مؤامرة أميركية أم فقدان دعم الجيش.. لماذا سقطت حكومة عمران خان في باكستان؟
مساء السبت 9 أبريل/نيسان، صوّت البرلمان الباكستاني على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء عمران خان، بأغلبية 174 نائبا، في حين يحتاج قرار سحب الثقة عن رئيس الوزراء دستوريّا إلى موافقة 172 صوتا. جاء هذا بعد يومين من إعلان اللجنة القضائية الخاصة المكونة من قضاة المحكمة العليا في باكستان، إلغاء قرار الرئيس الباكستاني حلّ البرلمان داعية إلى عقد اجتماع برلماني من أجل التصويت على مذكرة سحب الثقة من رئيس الوزراء.
في اليوم التالي للإطاحة بعمران خان، انتخب البرلمان الباكستاني "شهباز شريف" رئيسا للوزراء، بعدما نقدم نواب حزب "إنصاف"، الذي يتزعمه خان باستقالة جماعية قبل بدء التصويت. وبذلك، سيصبح شهباز شريف، الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، رئيس الوزراء رقم 23 في تاريخ باكستان، وسيشكل حكومة جديدة يمكن أن تبقى في السلطة حتى أغسطس/آب 2023، وهو موعد إجراء الانتخابات العامة المقبلة.
تسلط هذه الوقائع المتسارعة الضوء على التحولات السريعة للسياسة الباكستانية. يتشكل البرلمان الباكستاني من 342 عضوا، شكل الائتلاف الحاكم، المكون من حزب رئيس الوزراء عمران خان (حركة إنصاف الباكستانية-PTI) وحلفاؤه الرسميين، الأغلبية في البرلمان بعدد 178 مقعدا، بينما استخوذت جميع أحزاب المعارضة على 162 مقعدا، لكن الائتلاف الحاكم واجه توترات عديدة أفقدته الأغلبية اللازمة للبقاء، وتسببت في إسقاط الحكومة في نهاية المطاف.
الجيش والاقتصاد
لا يمثل إسقاط الحكومة حدثا غير معتاد في باكستان؛ حيث لم يُكمل أي رئيس وزراء في تاريخ البلاد مدة حكومته البالغة خمس سنوات لأسباب متنوعة، ارتبطت في مناسبات كثيرة بالصراع السياسي الداخلي سواء بين قادة الجيش والحكومات المدنية، أو بين القوى السياسية المتنافسة، ويأتي إسقاط حكومة عمران خان كنتيجة لتطورات محلية داخلية، سياسية واقتصادية، لكنّه أيضا يمثل حدثا مهما حين النظر للعوامل الجيوسياسية التي قد تكون ساهمت في تحققه، أو التي قد تنتج عنه.
على الصعيد الداخلي، يتمتع الجيش الباكستاني بنفوذ سياسي هائل، حيث مرت باكستان منذ استقلالها بثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة، وحتى في فترات الحكومات المنتخبة يلعب الجيش دورا أساسيا، بالإضافة إلى تمدد نفوذه في الأنشطة الاقتصادية والسياسة الخارجية والأمنية، وبالرغم من العلاقات الإيجابية بين الجيش الباكستاني وعمران خان منذ صعود نجمه السياسي، إلا أن ثمة تطورات في الآونة الأخيرة أثارت الشكوك حول استمرار دعم الجيش له؛ بسبب بعض توجهات خان الخارجية وتسببها في فتور علاقات حكومته مع واشنطن، بالإضافة إلى الأزمة التي نشبت بين الطرفين على إثر تعيين الجيش رئيسا جديدا للاستخبارات الباكستانية أواخر عام 2021، وسواء كانت هذه التطورات تعكس توترا حقيقيا بين عمران والجيش أم لا، فإن المؤكد أن سحب الثقة من حكومته لم يكن من الممكن تمريره دون وقوف الجيش على الحياد في الحد الأدنى.
كان للعوامل الاقتصادية دورها في هذه التحولات أيضا. دفعت الأزمات الاقتصادية في باكستان المعارضة لاتخاذ خطوة سحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، حيث اتهمته بسوء إدارة الاقتصاد منذ وصوله للسلطة في عام 2018. وفي حين تعاني باكستان من أوضاع اقتصادية معقدة ومزمنة لا تتحمل مسؤوليتها حكومة عمران خان وحدها، فإن تفاقم الضغوط الاقتصادية مؤخرا أضعف موقف الحكومة، حيث فقدت الروبية الباكستانية 30% من قيمتها منذ عام 2018، وبلغت معدلات التضخم في مارس الماضي 13%.
كما فقدت إسلام آباد جزءً كبيرا من احتياطات النقد الأجنبي، بسبب نفقات واردات النفط المرتفعة -بسبب حرب أوكرانيا-، حيث بلغت احتياطات النقد الأجنبي 12 مليار دولار، وهو رقم يكفي فقط لتغطية شهرين من مجمل واردات باكستان، وبينما استأنف صندوق النقد الدولي دعمه لباكستان، بعد أن توقف بسبب عدم تلبية حكومة عمران خان لشروط الصندوق في السابق، فإن برنامج صندوق النقد معرض مرة أخرى للتوقف، بسبب حزمة القرارات التي اتخذها خان للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية والحد من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتتهم المعارضة رئيس الوزراء السابق بالتسبب في القضاء على احتياطيات النقد الأجنبي، وتهديد باكستان بفقدان القدرة على سداد ديونها، نتيجة سياسته مع صندوق النقد التي تصفها بـ”النهج المتخبط“، بالإضافة إلى تعيينه أربعة وزراء مالية منذ وصوله للسلطة.
على جانب آخر؛ فإن موقف خان الذي يميل إلى تجاهل البرلمان، وتصريحاته الدائمة حول حاجة باكستان إلى نظام رئاسي، مثَّل تهديدا لنخبة الأحزاب الباكستانية التي تستمد نفوذها السياسي والاقتصادي من التواجد في برلمان له صلاحيات واسعة، وهو ما قد يفسر توحد الحزبين الحاكمين السابقين "الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف (PML-N)"، و"حزب الشعب الباكستاني” (PPP)"، داخل جبهة معارضة ضد استمرار خان، رغم الصراع التاريخي الطويل بينهما، كما أن هذه الدعوة ربما تسببت في توتر داخل الائتلاف الحاكم نفسه.
بعيدا عن واشنطن
على الصعيد الخارجي، تراجعت مكانة باكستان في السياسة الخارجية الأميركية في العقد الماضي، حيث تحول اهتمام واشنطن من مواجهة الإرهاب إلى مواجهة الصعود الصيني. وأصبحت واشنطن أكثر ميلا للنظر إلى علاقاتها مع باكستان ضمن إطار أوسع يأخذ في الاعتبار المصالح الأميركية المتنامية مع الهند.
يظهر هذا التراجع في الانهيار الحاد للمساعدات الخارجية التي تتلقاها إسلام آباد من واشنطن؛ فبينما بلغت في عام 2010 ما يناهز 4 ونصف مليار دولار؛ لم تتجاوز في عام 2020 حدود 70 مليون دولار، وعلى العكس من الجهود التي بذلتها واشنطن في السابق لتوازن بين علاقتها مع إسلام آباد وعلاقتها مع الهند، الخصم الرئيسي لباكستان؛ اتجهت واشنطن مؤخراً إلى تفضيل علاقتها مع الهند، حيث أقامت أميركا التحالف الرباعي "كواد" (QUAD) مع كل من الهند واليابان وأستراليا، والذي يرتكز على التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في سياق الصراع الأميركي الصيني.
