الأزمة المالية تدفع بالبوسنيين للمنجمين والأطباء

سمير حسن-سراييفو
خبر انتحار ندا وزوجها دوشان زلزل مشاعر البوسنيين لا سيما بعد أن أكدت التحقيقات أن الانتحار وقع بعد أن عجزا عن تسديد أقساط القروض التي حصلا عليها لتسيير عمل تجاري يعوضهما عن الفقر وأملا في شراء منزل في مدينتهما برييدور شمال غرب البوسنة.
ندا ودوشان توفيا وهما في العقد الخامس، وكانا يعيشان في بيت مستأجر، وقد تم تسريح ندا من عملها قبل بضعة أشهر وأحيل دوشان إلى التقاعد المبكر من شركة البناء التي كان يعمل بها براتب مائة يورو شهريا.
وبسبب كبر سنهما فلن يقبل أحد توظيفهما لا سيما أن البطالة في البوسنة تزيد عن 40% حسب إحصاءات مكتب العمل البوسني، وإذا لجآ إلى العمل فسيكونان ضحية استغلال أصحاب العمل والتلكؤ في دفع أجورهما كما يحدث مع الآخرين خاصة أن الركود الاقتصادي يعشعش في البوسنة حتى قبل الأزمة المالية العالمية.
أمام كل هذه المعطيات قرر الزوجان أن يحصلا على قرض 25 ألف يورو وافتتحا مخبزا ثم محلا للحلويات لكن الركود كان يتعاظم لا سيما في مدينة برييدور، وفشلت مشاريع ندا ودوشان بينما كانت الفوائد على القرض تتزايد.
وحتى المائة يورو التي يحصلان عليها من تقاعد دوشان لا تكفي لسداد هذا الدين، وهكذا اسودت الدنيا في أعينهما وشربا سُمّا رخيصا فحصلا على قبر في أطراف المدينة بدلا من العمل والسكن وأصبحا بذلك أول ضحايا الركود الاقتصادي والأزمة المالية في البوسنة.

اكتئاب المجتمع
قصة ندا ودوشان باتت شبحا ينسج خيوطا حزينة على كل بيت خوفا من المستقبل لا سيما أن مكتب العمل في البوسنة نشر معلومات تقول إنه تم تسريح ما يقرب من 20 ألف عامل من وظائفهم على المدى الأشهر الثلاثة الماضية، وإن المشكلة تتفاقم أيضا مع عودة بضعة آلاف من العمال البوسنيين الذين كانوا يعملون في دول أوروبا الغربية بعد تسريحهم من وظائفهم هناك.
وفي هذا الإطار أعلن البنك المركزي البوسني عن انخفاض تحويلات البوسنيين في عام 2008 عن عام 2007 بنحو مائتي مليون دولار، ويتوقع أن تنخفض هذا العام مائتي مليون دولار إضافية، وتعد هذه التحويلات التي تزيد عن ثلاثة مليارات دولار سنويا من أهم مصادر الدخل للأسر البوسنية.
وهكذا بدأ الاكتئاب يخيم على البوسنة لكن هذه المرة بسبب شبح الأزمة الاقتصادية بعد أن خيم عليها بعد انتهاء الحرب عام 1995.
ومع ذلك قللت الطبيبة النفسية في مستشفى سراييفو ليوبيتسا تودورفيتش من ارتفاع معدلات الانتحار في الفترة الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية لأنها ترى أن المجتمع البوسني بصفة عامة يتمتع بالصبر والإيمان، غير أنها أكدت للجزيرة نت أن حالات عديدة في الفترة الأخيرة تتردد على المستشفى تعاني من الخوف والأرق وفقدان الثقة والقلق وتشكو من الصداع النصفي وآلام في البطن و"بعد محاورتهم يتبين أنهم خائفون من فقدان العمل ومن الفقر وقلقون على مستقبلهم ومستقبل أسرهم"، وهو ما تشخصه الدكتورة تودوروفيتش بأنه اكتئاب.
ورغم أن الأطباء يحاولون إعادة الثقة إلى هؤلاء المرضى النفسيين فإن البعض يهرب من الحزن والقلق بتعاطي المهدئات ومضادات الاكتئاب. وتشير أميلا شاكليتش الصيدلانية في سراييفو إلى أن نسبة استهلاك الأدوية المضادة للاكتئاب في الصيدليات الحكومية لم تتغير "لأننا لا نصرف الدواء بدون وصفة طبية لكنها ليست شرطا في الصيدليات الخاصة".

ويلجأ البعض إلى حلول أخرى مثل زيارة المنجمين الذين باتوا سوقا رائجة للباحثين عن الأمل المفقود وكشف المستقبل المجهول.
وتقول المنجمة ألما مستادن، التي تقرأ ورق اللعب، إن الزبائن في السابق كانوا يترددون عليها من أجل مشاكل الحب والزواج، لكنهم الآن ورغم تزايد أعدادهم من كل فئات المجتمع يريدون معرفة ماذا سيحصل معهم في العمل. وتضيف للجزيرة نت "فقط نحاول تهدئتهم ولا نستطيع تقديم نصيحة محددة لهم لأن هذا ليس عملنا".