شعار قسم ميدان

تجمع بين الشرطة والجيش.. لماذا خطفت قوات "كارابينييري" الإيطالية الأنظار في أفغانستان؟

مقدمة الترجمة

أعدَّت الباحثة إليزابيث براو، الزميلة الزائرة في معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة (أمريكان إنتربرايز)، مقالا نشرته مجلة "ديفنس وان"، تناولت فيه بالتحليل المهمة التي اضطلعت بها قوات الدرك الإيطالية المعروفة باسم "كارابينييري" أثناء عمليات الإجلاء الأخيرة للقوات الأجنبية من كابول.

نص الترجمة

يُنسب إلى إيطاليا اليوم إنجاز مذهل يتمثَّل في إغاثة خمسة آلاف أفغاني، بالإضافة إلى إيطاليين ومواطني دول أخرى حليفة للولايات المتحدة، عبر عملية إجلاء القوات الأجنبية من مطار حامد كرزاي الدولي في كابول التي تمت قبل أسابيع. وقد اضطرت روما، من أجل إنجاح هذه المهمة الاستثنائية والمُعقَّدة والخطرة، إلى إيفاد بعض من أفضل جنود جيشها وجنود قواتها الخاصة المعروفين باسم "كارابينييري". وبوسع الدول الأخرى التعلُّم من قوات كارابينييري الإيطالية "الخضراء والزرقاء" كما يُشار إليها -أي إنها قوات هجينة تجمع بين سِمَات الشرطة والجيش-، إذ إن العالم سيشهد العديد من مثل هذه المواقف شديدة التعقيد والخطورة، التي هي دون الحرب التقليدية في الوقت نفسه.

يقول العميد "ستيفانو إياسون": "كنا في أفغانستان منذ اليوم الأول، وعندما صدر القرار بمغادرة قوات التحالف، كان واضحا أننا سنساعد في عمليات الإجلاء". ويقود إياسون اللواء الثاني المُتنقِّل، وهو وحدة خاصة تستدعيها الحكومة الإيطالية عادة لتأدية المهمات الخطرة في الخارج، ويُنشر جنود هذا اللواء باستمرار في المناطق المضطربة مثل طرابلس ومقديشو وبيروت، أو يُكلَّفون بحراسة السفارات الإيطالية في العواصم المضطربة مثل إسلام آباد وكاراكاس.

يقول السفير بونتكورفو: "خروج الإيطاليين لإعادة الأشخاص الذين ساعدوا إيطاليا جهدٌ لا يُستهان به. كان هناك آخرون غيرهم بطبيعة الحال، لكن جنود كارابينييري كانوا هم الأساس.

كل ذلك جعل اللواء الثاني المُتنقِّل خيارا بديهيا لعملية شديدة معقدة وخطرة مثل إجلاء الإيطاليين والأفغان مع جنسيات أخرى من كابول. فحين غادرت آخر فرقة إيطالية -تضم أفراد كارابينييري وجنودا من الجيش الإيطالي بالإضافة إلى القنصل الإيطالي في كابول "توماسو كلودي" وكبير الممثلين المدنيين لحلف الناتو السفير "ستيفانو بونتَكورفو"- مطار حامد كرزاي الدولي، كان الإيطاليون قد أغاثوا ليس مواطنيهم فحسب، بل خمسة آلاف أفغاني تقريبا. ويُعَدُّ هذا الرقم الأكبر بين دول الاتحاد الأوروبي، إذ أجلت فرنسا 2600 أفغاني، بينما نقلت ألمانيا 4100 شخص تقريبا، أما الولايات المتحدة فأجلت أكثر من 31 ألف أفغاني، وهذا منطقي لأن الحرب في نهاية المطاف كانت حربا أميركية.

خطة إجلاء ذكية

وصل جنود كارابينييري إلى مطار كابول قادمين من فوج المظليين الأول التابع للواء الثاني المُتنقِّل في توسكانيا (مقاطعة إيطالية)، واستطاع هؤلاء الجنود الشبان -وبعضهم في مهمته السادسة بأفغانستان- ودون استخدام القوة تقريبا، وبدرجة عالية من البراعة، تنفيذ حيلة بسيطة لكنها فعالة وجوهرية في التعرُّف على الأفغان الذين سيُغاثون.

يقول إياسون: "لقد خرجوا إلى المناطق المحيطة بالمطار للعثور على هؤلاء الأشخاص، بمَن فيهم الأطفال والعجائز، والسبب في أنهم استطاعوا إيجادهم وسط هذه الفوضى أنهم عملوا وفق خطة"، ويُضيف: "إذ صدرت من جانبنا تعليمات إلى مَن هُم بصدد الإجلاء بارتداء ملابس معينة حتى نستطيع التعرُّف عليهم، ثم تواصل أفراد كارابينييري معهم باستخدام تطبيق واتساب، وعثروا على مواقعهم عن طريق تطبيق غوغل للخرائط. لقد كانت طريقة بسيطة ومُبتكَرة، بيد أن الجنود الذين نفَّذوها كانوا شديدي المهارة".

في المطار، راقب بونتكورفو -الذي قاد موظفي الناتو المدنيين المسؤولين عن تنسيق عمليات النقل الجوي الضخمة- جهود الإجلاء التي قامت بها إيطاليا والدول الأخرى دون أن يغمض له جفن، وقال السفير بونتكورفو: "خروج الإيطاليين لإعادة الأشخاص الذين ساعدوا إيطاليا جهدٌ لا يُستهان به. كان هناك آخرون غيرهم بطبيعة الحال، لكن جنود كارابينييري كانوا هم الأساس. لقد استخدموا إشارات خاصة، وألوان ملابس خاصة، بيد أن الميزة الكبرى التي اتسموا بها هي مهاراتهم في إدارة الحشود، وهي مهارات لا تملكها الفِرَق الخاصة الأخرى".

قوة النخبة

بفضل هذه المهارات بالتحديد، طُلب أفراد كارابينييري بكثافة في مرحلة إعادة إعمار أفغانستان بالقدر نفسه الذي طُلبوا به أثناء الإجلاء النهائي. ويعود السبب في ذلك إلى أن أفراد كارابينييري هجين غير عادي من الجنود وضباط الشرطة. وتمتلك قلة من البلدان الأخرى، لا سيما فرنسا وإسبانيا، قوات درك مماثلة لهم، حيث مضت سنوات طويلة منذ تشكيل آخر قوات للدرك.

غالبا ما تتجاهل الديمقراطيات الليبرالية دعوات تشكيل قوات للدرك على خلفية مخاوف الخلط بين مهام الجيش والشرطة. بيد أن قوات الدرك تمنح الدول التي تمتلكها فائدة مذهلة، وكما وثَّقنا من قبل في مقالات سابقة، تتولى قوات كارابينييري مهامَّ تتراوح بين حفظ الأمن في المجتمعات المحلية، ومكافحة الإرهاب، وتدريب غيرها من القوات في الدول المضطربة. وبسبب قلة القوات التي تجمع في مهاراتها بين جندي الجيش وضابط الشرطة، ثمة طلب عالٍ على لواء كارابينييري الثاني المُتنقِّل لتأدية مهمات خارجية بوصفه جزءا من الناتو والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بالعودة إلى أفغانستان، حيث كان اللواء الثاني المُتنقِّل موجودا حتى إقلاع الطائرة الأخيرة، يقول إياسون: "اعتمد ديفيد بتريوس على قوات كارابينييري اعتمادا كبيرا، فقد رأى بنفسه مستوى تدريبنا لقوات الشرطة في مدينة هِرات، كما انبهر البريطانيون مرارا بفكرة جمعنا بين خصائص جنود الجيش وضباط الشرطة في آنٍ واحد. بيد أن الأمر لا يقتصر على الهوية المؤسسية فحسب، بل يمتد إلى المهمات التي يمكن تأديتها بفضل التدريب الثنائي الهجين ذلك، فنحن نؤدي مهمات حفظ الأمن، وندرب القوات الأخرى الشريكة لنا، ونكافح الإرهاب. ولدى الفرنسيين قوات درك أيضا، لكنها ليست نشطة في مهمات الحلفاء".

لقد زرت (الكاتبة) اللواء الثاني المُتنقِّل، الذي يتمركز في مدينة ليفورنو شمالي إيطاليا، في الخريف الماضي لمعرفة كيف يتعلَّم أفراد كارابينييري هذه المهارات الهجينة، حيث يصل أحدث الأفراد المنضمين إلى اللواء وهم مدربون بالفعل ليكونوا ضمن قوات كارابينييري، ما يعني أن لديهم في المقام الأول مهارات في حفظ الأمن والتحقيقات الجنائية، بما فيها التحقيقات التي تُجرى بالاشتراك مع دول أخرى. ويُقبل نحو 30% من المتقدمين للالتحاق باللواء الثاني للدخول في مرحلة التدريب الذي يستمر غالبا لمدة 9 أشهر.

يتدرَّب الجندي-الشرطي الشاب هناك على إنقاذ الرهائن، وإدارة الحشود، والاستجابة للإرهاب، بالإضافة إلى العمل شرطيا في بيئة ليست في حالة حرب لكنها تحتاج إلى خلق الاستقرار حتى تسير أمور المجتمع سيرا طبيعيا، وهو ما يُعرف بشرطة الاستقرار. فإذا حملت عتادا كثيرا فسينشأ حاجز بينك وبين السكان المحليين، بل قد يتولَّد عداء، وإذا حملت عتادا أقل من المطلوب ترتفع المخاطر، ومن غير المفاجئ إذن أن تستضيف إيطاليا، ليس مركز الناتو المتميز لشرطة الاستقرار فحسب، بل وكذلك قوات درك الاتحاد الأوروبي والمركز المتميز لوحدات حفظ الأمن.

لقد أدَّى جميع الجنود المنفذين لعمليات الإجلاء أداء استثنائيا في بيئة معقَّدة وخطيرة، كما فقد 13 جنديا منهم أرواحهم في هذه العمليات. لن تكون عملية الإجلاء الأفغانية آخر امتحان خطر دون الحرب تواجهه الدول الغربية، فالمواقف الشبيهة ما انفكت تتزايد مؤخرا بالفعل. وبخلاف تأسيس البلدان لقوات درك خاصة بها، فإنها على الأقل ستحاول أن تزوِّد جنودها وضباط شرطتها بتلك المهارات الهجينة التي جعلت قوات كارابينييري على هذا القدر من الاستعداد الجيد.

____________________________________________________

ترجمة: هدير عبد العظيم

هذا التقرير مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة