الثورة القادمة في ميانمار.. هل تحرر البلاد من فوضى الحكم العسكري؟

أعد "ثانت مينت-يو"، المؤرخ البورمي ومؤلف كتاب "تاريخ بورما الخفي"، تحليلا نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، وقد تناول فيه الوضع المتأزم والمنفجر الذي تمر به ميانمار حاليا بعد الانقلاب العسكري الأخير الذي نفذه الجيش في فبراير/شباط الماضي. ويأخذنا الكاتب في رحلة عبر تاريخ تأسيس الدولة الميانمارية، وجذور الانقسامات العرقية فيها، وسيطرة الجيش على الحياة العامة ومقاليد الحكم هناك، وعصر انفتاح ميانمار على العالم، ومحاولات تحايل الجيش على الديمقراطية منذ عام 2011، ثم أخيرا الانقلاب العسكري، وما تلاه من أحداث عنف لا تزال تمزق البلاد

 

تقف ميانمار اليوم في طريق اللاعودة. فقد فجَّر انقلاب الجيش في فبراير/شباط الماضي، الذي كان من المفترض أن ينقل السلطة بموجب الإطار الدستوري الحالي، طاقة ثورية سيستحيل احتواؤها على المدى القريب.

على مدار الأشهر الخمسة الماضية، استمرت التظاهرات والإضرابات رغم مقتل أكثر من 800 شخص واعتقال 5 آلاف تقريبا. وفي الأول من أبريل/نيسان، أعلن أعضاء البرلمان المنتخبون عن حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" الذي تتزعمه رئيسة الوزراء المنقلب عليها "أون سان سو تشي"، مع عدد من قادة الأحزاب والمنظمات الأخرى، تأسيس "حكومة وحدة وطنية" تتحدى سلطة المجلس العسكري المؤسس حديثا. وخلال شهرَي أبريل/نيسان ومايو/أيّار، ومع اشتعال القتال بين المجلس العسكري وجيوش الأقليات العرقية، هاجم جيل جديد من المناضلين الديمقراطيين مواقع عسكرية ومكاتب إدارية في شتى أنحاء البلاد.

إعلان

 

قد يعزز المجلس العسكري حكمه جزئيا على مدار السنة المقبلة، لكن لن يُفضِ ذلك إلى الاستقرار، إذ تواجه ميانمار تحديات اقتصادية واجتماعية ملحّة وشديدة التعقيد، إلى جانب عداء عميق وغير هيّن تجاه الجيش، وقد يكون من الصعب على مؤسسة منعزلة وعفا عليها الزمن التعامل مع كل هذا. وفي الوقت ذاته، لن يكون الثوار قادرين على توجيه ضربة قاضية في المستقبل القريب.

 

مع استمرار هذا المأزق، سينهار الاقتصاد، وستصل معدلات الفقر المدقع إلى أعلى مستوياتها، وسينهار النظام الصحي، وستزداد وطأة العنف المسلح، ما سينتج عنه موجات هجرة جماعية إلى الدول المجاورة: الصين والهند وتايلاند. ستصبح ميانمار دولة فاشلة إذن، وستظهر قوًى جديدة لاستغلال هذا الفشل لتحقيق انتعاشة في تجارة الميثامفيتامين داخل البلاد، والتي تقدر بمليارات الدولارات، وقطع الغابات في منطقة من أغنى مناطق التنوع البيئي في العالم، بالإضافة إلى توسيع شبكات الاتجار بالحيوانات البرية.

تتمثل المهمة الآن في اختصار زمن فشل الدولة، وحماية الفئات الأفقر والأضعف، والبدء في بناء دولة جديدة ومجتمع أكثر حرية وعدالة. فلا يمكن أن تقوم ميانمار في سلام مستقبلا إلا على أساس وجود مفهوم مختلف كليا حول هويتها الوطنية، والتحرر من سرديات الماضي القومية العرقية، وتحوُّل الاقتصاد السياسي. أما الديكتاتورية فليست بديلا لكل ذلك، فهي لم تعد تحقق الاستقرار، بل ستظل دوما تعمِّق فشل الدولة ومشهد العنف والفوضوية في ميانمار بقلب آسيا لعقود مقبلة.

 

ولدت ميانمار من رحم الاستعمار، فقد غزت بريطانيا، أثناء القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الشريط الساحلي الممتد من خليج البنغال حتى شبه جزيرة الملايو، بما في ذلك وادي نهر "إيراوادي" (موطن الممالك البوذية الناطقة بالبورمية منذ ألف عام)، والمرتفعات المحيطة. وقد صنع الاحتلال ميانمار على عينه، فحكمها نظام هرمي قائم على العرق، وتذمَّرَ مسؤولو التَّعداد السكاني الاستعماريون من تعدد وتعقُّد هُويات السكان آنذاك، واصفين البلاد بأنها "منطقة اضطراب عرقي". بيد أنهم قسموا الجميع إلى فئات عرقية منظمة ببراعة، فيما اعتُبرت بعض الفئات "أصلية"، والأخرى "دخيلة". علاوة على ذلك، أسس البريطانيون اقتصادا استعماريا استغلاليا غير متكافئ بصورة لا تصدق، قائما على الهجرة الواسعة للعمالة الهندية، وتصدير السلع الأساسية للسوق العالمية.

إعلان

 

ظهرت السياسة البورمية الحديثة قبل قرن من الزمان، وفي القلب منها قومية إثنية متجذرة في مفهوم الهوية العرقية البوذية الناطقة بالبورمية. وفي عام 1973، فصل البريطانيون بورما عن الهند مستندين إلى اختلافها العرقي عن الهند. وحاولت الدولة البورمية الوليدة بعد نيل الاستقلال عام 1948 دمج الشعوب غير البورمية المُصنَّفة من السكان الأصليين، لكن ضمن إطار السيادة العرقية والثقافية البورمية. أما المصنَّفون باعتبارهم "دخلاء" فكانوا أسوأ حالا، ومنهم أكثر من 700 ألف من مجتمع مسلمي الروهينغيا الذين طُردوا بوحشية إلى بنغلادِش في عامي 2016 و2017. لقد فشل مشروع بناء أمة قومية في ميانمار لعقود، مخلفا وراءه حالة مزمنة من القتال المسلح، ودولة لم تكن يوما موحدة بحق.

نصَّب الجيش البورمي نفسه حاميا على هذه القومية العرقية، فهو الجيش الوحيد في العالم الذي يقاتل باستمرار وبلا توقف منذ الحرب العالمية الثانية ضد البريطانيين، ثم اليابانيين، وبعد الاستقلال ضد كل من الجيوش القومية الصينية المدعومة من واشنطن في خمسينيات القرن العشرين، ثم القوى الشيوعية المدعومة من بكين في الستينيات، ثمَّ انحصر القتال منذ السبعينيات في المرتفعات، إذ أصبح الجيش سلطة احتلال تفرض حكما مركزيا على سكان الأقليات العرقية، وإن هبط بين الفينة والأخرى إلى مدن وادي "إيراوادي" لسحق المعارضة. هذا وارتفع قوام القوات المسلحة إلى أكثر من 300 ألف جندي، كما تقدم الجيش بطلب شراء عتاد صيني وروسي ما بين طائرات مقاتلة وطائرات مُسيَّرة ومدفعيات صاروخية.

 

لمدة أربعة عقود بعد الاستقلال، عززت حكومات مدنية وعسكرية متعاقبة الاشتراكية لمواجهة عدم المساواة الاقتصادي الذي أنتجته الحقبة الاستعمارية. وفي ستينيات القرن الماضي، أمّم المجلس العسكري كبرى الشركات، وفرض عزلة قاسية عن بقية دول العالم. بيد أن هذا التوجه تغير عام 1988 حينما استولت طغمة عسكرية جديدة على السلطة، ورفضت الاشتراكية، وبدأت بتشجيع الشركات الخاصة والتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. بيد أن الدول الغربية بدأت في فرض عقوبات على النظام أثناء السنوات التالية تضامنا مع الحركة الديمقراطية الوليدة. وفي الوقت ذاته، انهار في أرض المعركة العدو الرئيسي للجيش المتمثِّل في التمرد الشيوعي المدعوم من بكين في الشمال الشرقي، ما فتح باب التجارة مع الصين للمرة الأولى منذ عقود. وقد أفضى كل ذلك إلى رأسمالية بورمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالثورة الصناعية الهائلة في الصين المجاورة.

إعلان

 

اتسم الاقتصاد السياسي، الذي تشكل في تسعينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، بأعلى درجات عدم المساواة منذ عصر الاستعمار. فقد ازدهرت عصابات المخدرات غير الشرعية، خصوصا في المناطق التي توصل فيها المجلس العسكري إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع المليشيات المحلية. وأَثْرَتْ تجارة الأخشاب والتعدين جيوب مجموعة من الجنرالات وقادة المليشيات وشركائهم من التجار، والذين استثمروا هذه الأرباح في سوق العقارات بأكبر مدينة في البلاد، العاصمة "يانغون"، ما رفع أسعار الإسكان إلى ملايين الدولارات. وبحلول عام 2008، أدرَّت حقول الغاز البحرية المكتشفة حديثا آنذاك مبالغ تصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار سنويا لحساب المجلس العسكري، تحصَّل عليها ذوو العلاقات النافذة بسعر صرف شديد الانخفاض. لم يكتنز جميع ضباط الجيش ثروات طائلة، لكنهم جميعا اتصلوا بشبكة محسوبية أمكنها تحويل السلطة إلى ثروة.

