شعار قسم ميدان

ممر زنغزور.. كيف وصلت حرب أرمينيا وأذربيجان إلى حدود إيران؟

ممر زنغزور.. الطريق الذي أشعل فتيل الحرب بين أذربيجان وأرمينيا

مقدمة الترجمة:

في الماضي، كانت "زَنغِزور" منطقة أذربيجانية يسكنها مسلمون أتراك، قبل أن يضمها الاتحاد السوفيتي إلى أرمينيا في عشرينيات القرن الماضي، الأمر الذي تسبب في فقدان أذربيجان اتصالها مع مقاطعة نَخجِوان الأذرية المتمتعة بالحكم الذاتي، ومع تركيا من بعدها. وتُعَدُّ زنغزور اليوم موضع الخلاف الرئيسي بين باكو ويريفان، حيث ترغب أذربيجان في إقامة ممر عبرها إلى نَخجِوان، وهو ما ترفضه أرمينيا بشكل قاطع. في هذا المقال من موقع "أوراسيا نت"، يتناول أرشالويس مجدسيان أبعاد هذا الخلاف، وجذوره التاريخية، وتداعياته المستقبلية.

نص الترجمة:

حين شنَّت أذربيجان الأسبوع الماضي سلسلة من الهجمات غير المسبوقة ضد أهداف داخل جنوب أرمينيا، اتجهت التكهُّنات على الفور إلى ما تُطلِق عليه باكو "ممر زَنغِزور". لقد تحوَّل مشروع هذا الطريق إلى واحد من أكثر القضايا الخلافية بين أرمينيا وأذربيجان منذ حربهما عام 2020، حيث تتهم باكو على الدوام أرمينيا بالتنصُّل من التزاماتها بإنشاء طريق نقل يعبر تلك المنطقة، الذي من شأنه أن يربط مقاطعة "نَخجِوان" (نَختشِوان) الأذربيجانية ببقية أذربيجان عبر جنوب أرمينيا، إذ إن المقاطعة الصغيرة معزولة عن بقية البلاد (تلاصقها تركيا من الغرب وأرمينيا من الشرق).

طريق النقل المُقترح لربط أذربيجان من عاصمتها "باكو" بـ"نَخجِوان" ومن بعدها تركيا وصولا إلى مدينة "قارس"، قاطعا ممر "زَنغِزور" ومُلاصقا للحدود الإيرانية-الأرمينية. (المصدر - تي آر تي).
طريق النقل المُقترح لربط أذربيجان من عاصمتها "باكو" بـ"نَخجِوان" ومن بعدها تركيا وصولا إلى مدينة "قارس"، قاطعا ممر "زَنغِزور" ومُلاصقا للحدود الإيرانية-الأرمينية. (المصدر – تي آر تي).

معركة السياسة والجغرافيا

بلغ الأمر الحدَّ الذي جعل الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" يهدد بأنه في حال لم تُعطِ أرمينيا لباكو ما تريده الأخيرة، فإن أذربيجان ستضع يدها على أراضي ممر "زَنغِزور" بالقوة. ولذا، حين انتشرت أخبار الهجمات ليلة 13 سبتمبر/أيلول، تكهَّن العديد من المراقبين في البلدين بأن أذربيجان تُنفِّذ تلك التهديدات بالفعل. وبينما يبدو أن التصعيد خَفت في الوقت الحالي، فإن الحكومة الأذربيجانية والمصادر الموالية لها تواصل المُضي في استخدام المفاوضات حول الممر مسوِّغا لهجماتها الماضية. وقد برَّر بيان صادر عن وزارة الخارجية الأذربيجانية الهجومَ على أرمينيا متهما إياها بـ"وضع شروط جديدة وتعطيل عملية فتح خطوط الاتصالات والنقل".

من جهته، كرَّر رئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان" قبل أيام أن أرمينيا لن تسمح لأذربيجان بأن يكون لها "ممر" عبر الأراضي الأرمينية. وصرَّح "باشينيان" في مؤتمر عُقد في روسيا في 8 سبتمبر/أيلول أن "أذربيجان تتحدث عن ممر، لكنني أريد أن أقول بوضوح شديد إننا لن نمنح أيًّا مَن كان ممرا عبر الأراضي الأرمينية. ومع ذلك، نحن مستعدون لتوفير وفتح طريق في أي لحظة، وقد قدَّمنا هذه الاقتراحات إلى أذربيجان، وما أن تقبل بها أذربيجان، فإننا سنكون قادرين على تنفيذ هذا الاتفاق على وجه السرعة".

تُشير "الاقتراحات" التي ذكرها "باشينيان" إلى مشروع قرار نشره جهاز الأمن القومي الأرميني في 18 أغسطس/آب الماضي، حيث اقترح إنشاء ثلاث نقاط عبور حدودية جديدة تكون عند المواقع الآتية: في قرية "سوتْك" (Sotk) الواقعة على حدود منطقة "كَلْبَجَر" (Kəlbəcər) الأذربيجانية في الشمال، وفي "كاراهونج" (Karahunj) الأرمينية الواقعة على حدود منطقة "قُبادلي" (Qubadlı) الأذربيجانية في الجنوب، وكذلك في "يراسخ" (Yeraskh) الواقعة على حدود "نَخجِوان" الأذربيجانية الحبيسة. وستسمح المعابر الحدودية الجديدة للمركبات الأذربيجانية بالسفر بين البر الرئيسي للبلاد و"نَخجِوان" على الجهة الأخرى من الممر. وقد يفي ذلك نظريا بأحد الشروط الرئيسية لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، الذي أوقف الحرب الدائرة حينئذ، حيث نصَّ الاتفاق على أن "تضمن أرمينيا تأمين خطوط النقل" المارة عبر أراضيها بين "نَخجِوان" وبقية أذربيجان.

ورغم ذلك، انصب جُلُّ اهتمام أذربيجان على هدف واحد تَمثَّل في تصوُّرها عن الطريقة التي ينبغي تنفيذ خطوط النقل بها، إذ ترى أذربيجان تنفيذ طريق يمتد بطول الحدود الجنوبية لأرمينيا (مع إيران) عبر مدينة "مِغري"، وهي المسافة الأقصر بين "نَخجِوان" وبقية أذربيجان، وقد اتفق الطرفان بالفعل على إعادة بناء خط سكة حديد يعود إلى الحقبة السوفيتية. وأكَّد الرئيس الأذربيجاني "علييف" في مايو/أيار الماضي أنه قرر بالفعل أن يمر كلٌّ من خط السكة الحديد والطريق السريع عبر مدينتَيْ "مِغري" و"زَنغِزور"، قائلا: "إننا ماضون في تحقيق ذلك، كما قُلت، ولذا فنحن نُملي الأجندة".

صراع "الممرَّات" والسيادة عليها

Azerbaijan's Army statioend in the Lachin city- - LACHIN, AZERBAIJAN - SEPTEMBER 1: A view of Lachin region after Azerbaijan's Army has taken full control of the city, as well as Zabukh and Sus villages, on September 1, 2022 in Azerbaijan. Russian peacekeepers and the Armenian population have left the areas along the route known as the Lachin Corridor, where Lachin, Zabuh, and Sus are located. The area was temporarily put under Russian control in line with the tripartite declaration signed by Moscow, Baku and Yerevan on Nov. 10, 2020, following 44 days of the second Karabakh War between Azerbaijan and Armenia.
ممر "لاتشين" (الأناضول)

ينقسم الطرفان في رأيهما حول الوضع القانوني لذلك الطريق أو الطرق عموما. فوفقا لاتفاق وقف إطلاق النار، يجب أن "يُسيطر" حرس الحدود الروسي على خطوط النقل الجديدة. وتحاجج أذربيجان بأن الطريق يجب أن تسمح للمركبات الأذربيجانية بالمرور عبر الأراضي الأرمينية دون أن تخضع لفحوصات جمركية من الجانب الأرميني. وهذا من شأنه أن يجعلها قابلة للمقارنة مع وضع ممر "لاتشين" (لاجين)، الطريق الذي يربط أرمينيا بإقليم "ناغورني قره باغ" ويمُر عبر الأراضي الأذربيجانية، إذ لا تسيطر أذربيجان على ممر "لاتشين".

 

غير أن أرمينيا ترفض إمكانية إنشاء "ممر زَنغِزور" دون أن تكون لها سيطرة عليه، وذلك خشية أن تفقد سيطرتها على حدودها الجنوبية، التي تُعَدُّ المنفذ الوحيد إلى إيران (بالنظر إلى أن بقية حدودها مع دول غير صديقة مُقرَّبة من حلف الناتو مثل أذربيجان وجورجيا، أو عضوة فيه بالفعل مثل تركيا، في حين تتمتَّع هي بعلاقات قوية مع روسيا وإيران)*. وقد صرَّح "باشينيان" في مقابلة له مع قناة الجزيرة في 14 يونيو/حزيران الماضي بأن "الصياغة التي جاء بها مشروع ما يُسمَّى بالممر غير مقبولة بالنسبة لنا، وهذا خط أحمر لنا لأنه في منطقتنا، ووفقا للبيان الثلاثي يوجد ممر واحد (من هذا النوع) هو ممر لاتشين".

أشارت المحللة "أرمين ماركاريان" في تصريح أدلت به إلى موقع "أوراسيا نِت" إلى أن "يريفان تريد الفصل بين خطوط السكة الحديدية التي اتُّفِق عليها بالفعل عن بقية الطرق، حيث عرضت أرمينيا طرقها الداخلية الخاصة بُغية منع باكو من أن تضع هذه الطرق والخطوط في سلة واحدة، وأن تطالب بنمط تشغيل خاص بها يُماثل وضع ممر لاتشين". ولكن يبدو أن أذربيجان لم تتأثَّر بالعرض الأرميني، إذ لم يصدر أي تعليق من المسؤولين الأذربيجانيين حياله. وفي تحليل أُجري على موقع "زِركالو" (Zerkalo.az)، صرَّح خبير النقل "رؤوف أغامِيرزاييف" أن ذلك لم يتوافق مع مطالب باكو، قائلا: "تسعى أذربيجان لفتح جميع خطوط النقل في المنطقة، غير أن أولويتها هي ممر زَنغِزور، وهذا ليس واردا في خطط أرمينيا". هذا ويُحاجج محللون أذربيجانيون آخرون بأنه في حال رفضت أرمينيا السماح بإنشاء "ممر" إلى نَخجِوان، فستُصِر باكو على تطبيق التدابير نفسها على ممر "لاتشين".

تعليق الصورة: ممر "لاتشين" الذي يربط أرمينيا بمدينة "ستِفانكَرت" عاصمة إقليم "ناغورني قره باغ"، ويخضع الممر و"ستِفانكَرت" لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية، لا سيما أن المدينة ما زالت بها أغلبية سُكانية أرمينية، ولم تدخلها قوات أذربيجان أثناء حرب 2020. (المصدر - موقع الأمن والدفاع الأوروبي).
ممر "لاتشين" الذي يربط أرمينيا بمدينة "ستِفانكَرت" عاصمة إقليم "ناغورني قره باغ"، ويخضع الممر و"ستِفانكَرت" لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية، لا سيما أن المدينة ما زالت بها أغلبية سُكانية أرمينية، ولم تدخلها قوات أذربيجان أثناء حرب 2020 (المصدر – موقع الأمن والدفاع الأوروبي).

إيران ترفض الممر

أثارت فكرة ممر "زَنغِزور" قلق إيران، التي تخشى انقطاع حدودها مع أرمينيا وتطويقها (في القوقاز) على نطاق واسع من قِبَل تركيا وأذربيجان صاحبتَيْ العلاقات غير الودية معها (لا سيما أذربيجان صاحبة العلاقات الوطيدة بإسرائيل، التي اتُّهِمَت باستمرار بأنها قاعدة للنشاطات الاستخباراتية الإسرائيلية الموجَّهة ضد إيران)*. فقد انتقد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي الخطة، وهو ما من شأنه أن يمنح أرمينيا مزيدا من الثقة بأنها قادرة على صد مشروع ممر "زَنغِزور" بمساعدة إيران. وقال الخبير الإيراني "جورجي ميرزابِكيان" في حديث مع "أوراسيا نِت" إن "أرمينيا تقول إنها لا تستطيع التخلي عن خطوط النقل التي تربطها بإيران، وإلا فإنها قد تفقد حدودها معها، مما يُمثِّل ضربة كبيرة لسيادة أرمينيا".

هناك لاعب أساسي في هذه العملية ألا وهو روسيا، الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار. فقد أيَّدت موسكو باستمرار فتح الخطوط في القوقاز، بل وصارت لها الآن مصلحة أكبر في ذلك بعد أن قُطعت خطوط إمدادها غربا إلى أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا. وقد أشارت "أولِسيا فارتانيان"، المحللة بمركز أبحاث "مجموعة الأزمات الدولية"، في تصريح إلى موقع "أوراسيا نِت"، إلى أنه "بعد الحرب على أوكرانيا، حين قُطِعَت جميع الخطوط الجوية والبرية والبحرية بين روسيا وأوروبا، أضحت روسيا مهتمة بشدة بفتح خطوط النقل عبر أرمينيا بُغية الحصول على طرق نقل إضافية مع تركيا. ويمكننا الافتراض بأن روسيا قد تضغط على يريفان في هذا الشأن. ولكن من جهة أخرى، فإن هذه هي الفرصة التي يمكن ليريفان أن تستخدمها لتعزيز أهميتها في نظر روسيا، بحيث تستطيع الأخيرة بطريقةٍ ما مساعدة أرمينيا في التوصل إلى اتفاق مع باكو".

في السياق ذاته، قال "سِرجي ماركِدونوف"، محلل شؤون القوقاز بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية بوزارة الخارجية الروسية، في تصريحاته إلى "أوراسيا نِت"، إن روسيا لها مصلحة إضافية في المحصلة، نظرا لأنها من المفترض أن تكون الضامن الأمني للطريق الجديد. وبالنظر إلى أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار المتعلقة بالنقل "خطوط عامة دون تفاصيل محددة"، فإنها أفضت حتما إلى ظهور تأويلات مختلفة للأمر. ومع ذلك، فإن المسألة الأهم بالنسبة لروسيا هي دورها بتوفير الأمن، حيث قال "ماركِدونوف" إن "هذا بالضبط ما ستدفع روسيا باتجاهه، من أجل أن تكون ضامنا للطريق". وقد أعرب "آرام سَركسيان"، حليف "باشينيان" ورئيس "حزب الجمهورية" الأرميني، في حديثه مع "أوراسيا نِت"، عن اتفاقه مع القول إن هناك مصالح خاصة لروسيا فيما يخص التأكد من إنشاء الطريق، حيث قال: "بهذه الطريقة تتمكَّن روسيا من السيطرة على ممرين في آنٍ واحد (أحدهما يربط أرمينيا بـ"قره باغ" والآخر يربط أذربيجان بـ"نَخجِوان") ومن ثمَّ يزداد اعتماد الدولتين عليها".

——————————————————————————

هذا المقال مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: كريم محمد.

المصدر : مواقع إلكترونية