كرة القدم في إسرائيل.. قميص اللعبة الملطخ بالدم والعار والعنصرية
بعد هزيمة أولى أمام الأوروغواي بهدفين دون مقابل، دخلت دولة الاحتلال الإسرائيلي مباراتها الثانية أمام السويد في كأس العالم بمدينة مكسيكو سيتي عام 1970، وبعد 53 دقيقة من اللعب، تقدَّم السويديون بهدف قبل أن يتعادل "مردخاي شبيغلر" للإسرائيليين مُعطيا "بلاده" بصيصا من الأمل للبقاء في المونديال. لم يدم التفاؤل طويلا، فبعد أيام تعادلت دولة الاحتلال أمام المنتخب الإيطالي دون أهداف، فانتهت بذلك رحلتها في المونديال في مشاركتها الأولى والوحيدة في مسابقة كأس العالم. لا تتحدث دولة الاحتلال لغة كرة القدم بطلاقة، لكنها لا تعزل اللعبة وحضورها داخليا وخارجيا عن مشاريعها السياسية والاستيطانية، إذ تستغل الحكومة والمستوطنون رياضة كرة القدم في البحث عن التطبيع أحيانا، أو للتنكيل بأعداء "إسرائيل" أحيانا أخرى.
الكرة والرصاص.. جنبًا إلى جنب
في كرة القدم، مثلها مثل جميع المجالات، لا يمكن ذكر إسرائيل دون الحديث عن الوطن الذي أُقيمت عليه دولة الاحتلال، الأراضي الفلسطينية، ولذا للحديث عن كرة القدم في إسرائيل علينا العودة إلى تاريخ اللعبة في فلسطين نفسها. يعود الظهور الأول للعبة كرة القدم في فلسطين المحتلة إلى نهاية القرن التاسع عشر، حين بدأت الإرساليات الأجنبية في تأسيس مجموعة مدارس خاصة بها، وظهرت عن طريق هذه الإرساليات عدة فِرَق لكرة قدم، أولها فريق مدرسة القديس جورج بالقدس عام 1908.
ظهر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1928، وكان من أوائل الاتحادات العربية والآسيوية التي شاركت في تصفيات كأس العالم نسختَيْ 1934 و1938 بعد انضمام الاتحاد الفلسطيني للاتحاد الدولي للعبة "الفيفا" عام 1929. ولم تتمكن كرة القدم الفلسطينية من الانتشار كما أرادت، حيث ظهر سريعا المشروع الرياضي الصهيوني، ثم سعت الحركة الصهيونية إلى توظيف كرة القدم في صراعها الهوياتي مع الفلسطينيين، ووظَّفت الرياضة عموما لصناعة الهوية اليهودية الصهيونية. وقد واجهت دولة الاحتلال منذ وضع لبناتها الأولى تحديا يتمثَّل في بناء "الشاب اليهودي المثالي"، فكانت الرياضة من أبرز الأمور التي ركزت عليها الحركة الصهيونية، وكان تأسيس أول نادٍ يهودي للألعاب البدنية عام 1898 وقد حمل اسم "بار كوخبا"، وذلك بعد توصيات المؤتمر الصهيوني الأول في بازل قبل عام واحد.
بعد انطلاق المشروع الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين، التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني آنذاك، تحركت الحركة الصهيونية لإنشاء بنية رياضية لكرة القدم. وقد أسست دولة الاحتلال قبل 20 عاما من إعلان قيامها رسميا الدوري الأول الممتاز لكرة القدم الصهيونية عام 1928، كما شاركت الأندية الصهيونية في في أول دوري أُقيم تحت رعاية الفيفا موسم 1932-1933، إذ شاركت أندية هبوعيل تل أبيب (تأسس عام 1923)، وهبوعيل حيفا (1924)، ومكابي حشمونائي يروشلايم (1911)، ومكابي تل أبيب (1906)، ومكابي بيتاح تكفا (1912)، ومكابي حيفا (1913)، ومكابي نس تسيونا (1912)، وهبوعيل القدس (1926) بجانب فريق الشرطة البريطانية، فيما رفضت الفِرَق العربية المشاركة رغم ضغط الفيفا لإقامة البطولة بمشاركة فِرَق صهيونية وبريطانية وعربية.
