بين مطرقة "الخذلان" وسندان "الترحيل".. اللاجئون الأفغان يشعلون حربا سياسية في أوروبا
في 18 يونيو/حزيران 2013، أعلنت حركة طالبان الأفغانية عن افتتاح مكتب اتصال لها بالعاصمة القطرية الدوحة، وذلك بهدف الدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية والحكومة الأفغانية في سبيل التوصُّل إلى حل سلمي لأزمة البلاد التي أنهكتها الحرب. وقد تحمَّس المجتمع الدولي لهذه الخطوة بُغية تعزيز فرص السلام في المنطقة بعد حرب طويلة، بيد أن الخطوة أتت أيضا بمنزلة جرس إنذار أولي يُنبئ الجميع بأن الحضور الغربي في المنطقة بدأ عده التنازلي، وأنه يجب الاستعداد لمرحلة ما بعد "الحرب المقدسة على الإرهاب".
رغم كل هذه المعطيات، تفاجأت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بانهيار الحكومة الأفغانية والجيش التابع لها، ما جعلها في مواجهة معضلة الانسحاب العسكري بعد بسط طالبان سيطرتها على البلاد، بل ووجدت تلك الدول أنها مُطالَبة بإيجاد مأوى لملايين الأفغان الذين عملوا لصالحها في ظل تصاعد مخاوف من تكرار مأساة اللاجئين السوريين سنة 2015.
بيد أن الإمكانية اللوجستية أو ربما "الرغبة الحقيقية" لاستقبال الأفغان لم تكن على القدر المطلوب، ومن ثمَّ شاهد العالم عددا من الأفغان يحاولون التشبُّث بطائرة أميركية وقد سقطوا في مشهد درامي مع بدء الإقلاع. وسرعان ما بدأ التشكيك في النيّات الحقيقية للدول الغربية في استقبال اللاجئين الأفغان مع ظهور أخبار من قبيل إجلاء الجيش الأميركي عددا من الكلاب عبر تخصيص مقاعد لها داخل طائرات الإجلاء، في حين أُغلِقَت أبواب الطائرات نفسها في وجه مدنيين أفغان. (2)
حين تكون الكلاب أهم من البشر
أمريكا تُجلي كلابها البوليسية عن أفغانستان بينما تركت آلاف المتعاقدين الأفغان معها يتسلقون الطائرات ويتدافعون كما لو كانوا في مجاعة للهرب من جحيم طالبان، ثم يسقط بعضهم من السماء في مشهد مأساوي لا يمحيه التاريخ.. https://t.co/gFdkxcQn8N— سامح عسكر (@sameh_asker) August 16, 2021
موقف غربي "غير" مشترك
لم تكن الدول الغربية مستعدة لاستقبال ملايين اللاجئين الأفغان الذين رغبوا في ترك بلادهم، إما خوفا على حياتهم بسبب عملهم السابق مع الجيوش الغربية التي سيطرت على أفغانستان لعقدين، وإما بسبب الوضعية الاقتصادية والسياسية والأمنية الصعبة التي يتوقعون أن تعيشها البلاد بعد صعود طالبان. أما الأدلة على عدم استعداد هذه الدول لاستقبال اللاجئين فيؤكِّدها ما كشفته وكالة "رويترز" عمَّا دار في آخر مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي "جو بايدن" والرئيس الأفغاني السابق "أشرف غني" قبيل أيام من سيطرة طالبان على العاصمة كابل ثم البلاد كاملة. (1)
أظهر تفريغ هذه المكالمات محاولة بايدن اللعب بورقة أخيرة عبر إعادة النظر في الإستراتيجية العسكرية للجيش الأفغاني، وتعيين "شخصية مقاتلة" كالجنرال "بسم الله خان محمدي" لمواجهة طالبان. ويظهر من خلال المكالمة أن الرئيس الأميركي رأى في الجيش الأفغاني القدرة الكاملة على مواجهة 70 أو 80 ألف مقاتل منتمين لطالبان بهدف القضاء على الحركة في حرب أهلية جديدة. ولكن رغم كل هذه المعطيات العسكرية، انهار الجيش الأفغاني بسرعة، وسلَّم مناطق واسعة من البلاد دون قتال، وهو ما شكَّل صدمة للإدارة الأميركية.
وما إن برزت إلى السطح ملامح أزمة لاجئين أخرى حتى توالت المواقف الغربية المتردِّدة، إذ قالت الحكومة الألمانية مثلا إنها ستقوم بكل ما في وسعها لمنع هجرة غير مسيطر عليها إلى بلادها، وذلك بتشديد المراقبة على الحدود إذا لزم الأمر. وصرَّح وزير الداخلية الألماني "هورست زيهوفر" أن منتقدي سياسة السلطات الأمنية في أزمة لجوء السوريين سنة 2015 كانوا على حق تماما، لأن المراقبة لم تكن بالجودة المطلوبة، ومن ثمَّ لم تعرف ألمانيا حقيقة هوية مَن دخلوا للإقامة على أراضيها، مُضيفا: "نعم، ألمانيا ستُقدِّم المساعدة في هذه الأزمة، لكننا مطالبون في الوقت نفسه بتأمين شعبنا". (3) (4)
هذا الموقف الألماني المتوجِّس تتشاركه برلين مع باريس، حيث أكَّد الرئيس الفرنسي في خطاب له يوم 16 أغسطس/آب الماضي أن أبواب أوروبا لن تُفتَح على مصراعيها لاستقبال "تسونامي المهاجرين". (5) في السياق نفسه أكَّدت كلٌّ من سلوفينيا والمجر رفضهما الكامل للحديث عن استقبال لاجئين جُدد بالتزامن مع تهديد "يان أسيلبورن"، وزير خارجية لوكسمبرغ، بالوقوف في وجه الاتفاق الأوروبي المشترك بخصوص اللاجئين الأفغان نظرا لعدم تقديم الدول الكبرى التزامات دعم كافية لبلاده كي تواجه الموجة الجديدة. (6) (7)
على النقيض من كل المواقف السابقة، انتقد "ماريو دراغي"، رئيس الوزراء الإيطالي، الضعف الكبير الذي أظهره الاتحاد الأوروبي في طريقة إدارة أزمة اللاجئين الأفغان، مؤكِّدا أن بلاده ستستثمر 120 مليون يورو كانت مخصَّصة لدعم الجيش الأفغاني في استقبال اللاجئين الفارِّين من كابول، مُضيفا أن الواصلين سيُمنَحون صفة اللجوء وسيتلقون تلقيحا ضد فيروس "كوفيد-19". (8) ويرغب رئيس الوزراء الإيطالي في الوقت نفسه بعقد قمة العشرين لمناقشة مشكلات اللاجئين بمسؤولية أكبر، في وقت أكَّدت فيه روسيا حضورها للقمة داعية إلى تبني خطاب عالمي أوضح في هذا الصدد. أما بريطانيا، الحليف الأول لجورج بوش الابن في حربه على "الإرهاب"، فأبدت تخوُّفها من أن يدفع اليأس والإحباط اللاجئين الأفغان نحو محاولة الوصول إلى البلاد عبر طرق غير مشروعة. (9)
هذا وقالت وزيرة الداخلية البريطانية "بريتي باتيل" إن بلادها تتعهَّد بإعادة توطين الأفراد الذين لم يتمكَّنوا من الفرار بعد خروج القوات البريطانية من أفغانستان، لكنها لم تُحدِّد تاريخا معينا للبدء في عملية الإجلاء هذه، وهو ما عرَّضها لانتقادات من طرف حكومة الظل العُمَّالية ووزير داخليتها "نيك سيموندز"، الذي وصف وعودها بمحاولة إغلاق باب الإسطبل بعد فرار الحصان. (10) وتؤكِّد المجالس البلدية البريطانية عدم حصولها على أي معلومات حول كيفية تقديم المساعدة للاجئين الأفغان الواصلين إلى بريطانيا، إذ استُقبِل هؤلاء في فنادق مؤقتة بانتظار تعليمات الحكومة، وهي خطوة لم تُعجب الجمعيات الخيرية التي تحاول تقديم الرعاية لهم، إذ اعتبرت أن طريقة التوطين العشوائية هذه خطر على الصحة العقلية للاجئين الذين تعرَّضوا لصدمات قوية في بلدهم بسبب الخوف وعدم الاستقرار. (11)
المترجمون الأفغان في مرآة التجربة الجزائرية
"نخرج بنظارة شمس وبغطاء رأس، نعيش في خوف وننتظر فقط رصاصة في الرأس.. فقداني للحرية هو ذنب فرنسا".
(عريف الله آمني، مترجم أفغاني متعاون مع الجيش الفرنسي) (12)
بعد أن حطَّت الدول الغربية طائرتها على أرض أفغانستان، لم تكن لتنطلق في عملياتها العسكرية دون مساعدة محلية، سواء كانت هذه المساعدة استخباراتية أم لوجستية أم ثقافية ولغوية. وقد استعانت القوات الأجنبية بعدد من الطباخين والمرشدين والمترجمين، الذين لعبوا أدوارا مهمة في دعم الوجود الغربي، والمترجمون تحديدا مَثَّلوا نقطة التقاء بين الجيوش والسكان المحليين وأيضا بين الجيوش وحركة طالبان، ما جعلهم يشاركون في عدد من العمليات العسكرية التي انتهت أحيانا بمقتل بعضهم.
مع استهلال القوات الغربية عمليات الانسحاب من أفغانستان، زادت الوضعية ضبابية حول مصير هؤلاء المترجمين والمتعاونين الذين باتت حياتهم في خطر بسبب ما تعتبره طالبان "خيانة للأمة وتعاونا مع الأعداء"، وكانت إحدى أهم القضايا العالقة في هذا المجال هي قضية المترجمين الذين عملوا مع القوات الفرنسية، إذ رفضت باريس اصطحابهم في رحلة عودتها إلى المنزل.
بعد انتخابه رئيسا فرنسيا جديدا سنة 2012، اختار "فرانسوا أولاند" تدشين رحلاته الخارجية بوجهة بعيدة هي أفغانستان، وأعلن أثناء زيارته نهاية مهمات قواته هناك وبدء عودتها. وقد استعانت فرنسا حينها بـ 800 مترجم كما يذكر الصحافيان "كونتان مولر" و"بريس أندلاير" في كتابهما: "ترجمان، تحقيق في الخيانة الفرنسية". في السنة نفسها، طالب "إيمانويل فالس"، وزير الداخلية الفرنسي، السفارة الفرنسية في كابول بتحديد لائحة تضم 35 مترجما لترحيلهم إلى فرنسا، لكن سفير البلاد "بِرنارد باجولي" طالب أولاند بمضاعفة العدد إلى 75 مترجما، وهو رقم يظل ضعيفا مقارنة بالعدد الكامل. في النهاية، رحَّلت فرنسا 100 مترجم آخر سنة 2015، و51 مترجما سنة 2018، فيما ظل البقية عالقين في أفغانستان، أو في بلدان أخرى مثل تركيا فرُّوا إليها بانتظار "تأشيرة باريس التي لا تأتي".
حدَّدت الدول الغربية عددا من الشروط لإجلاء هؤلاء المترجمين، ومنها: مدة العمل مع الجيش، وجودة العمل، ودرجة الخطورة في حالة البقاء بأفغانستان. غير أن فرنسا أضافت شرطا رابعا لا يمكن قياسه أبدا، وهو نسبة الاندماج مع قيم الجمهورية الفرنسية، وعلى أساسه استُبعِد المترجمون الذين يواظبون على صلاتهم بوصفها دلالة على ميول "إسلامية". ووفق البند ذاته، استُبعِد جميع المترجمين الذين نسَّقوا بين الجيش الفرنسي ومقاتلي طالبان بسبب الاشتباه في تبنيهم لأفكار التنظيم، حسبما أفاد "عبد الرازق عادل خان"، رئيس جمعية المترجمين الأفغان الذين عملوا مع الجيش الفرنسي، الذي انتظر سنتين في أفغانستان من 2014 إلى 2016 حتى يتمكَّن من الحصول على تأشيرة فرار في مشهد يُعيد إلى الأذهان ما حدث في وقت سابق لـ "الحركى" الجزائريين الذين تركتهم فرنسا يواجهون الموت بعد أن خدموها طيلة عقود احتلالها لبلادهم. (13) (14) وقد أكَّد الصحافيان مولر وأندلاير في تحقيقهما أن قادة الجيش الفرنسي يضغطون على المحامين من أجل كسب القضايا التي يضعها اللاجئون أمام المحاكم، لخوفهم من أن يصبح الإجلاء حقا لجميع المتعاونين الذين يعملون مع فرنسا في آسيا وأفريقيا. (15)
لم تكن فرنسا وحدها مَن تخلَّى عن المتعاونين معها، ففي تقرير لها في ديسمبر/كانون الأول 2020، كشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن الجيش الإنجليزي قرَّر إنهاء عقود 1010 مترجم من أصل 2850، أي نحو 35% من المترجمين، مع منعهم من حق استئناف القرار. (16) ونقلت الصحيفة عن المترجمين المتخلَّى عنهم قولهم إن القرار صدر بمجرد مطالبتهم القوات البريطانية بإخراجهم من أفغانستان إلى بريطانيا، ثم ذكرت قصة مترجم يُدعى "لطيف" تلقَّى رسالة من ضابط بريطاني يُثني على العمل الذي يقوم به، لكن المترجم وجد نفسه مطرودا بعد ذلك بأشهر، دون معرفة الأسباب الحقيقية.
فرصة يمينية جديدة
في يوم 18 أغسطس/آب الماضي، نشر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" صورة لطائرة تابعة للقوات الجوية الفرنسية حطَّت رحالها في مطار شارل ديغول، حاملة على متنها 25 فرنسيا و175 أفغانيا أُجلوا من العاصمة الأفغانية كابول. وعلَّق الرئيس الفرنسي على الصورة قائلا: "نحن مدينون لكم بذلك، مرحبا". في الوقت نفسه، كان الإعلام الفرنسي يغطي أحداث أفغانستان بوصفها انتصارا للإرهاب الذي سيقتل الناس ويفرض الحجاب على النساء ويُطبِّق الشريعة الإسلامية. (18)
بعد ذلك بأيام، ستظهر مواضيع أخرى لها علاقة بأفغانستان، وسيُغطيها الإعلام تغطية مُكثَّفة، وذلك إثر توقيف 5 لاجئين أفغان بسبب الاشتباه في علاقة بعضهم بحركة طالبان. وقد صرَّح "غابريال عطال"، الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، أن المديرية العامة للأمن الداخلي تراقب المشتبه فيهم عن كثب، في الوقت الذي أكَّد فيه وزير الداخلية الفرنسي "جيرارد دارمنان" أن إجراءات الكشف عن اللاجئين المُرحَّلين كانت دقيقة وسليمة. (19) (20) في السياق نفسه، أعلن "ورست زيهوفر"، وزير الداخلية الألماني، وصول 20 شخصا إلى ألمانيا يشتبه في ضلوعهم بقضايا اغتصاب وتزوير، حيث نُقِل اثنان من هؤلاء إلى منشآت إصلاحية لوجود مذكرات اعتقال قائمة بالفعل، وما زال اثنان آخران رهن الاحتجاز لدى السلطات. (21)
تأتي هذه الأخبار الواردة عن وجود مجرمين ومغتصبين وسط اللاجئين الأفغان لتمنح مصداقية أكبر للخطاب اليميني الأوروبي الذي يُحذِّر من المشكلات الأمنية المُحتمَلة في حالة فتح الأبواب أمام المهاجرين "المجهولين"، خصوصا أن عددا من البلدان الأوروبية تعيش على وقع الاستعدادات لمواسم الانتخابات.
في فرنسا، التي يعتبر 66% من سكانها أن نسبة المهاجرين أكبر مما يجب أن تكون عليه، بدأت الأحزاب السياسية المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار محاولاتها استثمار أزمة اللاجئين قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية القادمة لدغدغة المشاعر اليمينية للناخبين. (22) فقد أعاد اليمين الفرنسي (سواء اليمين المتطرف أو اليمين التقليدي) إحياء أسطورة الاستبدال الكبير، التي نظَّر لها الكاتب الفرنسي "ألبير كامو" وتقول إن الرجال البيض المسيحيين الأوربيين سيصيرون أقلية بسبب توالي موجات الهجرة من أفريقيا والدول العربية والإسلامية، ومن ثمَّ ستُستبدل الشعوب الأصلية بشعوب مهاجرة تفرض قوانينها وعاداتها وديانتها. (23)
ولم يفُت المُنظِّر والكاتب اليميني المعروف "إيريك زِمور"، الذي يعتزم الترشُّح للانتخابات الفرنسية، أن يشارك في الحملة اليمينية بتصريحه أن كل ما يحدث في العالم يؤكِّد أن القضايا الكبرى للانتخابات القادمة ستكون حول "الهوية" و"التعليم" و"الصناعة"، وأن الاستبدال الكبير مشروع انطلق منذ مدة بالفعل وبدأ في تغيير الساكنة الأصلية لفرنسا. ومن جهته قال "جوردان بونيلا"، الوجه الفاشي الجديد في فرنسا، ونائب رئيسة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، إن الاستبدال الكبير حقيقة واقعية تدل عليها الأرقام والمؤشرات. (24) (25) وقال بونيلا في تغريدة له على موقع تويتر: "أرقام المعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية تؤكِّد ما كنا نقوله منذ مدة، الهجرة تقوم حاليا بتغيير ديموغرافي لم يحدث من قبل في تاريخنا، تحوُّل سريع يعطينا القليل من الوقت لاختيار الوجه الجديد لبلدنا فرنسا". أما رئيسة بونيلا، "مارين لوبين"، فدعت حكومة ماكرون إلى الحديث الصادق مع الفرنسيين لشرح خطواتها من أجل استقبال اللاجئين. (26)
ثمَّ دخل اليمين التقليدي الفرنسي هو الآخر على الخط، لكن دون الحديث بالتفصيل عن هذا الاستبدال الكبير. فقد حذَّر "إيريك سيوتي"، المُرشَّح الجديد للتصفيات الانتخابية، في تصريح له على إذاعة "راديو مونتي كارلو"، من أن "الهوية الفرنسية في طريقها للاختفاء". أما اليسار فحاول إيجاد موضع قدم له في هذه المعركة، إذ قال "أرنو موتينبرغ"، وزير الاقتصاد الفرنسي السابق، إنه لا يجب محاربة الهجرة بل مراقبتها، وهو الطرح نفسه الذي سار عليه "جون لوك ميلانشون" رئيس حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف. (27) (28)
أما في ألمانيا التي تستعد للانتخابات البرلمانية يوم 26 سبتمبر/أيلول المقبل، فإن الوضع ليس مختلفا، إذ حذَّر حزب البديل اليميني من تكرار تجربة استقبال اللاجئين السوريين سنة 2015، مُعتبرا أن القرار الصحيح لن يخرج عن إغلاق الأبواب إغلاقا كاملا في وجه القادمين، ومشاركة التجربة الدنماركية حين رفضت كوبنهاغن استقبال لاجئين جدد منذ سنة 2016. (29)
نحن نرحب بكم.. أحيانا
منذ العام الماضي، بدأت الدول الأوروبية محاولة ترحيل اللاجئين القادمين إلى بلدانهم، وهو ما أثار سخط البرلمان الأوروبي ومنظمة حماية اللاجئين والأمم المتحدة، بالنظر إلى أن الترحيل قد يشمل مطلوبين أو ملاحَقين عُرضة للموت أو التعذيب أو السجن لأسباب سياسية أو طائفية أو إثنية. وقد سُطِّرَت حكايات تلك الترحيلات في تقرير "الكتاب الأسود عن الإعادة القسرية"، وهو عمل مشترك لشبكة مراقبة العنف على الحدود وكتلة اليسار الأوروبي، وضمَّ التقرير 13 ألف شهادة للاجئين رُحِّلوا قسرا من عدة دول أوروبية. (30)
ورغم توقُّف بعض الدول عن ترحيل اللاجئين القادمين من دول ينعدم فيها الأمن مثل أفغانستان، فإن هذه الدول نفسها تتحايل على الأمر وتحاول ترحيلهم إلى بلدان أخرى في إطار اتفاقية "دَبْلِن"، بالتزامن مع اتصالات تجريها دول أخرى من أجل إعادة لاجئين إلى بلدانهم بحُجة أنهم لم يُقدِّموا أدلة تُفيد استهداف شخصهم لخصومة سياسية أو ما شابه، وأن الوضع العام لهذه البلدان ليس بالسوء الذي يفرض على أوروبا قبولهم. إذن، الرسالة واضحة هنا، إن تمكَّنت بمعجزة من الوصول إلى أوروبا، فتذكَّر دائما بلدك، لأنك ستعود إليه يوما ما، قد تستقبلك أوروبا بضعة أشهر أو ربما سنوات، لكنها ستحاول جاهدة إعادتك إلى بلدك، وهذا ما حدث لعشرات السوريين الذين فُرِضَت عليهم العودة إلى بلادهم رُغم قسوة ظروف الحرب فيها، فتعرَّضوا بمجرد وصولهم للاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب على أيدي قوات نظام الأسد حسبما أفادت منظمة العفو الدولية "آمنستي". الرسالة الواضحة أيضا هي عدم التعاون أبدا مع جيوش الغرب مهما كان الثمن، وهي إشكالية ستُثقل كاهل الجيوش الغربية فيما بعد أينما حلَّت بأفريقيا أو آسيا.
____________________________________________________________________
المصادر
- رويترز تكشف تفاصيل المكالمة الأخيرة بين بايدن وأشرف غني قبل سقوط كابل
- غضب على تويتر.. الكلاب الأميركية جلست في مقاعد الطائرة والأفغان تشبثوا بعجلاتها
- لاجئون وصلوا ألمانيا بوثائق مزورة وآخرون كان قد تم ترحيلهم لأفغانستان!
- المصدر السابق.
- Afghanistan : "L’Europe ne risque pas un tsunami migratoire"
- لاجئون وصلوا ألمانيا بوثائق مزورة وآخرون كان قد تم ترحيلهم لأفغانستان!
- المصدر السابق.
- Mario Draghi critique la réponse de l’UE aux migrants afghans
- بريتي باتيل تنصح الأفغان بعدم "الفرار" في الظروف الراهنة
- المصدر السابق.
- بريطانيا: آلاف اللاجئين الأفغان سيقيمون في فنادق "إلى أجل غير مسمى"
- Les oubliés de l’armée française en Afghanistan
- ?La France a-t-elle abandonné ses interprètes afghans
- المصدر السابق.
- Tarjuman. Enquête sur une trahison française/Edition: Bayard.
- Defence chiefs fired more than a THIRD of their Afghan translators – without right to appeal, figures show
- GOP Candidates Want Refugees Out of Afghanistan But Not in U.S.
- Nous vous le devons.
- المصدر السابق
- Ce que l’on sait des cinq Afghans évacués en France et placés sous surveillance, dont l’un est en garde à vue
- ألمانيا ـ تسلل أصحاب سوابق ومطلوبين عبر الجسر الجوي من كابول
- ?Le débat sur l’immigration est-il parti pour envahir la présidentielle
- https://www.marianne.net/politique/le-debat-sur-limmigration-est-il-parti-pour-envahir-la-presidentielle
- ?Le débat sur l’immigration est-il parti pour envahir la présidentielle
- المصدر السابق.
- Jordan Bardella reprend à son compte la théorie complotiste du « grand remplacement »
- Le débat sur l’immigration est-il parti pour envahir la présidentielle ?
- المصدر السابق.
- أفغانستان تتحول إلى مادة انتخابية في ألمانيا: اتهامات بالفشل الذريع
- كيف يطرد اللاجئون من الاتحاد الأوروبي بطرق سرية؟
- العفو الدولية: لاجئون سوريون يتعرضون للتعذيب والاغتصاب بعد عودتهم