شعار قسم ميدان

معادون لإسرائيل ويسكنون أحياء خاصة بهم بأميركا.. من هم يهود الحسيديم؟

بوجه منهار، وبملامح اختلطت فيها مشاعر الحزن والفرح، جلست الشابة اليهودية "إيستي" أمام المرآة تنظر لنفسها وماكينة الحلاقة تحلق شعرها وفق التقاليد اليهودية التي تمر بها كل عروس قبل عقد قِرانها. ورغم البهجة التي يُفترض أن يعكسها التجهيز للزفاف، كانت الأجواء المحيطة كئيبة وخانقة، ولا تليق بفتاة على وشك الزواج في نيويورك، أكثر مدن العالم انفتاحا. هنا حي "ويليامسبورغ"، حيث المنازل يغلب عليها الظلام، والملابس يسيطر عليها السواد، والابتسامة لا تظهر إلا نادرا، فيما يتشابه البشر في الزي والشكل والأفكار، حيث ينتمون جميعا إلى طائفة من اليهود الأرثوذكس تشبثت بأفكار تعود إلى قرون مضت، ولذلك وجدت "إيستي" نفسها في نهاية المطاف تستجيب لرغبة وَرَثَتْها عن أمها في البحث عن الحرية، ففرَّت من زوجها وطائفتها الدينية اليهودية وسافرت إلى ألمانيا.

تدور هذه الأحداث السابقة ضمن حلقات مسلسل "Unorthodox"، الذي يُسلِّط الضوء على طائفة "الحَسيديم" اليهودية، التي استوطنت جانبا من مدينة "نيويورك" منذ بداية القرن العشرين، وفرضت سلطتها على بعض أحيائها وجيوبها، ومن أشهرها حي "ويليامسبورغ"، الذي وإن كشف المسلسل عن بعض أسراره، فإن الكثير من تلك الأسرار تظل مجهولة ولم تنقِّب عنها الكاميرات بما يكفي.

نحو وجهة غير "كوشير"

تختلف الروايات التاريخية حول جذور المذهب اليهودي الحسيدي، تذكر بعض المصادر أن الظهور الأول لهذه الطائفة يعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي بين صفوف اليهود الفقراء بالشمال الشرقي لدولة المجر. وجاء هذا النمط الديني شكلا من أشكال المعارضة ليهود العاصمة المجرية "بودابِست" والمُدن الكبرى ممن اندمجوا في مجتمعهم، فكانت هنالك رغبة من طرف بقية اليهود في إظهار التشبُّث بتقاليدهم وإعادة نفض الغبار عنها. في المقابل، هناك مصادر أخرى تُرجع الظهور الأول لهذه الطائفة إلى أوكرانيا لا المجر، وللأسباب نفسها المذكورة سابقا، وقد أسسها الحاخام "يسروئيل بن إليعزير" الشهير بـ"بَعْل شيم توف". ولم يذكر المؤرخون الكثير عن السيرة الذاتية لهذا الحاخام، لكن ورد عنه أن الكاريزما خاصته كانت طاغية، وأنه استخدم حضوره اللافت لبعث التقاليد اليهودية الأرثوذكسية.

سافر "بَعْل شيم توف"، وتمكَّن من الحصول على أتباع كُثُر بخطاب ديني مختلف جذريا عن باقي الحاخامات الذين عاصروه. وبعد وفاته عام 1760، انتشرت تعاليمه وأفكاره على نطاق أوسع قليلا، وكانت الممارسات الحَسيدية مختلفة بوضوح عن اليهودية الشائعة حينذاك، بيد أنها اقتصرت على دوائر ضيقة من "العلماء" و"أتقياء" اليهود. مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، واصلت اليهودية الحَسيدية التوسُّع رغم معارضة تيارات يهودية أخرى لها رأت أنها لا تتفق مع تعاليم التلمود، لكن التيارات المعارضة لم تكن قوية بما يكفي للحد من انتشار الحَسيدية.

أخذت المئات من الجماعات اليهودية الحَسيدية تنتشر في شرق أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية وخصوصا في المدن الصغيرة والقرى، ومن أشهر هذه الجماعات "بوبوف" و"جين" و"ساتمار"، التي صارت الأشهر في نيويورك فيما بعد. وقد تأثَّر اليهود الحَسيديم بالنازية على غرار الملايين من اليهود، إذ صعَّب مظهرهم الخارجي من مهمة اختفائهم عن أعين رجال هتلر، فكان الحل الوحيد هو الهروب. أما الوِجهة فكانت إما الانضمام إلى المشروع الاستيطاني في فلسطين التي اجتاحتها العصابات الصهيونية قبل إعلان قيام دولة الاحتلال، وإما الولايات المتحدة التي فتحت هي الأخرى مدنها أمام اليهود الهاربين من ألمانيا النازية.

الحاخام "يوسف يتسجوك شنيرسون" الذي فرَّ مع بعض أتباعه من بولندا نحو الولايات المتحدة. وقد تواصلت الهجرات الحَسيدية خلال هذه الفترة. (مواقع التواصل)

تعود بداية هجرة الحَسيديم إلى الولايات المتحدة إلى عام 1880، وفد وجدوا عند وصولهم جالية مُعتَبَرة من اليهود المُتديِّنين، ومنها أقلية تتبع خطهم الديني ذاته. وعانت الجالية اليهودية المُهاجرة من صعوبات كبيرة في تطبيق تعاليم ديانتها، وذلك لأن نمط الحياة المُنفتِح في أميركا لم يتلاءم مع الحياة المُتديِّنة التي أرادوها. علاوة على ذلك، لم تجد تلك الجالية بسهولة مؤسسات لتدريس أبنائها وفق معتقداتها، فحتى عام 1917 لم يكن في الولايات المتحدة بأسرها سوى خمس مدارس يهودية. وساهم هذا الأمر في انتشار "التغريب" وسط الشباب اليهودي، لا سيما الجيل الثاني من المهاجرين الذي ابتعد مع الوقت عن النظرة الأصولية اليهودية أو الاتجاه المحافظ. وفي نهاية الثلاثينيات، لم يكن هناك إلا ما بين رُبع إلى ثُلث اليهود في البلاد مُقيدين في كنيس مُعيَّن، وأغلبيتهم من المُتقدِّمين في السن.

لم تغب هذه العوامل الصعبة عن ذهن الحاخامات في أوروبا الشرقية، ولذلك فإن بعضهم أثنوا أتباعهم عن السفر إلى أميركا كونها وجهة ليست "كوشير" (حلال). ولكن سرعان ما تغيَّر الوضع بسبب الحرب العالمية الثانية وانتشار الفاشية والنازية في أوروبا التي اضطرت الحاخامات أنفسهم إلى الفرار، فكانت البداية من الحاخام "يوسف يتسجوك شنيرسون" الذي فرَّ مع بعض أتباعه من بولندا نحو الولايات المتحدة. وقد تواصلت الهجرات الحَسيدية خلال هذه الفترة، فاستقرَّ الفارون في 3 أحياء هي "كراون هايتس" و"بورو بارك" و"ويليامسبورغ"، وكلها موجودة في بلدة بروكلين بمدينة نيويورك.

أكثر يهودية.. وأقدم من تل أبيب

يهود حسيديون يمشون إلى معبد يوم السبت في حي ويليامسبورغ. (شترستوك)

مع حلول العشرينيات، بدأ اليهود الأرثوذكس يستوطنون حي ويليامسبورغ، وبمرور السنوات، طرأ نوع من التغيير على نوعية يهود هذه المنطقة المُنحدرين أساسا من روسيا وبولندا، إذ أصبحت ممارساتهم الدينية أكثر أصولية. ومع وصول المهاجرين الفارِّين من الحرب العالمية الثانية، وغالبيتهم من المجر ورومانيا، بدأ النموذج الحَسيدي يتوسع أكثر فأكثر، حتى وصل عدد يهود هذه الطائفة إلى 1500 شخص عام 1948، مُشكِّلين بذلك نواة استقطبت أعدادا أخرى من الباحثين عن الأمان الديني في أميركا، ثم بلغ نحو 12 ألف شخص عام 1959، و35 ألفا بداية السبعينيات، ثم 40 ألفا مع نهاية القرن العشرين.

على خلاف الكثير من اليهود المهاجرين، لم يستسلم الحَسيديم إلى الواقع المجتمعي المُنفتح، وسرعان ما بدؤوا في إنشاء المدارس والحمَّامات ومرافق أخرى عبر شراء عدد من العمارات المهجورة في الحي، مستغلين في الوقت نفسه هجرة اليهود "المُعتدلين" من هذه الأماكن. ومع مرور الوقت، بات الحي قطعة من شرق أوروبا في القرن التاسع عشر، حيث طغى عليه مظهر الرجال اليهود ذوي الزي المُوحَّد والنساء ذوات الملابس التقليدية، والأطفال الذين كانوا نُسَخا مُصغَّرة من آبائهم بشعورهم المُستعارة. وقد انتشرت محلات بيع كل شيء تستهلكه هذه الطائفة الدينية، من ملابس وأكل كوشير وكتب وغيرها، وظهرت اللغة اليديشية جنبا إلى جنب مع الإنجليزية في الجِزارات والمخابز والمطاعم الصغيرة.

بدأت العائلات الحَسيدية بالانتقال إلى "كيرياس جويل" عام 1974، حيث أتت الأسر الأولى في المنطقة واستشعرت سعادة بالغة بخروجها من قلب نيويورك الصاخبة والمتنوِّعة. (رويترز)

مع بسط السيطرة على الحي ومناطق أخرى من بروكلين، بدأ الإحساس بالتخوُّف من الاختلاط يزيد في الأوساط الحسيدية، وهو ما أشار إليه الكاتبان "ناثانيل دويتش" و"مايكل كاسبر" في كتاب "حِصن في بروكلين: العِرق والعقارات ونشأة الحي الحَسيدي في ويليامسبورغ". وقد قال الكاتبان في حوار لهما مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن التجمعات البشرية المختلفة كانت دائما تهديدا أساسيا للحَسيديم، إذ إنهم منذ استقرارهم في معاقلهم الحالية ومنها حي وليامسبورغ، وجدوا أنفسهم في جيرة الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية والجاليات اللاتينية. وفي مرحلة ثانية، بدأ عدد من الفنانين والشباب المتخرج حديثا والباحث عن عمل في الاستقرار بالأحياء التي كانت حتى الأمس القريب حِكرا على اليهود، واعتبر الحَسيديم أن هؤلاء الشباب بأسلوب حياتهم المتحرر خطر على أبنائهم.

ليس هذا التخوُّف من الغرباء جديدا على الحَسيديم، وليس غريبا على اليهود الذين غالبا ما عاشوا في أحياء معزولة تُسمَّى "الجيتوهات". ولذلك لم يكن الاستقرار في قلب نيويورك خطوة نهائية بالنسبة للكثيرين منهم، فمع بداية السبعينيات، بدأ اليهود الحَسيديم في إنشاء مجمع سكني على بُعد 80 كيلومترا من نيويورك في منطقة "كيرياس جويل" بهدف حماية أنفسهم من الجريمة والمخدرات المنتشرة في المنطقة، دون نسيان عامل آخر لا يقل أهمية هو البحث عن مناطق أوسع يمكنها تحمُّل النمو الديمُغرافي السريع في هذه الأوساط. وقد بدأت العائلات الحَسيدية بالانتقال إلى "كيرياس جويل" عام 1974، حيث أتت الأُسَر الأولى في المنطقة واستشعرت سعادة بالغة بخروجها من قلب نيويورك الصاخبة والمتنوِّعة. بيد أن المشروع مع مرور السنوات لم يلقَ ذلك النجاح الكبير لأسباب عديدة، منها البُعد النسبي عن مدينة نيويورك الذي عرقل نمط حياة الأُسَر العاملة المُضطَّرة إلى التنقُّل منها وإليها يوميا.

ليسوا مجرد أعداء لإسرائيل

لم يتردَّد اليهود الحَسيديم في إعلان موقفهم الحاسم من دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد أفصحوا عن عدائهم الصريح لها حتى قبل قيامها، حيث هاجموا الطائفة الصهيونية السياسية، واعتبروا أن إنشاء دولة يهودية على الأراضي المقدسة ثورة على الله، ذلك لأن إنشاء أي دولة لليهود وفق معتقدهم لن يتم إلا باختيار الله، وبيد "المَشيح" المُخلص الذي سينزل إلى الأرض لإقامة شريعة موسى. وقد تصدَّر الحاخام "جويل تايتِلباوم" هذه المعركة مع الصهيونية السياسية من محل إقامته في المجر، وشنَّ الحرب على بعض الأحزاب السياسية الصهيونية التي عملت على نشر أيديولوجيتها في الأوساط اليهودية.

تدرك الحكومة الإسرائيلية الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها قادة الأرثوذكسية، وهو ما ظهر أثناء زيارة أحد أشهر الحاخامات الحَسيديم، "زلمان تايتلباوم"، لدولة الاحتلال 2019، حيث كان الآلاف في انتظاره. (شترستوك)

مع انتهاء الحرب العالمية بدأ عدد من الحاخامات مراجعة مواقفهم تجاه دولة الاحتلال الناشئة التي وعدت بحماية يهود العالم، لكن اليهود الحَسيديم، وعلى رأسهم جماعة "ساتمار" (الأشهر بين باقي الجماعات)، لم يُغيِّروا موقفهم من دولة الاحتلال. ففي 11 فبراير/شباط 2001، نشر الكونغرس الحاخامي للولايات المتحدة وكندا، ويضم 150 جماعة حَسيدية، بلاغا في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "لماذا نحن ضد الحكومة الإسرائيلية وحروبها؟"، وشرحوا فيه الأسباب الدينية والسياسية التي تجعل طائفتهم معارضة لحكومة الاحتلال. وفي 12 من فبراير/شباط 2002، نظَّم المجلس نفسه مظاهرة ضد إسرائيل أمام قنصلية دولة الاحتلال بنيويورك.

لا تقتصر معارضة دولة الاحتلال بين الحسيديم على التنديد والبلاغات والمظاهرات، بل تتعداها إلى إيجاد مناطق نفوذ داخل المجتمع الأرثوذكسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ تقدم جماعة "ساتمار" دعما ماديا لعدد من التجمعات المُتدينة داخل إسرائيل، حتى تتمكَّن من الحفاظ على استقلالية جميع مؤسساتها التعليمية والدينية بعيدا عن الحكومة الإسرائيلية، مثل تبرُّعها بمبلغ 5 ملايين دولار عام 2019 لصالح المؤسسات الدينية اليهودية غير الصهيونية.

وقد وقف "آرون تيتلباوم"، حاخام الطائفة الحالي، في يونيو/حزيران 2018، مُحذِّرا أتباعه من الإعجاب بدولة الاحتلال وجيشها تحت تأثير "الإنجازات" المزعومة التي حققتها، وقال: "علينا أن نصرخ ‘غيفالت، غيفالت!’ (يا إلهي باللغة اليديشية) إلى أين وصلنا؟ لا علاقة لنا بالصهيونية، ولا علاقة لنا بحروبهم، ولا علاقة لنا بدولة إسرائيل". من جهتها، لا تشعر الحكومة الإسرائيلية بالارتياح لهذا النفوذ الديني، لكنها تدرك الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها قادة الأرثوذكسية خارج وداخل دولة الاحتلال، وهو ما ظهر أثناء زيارة أحد أشهر الحاخامات الحَسيديم، "زلمان تايتلباوم"، لدولة الاحتلال في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث كان الآلاف من اليهود المتدينين في انتظاره.

حضور سياسي في أميركا

"أولئك الذي يستعملون واتساب يبتعدون عن التوراة، ومن هنا أتت الترامبية".

(الحاخام اليهودي آرون تيتلباوم)

وقف "آرون تيتلباوم"، حاخام الطائفة الحالي، في يونيو/حزيران 2018، مُحذِّرا أتباعه من الإعجاب بدولة الاحتلال وجيشها تحت تأثير "الإنجازات" المزعومة التي حققتها. (رويترز)

لا يهتم اليهود الحَسيديم في حي ويليامسبورغ بالسياسة اليهودية ومعارضة إسرائيل فقط، بل يمتد هذا الاهتمام إلى الولايات المتحدة وسياستها. وقد انطلقت العلاقات بين الطائفة والسياسيين الأميركيين في بداية الخمسينيات، لكن الاختبار الحقيقي لهذه العلاقة جاء عام 1991 حينما انقلبت شوارع "بروكلين" إلى حَلَبات مواجهة بين اليهود من جهة وذوي الأصول الأفريقية من جهة؛ بسبب العلاقة المتوترة القديمة بين الطرفين على خلفية التعامل التفضيلي الذي يحظى به الحسيديم من طرف رجال الشرطة مقارنة بالأفارقة. وبعد هذه الحادثة بسنتين، التفَّ يهود بروكلين حول "رودي جولياني" المرشح الجمهوري لمنصب عمدة المدينة في مواجهة العمدة الديمقراطي "ديفيد دينكينز" الذي لم يتحرك لإنهاء المواجهات والمشكلات في الحي.

يُصوِّت اليهود الحسيديم ككُتلة موحدة في جميع المناسبات الانتخابية. وحتى الأمس القريب، كان الاختيار ديمقراطيا في الغالب، ولكن ابتداء من عام 2016، أضحت ميول الطائفة أقرب للحزب الجمهوري بسبب الاختلاف مع الحزب الديمقراطي في عدد من القضايا التي اقترب فيها الديمقراطيون من اليسار. وتُعَدُّ الطائفة كنزا انتخابيا مهما في نيويورك، ويحاول الجميع التقرُّب منها كونها قادرة على التأثير في مسار النتائج، كما أنها تساهم أحيانا في دعم هذا المرشح أو ذاك ماديا، وتفتح له أبوابا مغلقة مثل المنابر الإعلامية الداخلية والمدارس الدينية كي يروِّج لنفسه. وفي أيام الانتخابات يحاول المرشحون عبر سياراتهم ومكبرات الصوت التي تحملها نشر رسائل باللغة اليديشية تدعو الحَسيديم لاختيارهم. وكغيرها من "اللوبيات"، تستغل الطائفة الحَسيدية تلك الميزة لحيازة أكبر قدر من المكاسب السياسية، وعلى رأسها تحصين مؤسساتها الدينية وقوانينها الداخلية ومدارسها من التدخُّل أو التضييق.

للمفارقة، يُفضِّل الحَسيديم رجال السياسة غير اليهود على المترشحين اليهود، والسبب يعود إلى العداء القديم بين اليهود الحَسيديم وبقية اليهود في الولايات المتحدة، وهو تنافر ديني وأيديولوجي دفع أطفال الحَسيديم إلى وصف اليهود من غير المنتمين للطائفة بأنهم "شغوتزيم"، وهو وصف قدحي يعني أنهم غير يهود. علاوة على ذلك، فإن الاتجاه المناوئ للصهيونية عند الحَسيديم يختلف جذريا مع غالبية يهود الولايات المتحدة الذين يساند غالبيتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي وتوجهاتها، وهو ما يعتبره الحَسيديم خطرا حقيقيا يدفعهم للتحالف مع أي شخص آخر شريطة ألا يكون يهوديا صهيونيا أو داعما للصهيونية. بهدوء إذن، يتقوقع أبناء الطائفة الحسيدية في جيوبهم الخاصة، ويمارسون تأثيرهم الناعم، في الوقت الذي يحافظون فيه على سرية مجتمعهم الخاص، الذي يبدو أنه سيظل كذلك لفترة طويلة قادمة.

المصدر : الجزيرة