندما انتحر يوم الاثنين محاضر جيولوجي بشنق نفسه في عمود إنارة بأثينا، وفي اليوم نفسه أقدم قس شاب على الانتحار بالقفز من شرفة مسكنه شمالي البلاد، وبعدها بيوم فقط ينتحر طالب بإطلاق رصاصة في رأسه.
ولأن لكل ظاهرة أسبابها ومحفزات ظهورها، يكاد هناك إجماع في اليونان على أن بلوغ البعض حد اتخاذ قرار بوضع حد لحياته مرده ما يعيشه اليونانيون اليوم من أزمة اقتصادية أثرت بعمق على كل مناحي حياتهم فأضحى الفقر والخصاصة يطوقان كثيرا من صفوفهم.
ديميتريس خريستولاس، صيدلي بسيط تحول إلى رمز وطني في نظر مواطنيه اليونانيين رغم أنه لم يكن ممن قاموا بأعمال بطولية، كل ما فعله احتجاج على ما أصابه من فقر جراء أزمة بلاده، أما التعبير على ذلك فكان الموت انتحارا.
في الرابع من أبريل/نيسان الجاري، في ميدان سينتاجما بالجهة المقابلة لمبنى البرلمان اليوناني وسط العاصمة أثينا، وخلال ساعات الذروة الصباحية قرر خريستولاس وضع نهاية لحياته.
التقشف هو السبب
لكن الرجل المتقاعد البالغ من العمر 77 عاما وقف لحظة، قبل الرحيل، لكتابة رسالة قال فيها "لا أرى حلا آخر سوى هذه النهاية النبيلة لحياتي حتى لا أجد نفسي أفتش في صناديق القمامة بحثا عن طعام".
وتعكس هذه الكلمات حجم الألم الذي أصبح يكابده كثير من اليونانيين جراء التقشف الذي تنتهجه الدولة هربا من شبح الإفلاس والسقوط.
ويقول بعض الخبراء الطبيين إن هذا النوع من الانتحار يعد انعكاسا لليأس المتزايد والاحساس بالعجز الذي يشعر به كثيرون.
ويذكر نيكوس سيدريس -وهو محلل نفسي وكاتب في أثينا- أن الأزمة أثارت شعورا متزايدا بالذنب وفقدان الاعتزاز بالنفس وخزيا بالنسبة ليونانيين كثيرين.
ويضيف سيدريس أن البعض أصبح لديه اتجاها بكراهية الذات وهذا يؤدي لتدميرها عبر الانتحار، ويشير مختصون إلى أن معدل الانتحار في اليونان ربما تضاعف إلى نحو خمسة لكل مائة ألف شخص.
ورغم هذا الارتفاع المتزايد في حالات الانتحار بالمجتمع اليوناني، تبقى اليونان أفضل حالا من بلدان أخرى مثل فنلندا (34 لكل 100 ألف فرد) وألمانيا (9 لكل 100 ألف فرد).