الأوكرانيون يقصفون القرم.. كيف تستعد كييف لحرب الشتاء القادمة؟

مقدمة الترجمة:
في تحول مثير في مسار الحرب، بدأ الأوكرانيون في شن ضربات استباقية ضد روسيا في شبه جزيرة القرم، في الوقت الذي شنوا فيه هجوما مضادا نجح في استعادة عدة آلاف من الكيلومترات من الأراضي. في هذا السياق، يناقش باتريك تاكر، محرر التكنولوجيا في مجلة "ديفينس وان" الأميركية، الضربات الأوكرانية المحتملة خلال الشتاء المقبل بهدف إضعاف قدرة القوات الروسية. ويرى تاكر أن هذه الهجمات المضادة ستلحق أضرارا بالغة بالجنود الروس الذين قد ينتهي بهم الحال "كالمشردين" بدون طعام أو حتى ذخيرة.
نص الترجمة:
تكهَّن كثيرون بأن الضربات الأوكرانية الأخيرة على القواعد الروسية في شبه جزيرة القرم بداية لهجمات أوكرانية مضادة طال انتظارها تهدف إلى استعادة الأراضي المسلوبة منذ غزو فبراير/شباط الماضي. بيد أن عددا من الخبراء رجَّح أن تكون الهجمات محاولة لمنع القوات الروسية من التزوُّد بالإمدادات أو التقدُّم إلى أبعد مما وصلت إليه. ويبدو إذن أن سلسلة التفجيرات التي وقعت في 9 أغسطس/آب في قاعدة "ساكي" الجوية، وضربات 20 أغسطس/آب التي استهدفت ميناء "سِفاستوبول" التابع للبحرية الروسية في شبه جزيرة القرم، مَثَّلت بداية لمرحلة جديدة من الصراع بالتزامن مع توجيه القوات الروسية لتركيزها على إقليم "دونباس" وجنوب أوكرانيا.
لقد قالت مجلة "بوليتيكو" إن "الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره بدأ في الجنوب بانفجار في القرم". ولكن أحد المُحلِّلين العسكريين المتخصصين في شؤون شرق أوروبا، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته بسبب استمرار عمله مع الحكومة الأميركية، قال إن أهداف أوكرانيا أكثر تواضعا على الأرجح: "إنهم لا يحاولون القضاء على أسطول البحر الأسود (الروسي)، بل يحاولون القضاء على الدعم الجوي الذي يرتكز على القرم ويدعم الجبهة الروسية في الجنوب، كما يحاولون القضاء على السكة الحديد الرئيسية التي تربط القرم وخيرسون"، المدينة الأوكرانية الخاضعة لسيطرة الروس حاليا.
وقال المحلل إن حتى القتال في محيط "خيرسون" لا يبشر بالضرورة بدخول الأوكرانيين إلى المدينة: "فلا يبدو أن هناك أي استعدادات في تلك المنطقة لشن هجوم، كما لا توجد تحركات حقيقية للقوات هناك، بل إن الأوكرانيين يحاولون عزل القوات الروسية في المنطقة العليا من خيرسون ليس إلا. أما السبب في توجيههم الضربات إلى هذه المناطق فهو وجود ثلاث قواعد رئيسية تحصل منها روسيا على الدعم الجوي اللازم من القرم، كما يحاول الأوكرانيون أيضا إضعاف قدرات تلك القواعد. وجميع ما سبق أمور يمكن لروسيا التعافي منها، بيد أنها ستُمثِّل مشكلة حقيقية في الأسابيع المقبلة".
قال "تشرلز فارِر"، الجندي السابق في البحرية الأميركية، إن الجهود الحالية تهدف على ما يبدو إلى إضعاف القوات الروسية في "خيرسون" وعزلها كي تضع القادة الروس في موقف صعب، بحيث يحاولون الإبقاء على المنطقة مع أمل ضعيف في وصول الإغاثة أو تلقي الدعم أو إيجاد مخرج قبل فوات الأوان. وقد أضاف "فارِر" أن أوكرانيا "استطاعت قطع روافد النهر كلها بين خيرسون ونوفا كاخوفكا، مما يُضيِّق الخناق على الاتصالات والإمدادات (الروسية) إلى قوات الضفة الشمالية". وبدورها تستمر الولايات المتحدة في إمداد أوكرانيا بالذخيرة، التي يتكوَّن معظمها من الرصاص وقذائف الهاون غير الموجَّهة، فيما تساعد بعض الذخيرة الموجَّهة بالليزر نيران المدفعية الأوكرانية الأقل عددا، لإحداث أكبر تأثير ممكن.
الشتاء قادم

يقول "فارِر" إن أهداف أوكرانيا تشي لنا بإستراتيجيتها في القتال: "إنهم يقصفون مستودعات الذخيرة، ويضربون مصادر الوقود، ويستهدفون إمدادات مهمة. وإذا كان لديك جندي في أرض المعركة لا يملك أي ذخيرة ولا أي طعام فهو ليس بجندي. إنه مُشرَّد". ويرجِّح ذلك بأن أوكرانيا تنتهج سياسة النَّفَس الطويل، وتسعى لجعل حياة القوات الروسية أشد صعوبة، لا سيما عندما يحِل الشتاء. وقد أضاف "فارِر" أن "كل ما فعله الأوكرانيون لجعل الظروف اللوجستية أصعب (على الروس) حاليا في الصيف، سيصبح أسوأ عشر مرات بالنسبة للجنود الروس في الشتاء. فلن يشعر هؤلاء بالظمأ فحسب، بل بالبرد والجوع أيضا".
وقد اتفق مسؤول أميركي رفيع سابق في وزارة الخارجية، ولا يزال على تواصل منتظم مع القيادة العليا للجيش الأوكراني، مع الرأي القائل إن إستراتيجية أوكرانيا الحالية هي الضربات الموجَّهة لإضعاف قدرة روسيا على توفير الدعم والإمداد لوحداتها في الجنوب. وأوضح المسؤول السابق: "أعتقد أن ما يفكر فيه الأوكرانيون هو إعاقة قدرة روسيا على الحفاظ على مسار تقدُّمها، فهُم يدمرون الذخيرة والوقود والخدمات اللوجستية والجسور وخطوط السكك الحديدية، وربما السعي للنيل قليلا من سِفاستوبول. إن استعادة أوكرانيا للسيطرة على جزيرة الثعبان بالتحديد تداخلت مع قدرة روسيا على إبقاء هجماتها العسكرية" من خلال تعزيز سيطرة أوكرانيا على الطريق البحري بين "أوديسا" و"رومانيا"، مما جعل تزوُّد القوات الروسية بالإمدادات عن طريق البحر أصعب من ذي قبل.
واتفق المسؤول السابق في الرأي مع "فارِر" أيضا على أن الأولوية القصوى عند الأوكرانيين حاليا هي تصعيب الحياة على القوات الروسية في "خيرسون" ومحيطها قدر الإمكان خلال الأشهر المقبلة. وأوضح المسؤول السابق: "يريد الأوكرانيون بالأساس تجويع القوات الروسية قدر المستطاع من حيث الذخيرة والوقود، ويريدون تحقيق ذلك قبل الشتاء. وستكون الخطوة التالية قطع خطوط الاتصال الأرضية القادمة من روسيا والمارة عبر دونباس وماريبول ومقاطعة زاباروجيا، وحتى مقاطعة خيرسون". وفي النهاية، لو استطاع الأوكرانيون استعادة السيطرة على المنطقة الواقعة غربي نهر "دنيبر" بحلول نهاية العام؛ فسيكونون في موقف جيد بما يكفي للتطلُّع نحو إحراز المزيد من التقدُّم على الأرض".
ثمَّة هدف آخر رئيسي قصير الأمد، على حد قول المسؤول الأميركي السابق، يتمثَّل في جعل شبه جزيرة القرم غير مفيدة عسكريا بالنسبة للقوات الروسية. ويقول "فارِر" في هذا الصدد إن نجاح هذه الجهود يعني أن الأوكرانيين يمكنهم السعي لتحقيق أهداف أكثر طموحا، مثل تدمير إدارة القيادة والتحكُّم الروسية، على غرار الهجمة التي نُفِّذَت مؤخرا على موقع للقيادة في "خيرسون". وأضاف "فارِر": "في مستهل هذا الهجوم سنشهد ضربات ضخمة ومُنسَّقة على عناصر مقر القيادة الروسية للاقتراب أكثر من مقار القيادة والتحكُّم. وسنشهد ضربات أوكرانية على البنية التحتية للنقل وجهود تعبيد الطرق لقطع حركة التعزيزات الروسية المحتملة نحو نقطة هجوم معيَّنة. والأهم، بالطبع، أننا سنشهد خنق الأوكرانيين للخدمات اللوجستية".
تحت الضغط

يواجه الأوكرانيون من جهتهم مصدرين مختلفين للضغط: الإمدادات والوقت. وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، قال "فارِر" والمسؤول الأميركي السابق إن أوكرانيا تحتاج إلى مزيد من الصواريخ بعيدة المدى، مثل نظام الصواريخ التكتيكية "إم جي إم-140" (ATACMS) الأميركي، وهي صواريخ يمكن إطلاقها من راجمة الصواريخ "هيمارس" التي يمتلكها الأوكرانيون بالفعل. وطلب الأوكرانيون مرارا منذ فبراير/شباط الماضي نظام الصواريخ "إم جي إم-140" بحسب تصريح مسؤول عسكري أوكراني لمجلة "ديفِنس وان". ولم يوضح المسؤول ما إذا كانت واشنطن قد أمدَّت أوكرانيا بها بَعد، حيث لم تَرِد المنظومة حتى الآن في القائمة المنشورة لإمدادات السلاح الصادرة عن البنتاغون.
بحسب ما أورد "سيرغي غرابكي"، العقيد في الجيش الأوكراني، في "بودكاست" بعنوان "جيوبوليتيكس ديكانتِد" في 3 أغسطس/آب، فإن الدفاعات الجوية الروسية فعَّالة للغاية في مواجهة الصواريخ طويلة المدى، وقد استطاعت أوكرانيا ضرب الأهداف في القرم من دون استخدامها. ويبدو أن ضربة واحدة على الأقل من ضربات الأوكرانيين ضد القرم قد نُفِّذت بمُسيَّرة انتحارية جرى شراؤها عبر موقع "علي بابا" الصيني مقابل ثمانية آلاف دولار تقريبا.
وبحسب المسؤول الأميركي السابق، فإن الأوكرانيين إذا أرادوا النيل من مراكز القيادة فسيحتاجون إلى قوة نارية ضارية، مضيفا: "ما أُبلِغت به فيما يخص قذائف المدفعية الحالية التي نقدمها للأوكرانيين هو أنها تؤدي بالفعل أداء حسنا في ضرب مستودعات الذخيرة وإمدادات الوقود. ولكن حينما يتعلق الأمر بمواقع القيادة الروسية، فإنها محمية بنوع من أنظمة الدفاع الجوي التي يمكنها إسقاط الصواريخ. ولذا، فإن الطريقة الوحيدة لتدمير مقر للقيادة هي إرهاق نظام الدفاع الجوي بإطلاق المزيد من الصواريخ".
يُمثِّل الوقت مصدر الضغط الآخر على أوكرانيا. فبينما يُنتظر أن يجعل حلولُ الشتاء الحياةَ صعبة بالنسبة للجنود الروس في البلاد، فإن السياسيين الأميركيين والأوروبيين لعلهم يرغبون في رؤية بعض نتائج المساعدات التي قدَّموها قبل تساقط الثلوج الأول هذا الشتاء. وقد قال المحلل الأميركي إن الخطر الحقيقي الذي تواجهه أوكرانيا ليس أن تشن هجوما فاشلا من الناحية العسكرية، بل أن تشن هجوما لا يُقنع الغرب بما يكفي: "فلربما يبدو لمتابعي المعركة أن هذا هو أقصى ما يمكن أن تفعله أوكرانيا بالمعدات والذخيرة الغربية، ومن ثمَّ سيتساءلون لماذا نعطيهم المزيد إذن؟".
تزيد روسيا أيضا من الضغط عن طريق سلسلة من الاستفتاءات المرتقبة لإعلان المنطقة التي استولت عليها منطقة روسية. وبينما لن تُقنع مثل هذه الجهود المجتمع الدولي أو الأوكرانيين، فإنها تضيف عامل تعقيد إلى المشهد. وبحسب المحلل الأميركي: "يُعَدُّ ذلك عنصرا مهما، فهناك مخاوف قوية من احتمالية أن تُعزِّز روسيا سيطرتها السياسية على تلك المناطق، وأن أوكرانيا لن تتمكَّن من استردادها حينئذ".
———————————————————————————————-
هذا الموضوع مترجم عن ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: هدير عبد العظيم.