timber trade in Myanmar
تجارة الأخشاب في ميانمار

لم يدفع أحد من هؤلاء الضرائب، ولم تقدم الدولة أي خدمات اجتماعية تذكر، بالإضافة إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية للنظام الصحي في ميانمار في قاع قائمتها للنظم الصحية الوطنية عام 2000. وقد صادر الجيش مساحات واسعة من الأراضي من مواطنين عاديين. ثم حصد إعصارٌ أرواح 140 ألف شخص عام 2008، فاشتعلت موجة هجرة غير مسبوقة من الغرب إلى الشرق مدفوعة بسلب الأراضي والإعصار وتهديدات بيئية أخرى مرتبطة بتغير المناخ. هاجر الناس إذن من المنخفضات، حيث الأغلبية البورمية، إلى يانغون والمرتفعات، حيث تعيش الأقليات، وإلى تايلاند التي يعمل بها حاليا أكثر من ثلاثة ملايين ميانماري من العمالة غير المهرة.

 

لم تواجه القومية العرقية خصوما أيديولوجيين. وفي عام 1989، غيَّر الجنرالات اسم البلاد من بورما، المصطلح الجغرافي الذي استخدمه الأوروبيون منذ القرن السادس عشر للإشارة إلى المنطقة المحيطة بوادي "إراوادي"، إلى ميانمار، الاسم العرقي الذي يطلق على الأغلبية الناطقة بالبورمية. فقد فقدت الاشتراكية مصداقيتها، وحلَّت محلها سردية قومية قائمة على مفهوم يصور البلاد على أنها اتحاد من "الأعراق الوطنية الأصلية"، وفي القلب منها الشعب البوذي الناطق بالبورمية وثقافته.

 

بدأت ميانمار، منذ عقد مضى، انفتاحا على مستوى نظامها السياسي والاقتصادي. لم تحدث هذه الإصلاحات بسبب العقوبات أو الصلات الدبلوماسية، وإنما بسبب اعتقاد الجنرال "ثان شوي"، حاكم البلاد الاستبدادي الطاعن في السن، بأن ترتيبا دستوريا جديدا قد يضمن له تقاعدا آمنا ومريحا. لم يرغب الجنرال في تسليم السلطة إلى ديكتاتور عسكري آخر قد ينقلب عليه يوما ما، كما اعتقد أن الخيار الأحكم هو اقتسام السلطة بين الجيش بقيادة مجموعة جنرالات أصغر سنا وحكومة يقودها حزب موالٍ للجيش دشنه هو بنفسه، حزب "اتحاد التضامن والتنمية". لكن قادة الحزب الإصلاحيين -وهم جنرالات سابقون- خرجوا عن النص عام 2011، وأفرجوا عن السجناء السياسيين، بمن فيهم "أون سان سو تشي"، ورفعوا الرقابة عن الإعلام والإنترنت، مدشنين مستوى من الحرية السياسية لم يعرفه أحد منذ نصف قرن. وأملا من الحكومات الغربية في ديمقراطية ظهرت بشائرها، رُفِعَت العقوبات وانتعش اقتصاد البلاد، فأشعل الانفتاح في قطاع الاتصالات ثورة في التواصل، ففي 2011 لم يملك أحد في ميانمار كلها تقريبا هاتفا محمولا، أما بحلول عام 2016 فقد امتلك معظم الناس هواتف ذكية وحسابات على موقع فيسبوك. لقد شب جيل جديد في فترة حرية نسبية، ورغبوا بشدة بأن يروا نجاح بلادهم بوصفه ديمقراطية مزدهرة ومستقرة.

A protester calling for the release of Burmese reporter Hla Hla Win holds a poster of Myanmar's democracy icon Aung San Suu Kyi in front of the Myanmar Embassy in Bangkok September 9, 2011. Hla Hla Win is a Burmese journalist who was arrested two years ago, just after the anniversary of the 2007 monk-led uprising, according to a press statement. REUTERS/Sukree Sukplang (THAILAND - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)

بيد أن الجيش بقي في كونه الموازي. فقد رقَّى "ثان شوي" عندما تقاعد ضابطا صغيرا نسبيا، "مين أونغ هلاينغ"، ليكون رئيس الأركان الجديد. بيد أن هلاينغ ومجموعة الجنرالات الأقل منه رتبة كانوا أصغر بعقود من رجال المجلس العسكري القديم، وكانت إمكانية وصولهم إلى شبكات تكوين الثروات المُشكَّلة على مدار العقود الماضية محدودة. وفي الوقت نفسه، قلصت الإصلاحات التي انطلقت عام 2011 دور الجيش في الاقتصاد تقليصا كبيرا، إذ فقد الجيش الوصول السهل للعملة الأجنبية والشركات الاحتكارية، كما خُفض نصيبه من الموازنة المحلية. وعلاوة على ذلك، لم يعد للجيش سلطة على السياسة الاقتصادية للبلاد، وخسر بعض رجال الأعمال، وهم شركاء سابقون للجيش، أمام المنافسة الأجنبية الوافدة حديثا، فيما ازدهر آخرون في ظل أجواء الانفتاح.

