شعار قسم ميدان

سباق التسلُّح في 2021.. لماذا يشتري العرب الكثير من الأسلحة؟

سباق التسلُّح في 2021.. لماذا يشتري العرب الكثير من الأسلحة؟

دائما ما كان الشرق الأوسط مسرحا ملتهبا للمنافسات الجيوسياسية والصراعات العسكرية والحروب الأهلية، ولم يكن العالم العربي استثناء من ذلك، حيث نشهد اليوم حروبا ونزاعات عسكرية في بلدين عربيين (سوريا واليمن)، وصراعات واضطرابات داخلية في ثلاثة بلدان أخرى (السودان والعراق وليبيا)، بينما تستحوذ خمس من دول العرب الآمنة على نصف قائمة أكبر عشرة مستوردين للسلاح في العالم، وهي السعودية ومصر والجزائر وقطر والإمارات. وفي المقابل، زادت مبيعات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من السلاح جرَّاء هذا السباق، بحسب تقرير حديث نشره معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، المَعني بمراقبة حركة بيع السلاح وشرائه في العالم.

 

يُغذِّي العرب اليوم سوق الأسلحة العالمي إذن، ويُنعِشون خزائن الدول والشركات المُصدِّرة بعشرات المليارات من الدولارات، لكن الأمر الجدير بالذكر في هذا الصدد أن معظم الأسلحة المُشتراة عربيا لا تهدف إلى تجهيز الجيوش لحروب وشيكة، بقدر ما تهدف إلى تعزيز الموقف الجيوسياسي والتنافسي للدول، وتعزيز علاقاتها بالدول العظمى المُصدِّرة للسلاح، وصاحبة النفوذ في المنطقة، وفي بعض الأحيان، تأمين الأنظمة الحاكمة وحماية مصالحها من أي تهديد مُحتمَل.

 

لهذه الأسباب -وغيرها- تشتري الدول العربية كل عام ثلث أسلحة العالم، وفي الوقت الذي يذهب فيه نحو نصف صادرات الأسلحة الأميركية إلى الشرق الأوسط، تستورد السعودية وحدها 24% من مجمل تلك الصادرات، وبينما وصلت مبيعات السلاح الفرنسية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1990، تضاعفت واردات مصر العسكرية ثلاث مرات؛ ما يجعلها ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامَيْ 2015-2019.

 

الخليج العربي.. الوجه الآخر لسباق التسلُّح

A missile is launched during an Iranian Army exercise dubbed 'Zulfiqar 1400', in the coastal area of the Gulf of Oman, Iran, in this picture obtained on November 7, 2021. Iranian Army/WANA (West Asia News Agency)/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY

تمتلك الدول الخليجية موقعا إستراتيجيا مهما على الخليج العربي والبحر الأحمر، كما تقبع فوق محيط نفطي ضخم يُمثِّل نحو 40% من احتياطات العالم، لكنها رغم ذلك تحتاج إلى تحالف وثيق مع القوى الكبرى لتأمين عبور ناقلاتها النفطية من مضيق هرمز الذي تُسيطر عليه إيران، التي سبق وهدَّدت بمنع تدفُّق نفط الخليج عبر مضيق هرمز حال توسيع العقوبات الدولية عليها بسبب برنامجها النووي. وإلى جانب التهديد الاقتصادي، ترى معظم دول الخليج أن نظام الجمهورية الإسلامية يُمثِّل خطرا وجوديا عليها، خاصة بعدما مَدَّ أذرعه الإقليمية في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن.

 

بسبب تلك التهديدات، والمصالح المشتركة أيضا، ترسَّخ "التحالف الخليجي-الأميركي" بهدف حماية المصالح السياسية والاقتصادية، ومنع تهديدات دول الجوار، لكن التحالف الخليجي مع واشنطن لم يَسلم من الصدامات بسبب تعاقب الرؤساء الأميركيين، ما دفع دول الخليج للبحث عن طرق بديلة لتفادي مضيق هرمز، وتنويع تحالفاتها السياسية، وحتى محفظتها العسكرية عبر شراء الأسلحة من أكثر من بائع.

 

تُغذَّى مبيعات الأسلحة الخليجية إذن بفعل التوترات المستمرة مع طهران، خاصة مع دخول قرار الأمم المتحدة برفع حظر التسليح المفروض على إيران منذ عام 2007 حيز التنفيذ في عام 2020. وبينما أخفقت الدول الخليجية في عرقلة قرار تمديد الحظر بسبب معارضة روسيا والصين، فإنها اشترت المزيد من الأسلحة، حتى من الدول التي اصطفَّت إلى جانب طهران. وبينما أثارت التبعات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد شكوكا حول قدرة دول الخليج على شراء السلاح، فإن الإنفاق استمر دون توقُّف.

 

تتصدَّر الإمارات صفقات التسليح الخليجي خلال العامين الأخيرين، فمقابل تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول 2020، حصلت أبو ظبي على اتفاق مع الولايات المتحدة لشراء 50 طائرة من طراز "إف-35″، بهدف استبدال أسطولها من طائرات "إف-"16 الأميركية، إلى جانب 18 طائرة مسيرة (تواجه الصفقة الإماراتية الأميركية عقبات تفرض شكوكا على تنفيذها في الوقت الراهن)، كما حصلت على صفقة أخرى من فرنسا اشترت بموجبها 80 طائرة رافال بقيمة 18 مليار دولار، فيما يستمر تعاونها العسكري مع إسرائيل لتطوير طائرات مسيرة وسفن عسكرية.

JORDAN: This handout picture released by the official Jordanian news agency, PETRA on February 8, 2015, shows a squadron of United Arab Emirates (UAE) F-16 fighters stationed in one of Jordan's air bases to support it in strikes against the Islamic State group. The squadron of UAE F-16 fighter jets, which also includes C-17 troop and supply carriers and refuelling planes, which arrived to help the kingdom in its fight against the Islamic State which burned alive one of its pilots. UAE squadron chief Saeed Hassan told Petra the team "stands ready to carry out any mission in coordination with the Jordanian armed forces." (Photo by PETRA via Getty Images)

على النقيض، لم تحصل السعودية على صفقات كبرى خلال تلك الفترة، خاصة بعد فرض عدة دول مثل ألمانيا وكندا حظر تصدير السلاح إلى المملكة بسبب حرب اليمن، وزادت الأمور تعقيدا بعدما علَّقت الولايات المتحدة صفقات السلاح التي أبرمها الرئيس السابق، دونالد ترامب، وهو ما دفعها إلى استثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعتها العسكرية خلال العقد المقبل، لتعزيز الإنفاق العسكري المحلي، لكن الانفراجة حدثت بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إقرار أول صفقة أسلحة كبرى للسعودية في عهد الرئيس جو بايدن من خلال بيع 280 صاروخ "جو-جو"، و596 قاذفة صواريخ بتكلفة قُدِّرت بنحو 650 مليون دولار.

 

بالحديث عن الكويت، فقد كان لها هي الأخرى نصيب من الصفقات الضخمة عقب موافقة الإدارة الأميركية نهاية عام 2020 على صفقة أسلحة لها بقيمة 4.4 مليارات دولار، تشمل ترقية 16 طائرة مروحية قديمة من طراز أباتشي، وتسليم 8 مروحيات جديدة، مع تزويد المقاتلات بأنظمة الدفاع الجوي الصاروخي، وهي صفقة أثارت جدلا حينذاك بعد أن أعلنت عنها وزارة الدفاع الأميركية ونفتها رئاسة الأركان الكويتية (لا تزال قيمتها ومحتواها موضع شك). وفي يونيو/حزيران الماضي (2021)، أعلنت الخارجية الأميركية تعاقد الكويت على شراء 517 شاحنة ثقيلة لصالح القوات البرية في الجيش الكويتي بقيمة 445 مليون دولار.

 

أما قطر، فقد تسلَّمت في عام 2021 الدفعة الأولى من مقاتلات "إفد-15" الأميركية التي تعاقدت عليها عام 2017 ضمن صفقة قيمتها 12 مليار دولار، كما عمدت الدوحة إلى تعزيز قواتها البحرية بصفقات متنوعة مع إيطاليا وتركيا. ولا تزال الدوحة تنتظر رد واشنطن بخصوص طلبها الحصول على طائرات "إف-35" الأكثر تطوُّرا، التي تمتلكها -حتى الآن- دولة واحدة فقط في الشرق الأوسط هي "إسرائيل"، وهي صفقة لا تزال محل شك بسبب الفيتو الذي تمارسه دولة الاحتلال على مبيعات الطائرة المتطورة.

 

مصر وإسرائيل.. جنون التسليح مقابل سباق التصدير

تُشير تقديرات معهد "ستوكهولم" إلى زيادة جنونية في صفقات السلاح التي أبرمتها مصر منذ عام 2014، وهو عام صعود الرئيس المصري إلى سُدَّة الحكم، لتصبح القاهرة في ظل وجوده ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالميا بين عامَيْ 2015-2019، بنسبة زيادة بلغت 206%. ورغم الانتقادات التي يواجهها النظام المصري في ملف حقوق الإنسان، فإن الحكومة المصرية نجحت في الحصول على صفقات عسكرية متنوعة من دول عدة.

 

ففي عام 2020، أبرمت مصر أضخم صفقة تسليح في أوروبا مع إيطاليا بقيمة وصلت نحو 10 مليارات دولار، في وقت تأزَّمت فيه العلاقات بين البلدين على خلفية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني. وشملت الصفقة 6 فرقاطات، و20 قاذفة صواريخ، و24 قاذفة مقاتلة من طراز "إم-346″، وقمرا صناعيا. وقد امتدت صفقات العتاد العسكري لعقد صفقات مع ألمانيا بنحو 865 مليون دولار، شملت شراء معدات تجسُّس من ألمانيا، بحسب ما كشفته صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية.

 

وفي عام 2021، وقَّعت مصر عقدا مع فرنسا لشراء 30 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" بقيمة 4.5 مليارات دولار، تُدفَع عبر قرض تصل مدته إلى 10 سنوات على الحد الأدنى، ليزداد أسطول مصر من تلك الطائرات إلى 54، بعد صفقة مماثلة عام 2015 شملت 24 مقاتلة. بيد أن النجاح المصري في سوق السلاح يتمثَّل في اختراقها القرار الأميركي المُتعلِّق بربط ملف حقوق الإنسان بالمساعدات والصفقات العسكرية، وحصولها على موافقة إدارة الرئيس جو بايدن من أجل صفقة أسلحة بقيمة 200 مليون دولار، شملت 168 صاروخا تكتيكيا، وقد برَّرت الولايات المتحدة قرارها بأن مصر "لا تزال شريكا إستراتيجيا مهما في الشرق الأوسط".

إسرائيل كان لها نصيب كبير من صفقات السلاح في 2021 أيضا، في خضم الحرب التي شنَّتها على قطاع غزة في مايو/أيار الماضي. وبينما دعا الرئيس الأميركي الفصائل الفلسطينية لوقف إطلاق النار، فإنه وافق من جهة أخرى على بيع أسلحة دقيقة التوجيه إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 735 مليون دولار أميركي. وبحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، خصَّصت إسرائيل مؤخرا مبلغ 1.56 مليار دولار لشراء صواريخ اعتراضية لبطاريات منظومة الدفاع الجوي المعروفة باسم القبة الحديدية، إلى جانب ذخائر دقيقة لسلاح الجو الإسرائيلي.

 

تمتلك إسرائيل أيضا نصيبا من سوق التصدير العالمي بوجودها ضمن قائمة أكبر 10 دول مُصدِّرة للسلاح في العالم، حيث تُعَدُّ رائدة في صناعة الطائرات المُسيَّرة والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي وناقلات الجنود المدرعة. وبحسب آخر الأرقام الرسمية المُعلَنة، بلغ حجم مبيعات السلاح الإسرائيلية عام 2019 نحو 7.2 مليارات دولار، بينما ارتفع الرقم بنسبة 15% ليبلغ حجم الصادرات في عام 2020 نحو 8.3 مليارات دولار.

 

المغرب والجزائر.. تنافس في عالم السلاح

في أقصى المغرب العربي، يتنافس المغرب والجزائر وتجمعهما خلافات في ملفات عدة أبرزها دعم الأخيرة لجبهة البوليساريو الانفصالية. ويتكشَّف الوجه الآخر للحرب الباردة بين البلدين عبر أرقام التسليح، إذ أنفق البلدان على التسلُّح خلال العقد الماضي ما يُقدَّر بنحو 140 مليار دولار، كان نصيب الجزائر منها نحو 100 مليار دولار، وهو أكثر من ضِعْف ما أنفقه المغرب (40 مليار دولار). وبحسب الأرقام الرسمية، خصَّصت المملكة المغربية أواخر العام الماضي (2021) نحو 12.718 مليار دولار لتحديث الجيش، وهو ما يُمثِّل ضِعْف حجم الميزانية المُخصَّصة للتسليح العام السابق.

 

مؤخرا، زادت حِدَّة الخلافات بين الجارين المغاربيين عقب توقيع المغرب اتفاقا للتطبيع مع إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي 2020، وهو الاتفاق الذي فتح له آفاقا كبرى للتسليح من مصدر جديد ومهم إقليميا. وبحسب تصريحات رسمية إسرائيلية، وقَّع البلدان خلال زيارة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي للرباط على صفقات تلتزم بموجبها إسرائيل بتزويد المغرب بأسلحة حربية متطوِّرة، منها طائرات مُسيَّرة، إلى جانب تزويد الرباط بالمنظومة الدفاعية "باراك-8" بمدى 140 كيلومترا ضد جميع الأهداف الجوية. وقبل ذلك، تحديدا في ديسمبر/كانون الأول 2020، أبرم المغرب اتفاقا مع الولايات المتحدة لتزويده بطائرات مُسيَّرة في صفقة بلغت قيمتها مليار دولار. وبينما تعتمد الرباط في تسليحها بالأساس على الولايات المتحدة وفرنسا، فإن الجزائر تعتمد على روسيا والصين كُليا، ويفيد موقع "أفريكا إنتليجنس" أن الجزائر وقَّعت هذا العام صفقة بقيمة 7 مليارات دولار لشراء أسلحة روسية تشمل طائرات مقاتلة وأسلحة أخرى.

 

يستمر سباق التسلُّح على قدم وساق إذن، وتستمر الدول العربية في تغذية هذا السباق، والتنافس لتعزيز ترساناتها بأحدث الأسلحة المتطورة. ربما يكون هذا مُبرَّرا في بعض الحالات في ظل التحديات الأمنية المحدقة في الوقت الراهن، لكنه يظل مثيرا للجدل في حالات أخرى. ونتيجة لذلك، فإن هناك أصواتا متزايدة في العديد من هذه الدول تتساءل عما إذا كانت بعض الأنظمة الحاكمة تشتري أسلحة لن تستخدمها أبدا، أو إذا ما كانت الخلافات الداخلية العربية تُغذِّي صراع تسلُّح غير مُبرَّر بين العرب. وعلى أقل تقدير، تظل هناك تساؤلات حول إذا ما كان من الأجدى توجيه هذه النفقات الباهظة على الأقل إلى ملفات أخرى أكثر أولوية للمواطنين العرب مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم، أو حتى توفيرها تماما وتقليص فواتير الديون التي تُحمِّلها بعض النظم الحاكمة على عاتق الأجيال القادمة.

المصدر : الجزيرة