جندي إسرائيلي سابق يتحدَّث: الاعتماد على التكنولوجيا يُهدِّدنا
مقدمة الترجمة:
بَنَت دولة الاحتلال جزءا من أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر على سُمعتها بوصفها دولة رائدة في شتى المجالات التكنولوجية. ولكن في هذا المقال المنشور بموقع "أتلانتيك" الأميركي، يُعرب "ماتي فريدمان"، الصحافي الإسرائيلي والجندي السابق بجيش الاحتلال، عن قلقه من اعتماد دولته المُفرط على التكنولوجيا، ويرى في ذلك سببا من أسباب الإخفاق العسكري والاستخباراتي يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد وُلِد "ماتي" لأسرة كندية يهودية قبل أن يهاجر إلى دولة الاحتلال عام 1995، وخدم في جيش الاحتلال بجنوب لبنان في نهاية التسعينيات قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2000.
نص الترجمة:
لم يمضِ وقت طويل على انطلاق أول صفارة إنذار صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حتى خرج "بِن"، أخو زوجتي، من منزله في وسط إسرائيل. في ذلك الوقت، كان الآلاف من مقاتلي حركة حماس يتدفقون عبر السياج مع غزة، على بُعد ساعة تقريبا بالسيارة من "بِن"، حيث تجاوزوا بنجاح دفاعاتنا العسكرية، وقتلوا المئات. لم يكن أحد على عِلم بتفاصيل ما جرى بَعْد، وكل ما عرفناه هو أن شيئا شديد السوء يجري هناك، وأن الجيش الإسرائيلي أُخِذ على حين غِرَّة. لم ينسَ جاري ولم أنسَ أنا ردة فعلنا حين علمنا بالحكاية. "إننا نمتلك كاميرات بدلا من العيون"، هكذا قال الرجل.
على الأرجح أن شهورا وسنوات ستمُر قبل أن يُدرك المجتمع الإسرائيلي بالكامل أسباب هزيمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لقد فشلنا في فهم نِيَّات حماس وحدود قوتها، وقُلنا لأنفسنا كل مرة إن كل جولة من القتال معها كانت الأخيرة، ومن ثمَّ بإمكاننا أن نرعى أُسَرَنا ونرقص في الاحتفالات على مرمى البصر من الحدود مع ذلك العدو الذي نراه متطرفا. وبجانب ما أخفقنا في تخيُّلِه، فإن أي كشف حساب أمين يحتاج إلى النظر في نقطة لطالما اعتبرناها مصدر فخر إسرائيلي: قصة حُبِّنا مع التكنولوجيا.
التكنولوجيا: من الحبِّ ما قتل
في عام 1998، حين كنت أبلغ من العمر 20 عاما، خدمت في نقطة تمركز مع وحدة مُشاة بجنوب لبنان، في رُكن من أركان الحرب الصغيرة بين إسرائيل وحزب الله. لم تختلف الحياة في تلك النقطة عن حياة جندي خَدَم في الحرب العالمية الأولى، مع استثناءات بسيطة. لقد كانت أسلحتنا في الأغلب بنادق ورشاشات آلية، لا سيَّما خراطيش "براونينغ نصف بوصة" (0.5 BMG)، التي استُخدِمَت لأول مرة عام 1918. عند طلوع الفجر كل يوم، استيقظنا ونظرنا من خندقنا، ونصبنا الكمائن. لم نكن نعلم حينها أي شيء عن الخوارزميات أو الطائرات المُسيَّرة، وعلى الأرجح أن أكثر التقنيات تطوُّرا في نقطتنا كان جهاز الفيديو الذي عرض لنا فيلم "ستارشيب تروبرز" (Starship Troopers) حتى توقَّف الشريط. لقد استطلعنا في الحقيقة بأعيننا عبر فتحة ضيقة في الحاجز الخراساني للنقطة العسكرية، ولا أتذكَّر أنني رأيت جهاز حاسوب آنذاك.
بعد عشر سنوات، عام 2008، أرسل الجيش بعضا منا في مهمة على الحدود مع قطاع غزة. زُرت حينها غرفة التحكُّم حيث جلست شابات في زي عسكري وقد أخذن يُحرِّكن مقابض تحكُّم ويشاهدن شاشات تعرِض لهُن صور الشريط الحدودي بالكامل. كانت هناك رشاشات آلية بطول السياج الحدودي يُمكن التحكُّم فيها عن بُعد، وحلّقت فوق رؤوسنا طائرات مُسيَّرة. بدا لي حينها وكأن جيشنا جيش آخر.
في ذلك الوقت، لم يكُن مشهد الشركات الناشئة الإسرائيلية في طور الازدهار فحسب، بل وصار محوريا لصورة إسرائيل عالميا، مثلما جاء في كتاب "أمة الشركات الناشئة" (Start-Up Nation) الشهير المنشور عام 2009، وأحد أكثر الكُتب مبيعا، من تأليف "ساؤول سينغر" و"دان سِنور"، اللذيْن صكَّا هذا اللقب لإسرائيل. وفقا لما جاء في الكتاب، استطاع رُوَّاد الأعمال الإسرائيليون أن يستفيدوا من عداوات دولتهم في الشرق الأوسط، ودشَّنوا البيئة المثالية للإبداع. لقد انتقل المحاربون القدامى من الوحدات التقنية بالجيش وشكَّلوا نواة الشركات الناشئة المدنية على مر السنوات، وصنعوا في غضون ذلك ثقافة غير رسمية لا تعترف بالفشل.
استهل الكتاب سرد حكاية "أمة الشركات الناشئة" بحكاية رائد شركة السيارات الكهربائية "بِتر بليس" (Better Place)، وهو المدير التنفيذي صاحب الكاريزما "شاي أغاسي": "تحدَّث أغاسي وقد عَلَت وجهه ابتسامة شريرة قائلا إن أعداء إسرائيل بعزلهم إيَّاها خلقوا في الحقيقة المعمل المثالي لاختبار الأفكار". لقد استخدمت شركة "بِتِر بلَيس" الخُطافات نفسها المستخدمة في تثبيت قنابل الـ 225 كيلوغراما على طائرات قاذفات القنابل لدى القوات الجوية، وذلك من أجل استبدال البطاريات في السيارات الكهربائية، على حد وصف الكتاب. تجدر الإشارة إلى أن الشركة أفلست عام 2013.
ولكن حتى قبل أن يدخل لقب "أمة الشركات الناشئة" إلى قاموسنا، كان تبنِّي الجيش الإسرائيلي للتكنولوجيا قد بدأ يدُق جرس الإنذار عند بعض الخبراء العسكريين. لقد قال هؤلاء إن أداء إسرائيل المرتبك عام 2006 في حرب يوليو/تموز مع حزب الله اللبناني يُعزَى إلى الطريقة التي بدأ بها القادة يقاتلون في أرض المعركة بالتحكُّم عن بُعد، مُهمِلين التقليد الإسرائيلي الحازم في قيادة زمام العمليات من المقدمة. إذا كانت العقيدة القديمة تُلخِّصها المقولة العبرية "أهاراي" (اتبعني)، فإن العقيدة الجديدة سُمِّيت سُخرية بـ"بلازموت"، في إشارة إلى شاشات البلازما الجديدة داخل غُرف التحكُّم، حيث جلس القادة يُباشرون الحرب من غرف مريحة ومُكيَّفة. بيد أن العقيدة الجديدة كانت في طور التطبيق بالفعل، وهو ما رأيته بنفسي على الحدود مع غزة.
الآلة تقتل عقيدة القتال الإسرائيلية
إن إسرائيل دولة صغيرة ومنسوجة بإحكام، وهي تخشى الحروب الطويلة والأرقام المرتفعة للضحايا. لقد قال لي "عاموس هرئيل"، المحلل العسكري المتقاعد لصحيفة "هآرِتس"، إن "التكنولوجيا بدت وكأنها تمنحنا الحل. إننا نملك تلك الفكرة الدائمة عن العقل اليهودي وكيف يمكن أن يصل إلى اختراع عبقري لحل مشكلاتنا العسكرية". أود أن أقول إنني شعرت بعدم الارتياح حيال ذلك الاتجاه الجديد، وإن كان يُسعدني أي شيء يجعل جنودنا على الأرض بمأمن أكبر.
على مدار السنوات القليلة التالية، شملت ترسانة التكنولوجيا القبة الحديدية، تلك المنظومة المميزة التي اعترضت آلاف الصواريخ من غزة ولبنان، ثم حاجزا تحت الأرض للحيلولة دون قيام حماس بحفر الأنفاق من أسفل السياج الحدودي، وهو سياج مُدجَّج الآن بالمزيد من أجهزة الاستشعار والكاميرات. إن أحد المبادئ التي أتذكر أنني تعلَّمتها في الجيش كوني جنديا بسيطا في أسفل هرم القيادة هي "أن خط التماس دائما ما سيُختَرَق"، أي إن خطوط الدفاع لا تدوم للأبد، ومن ثمَّ عليك أن تبني خططك وفقا لتلك الحقيقة. ولكننا قررنا أن التكنولوجيا تجُبُّ ما عرفناه من حقائق على الأرض.
لقد وثقت إسرائيل بسياج غزة ونطاق الإشارات الاستخباراتية، التي بدا وأنها قادرة على فعل أي شيء اللهم إلا قراءة العقول، وقد بلغت الثقة حدَّ قيام الشرطة الإسرائيلية بمنح تصاريح لحفل رقص يحضره الآلاف على بُعد خمسة كيلومترات من السياج يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقد قيل لفرق الأمن عند إحدى المستوطنات الحدودية ألا يحتفظوا بالبنادق في منازلهم، بل أن يبقوها داخل مخزن للأسلحة، لأن الجيش كان متوجسا من سرقة الأسلحة، أكثر من خوفه أن يُشَن هجوم من غزة. تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 350 شخصا قُتلوا في الحفل المذكور، وأن عددا من رجال الأمن بالمستوطنة لم يملكوا الوقت الكافي للوصول إلى أسلحتهم.
في تل أبيب، وبين جولات القتال مع حماس على مدار السنوات العشر الماضية، مضى اقتصاد التكنولوجيا الإسرائيلي في طريقه. وقد نظرنا إلى أعلى بينما طارت الصواريخ فوق رؤوسنا، وشكرنا الله على القبة الحديدية، ثم عُدنا إلى المزيد من البرمجة وكتابة الأكواد. باتت الأمهات يردن الآن من أبنائهن الذين انتهوا حديثا من دراستهم الثانوية أن يجدوا مكانا في الوحدة 8200، وحدة النخبة المُخصَّصة للتكنولوجيا والاستخبارات، وهي وحدة تضمن لمَن ارتادها وظيفة في قطاع التكنولوجيا.
لطالما تمتَّع الجنود المقاتلون بصفة "لوهِم" (Lohem) وتعني المقاتِل، وهي كلمة لها وزنها تمنحهم بعض التعويض المادي على ما لاقوه في خدمتهم العسكرية. ولكن بينما انتقل التقدير من وحدات القتال إلى عالم التكنولوجيا، فإن الجنود الذين يخدمون بوصفهم مُبرمجين وفنيي حاسوب، الذين نُظِر إليهم بازدراء في يوم من الأيام على أنهم مجرد "فرسان مكاتب"؛ صاروا اليوم "لوهامي سايبر"، أي مقاتلين سيبرانيين.
أوهام كوخافي وغرور التكنولوجيا
ترى إسرائيل في نفسها دولة صغيرة وذكية، وقد أحببنا فكرة "الجيش الصغير والذكي" تلك، حتى يصير لدى جيشنا تكنولوجيا أكثر ومتاعب أقل. ارتبط "أفيف كوخافي"، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بين عامي 2019-2023، ارتباطا وثيقا بذلك المفهوم، ففي شهره الأخير في منصبه، ألقى الرجل خطابا غير موفَّق امتدح فيه نجاحات الجيش أثناء فترة خدمته، بما في ذلك قطاع غزة. لقد تمرَّس الجيش الإسرائيلي بشدة في مواجهة أعدائه، حتى إن حماس أمرت قوات النخبة الخاصة بها بأن تلزم بيوتها، على حد وصفه. (وكانت قوات النخبة لدى حماس هي مَن قاد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعد نحو عشرة أشهر).
لقد كانت الحدود مع غزة في أهدأ أحوالها منذ سنوات، إلى درجة أن أسعار العقارات في مستوطنات غلاف غزة أخذت ترتفع، وتحدَّث كوخافي عن تلك الظاهرة قائلا: "لا تحاولوا أن تجدوا شقة في غلاف غزة خلال السنوات الثلاث القادمة، لأنكم ببساطة لن تحصلوا على واحدة" (في إشارة إلى اشتداد الطلب عليها)*. سرعان ما ثبتت صحة توقُّع كوخافي، لكن لأسباب لم يتوقعها: لقد ترك المستوطنون عقاراتهم بعد أن لقوا حتفهم على يد مقاتلي حماس واختُطف (أُسر)* منهم المئات.
إن دعاية "أمة الشركات الناشئة" التي قام بها الجيش لم تمر على الإعلاميين الساخرين في إسرائيل مرور الكرام، بمَن فيهم كُتَّاب البرنامج التلفزيوني "البلد البديع" (Eretz Nehederet). ففي عام 2018، حين أشعلت فرق غزاوية النار في الأراضي الزراعية الإسرائيلية باستخدام طائرات ورقية مُحترقة، عرض البرنامج مشهدا ساخرا يحُل فيه رجال التكنولوجيا ذوو الزي العسكري المشكلة باستخدام تكنولوجيا الناتو لتغليف كل حبة من محصول القمح بزي مضاد للحرائق. "نعم، صحيح أن جوال الدقيق يُكلِّف الآن أربعة آلاف دولار ويُسبب بعض السرطانات، لكنني فخور بالقول إننا هزمنا تهديد الطائرات الورقية"، هكذا قال الممثل الذي لعب دور الضابط في البرنامج الساخر. أتت انتقادات أقل كوميدية من داخل الجيش، حيث نُشرت ورقة عام 2017 في دورية "التقييم الإستراتيجي"، وقالت إن "فن المناورة انحدر، وحلَّت محله إمكانيات الاستخبارات وإطلاق النيران المعتمدة على التكنولوجيا".
حدَّثني "غابي سيبوني"، عقيد احتياط شغل منصب مستشار الميزانية لوزارة الدفاع وأحد مؤلفي الورقة، عن رؤيته القادة العسكريين وهم يتبنُّون فكرة حلول التكنولوجيا محل العمل المأساوي والمُضني للمشاة والدبابات، وقال لي: "إذا ألقيت نظرة على طاقم القيادة في الجيش الإسرائيلي، فسترى كيف استعضنا عن مستوى صنع الإستراتيجية والتخطيط بمستوى التكنولوجيا والانصياع لنظام يعتقد أن كل مشكلة عملياتية لها حل تكنولوجي". وقد سألت "سيبوني" إن كان يعتقد بأن تصحيح المسار سيبدأ الآن، فردَّ قائلا: "إن كان ثمَّة تصحيح سيجري، على الأرجح سيكون لفترة قصيرة. إننا غربيون أكثر من اللازم، ونريد للأشياء أن تتم دون جَلَبة. نحن لم نفكر بطريقة تلائم المنطقة التي نعيش فيها".
بينما صعدت إسرائيل سُلَّم التكنولوجيا المتطورة، نزلت حماس إلى أدنى السُّلَّم. لقد خطَّط قادة حماس لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بملاحظات كتبوها على الأوراق بأيديهم، وحين حصلت الاستخبارات الإسرائيلية على خطط الهجوم بالفعل، وحاول أحد المحللين تحذير رؤسائه الصيف الماضي، قال القادة إن التهديد "وهمي". في صبيحة يوم الهجوم، دمَّر مقاتلو حماس كاميرات المراقبة الحدودية باستخدام البنادق، وفجَّروا الأبراج ذات الرشاشات الآلية ذاتية التحكُّم بطائرات مُسيَّرة رخيصة. وفي مواجهة تلك التقنية المتواضعة، وقف الجيش الإسرائيلي عاجزا، فلم تكن لديه خطة لهجوم مفاجئ بهذا الحجم. إن الحاجز المُعقَّد الموجود تحت الأرض لم يساعدنا في شيء، لأن مقاتلي حماس حلَّقوا ببساطة فوقه، وتجاوزوا السياج في العشرات من النقاط بالجرَّافات وقاطعات الأسلاك، ثم شنوا هجومهم بالرصاص والسكاكين والمعاول.
7 أكتوبر.. درس للمفتونين بالتكنولوجيا
إن إخفاق إسرائيل التكنولوجي المُميت جدير بأن يلقى الانتباه بينما تسير أميركا ومعظم دول العالم نحو ضباب عالم الاعتماد على الحاسوب والواقع الافتراضي والميتافِرس والذكاء الاصطناعي والعجز المتنامي عن تمييز الواقع عمَّا سواه.
في عام 2008، العام نفسه الذي أمضت فيه وحدتي بعض الوقت على حدود غزة، نشرت مجلة "أتلانتيك" على غلافها موضوعا من كتابة "نيكولاس كار" بعنوان "هل يجعلنا غوغل أغبياء؟"، وجاء فيه: "في يوم من الأيام، كنت غوَّاصا في بحر الكلمات، والآن أنا أتحرَّك على السطح وكأنني شاب على متن دراجة مائية". لقد بدأ يتضح لي منذ ذلك الوقت أن التكنولوجيا لن تخدم العقل البشري، بل ستُعيد نسجه من جديد، وكان هذا أمرا يجعل بعضنا غير مرتاح وبعضنا الآخر متحمسا. وكي يمنح المتحمسين صوتا في مقاله، نقل "كار" كلمات الرئيس السابق لشركة غوغل "سيرجي برين"، حين قال: "إذا ما باتت كل المعلومات الموجودة في العالم مُلصقة مباشرة بعقلك، أو امتلكت مخا صناعيا أذكى كثيرا من مخك؛ فإنك أفضل حالا لا شك".
إن الرؤية التكنولوجية بمنزلة تقدُّم لا ينتهي يصبح معه كل تحديث لبرنامج أفضل من سابقه، تاركا إيَّانا في وضع أفضل من ذي قبل. ولكن عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول تشي لنا بالمستقبل الذي يُرجَّح أن نعيشه بالفعل جرَّاء ذلك. بينما تصبح الثقافات الغربية الثرية أكثر انفصالا عن الحقائق البسيطة لبقاء البشر، فإنها ستخضع لتهديد واضح من أولئك الأشد بأسا والأكثر نهما.
في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجرى "يوسِّي بشار"، نائب قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، حوارا عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول مع الإذاعة العامة الإسرائيلية. ينحدر بشار، البالغ من العمر 59 عاما، من مستوطنة "بيري"، التي قُتل فيها أكثر من مئة شخص، منهم والدته. أمضى بشار معظم يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول يقاتل رجال حماس من الشرفة الأرضية المفتوحة لمنزل سيدة عجوز، ومنذ تلك اللحظة، وهو يدير الحرب داخل غزة، وهي حرب تشمل القوة الجوية والتكنولوجيا المتقدمة، لكنها تشمل أيضا المشاة والدبابات، والحاجة إلى الشجاعة التي أثبتت مجددا أنه لا غنى عنها.
إن الجيش الأكثر تطوُّرا تكنولوجيًّا في تاريخ إسرائيل قد تكبَّد للتو الهزيمة الأسوأ في تاريخ دولتنا. لقد أمكن لكتيبة إنذار مثل تلك التي استخدمتها قوات المشاة في الحرب العالمية الأولى، إن نقلناها من عام 1917 إلى حدود غزة عام 2023، أن تُجنِّبنا هجوم حماس. من الأفضل أن تقبع مرعوبا في خندق وأن تعلم يقينا أن هناك أحدا بانتظارك في الخارج، عن أن تنام لأنك تعتقد أن شخصا ما، أو شيئا ما، يعرف ما يدور بالنيابة عنك.
————————————————————————-
هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: ماجدة معروف.