إعلان

 

منذ عام 2010، قلل الجيش تركيزه على تكوين الثروات لصالح التركيز على ممارسة العنف. لقد أراد الجنرالات تحديث أسلحتهم، ليصبحوا بحسب وصفهم "جيشا ذا مواصفات حديثة"، وتطلعوا إلى إنهاء صراعات البلاد الداخلية التي لا تنتهي وفق شروطهم، باستخدام مزيج من الضغط والإقناع لتفكيك القوات المتعددة والمتنوعة التي تقاتل باسم جماعات الأقليات العرقية، ونزع أسلحتها. وانصب تركيز الجنرالات خلال السنوات العشر الماضية على شن حملات ضد قوات الأقليات العرقية، لا سيما جيوش "أراكان" و"كوكانغ" و"تانغ" المرتبطة جميعها بالصين، بالإضافة إلى الإبادة العرقية التي ارتكبوها ضد الروهينغيا. هذا ولقي موقفهم المتصلب دعما لدى الرأي العام إلى حد ما، وازدهرت القومية العرقية البورمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك بين المنظمات البوذية التي رأت الإسلام وكل ما هو أجنبي تهديدا للحكم المحافظ الذي تبنوه.

 

تقاسم الجيش السلطة مع قادة حزب "اتحاد التضامن والتنمية" من الجنرالات السابقين الإصلاحيين بين عامي 2011 و2015 في علاقة سلسة. لكن في عام 2016، وبعد فوز "أون سان سو تشي" -من حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"- فوزا ساحقا في الانتخابات، وجدوا أنفسهم في حكومة واحدة تجمعهم وخصومهم السياسيين الأزليين. وقد تولى الجيش بموجب الدستور ثلاث حقائب وزارية، الدفاع والداخلية (المسؤولة عن الشرطة) وشؤون الحدود، بالإضافة إلى ربع مقاعد البرلمان. بيد أن "أون سان سو تشي" تمتَّعت بسلطة حقيقية، فالأغلبية الساحقة التي حصلت عليها أتاحت لها تمرير أي قانون تريده، بالإضافة إلى التحكم في موازنة الدولة، وكذلك السياسة الحكومية كاملة، باستثناء المسائل الأمنية التي وقعت ضمن اختصاصات الجيش مباشرة.

Myanmar's NLD party leader Aung San Suu Kyi smiles with army members during the handover ceremony of outgoing President Thein Sein and new President Htin Kyaw at the presidential palace in Naypyitaw March 30, 2016. REUTERS/Ye Aung Thu/Pool TPX IMAGES OF THE DAY

تشاركت "أون سان سو تشي" والجنرالات قيما محافظة، بما فيها احترام المؤسسة البوذية والرؤية القومية الإثنية، كما اتفقوا في الاعتقاد بأن رد الفعل الغربي على طرد الروهينغيا كان مجحفا. فقد ذهبت "أون سان سو تشي" إلى لاهاي عام 2019 للدفاع عن الجيش أمام محكمة العدل الدولية، مدفوعة بقناعتها الشخصية وليس تغليبا للمصلحة. بيد أن علاقتها بالجنرالات آنذاك ظلت تتسم بالعصبية في أحسن الأحوال، إذ خشي حزب "الرابطة الوطنية" من وقوع انقلاب، وخشي الجيش بدوره من مؤامرة بين "أون سان سو تشي" والغرب لإزاحته من الحُكم تماما.

إعلان

 

بينما تصاعدت التوترات السياسية، وصل اقتصاد البلاد إلى حالة حرجة. ففي عام 2016، قدم البنك المركزي، مدفوعا بنصيحة من صندوق النقد الدولي، قواعد تنظيمية احترازية جديدة للبنوك الخاصة في ميانمار، في وقت تعثَّرت فيه نصف القروض في البلاد، وغرق سوق العقارات الذي كان سوقا واعدا يوما ما. اكتشفت "أون سان سو تشي" فجأة أن لديها سلطانا على طبقة رجال الأعمال التي يبغضها كثير من مؤيديها، وتنافس المحاسيب الذين كوّنوا ثروات في عهد المجلس العسكري البائد على لفت انتباهها، ودفع التكنوقراط في حكومتها نحو المزيد من تحرير السوق. وفي الوقت نفسه، عرضت بكين، التي عززت علاقاتها مع "أون سان سو تشي"، تدشين مشروعات بنية تحتية تقدر بمليار دولار ضمن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتضمنت المشروعات ممرا اقتصاديا يربط بين الصين وميانمار يمتد بين مقاطعة "يونَّان" في جنوب غربي الصين حتى خليج البنغال.

 

ثم ضربت جائحة كوفيد-19 العالم أجمع، وقد كان أثرها على الصحة العامة محدودا، لكن الإغلاقات والتعليقات المتكررة للتجارة الدولية أدخل الاقتصاد الميانماري في حالة فوضى. وجاءت استجابة الحكومة ضعيفة على أفضل تقدير، فلم توفر عمليا أي أموال لدعم الفئات الأكثر تأثرا بالجائحة. وبحسب استطلاع أجري في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر من 16% إلى 63% على مدار الأشهر الثمانية السابقة، كما أفاد ثلث الأشخاص الذين أدلوا بإجاباتهم في الاستطلاع بأنهم يعيشون بلا دخل منذ أغسطس/آب 2020. بيد أن الثقة الجماهيرية في "أون سان سو تشي" واصلت ارتفاعها، حيث ظهرت على فيسبوك للمرة الأولى في بث حي لنقاشات مع العاملين بالقطاع الصحي وغيرهم، فلم يلُمها الملايين على تعثر الاقتصاد، بل شعروا بأن لديهم -أخيرا- قائدة تهتم لشؤونهم.

Pedestrians wearing protective face masks walk on a street,?amid the outbreak of the coronavirus disease (COVID-19), in Yangon, Myanmar, December 7, 2020.?Picture taken December 7, 2020. REUTERS/Shwe Paw Mya Tin

لكن نواقيس الخطر كانت تدق بالفعل، خصوصا خارج معقل الأغلبية البورمية. فبعد الإبادة العرقية بحق مسلمي الروهينغيا، برز محرك جديد كليا في ولاية "راكاين" غربي البلاد، وهو صعود جيش "أراكان"، عازما على تحقيق حق تقرير المصير للمجتمع البوذي الناطق باللغة الراكاينية في الولاية. وفي عام 2018، شن جيش "أراكان" هجمات واسعة النطاق على معاقل الحكومة، وهو أكبر تمرد مسلح يحدث في ميانمار خلال جيل كامل. أسقط جيش "أراكان" عدة مقاطعات للجيش الميانماري بنهاية عام 2020، وحظي بالحكم الفعلي على مناطق واسعة من ريف "راكاين".

إعلان

 

على الناحية الأخرى من البلاد، انتعشت صناعة الميثامفيتامين انتعاشا غير مسبوق، حيث صُنِّعت المخدِّرات في مناطق تسيطر عليها المليشيات بالقرب من الحدود الصينية. بالإضافة إلى ذلك، لم تذهب نسبة كبيرة من الأرباح إلى حسابات أشخاص عاديين في ميانمار، بل إلى جماعات عابرة للحدود لها نفوذها، مثل تلك التي يقودها "تسِه تشي لوب"، الذي ألقي القبض عليه في يناير/كانون الثاني في أمستردام ويزعم أنه يجني أرباحا تصل إلى 17 مليار دولار سنويا. وقد شجعت المخدرات على تنامي غسيل الأموال وغيرها من الأعمال غير المشروعة، بالإضافة إلى تدشين أكثر من 100 ملهًى ليلي في شمال شرق البلاد، قرب مقاطعة "يونَّان" الصينية، علاوة على خطط لإقامة مركز ضخم للمقامرة والعملات الرقمية على الحدود مع تايلاند.

 

أُجريت الانتخابات الوطنية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وسط أجواء محتقنة شهدت ارتفاع وتيرة المواجهات والمتاعب الاقتصادية. لكن مع ذلك صوَّت الشعب بأغلبية ساحقة لـ"أون سان سو تشي"، وصُدمت قيادة الجيش التي اعتقدت أن حزب "الرابطة الوطنية" سيؤدي أداءً ضعيفا بالنظر إلى حالة الاقتصاد، وأن كبار الضباط في الجيش سيكون لهم رأي على الأقل في اختيار الرئيس المقبل. على النقيض من ذلك، وبفضل حجم فوز "أون سان سو تشي"، بدا أنها في طريقها لحيازة المزيد من القوة. ولم تثمر جهود "أون سان سو تشي" و"مين أونغ هلاينغ" عن تفاهم يذكر، فقد ركز هلاينغ اهتمامه على ادعاءات حدوث تزوير في الانتخابات وطلب فتح تحقيق في الأمر، في حين رفضت "أون سان سو تشي" من جانبها النظر في هذا الطلب، فشعر الجيش بالإهانة. أما الناس في الشارع فأثلج انتصارها صدورهم ولم يسعهم سوى تخيل سنوات أفضل تنتظرهم.

 

A soldier looks at a banner attached to a military vehicle outside Myanmar's Central Bank during a protest against the military coup, in Yangon, Myanmar, February 15, 2021. REUTERS/Stringer TPX IMAGES OF THE DAY

في مطلع فبراير/شباط الماضي، استولى الجيش على السلطة، واعتقل "أون سان سو تشي" وغيرها من قادة حزب "الرابطة الوطنية". من جانبه، كدَّس "مين أونغ هلاينغ" مجلس وزرائه بمجموعة من كبار التكنوقراط، وتعهد في أولى مرات ظهوره الجماهيري بمنح الأولوية للتعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الجائحة، وأشار إلى حُزَمٍ تحفيزية ببضعة مليارات دولارات. بدا أن هلاينغ موقنا بقدرته على الاستيلاء على السلطة دون حدوث ضجة، وتنحية حزب "الرابطة الوطنية"، والتركيز على إصلاح الاقتصاد، ثم إجراء انتخابات مشوهة جديدة تنتهي لصالحه. وإذا صح الأمر، فهذا يعني أنه أساء قراءة المزاج الشعبي كليا.

إعلان

 

جاء رد الفعل على الانقلاب عفويا وعميقا. ففي غضون أيام معدودة، نزل مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الحكم العسكري، وإطلاق سراح "أون سان سو تشي"، واستعادة الحكومة المنتخبة. وفي الوقت نفسه، بدأت حركة عصيان مدني، فقد غادر المسعفون المشافي الحكومية، وسرعان ما انتشر الأمر بين مؤسسات القطاع العام، بداية من دوائر الوزارات، وحتى الهيئات الإدارية المحلية. وفي الشهر ذاته، أَجبر إضراب عام في أنحاء البلاد الشركات والبنوك على الإغلاق، وبدأت حملة عبر فيسبوك لتنفيذ "عقاب اجتماعي" في صورة هجمات شعبية منظمة على أي شخص أو شركة يعتقد أنها على صلة بالجيش.

 

رد الجيش بحملات قمعية دون هوادة. ففي الأسبوع الأخير من شهر فبراير، بدأت قوات قتالية من فرق المشاة بالجيش، بما فيها الوحدات المسؤولة عن التطهير العرقي بحق الروهينغيا، بالتحرك باتجاه "يانغون" وغيرها من المدن. وبحلول الليل، انقطعت خدمات الإنترنت كليا، وبدأ الجنود بإطلاق النار عشوائيا في الأحياء السكنية وإطلاق قنابل الصوت وتحطيم الأبواب وسحل المواطنين. وبينما تفرقت الحشود العريضة، استمرت تظاهرات أخرى أصغر وأكثر عزما، ونصب الشباب من الرجال والنساء حواجز بدائية مؤقتة، واستخدموا دروعا واقية، حتى إنهم ارتجلوا حمل أسلحة للدفاع عن أنفسهم ضد رصاص الجنود الآلي.

YANGON, MYANMAR - FEBRUARY 28: Protesters defend themselves with makeshift shields during clashes with riot police on February 28, 2021 in Yangon, Myanmar. Myanmar's military government has intensified a crackdown on protesters in recent days, using tear gas, charging at and arresting protesters and journalists. (Photo by Hkun Lat/Getty Images)

أصبحت المعارضة راديكالية بفعل هذه المجازر. ومع انتشار مقاطع فيديو ضرب المدنيين وقتلهم ومشاركتها على الإنترنت، تحولت الرغبة الشعبية التي أرادت دحر الانقلاب فحسب، إلى تصميم في بعض المناطق على تصفية الجيش عن بكرة أبيه. لفترة وجيزة، توقع الكثيرون في ميانمار أن العالم سينقذهم من دكتاتورية جديدة، ولكن بنهاية مارس/آذار، ومع انعدام أي تدخل دولي مسلح يلوح في الأفق، لجأ الكثير من شباب المتظاهرين إلى التمرد المسلح. ففي مدينة "كالاي" قرب الهند، عزم السكان على المواجهة والقتال تحت اسم "جيش كالاي المدني"، مسلِّحين أنفسهم ببنادق صيد محلية الصنع، وقتلوا عددا من الجنود، وصمدوا مدة عشرة أيام حتى فر الجيش تاركا مواقعه. وسرعان ما ظهرت في الأشهر التالية في مناطق مختلفة من البلاد عشرات الجماعات الجديدة المُشكَّلة محليا والمسلحة تسليحا خفيفا. وفي مايو/أيار، سيطرت ميليشيا أخرى تسمى "قوة دفاع تشينلاند" على قرية "ميندات"، الواقعة في المرتفعات الغربية الوعرة، لمدة ثلاثة أشهر حتى أجبرها الجيش على الانسحاب باستخدام المدفعية وطائرات الهليكوبتر الحربية. في الوقت نفسه، نزح المئات من الشباب والشابات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة جيوش الأقليات للحصول على التدريب العسكري، وبنهاية الشهر ذاته، وقعت العشرات من الحرائق المتعمدة والهجمات الأخرى على الشرطة والمكاتب الإدارية، بالإضافة إلى تفجيرات صغيرة يصل عددها إلى حوالي مئة تفجير، ضد أهداف على صلة بالمجلس العسكري، بما فيها أهداف داخل "يانغون".

إعلان

 

بالتأكيد تستطيع هذه الحركات المسلحة الجديدة إفقاد المجلس العسكري توازنه باستمرار، لكن المتمردين لن يستطيعوا بناء جيش جديد لمواجهة الجيش الحالي دون مساعدة كبيرة من دولة مجاورة، وهو ما يبدو مستحيلا تقريبا. ولا يوجد في تاريخ جيش ميانمار ما يرجح انشقاق فرق كبيرة من قواته وانضمامها إلى صفوف المتمردين، ما يجعل جيوش الأقليات العرقية العناصر الوحيدة الممكنة لتحفيز انتفاضة أوسع. لكن حتى القوة المُجمَّعة للتنظيمات المسلحة العرقية -التي قد يصل قوامها إلى 75 ألف مقاتل- لن تكون ندا مكافئا للجيش الذي يملك مدفعيات أكثر تفوقا ويحتكر القوة الجوية.

 

سيكون الوضع الانفجاري المستمر للاقتصاد هو ما سيحول ميانمار إلى دولة فاشلة، أكثر من أي شيء يجري على أرض المعركة. فقد انهارت الصناعات التي تعتمد عليها الأسر العادية، مثل السياحة، وكذلك انهارت المصادر الأخرى للدخل، مثل تحويلات العاملين بالخارج، التي بلغت ما يقدر بـ2.4 مليار دولار عام 2019، وجاء ذلك الانهيار نتيجة فقدان العاملين المهاجرين لمصادر دخلهم أثناء الجائحة. ورغم قصة النجاح التي كتبتها صناعة الملابس الجاهزة العقد الماضي، إذ عمل فيها أكثر من مليون شخص كثير منهم من النساء، فإن هذه الصناعة تحطمت بعد تعثُّر الطلب من السوق الأوروبية. هذا ولا يزال قطاع الزراعة، أكبر قطاع في البلاد من حيث عدد العاملين فيه، ذا وضع ضبابي على خلفية تضرر اللوجيستيات نتيجة الإضرابات، وإغلاق الصين للمعابر الحدودية بسبب جائحة كوفيد-19. الأمر الأهم هو استمرار شلل القطاع المالي بفعل مزيج من الإضرابات وعدم رغبة البنك المركزي أو عدم قدرته على توفير سيولة إضافية، بالإضافة إلى انهيار عام في الثقة. وإغلاق البنوك يعني عدم وجود سيولة في ماكينات الصراف الآلي، ومن ثمَّ عدم قدرة الآلاف من الشركات على دفع رواتب موظفيها، ما يعني خروج تريليونات الكيات (عملة ميانمار) شهريا من التداول.

YANGON, MYANMAR - FEBRUARY 15: Protesters hold banners and shout slogans while marching past Myanmar military soldiers who arrived to guard the Central Bank overnight on February 15, 2021 in Yangon, Myanmar. The U.S. Embassy in Myanmar told Americans in Myanmar to "shelter in place" in an announcement after military movements and reports of possible interruptions to telecoms overnight. Armored vehicles were seen on the streets of Myanmar's capital, but protesters turned out in force despite the military presence. (Photo by Hkun Lat/Getty Images)

قد يبدو الاقتصاد على حافة الهاوية، لكن المجلس العسكري لن يعاني على الأغلب، إذ تستمر أرباح الغاز الطبيعي والتعدين في التدفق إلى جيوب أعضائه. وتوفر الشركات المملوكة للجيش نسبة جزئية في أفضل الأحوال من المليارين ونصف المليار التي يتلقاها سنويا ضمن الموازنة الاعتيادية، ولذا لن تكون للعقوبات الأجنبية على هذه الشركات تأثير كبير. وعلى أي حال، يتحكم المجلس العسكري حاليا في موازنة البلاد كاملة والبالغة 25 مليار دولار.

إعلان

 

ستكون المعاناة الأكبر من نصيب الشعب الميانماري، إذ يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سقوط نصف سكان ميانمار البالغين 55 مليون شخص في الفقر خلال الأشهر الستة المقبلة، كما أعرب برنامج الغذاء العالمي عن قلقه من مواجهة ما يصل عددهم إلى 3.5 مليون مواطن خطر الجوع. وستتضمن الفئة الأكثر تضررا ومعاناة هؤلاء المنتمين للفئات الأكثر احتياجا، بمن فيهم القرويون المُصَادَرَة أراضيهم، ومزارعو المرتفعات، والعمال المهاجرون، والروهينغيا، والمنحدرون من جنوب آسيا، والمُهَجَّرون داخليا.

 

ستبدو ميانمار في وضع الدولة الفاشلة على هذا النحو: يسيطر الجيش على المدن ووادي "إيراوادي"، لكن ستمنع الهجمات الفدائية في الحضر والتمرد المنتشر أي ترسيخ تام لحكم المجلس العسكري. وستنتهي الإضرابات، لكن سيظل الملايين عاطلين من العمل، وستكون قدرة الأغلبية العظمى من الشعب على الحصول على الخدمات الأساسية محدودة أو معدومة. وبينما تتمكَّن الجماعات العرقية المسلحة من كسب أراضٍ جديدة، ستقع جماعات أخرى تحت وابل الهجمات الجوية والبرية المميتة. أما في ولاية "راكاين"، فسيوسع جيش "أراكان" إدارته الفعلية، في حين سترسخ المليشيات القديمة والجديدة في المرتفعات الشرقية روابطها مع شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

 

A soldier steps out of a military vehicle outside Myanmar's Central Bank during a protest against the military coup, in Yangon, Myanmar, February 15, 2021. REUTERS/Stringer

قد تُولَد فرصة التغيير الجذري من رحم كارثة عميقة. فقد تؤدي الجهود الجارية على يد برلمانيين منتخبين، وجماعات المجتمع المدني، وشبكات الاحتجاج الناشئة في أنحاء البلاد، بهدف تجاوز الانقسامات العرقية العميقة، إلى تحول مزلزل، ولربما تحقق بالنهاية ما لم يستطع التغلغل الديمقراطي تحقيقه العقد الماضي: تجاوز الإرث العنصري للاستعمار وقرن من السياسات القومية العرقية. ولن يقل أهمية بمكان وضع تصور جديد للاقتصاد، وتوجيهه بعيدا عن الاعتماد على تحرير السوق الذي تسبب في انعدام مساواة حاد في العقود الماضية، والاتجاه نحو دولة رفاه جديدة يمكنها تدشين تنمية شاملة وفعالة.

إعلان

 

يجب أن يأتي أي تغيير ناجع من الداخل، وليس هناك أدنى شك بالنظر إلى ما حدث منذ فبراير الماضي بأن شباب ميانمار عازمون على تحويل مسار تاريخ بلادهم، وهؤلاء هم من عليهم شق الطريق قدما، ولكن تظل إمكانية اتخاذ إجراءات دولية قادرة على تخفيف وطأة المعاناة في البلاد، ومساعدتها بسرعة في تلافي كارثة وشيكة.

 

يحتاج المجتمع الدولي إلى الاتفاق على قرار في مجلس الأمن يطالب بوضوح بعودة سريعة وسلمية إلى حكومة مدنية منتخبة. ويجب أن تدعم الصين هذا الأمر، وببساطة فلا مناص من انخراط الصين بسبب نفوذها الاقتصادي في ميانمار وعلاقاتها الوثيقة بالكثير من الجماعات العرقية المسلحة في البلاد، إذ إن المجلس العسكري قد ينجو بالدعم الصيني الضمني فحسب، ولكن يمكن لبكين أن تؤدي دورا بنّاءً، فلطالما امتلكت علاقة عصيبة مع الجنرالات، كما أنها تقلق حيال عدم الاستقرار، وتفضل العودة إلى الحكومة المدنية.

TOKYO, JAPAN - FEBRUARY 11: A paper with a message saying 'Dear China government. Please stop supporting Myanmar military dictators.' is pictured during a protest on February 11, 2021 in Tokyo, Japan. US President Joe Biden has approved an executive order to impose sanctions on those behind Myanmar’s military coup. The measures will be aimed at military leaders and their family members as well as businesses linked to them. (Photo by Yuichi Yamazaki/Getty Images)

علاوة على ذلك، ستكون الدبلوماسية بين بكين وواشنطن جوهرية في توفير إطار العمل المطلوب من أجل التعاون الدولي بشأن ميانمار، وكذلك تعتبر دولا أخرى في المنطقة مهمة، خصوصا الهند وتايلاند، جارتي ميانمار الرئيسيتين بعد الصين، واليابان أيضا التي طالما شكلت مساعداتها واستثماراتها جزءا كبيرا من النمو الاقتصادي للبلاد العقد الماضي.

 

يتوجب على القوى الخارجية دعم كل هذه الجهود وتشجيعها من أجل تحول أوسع للسياسة والمجتمع في ميانمار، كما يجب أن تعتمد المساعدة الخارجية على تقدير تاريخ ميانمار الفريد الذي شهد ترسيخ أنظمة الجيش السابقة لعزلة دولية من أشد ما يُمكن، بالإضافة إلى أخذ بعين الاعتبار النفسية الفريدة للجنرالات أنفسهم والتي تشكلت بفعل عقود من العنف المستمر.

 

لطالما رأى العالم الخارجي ميانمار بوصفها قصة حالمة، مجردة من تعقيداتها، وتقترب نهايتها المأمولة من التحقُّق. الآن يجب أن تنتهي هذه القصة الحالمة، لتحل محلها دبلوماسية جادة وإستراتيجيات عملية تستند لمعرفة رصينة. بكل ما سبق، ستسنح الفرصة لتصبح ميانمار في سنوات قليلة -وليس في يوم وليلة كما يريد الحالمون- الديمقراطية المستقرة التي أعلن الشعب بجلاء عن رغبته في تحقيقها.

إعلان

—————————————————————————–

هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان