"ترمذ".. مدينة أوزبكية مصيرها مُعلًّق بأفغانستان

مقدمة الترجمة
لا يقف ما يحدث في أفغانستان عند حدود أفغانستان، هذا ما يوضِّحه المقال الذي نشره موقع "أوراسيا نت" حول التأثير السريع لسيطرة طالبان على السلطة على مدينة ترمذ الأوزبكية على الحدود مع أفغانستان. فما الذي يحدث في ترمذ التي تبعُد عن مدينة مزار شريف الأفغانية 80 كيلومترا؟ وكيف تعلَّق مصير المدينة بالوضع الأفغاني منذ غزو السوفييت؟ وماذا سيحل بأوزبكستان بعد سيطرة طالبان؟
نص الترجمة
لا تُثير مدينة ترمذ الأوزبكية فضول أحد في العادة. بيد أن التاريخ أحيانا ما يمر عبر تلك المدينة الواقعة جنوب أوزبكستان، تماما كما فعل حين انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان في نهاية الثمانينيات، ومرَّ الآلاف من الجنود السوفييت فوق "جسر الصداقة" الذي يقطع نهر "جيحون" الشهير.

في موعد آخر مع التاريخ، انتفضت المدينة من سُباتها ليلة 14 أغسطس/آب الماضي أثناء استحواذ حركة طالبان على مدينة "مزارِ شريف" الأفغانية، التي تبعد عن ترمذ 80 كيلومترا فقط، وسرعان ما أدَّى انهيار القوات الحكومية الأفغانية إلى فرار المئات من الجنود والمدنيين والمقاتلين نحو أوزبكستان، وانتشرت تسجيلات فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للهرج والمرج الذي ساد المنطقة الحدودية بينما انطلقت شاحنات مُحمَّلة برجال من أفغانستان، وبعضهم يحمل سلاحه الرشاش، وهم ينتظرون أملا في السماح لهم بدخول أوزبكستان عبر جسر الصداقة.
لم يستغرق الأمر طويلا لتصل أصداء الفوضى الأفغانية إلى ترمذ. ففي كل ليلة بعد حلول الظلام، تسير مركبات الحرس الوطني الأوزبكي في الشوارع الرئيسية، وتخرق هدوءها بنشاز أبواق التنبيه العالية بين الحين والآخر. وقد تصاعد القلق منذ بضع ليالٍ وقضَّ مضاجع السكان، كما تروي "مستورة خمراييفا"، إحدى سكان المدينة والبالغة من العُمر 29 عاما: "اشتعلت الضوضاء فجأة ليلة 14 أغسطس/آب، وتعالت أصوات أبواق تنبيه السيارات أكثر فأكثر، وأيقنت أن ثمة أمرا ما عند الحدود. انتابني الفزع وطالعت هاتفي فلم أصل إلى شيء، لكنني عرفت ما جرى فيما بعد".
لقد فوجئت السلطات الأوزبكية نفسها بسرعة سقوط مزار شريف في يد طالبان، حسبما يروي "أبرار قربان مُرادوف"، صحافي من المدينة: "انتبهت قوات الشرطة والجيش فجأة في شتى أنحاء المدينة، واصطف طابور من المركبات الثقيلة والخفيفة للتحرُّك سريعا نحو الحدود. ولم يُسمح للصحافيين بالمرور، حيث أُوقِفت عند أول نقطة تفتيش، في حين يحتاج المرء إلى تجاوز ثلاث نقاط للوصول إلى الحدود".
خرجت وزارة الخارجية الأوزبكية عن صمتها صباح اليوم التالي، إذ أصدرت في السابعة صباحا بيانا يقول إن 84 جنديا من الجيش الأفغاني عبروا الحدود إلى أوزبكستان واعتُقِلوا من جانب حرس الحدود الأوزبكي، وكان من بينهم مصابون. في اليوم نفسه، أجلي عُمَّال السكة الحديدية الأوزبكية من موقع عملهم في "حَيْرَتان"، وهو اسم النقطة الحدودية المؤدية إلى مزار شريف. هذا وأشار بيان الخارجية إلى أن أوزبكستان تتفاوض مع الحكومة الأفغانية لإعادة الجنود إلى أفغانستان، قبل أن تجري الأحداث سريعا في اليوم التالي (15 أغسطس/آب) وتستحوذ طالبان على العاصمة كابول وتتربَّع على قمة السلطة الأفغانية.
وقد صرَّح "أحمد صيام"، المسؤول بالقنصلية الأفغانية في ترمذ، لموقع "أوراسيا نِت"، بأن أحد اللاجئين إلى المدينة هو "عبد الرشيد دوستُم"، الزعيم الأوزبكي ونائب رئيس أفغانستان السابق، بالإضافة إلى "عطا محمد نور"، الوالي السابق لولاية "بلخ". وتُشير تقارير إلى أن "دوستُم" يملك بيتا في ترمذ، أما "نور" فنزل في فندق بالمدينة. "لقد تجمَّع نحو 1500 مواطن أفغاني عند الجسر بين 14-15 أغسطس/آب وأرادوا دخول أوزبكستان، ومُنِع جميعهم من الدخول باستثناء الجنود الـ84 الموالين لدوستم ونور".
بسيطرة طالبان على المنطقة الحدودية كاملة، يقف الجسر خاليا الآن، ولا يستطيع أحد مغادرة البلاد، قانونيا على الأقل. في 16 أغسطس/آب، أصدر مكتب النائب العام بيانا أعلن فيه أن 158 جنديا ومدنيا أفغانيا سبحوا عبر نهر "جيحون" إلى أوزبكستان، لكنه سرعان ما تراجع عن البيان لما فيه من معلومات غير دقيقة على حد قوله.
ملجأ الأفغان
لطالما مَثَّلت ترمذ، بمركز التسوُّق الضخم الموجود فيها ونمط الحياة الأكثر تحرُّرا، ملجأ للكثير من الأفغان حتى في أوقات الاستقرار، كما أن هناك ألفَيْ طالب أفغاني يعيشون في المدينة بصفة دائمة، وفقا للقنصلية الأفغانية، ولا يسعهم الآن العودة أو استقبال غيرهم عبر الجسر بالنظر إلى الوضع المُعلَّق على حدود البلدين.
بالنسبة إلى الأوزبك، تتجه الأنظار نحو صعود طالبان وما يعنيه لأمن أوزبكستان. بصوت متشائم، يقول "روشان نزاروف" إن بلاده يلزمها تعزيز دفاعاتها لحماية طبيعتها العلمانية واستقرارها، مُقلِّلا من مصداقية ما يُقال عن إن طالبان غير مهتمة بما يدور خارج الحدود الأفغانية، ومُشيرا إلى الجذور الأيديولوجية العابرة للقومية للحركة: "يجب على دول آسيا الوسطى، لا سيما أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان، وهي الدول المتاخمة لأفغانستان، أن تضع قواتها المسلحة في حالة تأهُّب قصوى، وأن تُعزِّز نظام الدفاع الإقليمي المشترك".
من جهته، يمتلك "كمال الدين ربِّيموف"، المحلل الأوزبكي المقيم في فرنسا، رأيا مغايرا، فيقول إن طالبان غير مهتمة بزعزعة استقرار أفغانستان، ناهيك ببث القلاقل بين جيرانها، بل هي تسعى للسلطة فحسب: "لقد حازت طالبان القوة، وهي الآن بحاجة إلى الحفاظ عليها، ومن ثمَّ هي بحاجة إلى الالتفات إلى احتياجات المجتمع الأساسية للإبقاء على السلطة في يدها، وهو ما يعني السعي تدريجيا إلى تعزيز الاستقرار".
ستُعلِّق ترمذ آمالها قطعا على أن يرجح رأي ربِّيموف في النهاية. أما الدبلوماسيون الأفغان أمثال أحمد صيام فلا يزالون مُتشكِّكين حيال مستقبلهم. يقول صيام إن طالبان تواصلت معه وطلبت أن تواصل السفارات والقنصليات عملها طبيعيا: "الحكومة في أفغانستان جديدة، وليس في صفوف طالبان أناس مدرَّبون بما يكفي (للقيام بتلك المهام). ولذا، طُلِب منا أن نواصل مهامنا الدبلوماسية. بيد أن عَلَم الحكومة القديمة يرفرف كما هو فوق القنصلية، إذ إننا لا نستطيع تغييره بالعلم الأبيض لطالبان حتى تعترف أوزبكستان بالحكومة الجديدة".
لعل طشقند تميل بدورها إلى الاعتراف بالوضع الجديد، فلم تتوقَّف سفارتها في كابول وقنصليتها في مزار شريف عن العمل، كما أن الحكومة الأوزبكية شرعت بالفعل في بث رسائل هادئة إلى كابول. "يحافظ الجانب الأوزبكي على تواصله عن كثب مع ممثلي حركة طالبان حول قضايا مثل حماية الحدود والحفاظ على الهدوء في المنطقة الحدودية"، هكذا يُقرأ بيان الخارجية الأوزبكية الصادر يوم 17 أغسطس/آب الماضي.
_____________________________________________________________
ترجمة: نور خيري
هذا التقرير مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.