شعار قسم ميدان

برا أم بحرا أم جوا.. كيف يمكن لأوكرانيا استعادة شبه جزيرة القرم؟

مقدمة الترجمة

ضمن النقاشات المحتدمة حول سيناريوهات انتهاء الحرب الروسية على أوكرانيا؛ لم يعد سيناريو محاولة أوكرانيا استعادة كامل أراضيها ما قبل الغزو، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها روسيا عام 2014، ضربا من الخيال بعد نجاحات كييف العسكرية في الأشهر الأخيرة. وهذا ما يناقشه المحللون الثلاثة، باتريك تاكر وكَيتلِن كِنّي وإليزابيث هوي، في تقريرهم المنشور في مجلة "ديفِنس وان" المتخصصة في الشؤون العسكرية. ويستعرض التقرير عددا من الخطط المحتملة التي قد تتبعها أوكرانيا لاستعادة القرم، واحتمالات نجاحها من عدمه، كما يناقش التعزيزات المحتملة التي قد تحتاج إليها أوكرانيا من الولايات المتحدة والغرب للإقدام على مثل هذه العملية.

نص الترجمة

منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الواقعة على البحر الأسود عام 2014، عملت موسكو على تحصين القرم عسكريا عن طريق إقامة القواعد العسكرية، وتثبيت قاذفات الصواريخ، والأهم من ذلك بناء جسر يربط القرم بالأراضي الروسية، كما حصَّنتها دبلوماسيا، مُحذِّرة من أن أي هبوط لقوات الناتو إلى الجزيرة قد يستدعي ردا نوويا.

وصف وزير الدفاع الأوكراني "ألِكسي رِزنيكوف" الأمر الخاص باستعادة شبه جزيرة القرم بأنه "هدف إستراتيجي لأوكرانيا، إذ إنها تَعُدُّ القرم أراضي أوكرانية".

بيد أن النجاح المذهل للهجمات الأوكرانية المضادة في وجه القوات الروسية التي تشن حربا على أوكرانيا منذ فبراير/شباط الماضي، دفع الكثيرين إلى التكهُّن بأن الجيش الأوكراني ربما يواصل سعيه لاستعادة شبه جزيرة القرم. لكن الخبراء حذَّروا من أن مثل هذه الحملة ستكون أصعب بكثير من استعادة أوكرانيا لمدينتَيْ "خاركيف" أو "خيرسون" اللتين نحجت في انتزاعهما مؤخرا بشق الأنفس. هل ثمَّة محاولة أوكرانية لاستعادة القرم في جعبة القادة الأوكرانيين؟ في يونيو/حزيران، وصف وزير الدفاع الأوكراني "ألِكسي رِزنيكوف" الأمر بأنه "هدف إستراتيجي لأوكرانيا، إذ إنها تَعُدُّ القرم أراضي أوكرانية". لكن رِزنيكوف قال في الشهر ذاته أيضا إن حكومته ستتشاور مع حلفائها وشركائها حول كيفية تنفيذ الأمر.

لقد حاول المسؤولون الأميركيون صراحة إثناء كييف عن عزمها عدة مرات، إذ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال "مارك ميلي" في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أثناء مؤتمر صحفي عقده "البنتاغون"، إن استعادة أوكرانيا كامل أراضيها من روسيا كما كانت قبل الحرب بما فيها القرم "ليست ذات احتمالية عالية في المستقبل القريب". وفي المؤتمر الصحفي ذاته، قال وزير الدفاع الأميركي "لويد أوستِن": "مسألة القرم تخص القيادة الأوكرانية للنظر فيها وحلها". وكحال المسؤولين الآخرين في إدارة بايدن، تجنَّب أوستِن دفع القادة الأوكرانيين علنا نحو اتجاه معين، وأضاف: "سنفعل كل ما بوسعنا لضمان امتلاك الأوكرانيين كل الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافهم وغاياتهم، وعلى هذا الأساس فإن أهداف هذه المعركة والغاية منها تخصهم وحدهم. نحن لم ولن نُملي على الأوكرانيين ما يمكنهم أو لا يمكنهم فعله".

صعوبات جغرافية

ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود ، القرم (رويترز)

بحسب عدد من المُحلِّلين، لن تكون استعادة القرم مهمة سهلة، بل إنها غير ممكنة على المدى القريب، إذ تتمثَّل أولى الصعوبات في إنزال جنود على شبه الجزيرة، التي تتصل بالأراضي الأوكرانية عن طريق برزخ ضيق. يقول اللواء الأسترالي المتقاعد "ميك ريان": "لا توجد سوى طريقتين كي تصل إلى القرم. ففي حالة الذهاب جوًّا، ستحتاج إلى قوات جوية بأعداد كبيرة إلى حدٍّ ما، ولا أعتقد أن أوكرانيا تمتلكها. كما يمكنك تنفيذ مهمة برْمائية، لكن مرة أخرى، لا يمتلك الأوكرانيون قدرات كبيرة من هذا النوع (مثل مركبات الهجمات البرْمائية). ولذلك، وبما أن تنفيذ أي غزو للقرم لا بد أن يشمل هذه العناصر، ففي الغالب ستكون العملية العسكرية الأوكرانية برية".

لا يُعَدُّ الإنزال البرْمائي المتمثِّل في اجتياح الشواطئ أمرا مطروحا بالمرة، بحسب "مارك كانسيان"، الاستشاري البارز في برنامج الأمن الدولي التابع لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS). أما على صعيد الجو، فرغم القوة البحرية الروسية المنيعة المتمركزة خارج مدينة "سِفاستوبول" (عاصمة القرم)، تعرَّضت السفن الحربية الروسية للضربات والمضايقات من الصواريخ والطائرات المُسيَّرة الأوكرانية. أوضح كانسيان قائلا: "بالنسبة للقوة البحرية الأوكرانية، فإنها غير كافية لمهمة مثل الإنزال البرْمائي. كما أن روسيا لديها بعض المقاتلات البحرية على السطح، بالإضافة إلى عدد من الغواصات، ومن ثمَّ سيكون من الصعب محاولة تنفيذ مهمة برْمائية. إن العمليات البرْمائية صعبة واقعيا على أي حال، وإذا لم تكن مُتفوِّقا جويا وبحريا، وهو ما لا يتمتع به الأوكرانيون، فإن الأمر مستحيل من الأساس".

في حال حاولت القوات الأوكرانية استعادة القرم، يعتقد كانسيان أنها غالبا ما ستبدأ من منطقة تُسمى "سيفاش"، التي قد تسمح بُحَيْراتها الضحلة للقوات بالعبور أثناء انخفاض المد، وهو ما حدث بالفعل مرتين خلال الحرب العالمية الثانية. "سيتم ذلك بالاستعانة بالكثير من مدفعيات هيمارس على الضفة الأخرى، ثم العبور باستخدام القوارب وتشكيل جسر ساحلي، ومن ثم الضغط للتقدم برًّا". ويمكن تشكيل مثل هذا الأسطول بالطائرات الحربية والمدنية، ما يجعلها "تشبه أسطول معركة دانكيرك"، على حد تعبير كانسيان، الذي أضاف أن البحرية الأوكرانية يمكنها دعم مثل هذه الخطوة من خلال بعض تكتيكات حرب العصابات، التي ربما تتضمن ضربة بحرية باستخدام طائرات مُسيَّرة تستهدف السفن الحربية الروسية على غرار الضربة التي نفَّذتها بالفعل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

يقول "مايكل كوفمان"، رئيس الدراسات الروسية في "مركز التحليلات البحرية" (CNA)، إن الطريق الآخر لتنفيذ الغزو سيكون برًّا، انطلاقا من الأراضي التي استعادتها أوكرانيا مؤخرا في محافظة خيرسون المطلة على برزخ "بِرِكوب" البالغ عرضه خمسة كيلومترات. وقد تبدأ القوات الأوكرانية بوابل من الصواريخ المنطلقة من نظام راجمات "جي إم إل آر إس" (GMLRS). ويضيف كوفمان: "إذا كان الأوكرانيون قادرين على التقدم أكثر باتجاه الجنوب، فربما يكون باستطاعتهم شن قصف مدروس على القرم أو أجزاء من شبه الجزيرة بما يجعل موقف الروس هناك محفوفا بالمخاطر. لكنني أشك في نية أوكرانيا شن عملية عسكرية واسعة النطاق من أجل غزو القرم، ففي النهاية كل ما قيل مجرد تكهنات".

خط أحمر روسي وتردُّد أميركي

يُحذِّر كوفمان من أن التقدم المستمر حاليا نحو الجنوب في ظل قدرة القوات الروسية على استخدام نهر "دنيبر" حاجزا طبيعيا، يُعَدُّ أصعب بكثير من مرات التقدم الأوكرانية السابقة. وقال "روب لي"، الزميل البارز بمعهد "أبحاث السياسة الخارجية"، إن أوكرانيا لو حاولت الإقدام على مثل هذه الخطوة، فربما عليها أن تحاول أولا قطع الخط الواصل بين القوات الروسية في إقليم الدونباس ونظيرتها المتمركزة في عمق نهر دنيبر شرقا، مضيفا: "أعتقد أنهم سيحاولون وسيتقدمون في اتجاهات مختلفة". ستنطوي الإستراتيجية في الغالب على إجراء اختبارات باستمرار على طول خط الجبهة الروسية لتحديد المناطق الأضعف، ومن ثم الاحتشاد عندها في أسرع وقت ممكن. بيد أن روب لي أوضح أنه في ظل تركيز القوات الروسية الآن على منطقة شرق النهر "قد يُسهِّل على روسيا تحريك بعض هذه القوات" وإحباط أي محاولة تقدم أوكرانية.

لم يكن المحللون كلهم متشائمين حيال محاولة أوكرانيا استعادة القرم إلى هذا الحد، إذ قال الفريق المتقاعد "بِن هودجز"، الذي شغل منصب قائد الجيش الأميركي في أوروبا ويعمل حاليا مستشارا لجمعية "حقوق الإنسان أولا"، إنه قابل مؤخرا أعضاء من هيئة الأركان العامة في الجيش الأوكراني، وخرج منبهرا بشدة من خططهم المنهجية لاستعادة القرم. وتمنح التمركزات الجديدة لأوكرانيا قُرب خيرسون قاعدة لإطلاق النار بهدف دَك القوات الروسية المتمركزة على الضفة الشرقية لنهر الدنيبر. ويقول هودجز: "سيكون ذلك أمرا فظيعا بالنسبة للروس، إذ إن المنطقة ذات سهول مفتوحة على اتساعها، وتتسم بطقس سيئ، حتى إن من السهل نسبيا على الأوكرانيين ضربهم، لكن الأهم ضرب اللوجستيات الموجودة في المنطقة".

يقول هودجز إن أوكرانيا غالبا ما ستُقْدِم على محاولات أكثر لتدمير الجسر الروسي فوق مضيق "كيرش"، الذي جرى تدميره جزئيا في هجوم أكتوبر/تشرين الأول، كما أن الأوكرانيين سيتمكَّنون من مهاجمة خطوط الإمداد الروسية على طول الجزء الجنوبي من البلاد، وبإمكانهم تنفيذ هذه المحاولات في يناير/كانون الثاني (المقبل)، وربما تحرير القرم بحلول الصيف. وأعرب هودجز عن تفاؤله قائلا: "فلننظر إلى القرم باعتباره فخا لروسيا"، مُحذِّرا من أن فرص أوكرانيا في النجاح قد تتحسن في ظل وجود صواريخ ذات مدى أبعد مثل أنظمة الصواريخ "أتاكِمس" (ATACMS) التي تستطيع ضرب أهداف على بُعد 300 كيلومتر: "أعني بذلك أن بإمكانهم استهداف سِفاستوبول من مدينة أوديسا، ويمكنهم الشروع فورا في ذلك لو امتلكوا تلك الإمكانيات".

رغم التصريحات المُطمئِنة الكثيرة الداعمة لأوكرانيا، لم يُبدِ المسؤولون الأميركيون أي اهتمام بمنح أوكرانيا أسلحة ذات مدى بعيد على هذا النحو. ففي مقال سابق بموقع "ديفِنس وان" نُشِر في سبتمبر/أيلول الماضي، كتب "باتريك تاكر" عن تردُّد الولايات المتحدة في تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، وتجاوبها بجدية مع تحذيرات روسيا من أن تسليح كييف بأسلحة من نوعية "أتاكِمس" خط أحمر. وقد صرَّح مسؤول سابق رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأميركية لم يُفصح عن اسمه قائلا إن التعليمات الواردة إليه تفيد بأن واشنطن لن تفعل "سينا وصادا، لأن سينا وصادا خطوات تصعيدية في نظر الروس، وهذا هو الموقف الطبيعي لإدارة بايدن". بيد أنه أضاف قائلا: "هناك أشياء قيل لنا في يناير/كانون الثاني إنها تصعيدية، ثم سرعان ما منحناها لأوكرانيا في فبراير/شباط. وما لم يُسمح لنا بمنحه في فبراير/شباط، سرعان ما أُتيح لنا تزويد كييف به في إبريل/نيسان".

_____________________________

ترجمة: هدير عبد العظيم

هذا التقرير مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة