الطائرات المسيرة.. كيف غيرت مسار المعارك في 5 حروب كبرى؟

A U.S. Air Force MQ-1 Predator unmanned aerial vehicle assigned to the California Air National Guard's 163rd Reconnaissance Wing flies near the Southern California Logistics Airport in Victorville, California in this January 7, 2012 USAF handout photo obtained by Reuters February 6, 2013. REUTERS/U.S. Air Force/Tech. Sgt. Effrain Lopez/Handout (UNITED STATES - Tags: MILITARY POLITICS) THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS
طائرة مسيرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز MQ-1 Predator. (رويترز)

في صبيحة يوم 12 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي 2022، وداخل مركز أبحاث لاختبار وتطوير الطائرات المُسيَّرة بولاية "تكيرداغ" في شمالي غرب تركيا، تجاهل المهندسون الضباب الكثيف الذي خيَّم على سماء المدينة، وبدأوا في اختبار مبدئي لإقلاع طائرة مقاتلة مُسيَّرة بقدرات شَبَحِية من طراز "بيراقدار قِزِل إلما" (Kızılelma)، وهو نموذج استمر العمل عليه سرا طيلة عشر سنوات ونيف جزءا من مشروع نظام الطائرات المُسيَّرة المُقاتلة المعروف اختصارا بـ"ميوس" (MIUS). جرى المشروع على قدم وساق تحت إشراف الشاب الأربعيني "سلجوق بيراقدار"، صِهْر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، وعرَّاب تكنولوجيا صناعة الطائرات المُسيَّرة في تركيا، التي تجاوزت بها أنقرة الحظر الأميركي المفروض على تصدر الطائرات المقاتلة الأحدث. وفي لحظة فارقة، اجتازت المقاتلة اختبارات التحليق بالفعل، فأصبحت بذلك واحدة من الطائرات المُسيَّرة القليلة القادرة على "المناورة العدائية"، ما يجعلها قادرة على القيام ببعض مهام الطائرات المقاتلة التقليدية. (1)

Bayraktar Kızılelma Unmanned aerial plane landing on the ground.
طائرة مُسيَّرة من طراز "بيراقدار قِزِل إلما" (Kızılelma). (غيتي)

خلال السنوات الأخيرة، شهد العالم نزاعات لعبت فيها المُسيَّرات أدوارا حاسمة، منها خمس معارك مهمة في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك في إقليم "ناغورني قره باغ" بين أذربيجان وأرمينيا، وأخيرا الحرب المتواصلة حاليا في أوكرانيا، التي ذاع فيها صيت الطائرات المُسيَّرة أكثر من أي صراع عسكري. فقد تحولت أوكرانيا إلى مختبر للمُسيَّرات لأكثر من دولة باتت تعتقد أن مفتاح الحرب الحديثة يكمُن في السيادة الجوية. ومع الاستخدام المُكثَّف والمتزايد للمُسيَّرات في الحرب الأوكرانية، وفي غيرها من النزاعات الإقليمية والدولية مؤخرا، وانضمام العديد من اللاعبين الجدد إلى إنتاج وتصنيع هذا النوع من الطائرات، واستثمار مليارات الدولارات في هذه الصناعة، يُتوقع أن تُصبح الحروب الجوية المسيرة أهم ظاهرة عسكرية في الجو لعقود طويلة قادمة.

 

سلاح القرن الحادي والعشرين

في فبراير/شباط 2017، وفي منطقة نائية بمحافظة إدلب السورية، خرج نائب زعيم تنظيم القاعدة آنذاك "أبو الخير المصري"، صِهر أسامة بن لادن، إلى سيارته في جنح الليل، لكن الظلام لم يكن كافيا لحمايته، إذ استهدفته طائرة مُسيَّرة أميركية من طراز "إم كيو-9 ريپر" (MQ-9 Reaper)، أطلقت صواريخ فتاكة مُوجَّهة بالليزر، فأردته هو ورفاقه قتلى، دون أن تتورط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة على الأرض. وفي العام الماضي، 2022، تكرر المشهد في قلب العاصمة الأفغانية كابول، حيث استهدفت مُسيَّرة من النوع نفسه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري نفسه في منزله الآمن، واستهدفت قبله أيضا "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ومعه نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس" بواسطة ضربة جوية قُرب مطار بغداد مطلع عام 2020.

CATANIA, ITALY - APRIL 29: An Mq-9 Reaper type drone at the Naval Air Station (NAS) at Sigonella, Sicily, the best equipped American intervention base in the Mediterranean on April 29, 2022 in Catania, Italy. Almost 2200 American soldiers and their families live on the US Naval base on the Italian island of Sicily. (Photo by Fabrizio Villa/Getty Images)
طائرة مُسيَّرة أميركية من طراز "إم كيو-9 ريپر" (MQ-9 Reaper). (غيتي)

لا تعكس طريقة الاغتيالات السابقة لأكثر الرجال المطلوبين لدى الولايات المتحدة فقط تغييرا جذريا في إستراتيجية المواجهة البرية على الأرض، التي استخدمتها قبل عقدين من الزمان عقب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، بل وتُمثِّل تحوُّلا آخر لاستخدامات الطائرات المُسيَّرة، بعدما رسَّخت لنفسها مكانة مركزية في شتى مناطق النزاعات المُسلَّحة حول العالم، وتطوَّر دورها من الاستطلاع والتجسُّس والرصد والمراقبة إلى الاضطلاع بدور حاسم في الإستراتيجية الجوية والعسكرية للقوى الكبرى، ما دفع بها جميعا إلى دخول سباق الاستحواذ على تلك القطع الصغيرة، بشرائها تارة، ووضع خطط طموحة لإنتاجها وتصنيعها تارة أخرى. (2)

 

يُقسِّم حلف الناتو المُسيَّرات إلى ثلاث فئات وفقا لسرعتها ووزنها. ويبلغ وزن مُسيَّرات الفئة الأولى 150 كيلوغراما أو أقل، وهي طائرات صغيرة خفيفة الوزن وبطيئة الحركة، وتُستَخدم لمهام الاستطلاع أو المراقبة، وأحيانا ما تشارك في إيصال الذخائر. وتُعَدُّ المُسيَّرة الأميركية "پوما 3 إيه إي" (PUMA 3 AE) إحدى أبرز طائرات تلك الفئة بوزن لا يتعدى سبعة كيلوغرامات، وزمن طيران يقترب من ثلاث ساعات. أما الفئة الثانية فيتراوح وزنها بين 150-600 كيلوغرام، ويمكن استخدامها في عمليات هجومية أو انتحارية محدودة، وهي تمتلك مُحرِّكا أسرع من الفئة الأولى، وزمن تحليق يصل إلى 24 ساعة، ومن أشهر طائرات ذلك الطراز المُسيَّرة التركية "بيراقدار TB2"، التي تتراوح تكلفتها بين 1-5 ملايين دولار. أما الطائرات التي تتجاوز حمولتها أكثر من 600 كيلوغرام فتندرج تحت الفئة الثالثة، وهي الأشد خطورة نظرا لطبيعة المهام الموكلة إليها، ومن أشهر الطائرات في ذلك الطراز المُسيَّرة الأميركية "إم كيو-1 پرِداتور" (MQ-1 Predator)، المُسيَّرة الأقدم التي طُرِحَت عام 1994، وتبلغ قيمتها حاليا نحو 40 مليون دولار، وكانت حاضرة في مسرح عمليات غزو العراق وأفغانستان.

An MQ-1 Predator taxi's to the runway at Holloman Air Force Base, New Mexico. - stock photo
طراز المُسيَّرة الأميركية "إم كيو-1 پرِداتور" (MQ-1 Predator). (غيتي)

يثير توسُّع استخدام المُسيَّرات في العمليات العسكرية تساؤلات عن مستقبل تلك الصناعة التي نمت نموا سريعا في السنوات الخمس الأخيرة، على خلفية منح إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية مئات الإعفاءات الجديدة لشركات لتشغيل الطائرات المُسيَّرة في الولايات المتحدة، ثم صعود منافسيها في الصين وتركيا وإيران وإسرائيل، وقد كانت صناعة المُسيَّرات قبل ذلك التاريخ في طور النمو البطيء بسبب العراقيل التي وضعتها القوانين المتعلقة بصناعتها. ورغم أن استخدامها يعود لأكثر من قرن مضى، حين استخدمتها بريطانيا في الحرب العالمية الأولى عام 1917، ولحقتها الولايات المتحدة بعدها بعام، فإن تلك المُسيَّرات القديمة قامت بمهام استطلاع ورصد فقط، أما المهام القتالية المباشرة والقدرة على إطلاق الصواريخ فلم تظهر إلا مع المُسيَّرة "پرِداتور" الأميركية في حرب أفغانستان، ومن ثمَّ نما تدريجيا الاهتمام بالمُسيَّرات المُقاتلة وتزايدت أنواعها وتنامى استخدامها في المعارك.

 

مَن يمتلك قطع الموت الصغيرة؟

حتى نهاية التسعينيات، كانت النقلة الفريدة التي أحدثتها الطائرات المُسيَّرة هي قدرتها على أن تحتل مكانا مُساعدا عبر مهام التجسس والاستخبارات، حيث استخدمتها الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية عام 1991 للاستطلاع واكتشاف بطاريات الصواريخ العراقية، ومن ثم إرسال الإحداثيات إلى مركز العمليات المشتركة كي تستطيع القوات الأميركية بعدها تنفيذ مهامها دون عقبات. ولكن مع بدء الألفية الجديدة، والغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، صارت المُسيرات سلاحا رئيسيا في القتال الأميركي ضد تنظيم القاعدة وطالبان. ونظرا لطبيعة الجغرافيا الأفغانية التي أرهقت الاتحاد السوفيتي من قبلها في حرب دامت عشر سنوات، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لشن غزو بري واسع دون اللجوء إلى تلك القطع الصغيرة التي استطاعت حينئذ ولأول مرة شن هجوم صاروخي. وقد أُطلِق على نسخة المسيرات التي استُخدمت آنذاك لقب برِداتور (أي المُفترِس بالإنجليزية)، وسرعان ما حصدت أرواح كل مَن اعتبرته واشنطن عدوا لها.

 

سرعان ما أشعلت المزايا التي منحتها الطائرات المُسيَّرة للولايات المتحدة في حربَيْ أفغانستان والعراق سباقا بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية على حيازة تلك التكنولوجيا الجديدة. وبينما سعت الولايات المتحدة لاحتكار تلك التقنية ومنع الدول الأخرى من الوصول إليها، فإن جهودها لم تنجح بعد أن خرج السباق عن السيطرة، وقطعت تركيا وإيران والصين وروسيا أشواطا كبيرة في صناعة المسيرات وصدَّرتها لحلفائها. على سبيل المثال، لعبت غارات الطائرات المُسيَّرة التركية والإيرانية دورا رئيسيا في المعارك الأخيرة على أرض أوكرانيا، وكذلك في مساندة أذربيجان وإثيوبيا ضد أرمينيا وجبهة تحرير تيغراي على الترتيب. وبحسب تقديرات "بول شار"، مدير الدراسات في مركز الأمن الأميركي الجديد، تمتلك أكثر من 100 دولة وجماعة غير حكومية اليوم طائرات مُسيَّرة، منها حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحزب الله اللبناني، وجماعة الحوثيين في اليمن، بل إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) امتلك عدة طرازات منها في وقت سابق.

ورغم ذلك الانتشار الواسع، لا تزال تقنية صناعة قطع الموت الصغيرة حكرا على عدد محدود من الدول، وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة الدول الرائدة في مجال تصنيع المُسيَّرات، وأهمها الطائرة "إم كيو-9 ريبر" و"إم كيو-1 برِداتور". ثم تأتي الصين بوصفها أحد أكبر المصدرين للطائرات المُسيَّرة في العالم، وقد اختبرت الصين عام 2013 أول طائرة مُسيَّرة مُقاتلة تُسمَّى "شارب سورد" (أي السيف الحاد)، وبعد عقد من ذلك التاريخ، كانت الصين قد سلَّمت 220 مُسيَّرة إلى 16 دولة، أهمها المُسيَّرتان "وينغ لونغ 1 و2″، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وتُعَدُّ تلك المُسيَّرات أرخص بكثير من نظيرتها الأميركية.

 

إسرائيل أيضا من أكبر منتجي ومصدري الطائرات المُسيَّرة، وأشهرها "إيتان" التي تستطيع البقاء في الجو لمدة 36 ساعة متواصلة وحمل 1000 كيلوغرام من الصواريخ المتفجرة، بالإضافة إلى طائرتَيْ "هيرمِس 450" و"هيرمِس 900″، اللتين استخدمتهما تل أبيب في حروبها على غزة، وفي شن هجمات واغتيالات وعمليات نوعية. ففي أثناء حرب غزة عام 2021، استخدم الاحتلال الإسرائيلي أسرابا من الطائرات المُسيَّرة المقاتلة لتحديد مواقع مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية حماس ومهاجمتهم دون تدخل إسرائيلي مباشر.

 

أما تركيا التي نجح برنامجها بعد سنوات في إخراج نسخة ناجحة من طراز "بيراقدار TB2" عام 2015، فإن تفوُّقها سُرعان ما انعكس خارجيا، ومنح أنقرة نفوذا إقليميا وثقلا في سوق المُسيَّرات عُماليا. ووفقا لبيانات رسمية تركية، وقَّعت شركة "بايكار" المنتجة للمسيرات في عام 2022 عقود تصدير مع 27 دولة، بإجمالي عائدات بلغت 1.18 مليار دولار، وأبرز المُشترين هُم أوكرانيا بولندا وأذربيجان والمغرب والكويت والإمارات وإثيوبيا وتركمنستان وقرغيزستان ورومانيا وألبانيا.

 

كيف تغيَّر مسار المعارك في 5 حروب كبرى؟

في وقت وضعت فيه واشنطن شروطا صارمة على تصدير التكنولوجيا الفائقة للطائرات المُسيَّرة الخاصة بها إلى الدول الأخرى حتى حلفائها، فإن سوق المُسيَّرات المُسلحة منخفضة التكلفة، الذي خلقته تركيا والصين وإيران، أعاد تشكيل ساحات القتال وقلب موازين المعارك، بل وفرض وضعا جديدا على المعدات التقليدية، مثل المدرعات والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، التي لم تعُد تصمد أمام المُقاتِلات الصغيرة.

 

على سبيل المثال، منذ مارس/آذار عام 2015، تخوض السعودية حربا في اليمن لاستعادة الحكومة التي أطاحت بها جماعة الحوثي. وتقول الأمم المتحدة إن ترسانة الحوثيين تشمل صواريخ مضادة للسفن ومركبات مائية محملة بالمتفجرات، لكن المُسيَّرات كان لها وضع خاص في تلك المعركة. وبحسب بيانات رسمية سعودية بلغ عدد الطائرات المُسيَّرة التي استهدفت منشآت إستراتيجية داخل المملكة حتى نهاية عام 2021 نحو 851 طائرة حصلت عليها الجماعة من إيران، أبرزها "شاهد 136″، التي تستخدمها روسيا أيضا في حرب أوكرانيا، علاوة على مُسيرات "صماد 2 و3″ و"قاصف 1 و2".

 

كانت المُسيَّرة التركية "بيراقدار" هي الأخرى على موعد مع مهمتها الأولى في شمال سوريا خلال عملية "غصن الزيتون" التي شنَّتها تركيا عام 2018. وبعد عامين، كادت مدينة إدلب، معقل المعارضة السورية، أن تسقط لولا انقضاض المُسيَّرات التركية وتدميرها أكثر من 100 مركبة مدرعة، ما أدى إلى توقف هجوم الأسد الناجح في البداية على معقل المعارضة. في النهاية، منحت "بيراقدار" تركيا يدا طُولى على الحدود السورية الشمالية، كما مكَّنتها من انتزاع سيطرة على طريق "إم 4" الدولي الإستراتيجي، وكان سابقا تحت سيطرة القوات الروسية والنظام السوري.

Poland receives its first Bayraktar TB2 combat drones- - MIROSLAWIEC, POLAND - OCTOBER 28: (---EDITORIAL USE ONLY - MANDATORY CREDIT - "POLAND MINISTRY OF DEFENSE / HANDOUT" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS----) A general view of the Turkish-made Bayraktar drones on display at an army base as Poland received its first Bayraktar TB2 combat drones from Turkiye in Miroslawiec, Poland on October 28, 2022.
المُسيَّرة التركية "بيراقدار". (الأناضول)

حضرت "بيراقدار" في ليبيا أيضا، ففي إبريل/نيسان 2019، شنَّ الجنرال الليبي "خليفة حفتر" معركة لإسقاط العاصمة الليبية طرابلس، ما أجبر حكومة الوفاق على توقيع اتفاقية أمنية مع أنقرة مَكَّنت الأخيرة من إرسال مدربين أتراك ومعهم طائرات "بيراقدار" التي ظهرت في سماء ليبيا، وكان لها دور فعال في استعادة السيادة الجوية لصالح الحكومة. في غضون ذلك، عجزت منظومة الدفاع الجوي الروسية "بانتسير"، التي امتلكها حفتر سِرّا، عن التصدي لتلك المُسيَّرات التي حولت مسار الحرب وأجبرت حفتر على الانسحاب إلى مدينة سرت.

 

ثمَّ في القوقاز، وعند مفترق طرق رئيسي بين أوروبا وآسيا، وقع نزاع عسكري بين أذربيجان وأرمينيا في سبتمبر/أيلول 2020 بسبب إقليم "ناغورني قره باغ" المُتنازع عليه، فهرعت تركيا لتزويد حليفتها أذربيجان بالطائرات المُسيَّرة، في حين امتنعت روسيا عن نجدة حليفتها أرمينيا، وكانت النتيجة أن حسمت "بيراقدار" الصراع في شهر ونصف لصالح أذربيجان، التي فرضت على غريمتها "معاهدة" وصفت بالمُذلة على لسان الرئيس الأرميني نفسه.

لم يكد يمر عامان على تلك الحرب، حتى شنَّت روسيا حربها على أوكرانيا، واستعانت فيها كل دولة منهما بالطائرات المُسيَّرة التي تُطيل أمد القتال حتى اللحظة، وما انفكت تقلب موازين الحرب المرة تلو المرة. فقد تفوقت المُسيَّرات على صواريخ "كروز"، وبدت أكثر فاعلية وأقل تكلفة في مسرح العلميات، وفي أثناء الأشهر الثمانية الأولى من الغزو، كلَّف إطلاق صواريخ كروز الروسية الجيش الروسيَّ نحو مليون دولار لكل واحد منها بحسب تقديرات أميركية، ما دفع موسكو إلى اللجوء إلى مسيرات "شاهد" الإيرانية التي لا تُكلِّف سوى 20 ألف دولار للواحدة. وتقول أوكرانيا إنها استطاعت تدمير نحو 70% أو أكثر من تلك المسيرات التي يبلغ عددها 400 طائرة مُسيَّرة إيرانية الصنع، ومع ذلك استطاعت تلك المُسيَّرات استهداف شبكة الكهرباء وغيرها من مكوِّنات البنية التحتية.

 

في أوكرانيا بالتحديد، لا تزال المُسيَّرات التركية والإيرانية تخوض حربها الضروس في واحدة من أشد المعارك احتداما في الجو، وللمفارقة فإن الحرب التي اتخذت من أوكرانيا، أكبر بلدان شرق أوروبا، مسرحا لها، وتجري فصولها بين روسيا، القوى العظمى السابقة، والجيش الأوكراني المدعوم بالسلاح الأميركي والأوروبي، ظهرت فيها بوضوح الأدوار التركية والإيرانية رغم أن طهران وأنقرة مجرد قوتين إقليميتين بلا حضور بارز في شرق أوروبا أو في سوق السلاح التقليدية. ويُنبئنا ذلك ليس فقط بأن طبيعة الحروب اختلفت بعد انتشار المُسيَّرات، بل إن تلك الطائرات الصغيرة جعلت القوة الجوية الحاسمة أمرا يسهُل الحصول عليه بواسطة قوى متوسطة بل ومتأزِّمة اقتصاديا، ويسهُل أيضا تصديره لحلفائها بشكل يعيد رسم سير المعارك في دول تبعُد عنها آلاف الأميال.

————————————————————————————

المصادر:

  1. Turkey’s Fighter-Like Drone Emerges For Taxi Tests. 
  2. DRONES
  3. Different Types of Military Drones: Explained In Details (January 2023). 
  4. A Brief History of Drones. 
  5. General Atomics MQ-1 Predator (Predator A). 
  6. The story of the first American drone strike unchanged.
  7. Combat drones: We are in a new era of war – here’s why. 
  8. Who Has What: Countries with Armed Drones.
  9. The Tiny and Nightmarishly Efficient Future of Drone Warfare.
المصدر : الجزيرة

إعلان