رئيس مُحاصر وبرلمان منقسم.. هل كتب ماكرون شهادة وفاة الجمهورية الفرنسية الخامسة؟
مقدمة الترجمة
وصلت فرنسا إلى مرحلة حرجة سياسيا عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولم تشهد البلاد هذه الحالة من انقسام البرلمان منذ تأسيس الجمهورية الخامسة. ولتشريح هذا المشهد السياسي المضطرب وتوقُّع ما يمكن أن تؤول إليه الأمور؛ أعدَّ روبرت زارِتسكي، الأستاذ في قسم اللغات الحديثة والكلاسيكية بجامعة هيوستن، تحليلا نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية.
نص الترجمة
في 19 يونيو/حزيران الماضي، دخلت فرنسا إلى حالة يُمكِن وصفها بالشلل السياسي. ففي الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في إبريل/نيسان الماضي، فاز الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" على منافِسَته اليمينية المُتطرِّفة "مارين لوبان" بنسبة وصلت إلى 58.6% من أصوات الناخبين. ولكن في الانتخابات التشريعية التي جرت بعد شهرين، فشل ائتلاف ماكرون المُنتمي إلى يمين الوسط في انتزاع الأغلبية في البرلمان الفرنسي البالغ قوامه 577 عضوا. فقد حقَّق حزب "التجمُّع الوطني" بقيادة لوبان فوزا تاريخيا، حيث حصد 87 مقعدا، أي أكثر من عشرة أضعاف عدد المقاعد التي سيطر عليها سابقا. أما حزب "الجمهوريين" المحافظ فحصل على 64 مقعدا، في حين ظفر ائتلاف مُكوَّن من أربعة أحزاب يسارية بـ131 مقعدا، وهو ائتلاف "الاتحاد الشعبي الاجتماعي والبيئي الجديد"، الذي يقوده "جان لوك ميلانشون"، السياسي اليساري حتى النخاع وصاحب التعليقات اللاذعة، والعدائية أحيانا. والنتيجة في الأخير هي البرلمان الأكثر انقساما في فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958.
لقد توقَّع بعض المراقبين أن يكون "النهضة"، الاسم الجديد لحزب ماكرون، اسما على مُسمَّى في الانتخابات التشريعية. بيد أن هذا العام لم يشهد تقليص الفجوة بين ماكرون ولوبان للمرة الأولى منذ عام 2017 فحسب، بل شهد إطلاق ماكرون حملة للانتخابات التشريعية اتَّسمت بالفتور تارة وبإثارة الجدل تارة أخرى. فقد استغرق ماكرون أسابيع حتى يُعلِن تعيين التكنوقراطية "إليزابيث بورن" رئيسة للوزراء، بينما حاول أن يسمو بشخصه فوق النزاعات الجارية. ورغم أن ماكرون حاول في بداية حملته أن يبدو كما الرؤساء، فإنه ظَهر بمظهر المتعجرف والمتعالي على الناس، ومن ثمَّ سرعان ما هَرَع ليُباشِر الحملة الانتخابية على الأرض، وأطلق تحذيرا جامحا من أن ائتلاف ميلانشون لا يقل عداء للديمقراطية عن حزب التجمُّع الوطني برئاسة لوبان.
ومع ذلك، ذُهِل المراقبون من نتيجة الانتخابات، التي لم يُكلِّف 54% من الناخبين أنفسهم عناء المشاركة فيها من الأساس. فقد وصفت صحيفة "لو فيغارو" المحافِظة نتائج الانتخابات بأنها "قفزة نحو المجهول"، وفي الصحيفة ذاتها حذَّر "جيروم فوركيه"، مُنظِّم استطلاعات الرأي، من أن تصبح فرنسا "عصية على الحُكم". وفي صحيفة "لوموند" الليبرالية، أعربت "فرانسواز فريسوز"، الصحافية وكاتبة الافتتاحيات في الصحيفة، عن قلقها من أن يؤدي هذا "الزلزال" الانتخابي إلى جعل فرنسا دولة عاجزة. وحتى "بورن"، التي فازت في سباقها نحو رئاسة الوزراء بهامش ضئيل أمام مرشح يساري غير معروف، شدَّدت على الطبيعة الاستثنائية للحدث، وحذَّرت من أن هذا "الموقف غير المسبوق يُشكِّل خطرا على البلاد".
