روسيا وكوريا الشمالية.. هل يعود التحالف النووي مجددا؟

مقدمة الترجمة

في مقاله المنشور بمنتدى شرق آسيا، يتناول أرتيوم لوكين باحث العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأقصى الفيدرالية الروسية تأثير حرب أوكرانيا القائمة على العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، منوِّهًا إلى أن الحرب تسببت في إحياء تحالف قديم بين موسكو وبيونغ يانغ تعود جذوره إلى الحرب الباردة، ويشمل التعاون العسكري المحتمل، فضلا عن محاولة تجديد وإحياء العلاقات الاقتصادية.

نص الترجمة

تُبشِّر "العملية العسكرية الخاصة" التي تقودها موسكو ضد أوكرانيا منذ فبراير/شباط الماضي بواقع جيوسياسي جديد. فثمَّة تقارب كبير بين الكرملين وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) قد يصل إلى مستوى إحياء شبه التحالف الذي كان قائما بين البلدين خلال فترة الحرب الباردة. فمنذ بداية الأزمة الأوكرانية، قدَّمت بيونغ يانغ لموسكو دعما لا لبس فيه، إذ كانت كوريا الشمالية من ضمن خمس دول صوَّتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا (وذلك إلى جانب بيلاروسيا وسوريا وإرتيريا، وروسيا نفسها بطبيعة الحال). كما أعربت بيونغ يانغ مرارا وتكرارا عن دعمها لما تقوم به روسيا، مُلقية باللوم في أزمة أوكرانيا على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وكييف.

وبعيدا عن روسيا، فإن سوريا وكوريا الشمالية هما الدولتان العضوتان الوحيدتان في الأمم المتحدة اللتان تعترفان بجمهوريتَيْ دونِتسك ولوغانسك اللتين ترعاهما روسيا. وردًّا على ذلك، قطعت كييف العلاقات الدبلوماسية مع بيونغ يانغ، غير أن العلاقات لم تكن متينة على أية حال. ولم يُشكِّل حلفاء كييف الغربيون أي قلق لكوريا الشمالية، لا لشيء إلا أنه لم يتبقَّ للغرب أي صنف من العقوبات لم يفرضه على النظام الحاكم فيها بالفعل.

إعلان

علاوة على ذلك، كانت كوريا الشمالية العضو الوحيد الذي اعترف بالاستفتاء المدعوم روسيًّا في دونِتسك ولوهانسك وخيرسون وزاباروجيا، وقد أشارت إلى أن "الأغلبية الساحقة من الناخبين أيَّدوا الانضمام إلى روسيا". ونظرا إلى كون هذه التحركات الكورية رمزية في الغالب، فمن غير الواضح ما إذا كانت بيونغ يانغ مستعدة -وقادرة- على تقديم الدعم العسكري لروسيا.

السلاح الكوري الشمالي.. هل يصل إلى أوكرانيا؟

سادت تكهنات انتشرت في أوساط الخبراء ووسائل الإعلام بشأن إرسال كوريا 100 ألف جندي إلى أوكرانيا، غير أن وزارة الخارجية الروسية نَفَت ذلك. وسبق وأرسلت كوريا الشمالية جنودها للقيام بمهام قتالية في الخارج، لكنها كانت وحدات محدودة. ولإحداث فارق في أوكرانيا، فإن بيونغ يانغ ستحتاج إلى إرسال عشرات الآلاف من المقاتلين.

وليس من الوارد أن ترسل كوريا الشمالية جنودها إلى واحد من أشد النزاعات المسلحة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبغض النظر عن خطر تكبد خسائر فادحة، فإن هناك تحديات متعلقة بالعمل المشترك مع القوات الروسية، منها الحاجز اللغوي وغياب أي تدريب مشترك بين الجيشين. بالإضافة إلى أن "التعبئة الجزئية" لروسيا التي أمر بها بوتين أواخر سبتمبر/أيلول 2022 تغنيه عن الحاجة إلى قوات أجنبية. أما المساهمة العسكرية الأخرى لكوريا الشمالية التي افترض البعض إمكانية حصولها فهي الإمدادات العسكرية، حيث تمتلك كوريا الشمالية مخزونا هائلا من الذخائر بالإضافة إلى صناعة أسلحة ضخمة. كما تعتمد العديد من أسلحتها على المعايير السوفيتية، وهو ما يعني أن سلاح بيونغ يانغ متوافق مع الأسلحة الروسية. (وقد لجأت روسيا بالفعل إلى حلفاء أقل شأنا في الصناعة العسكرية نتيجة نفاد مخزونها من بعض الأسلحة، وأشهرها إيران التي زوَّدت موسكو بالطائرات المُسيَّرة).*

(رويترز)

على الجبهة الأخرى، وفي حال أرسلت باكستان ذخيرة إلى أوكرانيا وكوريا الجنوبية وأمدَّت بولندا بمعدات كما تزعم بعض التقارير، فقد ترسل كوريا الشمالية أسلحتها إلى روسيا بالفعل ردا على ذلك. ووفقا للمصادر، رُصد استخدام جنود المدفعية الأوكرانية لقذائف مدفعية صُنعت في مصانع الأسلحة الباكستانية، حيث نشر حساب على موقع "تويتر" سلسلة من التغريدات في هذا الصدد، وهو حساب يفحص ويتتبع استخدام المواد الدفاعية في أوكرانيا. وعلى الرغم من عدم التحقق من صحة الخبر، فإن عددا من خبراء الدفاع البارزين يتابعون هذا الحساب بالفعل، الذي ادَّعى أن القذائف التي استخدمها الأوكرانيون صُنعت قبل بضعة أشهر فقط، ولذا فمن الوارد جدا أنها صُنعت خصوصا لتُرسَل إلى أوكرانيا. (ويقول بعض الخبراء إن دعم باكستان لأوكرانيا في جهود مقاومة الغزو الروسي يأتي في خضم محاولاتها تحسين علاقاتها المتوتِّرة مع الولايات المتحدة)*.

إعلان

يزعم البنتاغون بأن روسيا قد اتصلت بكوريا الشمالية للحصول على ذخيرة، لكنه لم يُقدم أي دليل على ذلك حتى الآن. (وقد قال "باتريك رايدر"، المتحدث باسم البنتاغون، في سبتمبر/أيلول الماضي إن "المعلومات التي لدينا تفيد بأن روسيا طلبت ذخيرة"، وقال إن الولايات المتحدة لاحظت وجود مؤشرات لتواصل روسيا مع كوريا الشمالية، دون أن يُفصح عن تفاصيل أخرى، بما في ذلك ما يتعلق بتوريد الأموال أو أي شحنات قيد التسليم).

من جانبه، وصف مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة الادعاء بأنه "زائف"، بينما نفت بيونغ يانغ "تصريحات واشنطن المتهورة". وفي حين تبدو الصفقات العسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية محض افتراض إلى حدٍّ كبير، فإن استئناف التبادل التجاري أكثر واقعية نظرا لأن البلدين يتشاركان حدودا برية ولديهما تاريخ طويل من التعاون الاقتصادي. لكن العلاقة ستواجه القيود ذاتها التي أعاقت نموها قبل جائحة "كوفيد-19″، حيث تفتقر كوريا الشمالية إلى النقود وسلع التكنولوجيا الفائقة التي تريدها روسيا.

عمَّال كوريا في شرق روسيا

(شترستوك)

ربما تكون اليد العاملة المورد الوحيد الذي يمكن لكوريا الشمالية أن تتشاركه مع روسيا. فلطالما اعتاد الاتحاد السوفيتي (وروسيا فيما بعد) استجلاب العديد من العمال الكوريين الشماليين للعمل في البلاد. وينظر المسؤولون الروس في أمر استئناف استجلاب العمالة من كوريا الشمالية، على الرغم من حظر هذه الممارسة من قِبَل مجلس الأمن الدولي. وقد قال "مارات خوسنولين"، نائب رئيس الوزراء والمشرف على قطاع الإنشاءات الروسي، إن السلطات الروسية تعمل على ترتيبات سياسية لتوظيف العمالة الكورية الشمالية.

وقد يُدعى ما يتراوح بين 20.000 إلى 50.000 عامل من كوريا الشمالية للذهاب إلى روسيا، وذلك لتطوير البنية التحتية بصورة خاصة في أقصى شرق البلاد. ووفقا لخوسنولين، فإن إنتاجية الكوريين الشمالين تفوق نظراءهم الروس بأكثر من الضِّعْف، كما أن سوق الإنشاءات الروسي فَقَد العمال المهاجرين القادمين من دول آسيا الوسطى أثناء الجائحة، ولم يتمكن أبدا من التعافي بعد ذلك. فبدلا من الذهاب إلى روسيا، اختار العمال من آسيا الوسطى التوجه إلى أوروبا وتركيا والخليج. ومع ذلك، ظلت العلاقات الاقتصادية بين روسيا وكوريا الشمالية مجمدة منذ أوائل عام 2020 حين أُغلِقَت طرق النقل المباشر بسبب "كوفيد-19". وكانت هناك توقعات باستئناف حركة خط قطار "خاسان-راجين" (Khasan–Rajin) الواصل بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2022، لكن حدود كوريا الشمالية ما زالت مغلقة مع روسيا حتى اللحظة.

إعلان

لقد غيَّرت أحداث ما بعد فبراير/شباط 2022 حسابات موسكو تجاه بيونغ يانغ. فحين وجدت روسيا نفسها في صراع وجودي مع الغرب حول أوكرانيا، ازدادت أهمية كوريا الشمالية بالنسبة لها بصفتها واحدة من الدول القليلة المستعدة لعقد شراكة مع الكرملين لمواجهة الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، تراجعت أهمية نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بالنسبة لروسيا.

وحتى الالتزام الروسي بالعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية فلن يعود كما كان، لأن روسيا مستهدفة أيضا بعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ بدء الغزو. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا سبق وتعاونت مع الولايات المتحدة في فرض عقوبات على كوريا الشمالية، وهو موقف نابع من رغبتهما المشتركة في حظر انتشار الأسلحة النووية بحيث تمتلكها القوى العظمى فقط. ومع ذلك، بعد غزوها لأوكرانيا وتركيزها المتزايد على تقويض الأهداف الإستراتيجية الغربية، فإن كوريا الشمالية تظهر الآن بوصفها حليفا في نظر الكرملين وليس مشكلة ينبغي حلها بالتعاون مع الغرب.

من الممكن أن تكون موسكو وبيونغ يانغ على وشك إعادة تأسيس تحالف الحرب الباردة الذي انهار بانهيار الاتحاد السوفيتي. لكن من المرجح أن يكون هذا التحالف مجرد توافق مصالح إستراتيجي لا تحالفا رسميا. ومن جهتها، فإن بيونغ يانغ لم تعُد بحاجة إلى التزامات موسكو الدفاعية بامتلاكها قدرة الردع النووية. كما أن تحالف موسكو وبيونغ يانغ سوف يتشابك مع التحالف الثلاثي بقيادة بكين بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية. هذا ولم تُحدَّد بعد الكيفية التي سيعمل وفقها هذا التفاهم الثلاثي، لكن التكتل الصيني-الروسي-الكوري الشمالي سيؤثر بعمق على ميزان القوى في شمال شرق آسيا.

__________________________________

*: ملاحظات المترجم

ترجمة: كريم محمد

هذا التقرير مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان