شعار قسم ميدان

إيران وأرمينيا وأذربيجان.. صراع الغاز والتجارة على أرض قره باغ

إيران وأرمينيا وأذربيجان.. صراع الغاز والتجارة على أرض قره باغ

مقدمة الترجمة

أعدَّ "جيورج مَناتسَكانيان"، الصحافي المقيم في العاصمة الأرمينية يرِفان، تقريرا نشره موقع "أوراسيا نت"، يُسلِّط فيه الضوء على توظيف الغاز من كلٍّ من إيران وأذربيجان وأرمينيا لبسط النفوذ والسيطرة في أعقاب الاتفاق على وقف القتال بين أرمينيا وأذربيجان، إذ تدَّعي الأخيرة أن الغاز الإيراني يمر عبرها بصورة غير مشروعة ليصل إلى قره باغ وأرمينيا.

 

نص الترجمة

في منتصف سبتمبر/أيلول، احتجز حرس الحدود الأذري سائقَيْ شاحنات إيرانييْن على الطريق الواصل بين مدينتَيْ "غوريس" و"كابان" الواقعتين جنوبي أرمينيا، ثمَّ تفاقم الحادث إلى أزمة عميقة بين باكو وطهران، تضمَّنت مناورات عسكرية استعراضية وتبادل خطابات عدائية غير مسبوقة بين الجانبين. في نهاية المطاف، حظرت وكالة النقل والطرق الإيرانية سفر شاحناتها إلى ناغورني-قره باغ. بيد أن المسؤولين ورجال الأعمال (المحسوبين على أذربيجان)* في قره باغ يأبون الحديث عن التجارة مع إيران.

ألقت هذه الجلبة، بصورة غير مقصودة، الضوء على صادرات الطاقة الإيرانية إلى "ناغورني-قره باغ" (الإقليم الذي خضع للسيطرة الأرمينية منذ انتهاء حرب عام 1994 وحتى نهاية العام الماضي حين نجحت أذربيجان في استعادة معظمه تاركة مناطق قليلة تحت السيطرة الأرمينية والرقابة الروسية)*. فقد احتُجز السائقَيْن على خلفية اتهامات بالعبور غير المشروع للحدود الأذرية بينما كانا يوصِّلان القار (الأسفلت) إلى ناغورني-قره باغ، حسبما تردَّد. (وهي رحلة باتت تتم عبر أراضٍ خاضعة حديثا لسيطرة أذربيجان على عكس الوضع قبل حرب العام الماضي 2020)*.

 

معضلة الغاز

لطالما مَثَّلت الإمدادات الإيرانية من الوقود والسلع الأخرى إلى الإقليم (أثناء خضوعه للسيطرة الأرمينية)* شوكة في خاصرة باكو، إذ إنها تَعتبر الدخول إلى الأراضي الواقعة تحت إدارة أرمينيا خرقا لحدودها. ويتلقى هذا الإقليم المحصور المعزول كل إمداداته من الطاقة في صورة غاز طبيعي من أرمينيا المجاورة. وبحسب وزارة قره باغ للإدارة الإقليمية والبنية التحتية (التابعة لأرمينيا)، يستورد الإقليم 50 مليون متر مكعب من الغاز سنويا للاستخدامات التجارية والصناعية والمنزلية عبر خط أنابيب وحيد موازٍ لممر "لاتشين"، وهو الطريق الواصل بين أرمينيا وقره باغ.

 

تتولَّى قوات حفظ السلام الروسية الآن تأمين خط الأنابيب، الذي باتت أجزاء منه تمر في المناطق التي تسيطر عليها أذربيجان منذ نقل جزء من الأرض إليها نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُنهيت بموجبه حرب العام الماضي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، وبعد شهر واحد من انتهاء الحرب، ذكر جنود حفظ السلام أنهم ساعدوا في ترميم أكثر من 10 كيلومترات من خط الأنابيب قُرب قرية "ليساغور" (بعدما دمَّرته الحرب)*، كما أزالوا الألغام الأرضية من المنطقة المحيطة بخط الأنابيب.

إزالة الألغام الأرضية من المنطقة المحيطة بخط الأنابيب
إزالة الألغام الأرضية من المنطقة المحيطة بخط الأنابيب

يأتي معظم الغاز في خط الأنابيب المذكور من روسيا. وقد صرَّح "أرتور كَرَخانيان"، مدير خدمة النقل المركزية لشركة "غازبروم أرمينيا" (الفرع الأرميني لعملاق الغاز الروسي غازبروم)* لموقع "أوراسيا نت" أن "روسيا تحتكر 90% من إمدادات الغاز إلى أرمينيا، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الغاز المنقول إلى قره باغ". وتأتي بقية إمدادات الغاز إلى أرمينيا من إيران، وقد بلغت 365 مليون متر مربع من إجمالي 2.5 مليار متر مكعب جرى استيرادها عام 2020، وتصل من خلال خط الغاز الواصل بين إيران وأرمينيا البالغ طوله 194 كيلومترا. (تمتلك روسيا أيضا حصة أرمينيا من خط الغاز المشار إليه). وتستخدم أرمينيا هذا الغاز لإنتاج الكهرباء التي تُنقل بدورها مجددا إلى إيران، بموجب اتفاقية الغاز مقابل الكهرباء التي أبرمها البلدان عام 2004.

 

بيد أن التجارة الخاصة مع قره باغ مسألة أخرى، إذ قال "لِفون غابرييليان"، نائب وزير إدارة الأقاليم والبنية التحتية الأرميني، لـ"أوراسيا نت" إن مشتقات النفط مثل البنزين والديزل والأسفلت المستخدم في إنشاء الطرق يستوردها إقليم قره باغ عبر شركات خاصة في أرمينيا تنقل منتجاتها بواسطة شاحنات خاصة. ومنذ بداية 2021 وحتى الآن، أنفق الإقليم أكثر من 7 مليارات درام أرمني (15.5 مليون دولار) لاستيراد البترول من أرمينيا، ومع ذلك، ليس واضحا كم من هذه الكميات بنزين إيراني الأصل. وفي المجمل، لبَّت أرمينيا عن طريق إيران أقل من ربع حاجاتها فقط من البنزين والديزل وما شابههما عام 2020، بحسب البيانات التي نشرتها لجنة إيرادات الدولة الأرمينية.

 

قال "أرتاك بيغلاريان"، وزير الدولة الأرمني بإقليم قره باغ، في مقابلة أجراها مؤخرا مع الموقع الإخباري الروسي "رِغنام"، متفاخرا أن الحظر الجديد على الشاحنات الإيرانية من الدخول إلى قره باغ "لا يعني أن شركاتنا التجارية لا يمكن أن تستورد السلع إيرانية الصنع"، ولم يُسمِّ الوزير تلك السلع التي كانت تجلبها هذه الشركات إلى الإقليم. ولم توافق أيٌّ من الشركات التي تتعامل مع البترول الإيراني في قره باغ على الإجابة عن أسئلتنا حول حجم التجارة التي يستقبلها الإقليم، وتداعيات التطوُّرات الأخيرة على تلك التجارة. وعلى غرار موقف الشركات الخاصة، صرَّح مصدر يعمل في الشرطة المحلية لموقع "أوراسيا نت"، وطلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أنهم لم يُسجِّلوا دخول أي ناقلات نفط إيرانية إلى الإقليم.

Shusha the city liberated from Armenian occupation after 28 years- - SHUSHA, AZERBAIJAN - JUNE 16: A security force member keeps watch in Shusha city of Nagorno-Karabakh which was liberated from Armenian occupation in November 2020 by the Azerbaijani army after 28 years, in Azerbaijan on June 16, 2021.

الوقائع الجديدة

أما الأذريون فلديهم رواية معاكسة. ففي سبتمبر/أيلول تلقَّت وزارة الدفاع الروسية وكتيبة حفظ السلام المتمركزة في قره باغ 12 رسالة من وزارة الدفاع الأذرية تحمل شكوى من دخول "غير قانوني لهيئات وأفراد من بلدان أخرى مستقلين مركباتهم" إلى المنطقة، وهو ما عدَّته "خرقا لقوانين البلاد". كما ذكرت الوزارة أن هذا العبور يخرق الاتفاق الثلاثي الموقَّع مع روسيا وأرمينيا لوقف القتال في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. ومن جهته، ذكر الرئيس الأذري "إلهام علييف"، في مقابلة أجراها مع وكالة الأناضول الإخبارية التركية، أنه في غضون شهر واحد من أغسطس/آب إلى سبتمبر/أيلول، رصد الأذريون 60 شاحنة إيرانية "دخلت قره باغ بصورة غير مشروعة".

 

من جانبه، صرَّح "دافيد بابايان"، وزير خارجية قره باغ الأرمني، في مقابلة مع الإعلام الأرمني، إن محاولات أذربيجان قطع التجارة الإيرانية مع قره باغ تُحرِّكها سياسة باكو التي تتسم بـ"فرض العُزلة والتطهير العِرقي" وتخويف السكان الأرمن في الإقليم ودفعهم إلى الرحيل. وقد أطلقت أذربيجان سراح السائقَيْن الإيرانييْن في 21 أكتوبر/تشرين الأول، مُشيرة إلى "المبادئ الإنسانية والاحترام المتبادل وحُسن الجوار"، بحسب ما أعلنت لجنة الجمارك الحكومية الأذرية.

 

في غضون ذلك، تعهَّدت إيران بدعم إنشاء أرمينيا لطريق جديد في جنوب البلاد، يمر عبر مدينتَيْ "تاتِف" و"كابان". وسيتجنَّب الطريق الجديد عبور المنطقة الواقعة تحت سيطرة أذربيجان، إذ يقطع الطريق الحالي الحدود الأرمينية جيئة وذهابا في أكثر من موضع، وبعد نقل الأراضي عقب حرب العام الماضي، استعادت أذربيجان سيطرتها على بعض أجزاء هذا الطريق (ومن ثمَّ بات من غير القانوني رسميا وفعليا أن يُستخدم في التجارة بين إيران وأرمينيا، على الأقل دون الرسوم الجديدة التي ستُحصِّلها باكو)*. هذا ونصبت أذربيجان نقاط تفتيش على الطريق في أغسطس/آب الماضي، وبدأت في تحصيل رسوم عبور الحدود على المركبات الإيرانية.

——————————————————————————

*إيضاحات المترجم

هذا المقال مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: هدير عبد العظيم.

المصدر : مواقع إلكترونية