"غوانتانامو العصري".. عن معسكرات الاعتقالات الجديدة التي تُقيمها الولايات المتحدة في سوريا
تعمل الولايات المتحدة على توسعة منشأة احتجاز الحسكة التي تقوم على حراستها قوات سوريا الديمقراطية بإشراف وتمويل منها. في هذا التقرير الحصري، لمجلة "ديفينس وان"، نتعرف إلى جوانب عملية التوسعة تلك، وما إذا كان معسكر الاحتجاز سيكون نسخة عن معسكر غوانتانامو، والأهم، ما تحمله هذه الخطوة من دلالات ومؤشرات على الموقف الأميركي من التطورات في سوريا، خلال ولاية بايدن، على الأقل.
في قاعدة عسكرية لقوات التحالف شمال شرق سوريا، يُموِّل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة أعمال توسعة دراماتيكية لمنشأة احتجاز ضخمة في شمال شرق سوريا، وهي خطوة سيكون من شأنها أن تحدّ من أي إمكانية لهرب المحتجزين، لكنها في الوقت نفسه مؤشر على غياب أي طريقة أفضل للتعامل مع المقاتلين الأجانب والمحليين هناك. سيضاعف هذا الجهد حجم المنشأة الحالية في الحسكة، وهي سلسلة من ثلاثة مبانٍ أُقيمت فيها مدارس سابقا تضم نحو 5,000 سجين، وفقا للقائد العام في الجيش البريطاني كيفن كوسبي، القائد المفوض للإستراتيجية. السجون المؤقتة يديرها شركاء أميركا الأكراد الذين تدعمهم قوات التحالف، قوات سوريا الديمقراطية (SDF). وكان التحالف الدولي على مدار السنوات الماضية يُقدِّم التمويل والدعم لتحسين الجوانب الأمنية في تلك المنشأة. وأكّد المتحدث باسم وزارة الدفاع أنَّ بريطانيا تُموِّل جهود [توسعة منشأة] الحسكة التي سمّاها كوسبي "توسعة ضخمة للغاية". حذَّر مسؤولون عسكريون سابقا منذ سقوط أراضي الخلافة الخاصة بتنظيم الدولة في العام 2017 من أن قوات سوريا الديمقراطية لن تتمكّن من الإبقاء على السجناء لفترة طويلة، وأنَّ السجناء المتمرّسين قد تمكّنوا من الفرار من المرافق المتداعية والعودة للانضمام إلى ساحات المعارك. لكن لا يبدو أن التحالف يمتلك حلولا أفضل من تمكين منشأة الحسكة المكتظة التي يُديرها النزلاء داخليا.
وقال كوسبي: "إننا نُقِرُّ بأن أفراد التنظيم في هذه المنطقة يُرسَلون بشكل رئيسي إلى هذه المنشأة".
والهدف، بحسب ما قال الملازم الجنرال بول كالفيرت، القائد الأميركي لمهمة التحالف، هو السماح لقوات سوريا الديمقراطية باكتساب سيطرة أكبر على المنشأة داخليا. حاليا، مع أن قوات سوريا الديمقراطية تدخل من حين لآخر إلى مرافق السجن لإجراء عمليات جرد للهواتف المحمولة وأغراض مُهرَّبة أخرى، فإن كثافة السجناء قياسا إلى عدد حراس السجن تجعل عملية من مثل هذا النوع محفوفة بالخطر ونادرة نسبيا. وفي مقابلة أجراها في مقر قوات التحالف في بغداد يوم الجمعة، أضاف كالفيرت: "إن ما تُقدِّمه [هذه التوسعة] لهم هو القدرة على توزيع [السجناء] بشكل أفضل قليلا بحيث لا تكون لديك شبكات قيد التشييد داخل المرافق".
في بيان له، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع إن الجهد يتضمّن "تقديم المشورة الفنية والتمويل من أجل رفع كفاءة وتوسعة المنشأة كجزء من جهود قوات التحالف الكلية في إحلال الاستقرار في المنطقة". مع أن جهود تمويل هذه التوسعة بالذات آتية من بريطانيا، لكن الولايات المتحدة أيضا قد خصَّصت ميزانية للتحسينات الأمنية لمرافق السجن، لا سيما تلك التي تستهدف أمن المحيط الخارجي والاستخبارات، بحسب ما أفاد كالفيرت، الذي أضاف: "ثمة أيضا بعض الأشياء التي نستطيع القيام بها وتُتيح لنا إمكانية فهم أفضل للشبكات المشيدة داخل المرافق. كلما تحسّن فهمنا للشبكات داخل المرافق وروابطها الخارجية، تحسَّنت إمكانية استخدامنا لذلك كوسيلة لتحسين الاستهداف [واستخدامها] ضد أولئك الذين في الخارج".
وقال مسؤول في الجيش الأميركي إن ثمة أجهزة مراقبة داخل السجون، بما فيها أجهزة تنصُّت، تترصّد استخدامات الهواتف المحمولة وكاميرات المراقبة. في ملف السجون، ورث الرئيس الأميركي جو بايدن تركة قضّت مضاجع الرئيس السابق. طيلة سنوات، وبصعوبة بالغة، ظلَّ كبار المسؤولين أمام مشكلة تتمثَّل فيما يُمكنهم فعله بنحو 12,000 سجين في حوزة قوات سوريا الديمقراطية، معظمهم إما من العراق وإما من سوريا، لكن نحو 2,000 منهم يُطلق عليهم "محاربين أجانب"، وهي المجموعة التي تقول الولايات المتحدة إنها تُمثِّل المشكلة الأكبر. لم تُفلح الولايات المتحدة كثيرا في الضغط على المسؤولين الأوروبيين -ومنهم بريطانيا- من أجل محاكمة أولئك المقاتلين في محاكم [بلدانهم التي جاؤوا منها]. جرَّدت بريطانيا حملة جنسيّتها من محاربي تنظيم الدولة من المواطنة، وفي أكتوبر/تشرين الأول حاكمت الولايات المتحدة اثنين من مقاتلي التنظيم المولودين في بريطانيا في المحاكم الأميركية.
وقال كوسبي إن جهد التوسعة "يُبرهن على محدودية ما يمكن للتحالف القيام به. [لكن] بإمكاننا تمويل البنية التحتية للمحتجزين، وتوفير أنظمة غير قاتلة لقوات سوريا الديمقراطية بحيث تُدير هي تلك المرافق ونتمكَّن نحن من استخدام حضورنا واتصالاتنا لمحاولة جمع المنظمات الدولية تحت مظلة واحدة، وبالتأكيد توسعة نطاقها بحيث تشمل المجتمع الدولي ويتوصلون إلى اتفاق فيما بينهم لحل دائم لهذه المشكلة".
لكن كالفيرت كانت لديه إجابة مختلفة: "إن ما نريده حقا هو إعادة أولئك المحتجزين إلى أوطانهم التي جاؤوا منها". لم يكن واضحا على الفور [سابقا] ما إذا كان هناك مقاتلون أجانب في الحسكة، أم أن المقاتلين فقط من سوريا والعراق، وقد استضافت المنشأة بعض المقاتلين الأجانب فيما مضى، وفقا لمسؤول سابق مطلع على القضية. يُمثِّل المقاتلون المحليون أيضا تحديا للولايات المتحدة، فالهيئة التي تحتجزهم -قوات سوريا الديمقراطية- ليست حكومة معترفا بها دوليا، مما يجعل من المستحيل إقامة نظام قضائي مُلزِم. حُوكِم البعض في المحاكم العراقية، لكن تلك المحاكمات السريعة واجهت انتقادات تتعلق بفشل الإجراءات.
نجح التحالف في استعادة الأرض التي كانت بحوزة تنظيم الدولة، ويقول المسؤولون العسكريون إن ما تبقى من التنظيم أقل فعالية مما كان في السابق. وبحسب كالفيرت، فقد كان تفجير انتحاري وقع مؤخرا في قلب العاصمة العراقية بغداد نتيجة "ثلاثة إلى أربعة أشهر من الجهود المتعلقة بإعداد الظروف الملائمة".
على أنَّه لا تزال هناك بقايا تمرُّد منخفض الحِدَّة في العراق وسوريا، بحسب ما ذهب إليه كالفيرت وآخرون. ويقول كالفيرت إنه قَلِق على وجه خاص من أنشطة التنظيم في منطقة البادية السورية، حيث لا تمتلك الولايات المتحدة موطئ قدم هناك، وأضاف: "إن كانت هناك فرصة لعودة تنظيم الدولة، فأعتقد أن البادية السورية ستكون بؤرتها".
هناك مشكلة أخرى، لكنها لا تقل أهمية، تتمثّل في وجود نحو 65,000 امرأة وطفل في مخيمات للنازحين مثل مخيم الهول في شمال شرق سوريا. الظروف الإنسانية في المخيم مُقلقة، وثمة قلق كبير لدى المسؤولين العسكريين بشأن تطرُّف المحتجزين هناك. وبحسب كالفيرت وكوسبي، فإن زوجات المقاتلين في تنظيم الدولة اللائي يعملن على بناء شبكات لنشر أيديولوجية التنظيم المتطرفة يُمثِّلن قلقا من نوع خاص، ويقول كوسبي: "يكاد هذا الأمر يصبح مصدر قلقنا الأكبر في الوقت الحالي".
وبحسب كالفيرت، فإن نسبة كبيرة من النزلاء الـ 65,000 في الهول هم من الأطفال، وثلثا هؤلاء هم دون سن الـ 18 عاما، ونحو نصفهم دون سن الـ 12 عاما، وأضاف أن زوجات المقاتلين يُنفِّذن برنامج تلقين يومي، وأن "الأشبال" كما يُطلق عليهم "يُعاد تصديرهم عبر خطوط سرية إلى خارج الهول تذهب بهم إلى صحراء البادية من أجل تدريب إضافي واستخدامهم كمقاتلين [في صفوف تنظيم الدولة]". وهناك تهريب أسلحة من وإلى منشأة [الحسكة] كما أضاف كالفيرت. ويقول كوسبي إن الحسكة لا تضم سوى سجن واحد للنساء ومنشأة إعادة تأهيل واحدة للأحداث قد حُسِّنت بالفعل بأموال التحالف، وذهب هذا التحسين رئيسيا إلى توفير المياه النظيفة والتدابير الصحية واللوازم الطبية. وأضاف كوسبي: "أعتقد أن ذلك يُمكن أن يكون مثالا لما قد يكون عليه الأمر في المستقبل، أي المزيد من المنشآت على هذه الشاكلة".
بحسب كوسبي، فإن التحالف يفكر أيضا في تمويل بناء مركز لإعادة تأهيل الأحداث يمكن أن يستوعب حتى 500 شاب "كطريقة جيدة لإبعادهم عن الجناة في الهول"، بالإضافة إلى مزيد من مراكز احتجاز الإناث "بحيث نستهدف التطرف على دفعات بدلا من [استهداف] مساحات واسعة من مخيم الهول".
وناشد كالفيرت المجتمع الدولي مضاعفة جهود مكافحة التطرف، وأشار إلى أن برامج من هذا النوع يمكن تطويرها داخل مرافق السجون أيضا، بالأخص لاستهداف الشباب الذين ما زالوا في سنوات المراهقة ومقتبل العشرينيات وحاولت قوات سوريا الديمقراطية فصلهم عن المحتجزين الأكبر سِنًّا.
وقال كالفيرت: "على الأرجح بإمكانك تحقيق الكثير من المكاسب إن ركزت بقوة على برامج يمكن لها أن تُنمّي مهارات العمل وأن تساعدهم على رؤية أشياء أخرى بخلاف العقلية التي يرى فيها [تنظيم الدولةِ] العالم".
لكن في نهاية المطاف، كما قال كالفيرت وكوسبي، تظل الأدوات محدودة تماما. المشكلة، في أوضح صورها هي مشكلة سياسية وإنسانية وليست مشكلة عسكرية. بالنسبة إلى كالفيرت، فإن المشكلة الأكثر إلحاحا هي تأمين مرافق [الاحتجاز] نفسها. ويقول: "إن حدث فرار هناك، فستكون لديك قوة قتالية فورية تذهب مباشرة إلى تنظيم "داعش"، بجهوزية وعزم وقدرة على القتال وهُم لا يزالون ملتزمين بذلك القتال [بالفعل]".
————————————————————————————————-
هذا المقال مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.