بالطبع يعيش الكثير من الأوروبيين في ديمقراطيات برلمانية، حيث يُعَدُّ تشكيل التحالفات والوصول إلى حلول توافقية أمرا مألوفا، ولذا فإن مثل هذه التقديرات في نظرهم قد تبدو متشائمة أكثر من اللازم. بيد أنه بالنسبة إلى فرنسا المعاصرة، فإن الموقف استثنائي وخطير بالفعل. لقد شلَّت الأنظمة البرلمانية المضطربة فرنسا في الماضي، ومن ثمَّ عملت البلاد في العقود الستة والنصف الماضية على بناء مؤسسات سياسية ينتج عن انتخاباتها فائزين فوزا حاسما، ولكن بعد زمن طويل من القيادة القوية، عادت البرلمانات المُنقسِمة إلى المشهد من جديد. ويحدث كُل ذلك في لحظة غير مواتية، إذ تواجه فرنسا حربا في أوكرانيا، وتهديد التغيُّر المناخي، وصعود التيار المُناهِض لليبرالية في شتى أنحاء أوروبا؛ ولذا فهي بحاجة إلى حكومة قادرة على قيادة الدولة في هذه الحقبة المضطربة. وبدلا من ذلك، صارت السلطة التشريعية في البلاد عاجزة عن الإجماع على أي شيء سوى معارضة الرئيس، في الوقت الذي اكتسب فيه اليمين المتطرف نفوذا غير مسبوق.
الأزمة المتجذِّرة في السياسة الفرنسية
بين عامَيْ 1946-1958 -حقبة الجمهورية الرابعة- منحت فرنسا البرلمان سلطات أعلى من السلطات الرئاسية، ولم يكن ذلك مفاجئا. فعلى غرار جمهوريتها الثالثة، التي نشأت استجابة لما يقرب من 20 عاما من الاستبداد البونابرتي (نسبة إلى نابليون بونابرت)، تأسَّست الجمهورية الرابعة بوصفها رد فعل لـ"نظام فيشي" المدعوم من ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. ومثلها مثل الجمهورية الثالثة، عانت الجمهورية الرابعة من عدم الاستقرار البرلماني، حيث تشكَّلت الحكومات الجديدة كل ستة أشهر، فيما تولَّى ما يقرب من 24 رئيسا للوزراء المنصب في 12 عاما فقط. ومع ذلك، لم ينطوِ التقلُّب دائما على تغيُّر في سياسات الحكومة. ففي عهد الجمهورية الرابعة انضمت فرنسا إلى حلف الناتو، وساعدت في إرساء أسس تشكيل الاتحاد الأوروبي، وأطلقت العنان لنمو اقتصادي دام ثلاثة عقود، لكن التقُّلبات أذكت شعورا مستمرا بعدم اليقين. وبحلول عام 1958، وفي خضم الاستغراق الفرنسي في الحرب ضد الجزائر، لم تكُن الحكومة قادرة على أداء دورها في حُكم البلاد.
مرة أخرى، لجأت البلاد إلى "شارل ديغول"، قائد المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، الذي عارض بقوة دستور الجمهورية الرابعة، ويعود السبب في ذلك جزئيا إلى أنه حمَّل الحكم البرلماني المضطرب مسؤولية هزيمة فرنسا السريعة أمام ألمانيا. وبعدما تولَّى ديغول السلطة عقب الأزمة السياسية، أمر بإعادة كتابة الدستور لنقل السلطة إلى الرئيس (ويختلف الناس في تفسير الطريقة التي تولى بها ديغول السلطة، فهناك مَن رأى أن صعوده استند إلى مطالب شعبية، في حين رأى آخرون أنه فعلها عن طريق التهديد باستخدام القوة). ومن بين أمور أخرى، امتلك رؤساء الجمهورية الخامسة سلطة حلِّ البرلمان وسنِّ التشريعات بواسطة المراسيم التنفيذية.
كانت تصرفات ديغول مثيرة للجدل، لكنها وضعت حدًّا للفوضى إلى حدٍّ كبير. ومنذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، لم تمرُّ فرنسا سوى بثلاث فترات رئاسية قائمة على "التعايش" (Cohabitation)، أي أن يلتزم الرئيس بتعيين رئيس الوزراء من الحزب المعارض (بعد فوز الأخير في الانتخابات البرلمانية). وقد حدث هذا الأمر مرتين أثناء الولايتين الرئاسيَّتين للرئيس الاشتراكي "فرانسوا ميتران"، ثم مرة ثالثة خلال رئاسة الرئيس اليميني "جاك شيراك". بيد أن حالات التعايش الثلاث جاءت نتيجة تباين توقيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إذ تولَّى الرئيس منصبه لفترة رئاسية امتدت سبع سنوات، بينما خَدَم نواب البرلمان ولاياتهم ذات السنوات الخمس بشكل متقاطع. وفي عام 2000، جرى تقليص الفترة الرئاسية إلى خمس سنوات، وتقرَّر إجراء الانتخابات التشريعية بعد فترة وجيزة من السباق الرئاسي، وليس قبله. ومن ثمَّ دأب الناخبون على منح الأغلبية البرلمانية للرؤساء الذين انتخبوهم للتوّ.
ولكن مع ذلك، أدخلت إصلاحات ديغول عنصرا مُزَعزِعا داخل الحكومة الفرنسية. فقد رحَّب ديغول بتركيز السلطة السياسية في يد عدد صغير من المعسكرات الانتخابية نتيجة عدائه للأحزاب السياسية، التي اشتهر بذمِّها ووصفها بـ"الفوضوية". وقد أدى ذلك إلى الاستقطاب السياسي، فحين حلَّ نظام الانتخابات القائم على الأغلبية محل النظام ذي التمثيل النسبي، خنقت الجمهورية الخامسة المركز السياسي، ومنحت قوة للمتطرفين على طرفَيْ الطيف السياسي. ومع الوقت، اشتد الحصار على المسيحيين الديمقراطيين والاشتراكيين بين ضغوط اليمين واليسار المُتشدِّدَين، فلم يستطيعوا الصمود في الأخير. ولذا، صارت الأحزاب التي تُمثِّل اليمين واليسار التقليديَّين اليوم مُهمَّشة نسبيا.
في عام 2017، نجح ماكرون في إعادة توحيد تيار الوسط في السياسة الفرنسية، وكانت الكتلة كبيرة بما يكفي ليستطيع تمرير بعض البنود الرئيسية في أجندته حينها، لكنه فشل في إصلاح "لَغَم" السياسة الفرنسية، وهو نظام المعاشات التقاعدية. ولكن من المحتمل أن تتعثر أجندة ماكرون أكثر من ذي قبل، لأنه لا يحظى الآن بالدعم الكافي من الناخبين. وبالنظر إلى أنه ما من حزب واحد يسيطر على البرلمان بأغلبية مطلقة، على عكس الحال مع الرئيسَين "ميتران" و"شيراك" (اللذين واجها برلمانات سيطر عليها حزب واحد)، لا تملك بورن، رئيسة الوزراء، إلا أن تحكُم عن طريق التفاوض مع الأحزاب المختلفة على مختلف التشريعات، وهو ما تصفه صحيفة "لوموند" بـ"المهمة المستحيلة".
على الأرجح، لن يُرحِّب الناجون من الجمهورية الرابعة بهذه النتيجة، وربما يُصدَمون من تحقُّقها على الأرض. في النهاية، تأرجحت فرنسا إلى الخلف نحو نظام برلماني فوضوي في ظل دستور ونظام انتخابي صُمِّمَا بوضوح لمنع حدوث ذلك. وقد عقَّب أستاذ السياسة الفرنسي "لوك روبان" على هذا الأمر قائلا إن "الجمهورية الرابعة تُعيد إنتاج نفسها في إطار الجمهورية الخامسة. ولن يُعزِّز ذلك من ثقة الجمهور في العملية السياسية".
برلمان جديد وسياسة مُعلَّقة
رغم أن البرلمان الجديد يبلغ من العمر بضعة أسابيع، فإن ما حدث حتى الآن يُرجِّح أن روبان ربما يكون محقا. فخلافا للتقليد المعروف، لم تسعَ بورن إلى تصديق البرلمان المُنتخب حديثا على حكومتها، وأدى ذلك إلى دعوة تحالف ميلانشون إلى التصويت على سحب الثقة من حكومتها. وقد لقيت دعوات ميلانشون رفضَ حزب لوبان، الذي يُصِرُّ على أداء دور "بنَّاء" أكثر من اليسار. بيد أن حزب التجمُّع الوطني برئاسة لوبان انضم إلى خصومه في مسألة التصويت لإحباط تمرير بنود رئيسية في أجندة ماكرون، لا سيما قدرة الدولة على إعادة فرض الإجراءات الاحترازية في مواجهة فيروس "كوفيد-19" على المسافرين من البلاد أو القادمين إليها. ولا ينبئ مثل هذا الفشل المُبكِّر بالخير لبقية أجندة ماكرون الداخلية.
كما أن ذلك يُضعِف أجندة ماكرون على الصعيد الدولي. فرغم احتفاظ الرئيس بالسلطة في ملف السياسة الخارجية بوصفها جزءا من "نطاقه الخاص"، فإن وضعه العالمي الآن أضعف بالنظر إلى الدعم المتدني الذي يحظى به في الداخل. ولا تُعَدُّ هذه الهشاشة مسألة بسيطة بالنسبة لماكرون، الذي عبَّر بوضوح عن طموحه لجعل أوروبا لاعبا رئيسيا على الساحة الدولية. وتتراكم هذه المشكلات الجديدة على أخرى قائمة بالفعل. فليس سهلا التوفيق بين دعوة ماكرون لأوروبا كي "تتصرَّف بقوة، وتعمل بسرعة، وتسعى لأحلام كبرى"، وبين جهوده الحثيثة (العقيمة على الدوام) للتفاعل البنَّاء مع "فلاديمير بوتين" قبل غزو روسيا لأوكرانيا وبعده. ولم يُحسِن ماكرون التقدير عندما انتظر حتى 16 يونيو/حزيران ليزور أوكرانيا، ولم يُحسِن التقدير أيضا بالمساعدات العسكرية الهزيلة نسبيا التي زوَّد بها كييف. ولذا، فإن الرئيس الفرنسي الآن في موقف أضعف من أن يساعد فرنسا للعب دور في حلِّ مشكلات الكوكب العديدة كما أراد.
ولا يعني ذلك انهيار وضع ماكرون دوليا، فقد حظي بالإشادة على مدار الأشهر الستة التي قضاها رئيسا للاتحاد الأوروبي. بيد أن معظم هذا التصفيق الحار كان من خارج فرنسا، أما الفرنسيون فقد ضربوا كفا بكف في مواجهة التضخم المتصاعد واستمرار ضعف القوة الشرائية. إن التكليف الأول الذي تولَّته حكومة بورن هو الوصول إلى تسوية بشأن حزمة مقترحات لدعم المستهلكين الفرنسيين، ولكن بالنظر إلى الآراء الاقتصادية المختلفة جوهريا بين اليسار واليمين -حيث يُفضِّل اليسار رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة علاوات الأُسَر، فيما يسعى اليمين لتقليص الإنفاق وتخفيض ضرائب الغاز- فمن غير الواضح مَن الطرف الذي سيُبرِم معه بورن أو ماكرون صفقة في هذا الصدد، وما الذي سيترتَّب عليها. وفي الوقت الراهن، ستكون الحكومة بحاجة إلى النظر في أكثر من 1100 تعديل تقدَّمت بها الأحزاب المعارضة بالفعل ردا على مشروع القانون المقترح.
نتيجة المصاعب المُتعلِّقة بالتضخم؛ قد تتولَّد تبعات خطيرة على الملامح المستقبلية للسياسة الفرنسية، منها تعزيز اليمين المتطرف أكثر، إذ ساعدت المشكلات المُتعلِّقة بلقمة العيش حزبَ لوبان على تحقيق نصره الانتخابي الاستثنائي. ومنذ تأسيس الحزب باسم "الجبهة الوطنية" منذ عقود، اعتقد المراقبون السياسيون أن من المستحيل أن يصل اليمين المتطرف إلى أي تقدُّم، وأنه سيظل مُهمَّشا في فرنسا. فمنذ البداية، جنح الحزب نحو العنف، وعبَّر عن حنينه إلى حقبة "نظام فيشي"، واتسم بنزعة سُلطوية، وأنكر الهولوكوست. أما الآن، فقد بات وجود الحزب طبيعيا، وأصابت لوبان حين أشادت بأداء حزبها في الانتخابات بحماسة واصفة إياه بـ"الإنجاز التاريخي".
في 30 يونيو/حزيران، حصل حزب التجمُّع الوطني على ما يكفي من الأصوات من الأحزاب اليمينية الأخرى للمُطالبة بشغل منصبين من مناصب نوَّاب رئيس البرلمان الستة، وهي مناصب مهمة ومسؤولة عن مساعدة الرئيس في ترتيب الجداول الزمنية والإشراف على نقاشات المجلس. وكتبت "إِيلين سالفي"، الصحافية في موقع "ميديابارت" الإلكتروني المتخصص في الصحافة الاستقصائية: "لقد استغرق اليمين المتطرف أسبوعا ليس أكثر للتصرُّف بحرية داخل المجلس وكأنه منزله". وعلاوة على أن نجاح "التجمُّع الوطني" أتى استجابة للتضخم، فإنه نتج جزئيا أيضا عن جهود لوبان لجعل حزبها أقل تطرُّفا، حيث طهَّرت لوبان الأعضاء المُنتخَبين عن حزبها من النازيين الجدد ومعادي السامية، وجعلت مواقفهم معتدلة بشأن عدد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية. فمثلا، أوقفت لوبان طرح فكرة انفصال فرنسا عن الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، تستمر لوبان في تشجيع حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وتجْهر بما تُسميه "الأولوية الوطنية"، الأمر الذي قد يَحرِم غير المواطنين المُقيمين في فرنسا من السعي للتوظيف والسكن والتأمين الصحي والامتيازات الاجتماعية. كما أنها تؤيد إجراء الاستفتاءات الشعبية على كل القضايا التي تُهِم الناخبين، لكنها غالبا ما تبدو مهتمة باستخدام هذه الآلية للدفع بقضايا اليمين قُدُما. وقد أعلنت لوبان مؤخرا أنها منفتحة على إجراء استفتاء حول إعادة العمل بحكم الإعدام في فرنسا، وهي قضية حسَّاسة في بلد مثل فرنسا اخترع المِقصَلة في يوم من الأيام، لكن لوبان تراجعت عن ذلك في اليوم ذاته.
بالنظر إلى استمرار اتجاه لوبان الراديكالي، فلا عجب من تنديد "جوليان بايو"، رئيس "حزب الخُضر"، بمطالب حزب التجمُّع الوطني حول توليه مقعدين من مقاعد نواب رئيس المجلس، حيث وصف بايو الأمر بأنه "لا يمكن تصوُّره". بيد أن كل التداعيات التي لم يكن تصوُّرها ممكنا باتت محتملة في فرنسا اليوم، إذ صار ممكنا مثلا أن يلجأ ماكرون إلى "الخيار النووي" في السياسة الفرنسية، وهو كناية عن حلِّ المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة. وقد يفكر الرئيس في أن هذا الخيار سيُحسِّن موقفه، لكن الانتخابات ليست سوى مقامرة، حيث يُمكِن في حال أعاد ماكرون الناخبين الفرنسيين المُنزعجين إلى صناديق الاقتراع أن يفقد حزبه حصَّته في الأغلبية النسبية الكائنة حاليا. وفي حال استمر حزب التجمُّع الوطني في صعوده السريع، من الممكن أن يصبح الحزب الأكبر في البلاد بعد انتخابات جديدة، بل ولعله يفوز بأغلبية مُطلَقة. وبالفعل، بالنظر إلى التطبيع المستمر لحزب التجمُّع الوطني مع التيار الرئيسي للمجتمع الفرنسي، لم يعد مستحيلا أن تشهد فرنسا تولِّي امرأة منصب الرئيس لأول مرة بحلول عام 2027، وستكون حينئذ الرئيسة مارين لوبان.
_________________________________________
ترجمة: هدير عبد العظيم
هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.