بالمقابل تطورت العلاقات الباكستانية مع الصين، إذ وسّعت باكستان علاقاتها الاقتصادية مع الصين واستمرت في سياسة الاقتراض منها بشكل مكثف، وقدمت بكين في السنوات القليلة الأخيرة نحو 11 مليار دولار لباكستان على هيئة قروض تجارية ومبادرات لدعم احتياطيات النقد الأجنبي. لكنّ كل ما سبق لا يعكس نهاية للنفوذ الأميركي في باكستان، كما لا يعكس عمق العلاقات الباكستانية الأميركية على مستوى قادة الجيش والاستخبارات.
منذ البداية، صعد خان لرئاسة الحكومة وهو يتبنى نهجا أكثر استقلالية، وعلى الرغم من أن علاقة باكستان مع تركيا بدأت في اتخاذ أبعاد أوثق قبل حكومته، إلا أنه ومنذ صعوده للسلطة في 2018، ظهر كشريك للرئيس التركي أردوغان في السعي لبناء كتلة إسلامية أكثر استقلالا، وهو ما وتر علاقاته ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن أيضا مع السعودية والإمارات.
وأخيرا، سعى عمران خان لأن تقف باكستان على الحياد تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، ورفض توجيه انتقادات للرئيس الروسي بوتين، بل وأجرى زيارة كانت محددة مسبقا إلى موسكو بعد ساعات من بدء الحرب، رغم نصيحة الجيش ووزارة الخارجية بتأجيلها، وهو الأمر الذي أثار غضب واشنطن، خاصة مع امتناع باكستان عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة روسيا.
هذه العلاقات المتوترة بين خان وواشنطن، ظهرت عقب عودته من موسكو؛ حيث أعلن استمرار شراء القمح والبترول من روسيا، ورد على رسالة وجهها رؤساء 22 بعثة دبلوماسية في إسلام أباد تحثه على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا إنهم يعتقدون أن باكستان "عبد" لهم، كما هو وجه اتهامات لواشنطن بدعم المعارضة والسعي للإطاحة به. هذه التحركات فُسِّرت بوصفها انحيازا للمحور الصيني الروسي أكثر من كونها نهجا محايدا، لذلك سعى قائد الجيش، قمر جاويد، لمعالجة الوضع مؤكدا أن لبلاده "تاريخ وعلاقة استراتيجية ممتازة مع أميركا"، كما أنها تتمتع بـ"علاقة استراتيجية وثيقة مع الصين"، والأهم من ذلك؛ أنه انتقد غزو روسيا لأوكرانيا ودعا لوقفه، معتبرا أنه "مأساة كبيرة".
مستقبل ضبابي
سواء كان ذلك لأسباب داخلية أم لضغوط خارجية، أم لكلا الأمرين، سقط عمران خان في النهاية، وانتخب البرلمان رئيس وزراء جديد. لكن ذلك لا يعني أن باكستان تجاوزت عنق الزجاجة، فبسبب الخلافات الكبيرة بين أحزاب البرلمان، تظلُّ الانتخابات المبكرة احتمالا واردا، ومن المرجح أن حالة عدم الاستقرار السياسي ستدفع بمزيد من الضرر بالاقتصاد وربما إلى اضطرابات اجتماعية واحتجاجات، كما أن احتمالات تدخل الجيش الباكستاني لتولي زمام الأمور صراحة، لن تكون مستبعدة.
على الصعيد الخارجي، ستكون باكستان أكثر حرصا تجاه تهدئة التوتر مع إدارة "بايدن"، حيث سيستمر حرص قادة الجيش على العلاقات مع الولايات المتحدة. كما أن وتيرة استعادة العلاقات التاريخية مع السعودية ستكون أسرع مع تولي شهباز شريف رئاسة الحكومة نظرا لعلاقته التاريخية بالرياض. بينما ليس من المتوقع أن تواجه مسيرة العلاقات التركية الباكستانية تحديات، حيث إنها أكثر استراتيجية من العلاقة مع حكومة خان، كما أن تهدئة التوترات بين تركيا وكل من الإمارات والسعودية سيحرر إسلام أباد من ضغوط التعامل مع معسكرين متنافسين.
———————————————————————————-
نُشر هذا المقال بالتعاون مع موقع أسباب. للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا.