شعار قسم ميدان

الليزر في مواجهة الطائرات.. هل تنجح الصين في إسقاط المسيرات الأميركية بالإشعاع؟

مقدمة الترجمة

يوما بعد يوم، تحتل الطائرات المسيرة الصدارة في الحروب، وتُدمج في المنظومات العسكرية للعديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي باتت ترى في المسيرات سلاحا حاسما في مواجهة محتملة مع الصين. وفي مواجهة ذلك، تعمل بكين على قدم وساق لتطوير أنظمتها الخاصة المضادة للمسيرات، وبعضها أنظمة غير تقليدية قادرة على إسقاط الطائرات باستخدام أشعة الليزر وليس الذخائر التقليدية، وهي ما تُعَدُّ طفرة في الجهود العسكرية للدفاع ضد الطائرات المسيرة.

نص الترجمة

نظام الدفاع بالليزر "إل دابليو 30" (LW-30)، وهو سلاح "قاتل للطائرات المُسيَّرة" محمول على مركبات طوِّرت من قِبَل "مجموعة سانجيانغ الفضائية الصينية" (المصدر: Military drones)

ما زالت الطائرات المُسيَّرة تمضي قُدما نحو احتلال الصدارة في الحروب الأميركية، حيث بزغت بوصفها أولوية رئيسية للإنفاق وحلًّا أمثل لجميع التحديات الدفاعية تقريبا، وخاصة في صراع مُحتمَل مع الصين.

ووفقا لما قاله "ديفيد أوشمانك"، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق للشؤون الإستراتيجية والباحث بمؤسسة "راند"، فإن أسراب الطائرات المُسيَّرة المتصلة شبكيا أثبتت أنها حاسمة في محاكاة أجرتها القوات الجوية الأميركية لصراع مُحتمَل مع الصين في مضيق تايوان؛ حيث اخترقت جهود الصين في مجال فرض مناطق حظر الوصول، ومن ثمَّ ضمنت انتصار الولايات المتحدة في معركة من هذا النوع. وبدوره قال "برايَن كلارك"، الباحث بمعهد هَدسون والمساعد الخاص الأسبق لرئيس العمليات البحرية الأميركي، إن الطائرات المُسيَّرة هي الطريقة الوحيدة المُمكنة لسد الفجوة المتوقعة في إنتاج الصواريخ في الولايات المتحدة. من جهتها، لا عجب أن الصين بدأت بتطوير تدابير مضادة.

الدفاع الليزري

لقد كان من أبرز ما عُرض في معرض "جوهاي" الجوي لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (وهو المعرض التجاري العالمي الوحيد للطيران والفضاء الذي أقرّته حكومة الصين، بدعم من الصناعات الجوية الصينية) هو نظام الدفاع بالليزر "إل دابليو 30" (LW-30)، وهو سلاح "قاتل للطائرات المُسيَّرة" محمول على مركبات طوِّرت من قِبَل "مجموعة سانجيانغ الفضائية الصينية". ويُعَدُّ السلاح بمنزلة نسخة "مُحسَّنة" من السلاح الذي ظهر للمرة الأولى في معرض عام 2018. ويُحاكي "LW-30" إلى حدٍّ كبير نظام "القاتل الصمت" الذي أنتجته شركة "بولي تكنولوجيز" الصينية (Poly Technologies) ونشرته المملكة العربية السعودية على أراضيها في سبتمبر/أيلول الماضي.

تقول شركة سانجيانغ ووسائل الإعلام الحكومية في الصين إن "LW-30" يتمتع بقدرات تؤهله لإسقاط الطائرات المُسيَّرة الصغيرة الموجودة على بُعد بضعة كيلومترات، وإن الأمر يستغرق بضع ثوانٍ فقط يقوم بعدها النظام المضاد للمُسيَّرات بالدوران وإطلاق نيرانه (أو بالأحرى أشعته الخاصة) ثم التوجه نحو الهدف التالي. ويُعَدُّ استخدام الطاقة الكهربية لإسقاط المُسيَّرات أقل تكلفة بكثير من الذخائر المادية؛ حيث تشير تقديرات سانجيانغ إلى أن تكلفة مهمة تدمير المُسيَّرة الواحدة باستخدام الطاقة تبلغ تقريبا 1.75 دولار فقط.

في حال ثبتت صحة هذه الادعاءات، فإن الشركة الصينية تكون قد أحرزت فتحا كبيرا في التغلب على تحدٍّ هندسي دائم: إبقاء نيران الليزر ثابتة على هدف صغير متحرك لمدة كافية لتدميره. هذا وأضاف متحدث باسم الشركة بأنها بصدد العمل على تطوير شعاع "LW-30" الذي تبلغ قدرته 30 كيلووات كي يصل إلى طاقة أكبر، وبالتالي تقليل الوقت اللازم لتدمير أهدافه. (وطبقا لأحد مواقع الشؤون العسكرية الصينية، يستطيع سلاح الليزر أن يُثبِّت شعاع الليزر الخاص به على هدف يبعُد 25 كيلومترا في غضون ست ثوانٍ من أجل تدميره، كما يستطيع تدمير أهداف مثل معدات توجيه الأسلحة).

إن التطوير الذي تُجريه الصين لسلاح "LW-30" والأسلحة الأخرى المضادة للمُسيَّرات يُبنى على الاهتمام المتزايد بحروب المُسيَّرات والأنظمة المضادة للمُسيَّرات، الذي ظهر في الكتابات العسكرية لجيش التحرير الشعبي الصيني. على سبيل المثال، يشير كتاب "علم الإستراتيجية العسكرية" الصادر عام 2020، وهو كتاب تعليمي متعلق بالنظرية العسكرية أصدرته أكاديمية العلوم العسكرية التابعة لجيش التحرير الشعبي، إلى أن "الأنظمة الذكية المُسيَّرة غدت قوة حتمية لا غنى عنها في ساحة المعركة [في القرن الحادي والعشرين]"، خاصة مع وجود دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا تستخدمها لتحقيق مكتسبات هائلة على الأرض.

وقد كتبت وسائل الإعلام الصينية بدورها في الآونة الأخيرة عن الدور الحاسم للطائرات المُسيَّرة في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020، وكذلك في الحرب الروسية الأوكرانية الجارية منذ عام ونيف. ففي كلا الصراعين، عانت الدفاعات الجوية في محاولاتها لوقف الطائرات المُسيَّرة، التي استُخدِمَت بديلا عن الطائرات المقاتلة التقليدية للقيام بالمهام القتالية والاستخباراتية ومهام المراقبة والاستطلاع، وهي بديل أقل تكلفة نسبيا ولكنه ذو فاعلية جيدة.

أشعة الميكرويف في مواجهة أسراب المُسيَّرات

في هذا السياق، أقرَّ مقال نُشِر في يونيو/حزيران الماضي في الصحيفة اليومية لجيش التحرير الشعبي "PLA Daily" بأن التقدم الذي أُحرِز في مجال تكنولوجيا المُسيَّرات أجهد الدفاعات الجوية التقليدية، ومن ثمَّ بات صعبا جدا رصد المُسيَّرات "المنخفضة والبطيئة والصغيرة" بالرادار، وكذلك تتبُّعها بالذخائر الموجهة، وتوجيه الضربات لها بالأسلحة الجوية أو المضادة للطائرات.

شركة الصين للعلوم والصناعة الجوية-الفضائية (CASIC)، هي شركة عملاقة مملوكة للدولة، والشركة الأم لمجموعة سانجيانغ الفضائية الصينية. (رويترز)

أشار المقال أيضا إلى أن المطلوب لمواجهة المُسيَّرات هو شبكات ثلاثية الأبعاد ومتعددة المجالات، بحيث تتكوَّن من معدات للكشف وأسلحة مضادة للمُسيَّرات تُعزِّز مدى وسرعة الإنذار المُبكر وإمكانية الاعتراض. وبشكل أكثر تحديدا، تبرز هنا تقنيات مثل الأسلحة الشبكية المضادة للطائرات، والتداخل الإلكتروني لتشويش الملاحة والاتصالات، وأشعة الطاقة المُوجَّهة (أي أسلحة الليزر مثل "LW-30")، وأسلحة الميكرويف عالية الطاقة، وأنظمة مضادات الطائرات المُسيَّرة.

تعمل المؤسسات الصناعية العسكرية الصينية بالفعل على هذه القائمة. وتقود معظم هذه الجهود شركة الصين للعلوم والصناعة الجوية-الفضائية (CASIC)، وهي شركة عملاقة مملوكة للدولة، والشركة الأم لمجموعة سانجيانغ الفضائية الصينية. كما لعبت العديد من الكيانات الأخرى أدوارا رئيسية في هذا الصدد، بما في ذلك "بولي تكنولوجيز" الصينية، وشركة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية (CETC)، والأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية (CAEP).

لقد قدَّم معرض جوهاي الجوي، إلى جانب سلاح الليزر "LW-30″، نظاما مضادا للمُسيَّرات أُنتج بواسطة أكاديمية "CASIC" الثانية (واحدة من الأكاديميات التابعة لشركة "CASIC")، وهو نظام يُعَدُّ تجسيدا لفلسفة تصميم "الشبكة ثلاثية الأبعاد". وقد بُني التصميم وفقا لنظام الدفاع الجوي قصير المدى "HQ-17AE"، الذي يستطيع توجيه أربعة صواريخ لاعتراض أربعة أهداف محمولة جوًّا في آنٍ واحد، ضمن مدى مائل يتراوح بين 1.5-20 كيلومترا. هذا وتدَّعي الأكاديمية الثانية بأن نظامها الجديد فعَّال في مجابهة الطائرات المُسيَّرة والطائرات ذات الأجنحة الثابتة وذات الأجنحة الدوَّارة، وكذلك صواريخ كروز وصواريخ أرض-جو التكتيكية.

تشمل الشبكة أيضا نظام الصواريخ المحمول المضاد للطائرات "QW-12″، ونظام الدفاع الذكي المُسيَّر "ZR-1500″، الذي يمكن تزويده بصواريخ متناهية الصغر وصواريخ صغيرة وذخائر انتحارية وأسلحة رشَّاشة. وتتضمن مِجَسَّات "ZR-1500" رادارا كهروضوئيا ورادارَ كشفٍ يُحلِّق على ارتفاع منخفض يعملان جنبا إلى جنب. هذا ويتمثَّل دماغ النظام في منظومة التحكُّم بالصواريخ الأرضية المضادة للطائرات "ZK-K20″، فهي التي تتولَّى مهمة معالجة بيانات الكَشْف ونشر الأسلحة المناسبة بسرعة. والنظام مزود أيضا بتدابير "ناعمة" مضادة للمُسيَّرات، مثل التداخل والتضليل الإلكتروني.

يبدو إذن أن سباق التسلح في مجال الأسلحة المُسيَّرة والمضادة للمُسيَّرات في أوْجِه هذه الأيام. وبينما تُحبِط المُسيَّرات الدفاعات التقليدية في صراعات مثل الحرب الأوكرانية، وتظهر أكثر فأكثر في خطط الدفاع الأميركية، فإن التدابير المضادة للمُسيَّرات التي عُرِضَت في معرض جوهاي الجوي تشير إلى أن بكين أيضا تُجري استعدادتها الخاصة فيما يتعلق بهذا الجانب الحيوي من مستقبل الحروب.

______________________________________________

ترجمة: كريم محمد

هذا التقرير مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة