تركيا هي كلمة السر.. لماذا تعيد أذربيجان بناء جيشها؟

مقدمة الترجمة

تخوض أذربيجان عملية تحديث واسعة لجيشها منذ حربها الأخيرة مع أرمينيا عام 2020، حيث تتخلَّى باكو عن النمط العسكري السوفيتي لتُعيد هيكلة قواتها المسلحة على النمط الغربي مُستلهِمة النموذج التركي. يظهر ذلك التحوُّل في أمرين رئيسيين، أولهما فِرَق الكوماندوز الأذربيجانية الجديدة التي تَشكَّلت على غرار نظيرتها التركية، وثانيهما الأسلحة التركية التي تُكدِّسها باكو في ترسانتها العسكرية وأهمها الطائرات المُسيَّرة من طراز بيرقدار. في هذا المقال، يُحدِّثنا الكاتب فؤاد شاهباز عن أهم ملامح التحوُّل العسكري الأذربيجاني ودوافعه.

نص الترجمة

في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2020، حين اندلعت لتوِّها الحرب بين جيشَيْ أذربيجان وأرمينيا في إقليم "ناغورني قره باغ" ومحيطه، كان الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" قد بدأ الحديث بالفعل عن الإصلاح العسكري. ففي مقابلة مع القناة الحكومية التركية "تي آر تي"، قال "علييف" إنه ينوي إعادة تشكيل الجيش الأذربيجاني "وفقا للنموذج التركي ولكن على مستوى أصغر".

الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" (الأناضول)

لقد سار هذا الإصلاح بالفعل على قدم وساق لسنوات في خضم سعي أذربيجان للابتعاد عن النموذج السوفيتي لقواتها المسلحة، الذي يعتمد استخداما مُكثَّفا للمُجنَّدين مع أعداد ضخمة من المُشاة والوحدات المُدرَّعة، وللاقتراب أكثر من نموذج الناتو للقوات المُحترفة المتحرِّكة ذات التقنيات المتقدِّمة. وبالنظر إلى أن تركيا هي أوثق حلفاء أذربيجان، فمن الطبيعي أن يكون جيشها العضو بحلف الناتو النموذج المطلوب تقليده في باكو. وقد رسَّخ دعم تركيا العسكري الثقيل لأذربيجان في حربها ضد أرمينيا من ذلك التوجُّه، كما وصفه "علييف" في مقابلته قائلا: "إن دعم تركيا المعنوي ومنتجات الصناعات الدفاعية التركية التي وُضِعَت تحت تصرُّفنا عزَّزت من قوتنا، وبإمكان العالم كله أن يشهد على ذلك. إن الجيش التركي هو ثاني أقوى جيش في حلف الناتو ولا يُمكن لأحد أن يواجهه اليوم".

إعلان

على خُطى تركيا

انتهت الحرب الأخيرة بانتصار أذربيجان واستعادتها معظم الأراضي التي فقدتها للأرمن أثناء الحرب الأولى بين البلدين في التسعينيات، وسرعان ما تسارعت وتيرة خطط أذربيجان. فقد دشَّنت باكو سلسلة من الإصلاحات العسكرية الجديدة، شملت زيادة الإنفاق العسكري، وتأسيس وحدات قتالية جديدة وجامعة للدفاع الوطني، مع رفع أعداد مقاتلي القوات الخاصة، وهي كلها تحوُّلات مرسومة على غرار النموذج التركي. ويبدو أن التطوير السريع للقوات الخاصة هو الأولوية القصوى من بين تلك الإصلاحات. ففي إبريل/نيسان 2022، صرَّح "علييف" بأن "أذربيجان ضاعفت من أعداد مقاتلي القوات الخاصة بعد حرب قره باغ"، وهو ما شمل فرعا جديدا لهذه القوات تأسَّس بعد عام 2020 على هيئة وحدات سُمِّيَت بـ"الكوماندوز" وفقا لنظيرتها التركية ذات الاسم نفسه.

تُعَدُّ القوات الخاصة وحدات نُخبة موجَّهة للحروب التقليدية طويلة الأمد، في حين أن وحدات الكوماندوز موجَّهة أكثر للعمليات القصيرة التي تجري في ظروف جوية عصيبة أو بمناطق جبلية يصعُب الوصول إليها، وهما سِمتان ملازمتان للكثير من الأراضي التي استعادتها أذربيجان عام 2020، بما في ذلك مقاطعات "لاشين" و"هادروت" و"كَلْبَجَر". ويتلقَّى مقاتلو الكوماندوز برنامجا تدريبيا أشد، ولا يُسلَّحون إلا بسلاح محمول يدويا مثل بنادق القناصة والقنابل اليدوية شديدة الانفجار، ويستخدمون مُدرَّعات خفيفة. أما القوات الخاصة التقليدية، فإنها تُزوَّد بمُدرَّعات ثقيلة وبنادق ذات عيار كبير وقاذفات قنابل ومدافع هاون وأنظمة صاروخية محمولة وغيرها من المُعدّات المُعقَّدة.

حتى الآن، أعلنت أذربيجان عن تأسيس خمس وحدات كوماندوز، اثنتان منها في مقاطعتَيْ "هادروت" و"كَلْبَجَر"، في حين لم تُعلَن بَعد مواقع الوحدات الثلاث الأخرى، بيد أن بوسعنا الافتراض بسهولة أن الوحدات الثلاثة ستكون بالقُرب من الحدود مع أرمينيا، ومن خط التماس مع المقاطعات التي تسيطر عليها قوات حفظ السلام الروسية. علاوة على ذلك، هنالك توسُّع آخر متوقَّع، حيث قال "عدالت وَردييف"، الخبير العسكري الأذربيجاني، إن أذربيجان تُخطِّط قريبا لمضاعفة أعداد وحدات الكوماندوز والوحدات العسكرية التقليدية في إقليم "قره باغ". ومن جهتهم، لم يُفصِح المسؤولون الأذربيجانيون عن الأعداد الحالية للكوماندوز في بلادهم، لكن "علييف" أعلن سابقا أنهم باتوا "بالآلاف".

إعلان

ستعمل وحدات الكوماندوز الأذربيجانية مباشرة تحت إمرة "قيادة القوات البرية"، وهي قيادة مُستَنسَخة بالكامل من نظيرتها التركية. تأسَّست تلك القيادة عام 2021، وتبوَّأ مقعد القيادة فيها الفريق "أنور أفندييف"، خريج الأكاديمية العسكرية التركية. وستُنسِّق القيادة الجديدة جميع العمليات البرية عوضا عن هيئة الأركان العامة التي أشرفت في الماضي على كل العمليات العسكرية في أي مجال. هذا وافتتحت قيادة القوات البرية منذ تأسيسها مركزا جديدا للقيادة وعددا من المنشآت. أما جامعة الدفاع الوطني الجديدة، التي تأسَّست للتوِّ في مارس/آذار 2022، فاستُلهِمَت من نظيرتها التركية أيضا، واستندت إلى المعايير الموضوعة من جانب جامعة الدفاع التركية (التي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأسيسها في تركيا عام 2016). وبالتزامن مع تلك الإصلاحات الأذربيجانية، زادت باكو من أعداد ضباطها الذين يدرسون في تركيا نفسها، حيث يدرس هناك حاليا أكثر من مئتي ضابط.

ثورة البيرقدار

بيد أن ثمَّة حدودا لتأثير الجيش التركي في أذربيجان. فبينما تنتشر الأقاويل منذ اندلاع حرب "ناغورني قره باغ" الأخيرة حول احتمالية تدشين تركيا لقاعدة عسكرية في البلاد، فإن "علييف" قد وضع حدًّا للشائعات قائلا: "إن هذا الخيار لم يُناقش بعد مع تركيا". ولا تسمح العقيدة العسكرية الأذربيجانية بتأسيس قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، لكن "علييف" بتصريحه ترك الباب مفتوحا، حيث قال: "إذا كان هناك تهديد جسيم لأذربيجان، فسنستخدم هذه الفرصة لأن تركيا حليفتنا".

لعل الوجه الأوضح والأشهر للتأثير التركي على جيش أذربيجان هو التسليح، إذ لعبت الطائرات المُسيَّرة "بيراقدار" (TB2) دورا حاسما في الانتصار على أرمينيا عام 2020، لكنها بالطبع ليست السلاح التركي الوحيد في ترسانة أذربيجان. فقد حصلت باكو على نظام المستشعر الكهروضوئي "دراجون آي" (Dragoneye)، والعربات المُدرَّعة "كوبرا 2"، وأنظمة إطلاق الصواريخ الموجَّهة "تي آر جي 300"، والصواريخ الموجَّهة بالليزر "تي آر إل جي 230"، ونظام إطلاق الصواريخ المتعدِّدة "تي 122 سقاريا"، وغيرها الكثير.

إعلان

يُعَدُّ تحديث الجيش الأذربيجاني جزءا من التوسُّع العسكري الأوسع بعد عام 2020، وقد أشار "علييف" إلى أن خطر الانتقام الأرميني هو السبب في ذلك. غير أن الحافز الراجح لهذا التوسُّع هو تدهور الأمن في محيط أذربيجان الإقليمي عموما، فهناك حرب نظامية شاملة الآن في أوكرانيا (وهي الدولة العضوة سابقا في الاتحاد السوفيتي حتى مطلع التسعينيات مثلها مثل أذربيجان)، أضف إلى ذلك أن النجاح النسبي في الدفاع عن البلاد الذي أظهرته القوات المسلحة الأوكرانية المُدرَّبة من جانب حلف الناتو، أتى ليُدلِّل على أهمية الإصلاح العسكرية وتجاوز النموذج السوفيتي، ويُعزِّز من حُجج المطالبين بذلك داخل أذربيجان.

____________________________________

ترجمة: نور خيري

هذا التقرير مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة

إعلان