لعبت بريطانيا دورا كبيرا في نشر شعبية كرة القدم في فلسطين المحتلة، إذ تذكر بعض المصادر أن البريطانيين هم مَن ساهموا في تعريف السكان المحليين باللعبة بعد إنشائهم لعدد من الفِرَق خلال السنوات الأخيرة للاستعمار بداية من عام 1910. وبجانب الجنود البريطانيين، ساهم رجلان في توطئة الحضور الكروي داخل المشروع الصهيوني، هما الصهيوني البريطاني "السير ألفرد موند" واليهودي الروسي "يوسف يكوتيئيلي".
كان ألفريد موند أحد عشاق كرة القدم الذين شغفوا بفكرة تأسيس فريق يُمثِّل "أرض إسرائيل"، إذ حلم بتنظيم بطولة ببريطانيا تجمع 4 فِرَق يهودية ليتمكَّن بعد ذلك من تكوين منتخب يهودي خالص يحضر كرويا على المستوى الدولي، لكن مخططه باء بالفشل بسبب مشكلات في التنظيم. أما "يوسف يكوتيئيلي"، فكان هدفه الأساسي الاعتراف بدولة الاحتلال على مستوى المجتمع الرياضي الدولي، فبدأت محاولاته بطلب اعتراف من الفيفا بفريق "مكابي"، لكن الاتحاد الدولي للكرة رفض ذلك وقال إنه لا يمكن المصادقة على طلب لا يضم باقي الجمعيات الرياضية الأخرى، وهو ما عمل عليه كلٌّ من "يكوتيئيلي" و"موند" حتى وصلا إلى مبتغاهما بحيازة اعتراف "الفيفا" في 6 يونيو/حزيران 1929.
حاول الإسرائيليون تكوين منتخب محلي للمشاركة في المونديال عام 1930، لكن آمالهم تبخرت بقرار بريطاني بسبب مقاطعة بريطانيا للمنظمة التي تأسست بمجهودات فرنسية. ثم خاض منتخب دولة الاحتلال 62 مباراة ما بين عامَيْ 1948-1964، وكانت أولى المباريات الدولية أمام المنتخب الأولمبي الأميركي، الذي فاز بثلاثية مقابل هدف واحد. خلال هذه الفترة، خاض المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم التصفيات المؤهلة لبطولات كأس العالم أعوام 1950 و1954 و1958 و1964، لكنه لم ينجح في التأهل إلى المسابقة. قاريًّا، انضمت دولة الاحتلال إلى الاتحاد الآسيوي للعبة عام 1954، ورغم رفض العديد من الاتحادات ومنها الاتحادات العربية لهذا الأمر، فإن دولة الاحتلال تمكَّنت من تحقيق نتائج رياضية جيدة بعد أن كانت وصيفة للبطل عامَيْ 1956 و1960 وأحرزت اللقب عام 1964.
بدأت الفترة الذهبية لكرة القدم الإسرائيلية إثر تحقيق هذا اللقب القاري، فقد تأهلت دولة الاحتلال إلى الألعاب الآسيوية لعام 1974، لكن هذا النجاح لم يكن بالضرورة بسبب قوة المنتخب الإسرائيلي نفسه، بل أحيانا ما تأهلت دولة الاحتلال بسبب مقاطعة بعض الدول للمباريات التي وضعتها في مواجهة منتخب الدولة الناشئة على أرض فلسطين.
انتهت رحلة دولة الاحتلال داخل الاتحاد الآسيوي في 15 سبتمبر/أيلول 1974 بعد أن قرر الأخير طردها بضغط من الدول العربية، وهو ما اعتبرته المصادر الإسرائيلية طردا سياسيا تفوح منه رائحة معاداة السامية. ثم انضمت دولة الاحتلال مؤقتا بعدها إلى اتحاد أوقيانوسيا لكرة القدم، قبل أن ينتهي بها المطاف في الاتحاد الأوروبي، حيث تمارس الكرة الإسرائيلية نشاطها حتى اليوم، وهو الأمر الذي لا تُفضِّله إسرائيل، كونه يُقلِّص فرصها في التأهل للمونديال والمسابقات القارية بسبب حِدَّة المنافسة وصعوبة الفوز على معظم الفِرَق الأوروبية.
رياضة بهدف سياسي
في الأشهر الأخيرة التي سبقت مونديال قطر، انخرط الإعلام الإسرائيلي في الحملة التي شنَّتها وسائل الإعلام الغربية على الدوحة بينما وضعت لمساتها الأخيرة على الحدث العالمي. وأظهر الصحفيون الإسرائيليون تعاطفا كبيرا مع ضحايا "التمييز القطري" المزعومين، وأسِفوا للطريق الطويل الذي يجب على قطر قطعه خصوصا في مجال الحريات الفردية.
تغيَّر الخطاب الإسرائيلي تدريجيا نحو كأس العالم وقطر بعد أن رعت "الفيفا" اتفاقا بين الدوحة وتل أبيب يضمن حضور مواطني دولة الاحتلال من حاملي تذاكر المباريات إلى المونديال العربي. وتكاثرت التقارير الصحفية التي ترمي إلى أن قطار التطبيع السياسي وصل إلى الدوحة أو يكاد، فاستبشر الإسرائيليون خيرا بالدخول إلى قطر عبر بوابة كرة القدم الأكبر (كأس العالم). بيد أن النتيجة على الأرض لم تكن كما كان مرجوا، فقد واجه المراسلون الصحفيون الإسرائيليون مواقف محرجة كثيرة بعد أن قاطعهم العديد من المشجعين العرب وغير العرب، فيما صرخ آخرون في غير ما مرة "تحيا فلسطين"، في حين رفضت الدوحة توسيع الحضور الدبلوماسي الإسرائيلي تحت ذريعة المونديال.
يُعَدُّ مونديال قطر مجرد حلقة بسيطة وقصيرة حول الترابط المهم بين كرة القدم في دولة الاحتلال وبين السياسة عموما، إذ لا يمكن بحال، كما حدث في المونديال، فصل كرة القدم في إسرائيل عن السياسة بالبلاد، فالمجالان متلازمان منذ دخول اللعبة إلى الأراضي المحتلة. وتلعب وضعية إسرائيل في الساحة الدولية دورا مهما وتأثيرا ملحوظا في كرة القدم داخل الأراضي المحتلة، فبعد طرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، كان لزاما على حكومة الاحتلال بذل بعض المجهود في قضية "السلام" حتى يُسمَح لها بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
اعتمدت إسرائيل منذ البداية على كرة القدم لتقديم نفسها للمجتمع الدولي، ففي 25 فبراير/شباط 1970 حطت بعثة فريق بروسيا مونشنغلادباخ الألماني بتل أبيب لمواجهة المنتخب الإسرائيلي في مباراة اعتبرها الكثيرون صفحة بداية جديدة للعلاقات الألمانية-الإسرائيلية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. انتهت المباراة بنتيجة كبيرة، ففاز الألمان بسداسية دون رد، لكن الأهداف السياسية كانت أكثر، فقد خرج لاعبو بروسيا تحت تصفيق "اليهود" الذي هتفوا "تحيا ألمانيا"، وهو ما عُدَّ حينها أمرا عصيا على التصديق. ببراغماتية شديدة، تجاهلت إسرائيل الدعوات الداخلية الرافضة لاستقبال الألمان، فقد كان الهدف الأساسي من المباراة التشجيع على نشر ثقافة الكرة في البلاد بجانب البدء في وضع خريطة حقيقية لكرة القدم في إسرائيل.
تنقسم خريطة كرة القدم في دولة الاحتلال إلى 5 اتحادات أساسية، ويضم كل اتحاد مجموعة أندية، فهناك اتحاد بيتار التابع لحركة بيتار وتعني "تحالف الشبيبة العبريين"، وهو اتحاد استلهم فكرة تأسيسه من "يوسف ترومبلدور"، اليميني الصهيوني الذي قُتِل على الحدود بين فلسطين ولبنان بواسطة مقاومين فلسطينيين. ويضم هذا الاتحاد عددا من الأندية من قبيل بيتار القدس وبيتار تل أبيب، ونادي بيتار كفار سابا وبيتار أشدود وأندية أخرى، كما يُعَدُّ صوتا للتيارات والجماهير اليمينية رغم اختلاف درجات التطرف بين أندية هذا الاتحاد، إذ إن نادي "اتحاد القدس" أكثرها تطرفا، حيث يشجعه عدد من الصهيونيين اليمينيين الشرقيين بزعامة فصيل "لافاميليا" المعادي للعرب.
بجانب اتحاد بيتار، هناك اتحاد هبوعيل الذي يُعَدُّ اتحاد التيار المركزي الأشكينازي المؤسس لدولة الاحتلال، ثم تأسس اتحاد مكابي في مدينة إسطنبول التركية عام 1895، ثم بعد ذلك نجد "اتحاد أليتصور"، وهو اتحاد يُمثِّل الصهيونيين المتدينين وأُقيم عام 1939، وأخيرا اتحاد الجامعة العربية الذي أُقيم عام 1952 لإقامة فِرَق من الرياضيين الأكاديميين.
تظهر التوجهات السياسية والدينية بوضوح على الأندية الإسرائيلية، ففي شعار فريق بيتار القدس نجد "الشمعدان السباعي" أحد أشهر رموز الديانة اليهودية، وفي شعارَيْ كلٍّ من "مكابي حيفا" و"مكابي تل أبيب" تظهر نجمة داوود، كما أن اسم "ماكابي" يأتي أصلا من عائلة "المكابيين"، وهي أسرة مشهورة من المحاربين اليهود قادوا ما يُعرف بالتمرد المكابي ضد الإمبراطورية السلوقية بهدف استعادة "أورشليم" عام 167 قبل الميلاد. أما فريق هابوعيل تل أبيب، فيظهر من خلال شعاره التوجه اليساري للنادي.
يؤثر هذا التوجه السياسي الواضح للأندية الإسرائيلية على الجماهير الإسرائيلية نفسها، ويمكننا ملاحظة ذلك بوضوح لدى الأندية الأربعة الكبرى: مكابي تل أبيب (22 لقبا)، وهابوعيل تل أبيب (14 لقبا)، ومكابي حيفا (12 لقبا)، وبيتار القدس (6 ألقاب). ولكن يظل الأخير أحد أكثر الفِرَق التي يظهر التوجه السياسي بوضوح عليها. ويُعَدُّ فريق بيتار القدس مقربا من حزب الليكود الذي يقوده رئيس الحكومة الإسرائيلية القديم الجديد بينامين نتنياهو، ويُعرِّف مشجعو النادي أنفسهم بأنهم متفوقون عِرقيا وقوميون متطرفون، وهو ما جعل النادي لا يوقع طيلة مسيرته للاعب عربي ويُفضِّل اللاعبين ذوي الأصول اليهودية.
في عام 2013، حاول "موشيه هوجيج" رئيس النادي بدء العمل على "عصرنة" النادي، عبر التوقيع على سبيل الإعارة لكلٍّ من "دزهابرايل كاديڤ" و"زاور ساداييف"، وهما لاعبان شيشانيان من أصول مسلمة. لم تتأخر مجموعة "لافاميليا" المشجعة للنادي في رد الفعل، وبالإضافة إلى التهجُّم على اللاعبين خلال التدريبات، أضرموا النار في مكاتب بعض المسيرين بالنادي، رافعين لافتات كُتب عليها "دائما نقي" (في إشارة للعِرق اليهودي)، وهاتفين في المدرجات "الحرب" بمجرد دخول اللاعبين المحترفين الشيشانيين. وبعد إحراز "ساداييف" الهدف الأول لصالح ناديه الجديد، خرج المشجعون من الملعب احتجاجا. كل هذه الأمور جعلت من تجربتهما في نادي بيتار القدس قصيرة للغاية، إذ تركا النادي عام 2014.
عاش النادي بعد ذلك حالة مشابهة مع اللاعب النيجيري المسيحي "علي محمد الفايز" الذي التحق بالنادي الإسرائيلي، ورغم أن الحضور المسيحي عُدَّ مقبولا من طرف مجموعة "لافاميليا"، فإن أعضاء المجموعة طالبوا اللاعب بتغيير اسمه لأن اسم محمد "مُسلِم بطريقة واضحة". ويُعَدُّ نادي بيتار القدس الأكثر تطرفا رغم وجود العديد من الأندية الأخرى ذات التوجه اليميني القومي. في المقابل نجد فريق "هابوعيل تل أبيب" الذي يعلن أنصاره انتماءهم للأيديولوجيا الماركسية اللينينية، وقد وقَّع له اللاعب العربي "رفعت ترك" عام 1972، كما يمنع مشجعو الفريق حضور الرايات الإسرائيلية في المدرجات.
رغم التوجه اليساري لفريق "هابوعيل تل أبيب"، فإنه لا يُعَدُّ العدو الأيديولوجي الأول لفريق بيتار القدس، ذلك لأن العدو الأول للتوجه اليميني الإسرائيلي هو فريق اتحاد أبناء سخنين، الذي يضم لاعبين عربا ويهود أجانب، ويُعَدُّ ممثل عرب الداخل الفلسطيني المحتل، إذ تصدح جماهيره العربية بانتمائها لفلسطين وتبنيها لجميع القضايا العربية. ويعيش لاعبو اتحاد أبناء سخنين أجواء الكراهية والعنصرية عند تنقلهم للعب بالعديد من الملاعب الإسرائيلية، حيث تنهال عليهم الشتائم القبيحة لهم ولأهاليهم وحتى للنبي صلى الله عليه وسلم. كما أن الفريق الذي يستقبل ضيوفه على ملعب "الدوحة" المَبني بتمويل قطري يعاني صعوبات مالية كبيرة تجعل أكبر طموحاته الحفاظ على مكان داخل الدوري الإسرائيلي لكرة القدم.
يُعَدُّ الفريق صوتا رياضيا لفلسطينيي 48، وفي هذا الشأن، يقول "محمد محسن وتد"، الباحث والصحفي الفلسطيني الناشط من الداخل المحتل والمختص بالشأن الإسرائيلي، إن القدرات والمواهب تُمثِّل نوعا من التحدي للوجود الصهيوني وحضورا للهوية الفلسطينية، وهي ثقافة كروية تصطدم مع الرواية الصهيونية وتعكس الوجه الآخر للصراع المتواصل. وأضاف الصحفي الفلسطيني في حديثه إلى "ميدان": "الكثير من اللقاءات والمواجهات بين أندية عربية وأخرى يهودية -وخاصة فريق "بيتار القدس"- مشحونة بالمنافسة والعداوة والعنصرية؛ إذ تتسم اللقاءات بحضور أمني كبير للشرطة الإسرائيلية، وتتحول المدرجات إلى ما يُشبه ساحة معركة، إلى جانب إبعاد الكثير من المشجعين العرب عن الملاعب. وقد تحوَّلت اللقاءات إلى أحد أفضل الأحداث الرياضية في إسرائيل لأجل الخصومة والصراع بين الشعبين، فيمتلئ الملعب بأعلام إسرائيل من جهة، ويتزيَّن بأعلام فلسطين من جهة أخرى، وهو ما يُعَدُّ وقودا للصراع".
العنصرية المُقنَّنة
لا تُخفي دولة الاحتلال الإسرائيلي أبدا دعمها للتمييز الواضح في المجال الرياضي، فقد أقامت العديد من الملاعب على أراضي المستوطنات لعدد من الأندية الإسرائيلية، فقد يتمتع النادي الإسرائيلي الواحد بعدد من الملاعب كما هو الحال مثلا بالنسبة لنادي "هبوعيل قطمون أورشليم" الذي يمتلك ملعبيْن في القدس الغربية، إلى جانب "ملعبه" الثالث بمستوطنة "معاليه أدوميم". ولا يسمح جيش الاحتلال للفلسطينيين بدخول المستوطنات التي يعتبرها مناطق عسكرية مغلقة، إذ لا يتمكن من الولوج إليها إلا حاملو الإذن الخاص، ومن ثمَّ يمكن للإسرائيليين الدخول والمنافسة والتدرب في المستوطنات، في حين يُمنع الفلسطيني أيًّا كان سنه من الدخول لهذه الأماكن للتدريب أو حتى التشجيع.
في غضون ذلك، عملت السلطات الإسرائيلية على منع تشييد الملاعب والبنية التحتية لصالح الفلسطينيين، بل إنها تُدمِّر هذه المرافق إذا ما بُنِيَت. وتعمل إسرائيل على عرقلة وتقييد جميع فعاليات النشاط الكروي الفلسطيني، من اللاعبين حتى الصحفيين والإداريين، علاوة على تأخير أو منع تسليم الشحنات التي يرسلها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" والاتحادات القارية والرياضية الأخرى، كما تَحُول دولة الاحتلال دون إقامة الكثير من المباريات التي يكون المنتخب الفلسطيني طرفا فيها. ويركز الجيش الإسرائيلي في ضرباته التي تستهدف العمق الفلسطيني على بعض المرافق الرياضية، ففي أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، استهدفت الطائرات الإسرائيلية ملعب فلسطين في غزة ومبنى اللجنة الأولمبية الفلسطينية وملعب اليرموك وملعب رفح وعددا من النوادي الرياضية.
ختاما، لا يمكن اعتبار كرة القدم مجرد رياضة تُمارس في إسرائيل، بل هي أداة أخرى تستعملها سلطات الاحتلال لتحقيق أهدافها السياسية والأيديولوجية الأوسع، التي كان وما زال التمييز ضد أصحاب الأرض من الفلسطينيين أبرز مظاهرها وتجلياتها.