شعار قسم ميدان

أبو ارشيد لميدان: هذا ما سيتغير "داخليا وخارجيا" بانتصار بايدن ورحيل ترامب

لا شك أن الانتخابات الأميركية كانت الحدث العالمي الأبرز خلال الأيام الفائتة، بايدن أم ترامب، ترامب أم بايدن، وهكذا. قال البعض: كلهم سواء، وانحاز آخرون لبايدن انحيازَ المُخلِّص من "عبث" الإدارة السابقة. وفي ضفّة أخرى، تمنّى بعضهم بقاء ترامب. بوصفنا عربا، راقبنا الحدث باهتمام، وكانت الانتخابات محور النقاشات في كثير من الأوساط، حتى الشعبية منها.

 

لهذه الأهمية، عقدنا مقابلة مطوّلة في موقع "ميدان" مع الدكتور أسامة أبو ارشيد، الكاتب والأكاديمي الفلسطيني المقيم في واشنطن، ومدير عام مؤسسة أميركيون مسلمون لأجل فلسطين. ولخبرته الطويلة والواسعة في السياسة الأميركية، وسياسات التعامل مع "الأقليات"، والعرب والمسلمين تحديدا، تطرّقنا معه لعدد من القضايا، سواء الداخلية التي تتصل بتزايد الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة وتأثيره على العرب والمسلمين ومدى التغيّر المرتقب لحضور الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن على سدة السلطة، أو بالمحور الخارجي الذي تطرّقنا من خلاله لعدد من المواضيع التي تمس الشرق الأوسط، كالقضية الفلسطينية وإمكان تغير سياسة بايدن تجاهها، أو ما يتصل بالمصالحة الخليجية، وموقف بايدن من الأنظمة السلطوية العربية التي انتعشت في ظل حكم دونالد ترامب، بالإضافة إلى عدد من القضايا المُلِحَّة.

 

ملاحظة: المقابلة مطولّة وتتطلّب وقتا وتركيزا في القراءة، لكننا أبقينا على هذا الطّول حتى تكون المقابلة مرجعا يمكن أن يُستفاد منه باعتبارها إحدى وجهات النظر المعتبرة لعدد من القضايا التي تتصل بالولايات المتحدة الأميركية.

أسامة أبو رشيد
أسامة أبو ارشيد

 

عنوان ميدان

  • حتى الآن، يرفض دونالد ترامب الاعتراف بالهزيمة ونزاهة النتائج، فما مآل هذا التصعيد المستمر على النظام الانتخابي في الولايات المتحدة، وهل ثمة أزمة دستورية تلوح في الأفق في حال قرار عدم تسليم السلطة في يناير/كانون الثاني القادم؟

ليس من السهل على دونالد ترامب أن يعترف بالهزيمة، خصوصا أنه اعتَبَر في وقت سابق، عبر تصريحات متكررة، أن الخسارة لشخص مثل جو بايدن تُعَدُّ أكبر إهانة في حقه، فهو لا يعتبر جو بايدن مرشحا قويا، وكان دائما ما يصفه بـ "جو الكسول"، وبكونه شخصية تفتقد الكاريزما التي تجعله نِدًّا له.

 

بهذه التصريحات، وضع ترامب نفسه في موقف حرج؛ حيث أصبحت الخسارة مرتبطة بإهانة شخصية له حين قال: "لا يمكن لأحد أن يخسر أمام هذا الرجل، ولو خسرت، سوف أخرج من أميركا".

 

أمر آخر؛ ليس سهلا على شخصية نرجسية مثل دونالد ترامب أن تعترف بالهزيمة، فقد صنع مجده على أنه رجل أعمال ناجح -بغض النظر عن دقة التوصيف-، وأنه هو الزعيم الذي يطرد الفاشلين لا مَن يُطرَد. لذا فإن عدم قدرته الإبقاء على نجوميته هنا ليست قضية سهلة بالنسبة له بالتأكيد.

 

المسألة الثالثة أن دونالد ترامب كان أقرب ما يكون إلى الفوز بهذه الانتخابات لولا أزمة كورونا، وما ترتب عليها من تدهور اقتصادي كبير بتحوُّل الولايات المتحدة إلى بؤرة لتفشي الوباء، بغض النظر عن دوره، وفشله في التعامل معه. الاقتصاد الأميركي كان قويا ويسير تصاعديا، إذ تراجعت نسبة البطالة إلى حدٍّ كبير، وكانت سوق الأسهم مرتفعة، لذلك فإن خسارته للانتخابات بسبب هذا الوباء بعد تدهور الاقتصاد وإدارته الفوضوية لهذه الأزمة بالتحديد، جعلته يشعر بنوع كبير من المظلومية والمؤامرة عليه. لذلك كان دائما يُصِرُّ على تسميته بالفيروس الصيني، وذلك في محاولة لحرف الانتباه عن فشله في التعامل مع الأزمة، إذ كان يرى أن الاقتصاد يسير في صالحه قبل أن تنعكس المعادلة قبل نحو 10 أشهر من الانتخابات.

epa08871205 US President Donald J. Trump speaks during an Operation Warp Speed Vaccine Summit in the South Court Auditorium of the of the Eisenhower Executive Office Building at the White House in Washington, DC, USA, 08 December 2020. EPA-EFE/Oliver Contreras / POOL

هناك بُعد رابع في هذا الموضوع، وأظنه الأهم، يقوم على حقيقة أن هذا الرجل حصل على 75 مليون صوت. وهنا يجب أن نجيب عن سؤال آخر، وهو: لماذا لا يمكن التقليل من حجم هذه الأصوات وأثرها ورمزيتها؟

 

أعلى رئيس حصل على أصوات في تاريخ الانتخابات الأميركية كان باراك أوباما عام 2008 حين حصل على 68 مليونا ونصف المليون صوت. الآن، ورغم حصول ترامب على 75 مليون صوت، فقد خسر الانتخابات. هذه القضية ليس من السهل على شخص مثل دونالد ترامب أن يتقبّلها.

 

سيقول البعض إن بايدن حصل على 80 مليون صوت، أي أعلى من ترامب وباراك أوباما، وهذا صحيح. ولكن لنضع الأمور في سياقها؛ الغالبية العظمى من قاعدة دونالد ترامب الانتخابية خرج للانتخابات وصوّت حضوريا في يوم الانتخابات. في مقابل القاعدة الانتخابية لجو بايدن التي صوّت عدد كبير منها عبر البريد. لذلك يشعر ترامب أن حماسة قاعدته الانتخابية أكبر بكثير من قاعدة جو بايدن الذين ما كانوا ليخرجوا لو لم يكن هناك تصويت عبر البريد، وذلك لِما في الخروج من معاناة الانتظار في طوابير، وإمكانية أن يُعرِّضوا أنفسهم للإصابة بفيروس كورونا، في حين أن القاعدة الانتخابية لترامب خرجت للانتخابات حضوريّا في ذلك اليوم.

 

بالطبع يمكن الرد على هذا بأنه هو الذي فشل في التعامل مع جائحة وكورونا، ولذلك اضطر أغلب الناس أن يُصوِّتوا عبر البريد. لكن بالنسبة لعقلية دونالد ترامب، فإن قاعدته الانتخابية خرجت للتصويت في حين أن الآخرين صوّتوا عبر البريد، ولذلك يتحدّث عن التزوير المحتمل أو المزعوم.

PROVO, UT - OCTOBER 26: Utah County Election workers unload ballots that were picked up at a United States Postal Service office on October 26, 2020 in Provo, Utah. Utah is one of several states that has recently moved to mail-in ballots for presidential elections. George Frey/Getty Images/AFP== FOR NEWSPAPERS, INTERNET, TELCOS & TELEVISION USE ONLY ==

أما عن مآل هذا التصعيد المستمر على السِّلْم الأهلي في الولايات المتحدة، فإذا تحدّثنا الآن في المدى القريب؛ فأظن أن هذه المسألة ستنتهي يوم العشرين من يناير/كانون الثاني، يصعب الآن أن تُقلب نتيجة الانتخابات مهما راهن ترامب على المحاولة، إذ حاول الضغط على المُشرِّعين الجمهوريين في المجلس التشريعي بولاية ميتشيغن ولم ينجح، والآن يحاول الضغط على المُشرِّعين الجمهوريين في ولاية بنسلفانيا، ويريد منهم أن يعلنوا وجود تزوير عبر البريد، وبالتالي (استعادة صلاحية تعيين أعضاء المجمع الانتخابي) عن ولايتهم كما ينص الدستور. لكن طبعا هذا الحق أُعطي من قِبَل المجالس التشريعية لمواطني الولايات بالتصويت.

 

بعد أن تنتهي كل هذه المحاولات، وأظن أنها ستنتهي ولن تنجح، فأظن أننا لن نشهد تصعيدا كبيرا. نعم، قد يكون هناك صدامات في بعض المناطق والمدن، لكنني أستبعد أي حرب أهلية أو صدامات واسعة أو أن يحدث شيء في المدى القريب.

 

أما مستقبلا؛ فإن ما يجري الآن يُعمِّق الشرخ العمودي والأفقي الموجود في المجتمع الأميركي، وهنا ممكن الخطورة. أميركا تعيش حالة من "التشرذم" و"التفسُّخ" الشعبي والاستقطاب الواسع والحاد جدا منذ عقدين على الأقل، وأظن أن ما يجري الآن سيُعمِّق هذا التشرذم داخل الولايات المتحدة بغض النظر عما سيجري يوم العشرين من يناير/كانون الثاني القادم، فالتداعيات المستقبلية أكبر من ذلك، ولن تكون على أساس عِرقي، بيض وسود، أو بيض ضد أقليات، إنما سُيعاني المجتمع الأميركي في كل مكوّناته من هذا الانقسام.

epa08805604 Trump supporters gather after major news organizations called the US 2020 Presidential Election for Joe Biden, defeating incumbent US President Donald J. Trump, at the Georgia State Capitol in Atlanta, Georgia, USA, 07 November 2020. EPA-EFE/CHRIS ALUKA BERRY

 

  • حسنا، نتفق إذن أن ثمّة احتقانا شعبيا هوياتيا داخليا تعزّز في فترة حكم ترامب وصل إلى حالة من الاستقطاب الحاد، فيما وصفه محللون وأكاديميون باعتباره تقويضا للديمقراطية الأميركية، فهل سيعمل وصول بايدن للسلطة على تخفيف هذا الاحتقان بالتدريج؟

لا شك أن وصول بايدن سيُخفِّف من درجة الاحتقان العِرقي في الولايات المتحدة الأميركية، ليس لأن المتعصبين أو مَن يؤمنون بتفوُّق العِرق الأبيض ستقل عصبيتهم وعدوانيتهم، وإنما لأن الرئيس سيكون أكثر اتزانا في خطابه وأكثر منطقية وبحثا عن القواعد المشتركة، وذلك بمحاولة اجتراح معادلات لإعادة لئم هذا التفسُّخ والانقسام داخل المجتمع الأميركي.

 

لذلك، وإجابة مباشرة عن سؤالك، فأظن نعم، سيعمل على تخفيف الاحتقان بشكل كبير، لأنه لن يصب الزيت على النار كما فعل دونالد ترامب.

 

لكن دعونا لا ننسى أن الانقسام العِرقي والعبودية في أميركا ظهرت منذ تأسيس الولايات المتحدة، أي منذ أكثر من أربعمئة سنة والولايات المتحدة تحوي انقسامات وحساسيات عِرقية، وقد بقيت هذه الحال حتى خلال فترة رئاسة باراك أوباما، وهو الرئيس الأسود.

 

بقيت هذه الانقسامات والحساسيات والتوتر والعنف في حالات كثيرة، لكن كان كل رئيس جمهوري أو ديمقراطي يحاول أن يُضمِّد الجراح وأن يتحدَّث بالصيغة الجماعية، بصيغة الوحدة والشعب الواحد، حتى عندما أنزل الرئيس جورج بوش الأب قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس على خلفية الصدامات العنيفة وما جرى من فوضى بعد اعتداء رجال شرطة عام 1991 على رجل أسود. صحيح أنه كان يستخدم قوات الحرس الوطني، لكنه في الوقت نفسه كان يتحدّث عن الوحدة ومعاقبة الذين انتهكوا وتجاوزوا القانون. كانت هذه المحاولات موجودة دائما.

 

دونالد ترامب جاء بخطاب آخر يُعمِّق من الاستقطاب ويصب الزيت على النار، وهذا هو ما ضاعف من حجم التوتر في الولايات المتحدة. أما بايدن فلن يكون ذلك الشخص، لكنه على الجانب الآخر لن يكون قادرا على معالجة أزمة مُتجذِّرة في المجتمع الأميركي، وتحتاج إلى معالجات أكثر عُمقا، ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وتعليميا. هناك الكثير من الجبهات التي ينبغي أن تعمل عليها الولايات المتحدة لمحاولة تحقيق العدالة بين كل مكونات المجتمع الأميركي، ولكي تكون المساواة قائمة واقعا كما هي موجودة نظريا في الدستور والقوانين. وإن كانت هذه القوانين وهذا الدستور ليس بالصورة البيضاء التي تحاول الولايات المتحدة أن تُقدِّمها.

epa08766895 US President Donald J. Trump (R) and Democratic presidential nominee Joe Biden (L) participate in the final presidential debate at Belmont University in Nashville, Tennessee, USA, 22 October 2020. This is the last debate between the US President Donald Trump and Democratic presidential nominee Joe Biden before the upcoming presidential election on 03 November. EPA-EFE/JIM BOURG / POOL

 

  • ثمة مَن يرى أن ترامب بعدم اعترافه هذا، وبتصعيده المستمر، إنما يؤسس لـ "عصبية" جمهورية يمينية ستبقى حتى بعد تولّي بادين مقاليد السلطة، فهل سيعمل ترامب على توظيف هذه القاعدة لاحقا والسعي لتوسعة حضورها للترشح مرة أخرى للانتخابات القادمة؟ أو على الأقل لتشكيل "جبهة معارضة" يُوظِّفها اقتصاديا في شركاته، وسياسيا كونها حشود ضغط داخلية يُحرِّكها بتغريدة ربما؟

عمليا، يمكن القول إن دونالد ترامب يملك الحزب الجمهوري، إذ لم تنخفض شعبيته داخل الحزب عن 89%. ونحن هنا لا نتحدث عن ارتفاع مفاجئ أو طارئ أو مرحلي في شعبية ترامب داخل الحزب؛ إنما نتحدث عن شعبية متماسكة طيلة السنوات الأربع الماضية.

 

بمعنى؛ بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، شهدنا ارتفاعا في شعبية جورج بوش الابن داخل الحزب الجمهوري بنسبة تجاوزت 89%، لكنها لم تلبث أن تراجعت إلى نِسَب معقولة، أما في حالة دونالد ترامب فلا، شعبيته داخل الحزب الجمهوري مرتفعة جدا، ولذلك يقال إنه يملك الحزب، أو عمليا هو حزب دونالد ترامب.

 

كيف حصل ذلك، وكيف تحوَّل حزب مركزي من الحزبين الأساسيين الحاكمين في أميركا واختُزِل في شخص؟ هذا يعود إلى تفاعلات أخرى مرتبطة بتقلُّص القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري. لقد تقلَّصت بشكل كبير نتيجة انحراف الحزب إلى اليمين بشكل كبير جدا، خصوصا بعد بروز حركة الشاي عام 2010.

 

ورأينا كيفية خروج/تساقط رموز تقليدية من الحزب الجمهوري، مثل جون بينر رئيس مجلس النواب حتى 2014، واستقالة رئيس مجلس النواب بول رايان. رأينا كيف بدأت هذه الشخصيات المركزية تفقد قدرتها على الصمود داخل الحزب الجمهوري؛ والسبب، كما ذكرت، أن قاعدة الحزب بدأت تتجه لليمين أكثر ولم تعد مجرد قاعدة محافظة.

جون بينر رئيس مجلس النواب حتى 2014، واستقالة رئيس مجلس النواب بول رايان
جون بينر رئيس مجلس النواب حتى 2014، وبول رايان رئيس مجلس النواب حتى 2019

استفاد دونالد ترامب من هذا كله؛ إذ استطاع أن يتقمَّص مواقف يمينية مُتشدِّدة فيما يتعلّق بملفات مثل: الهجرة، الإجهاض، السلاح، الانعزالية والحمائية الاقتصادية، الضرائب، واستطاع أن يتقمّص هذه القيم التي يتبنّاها اليمينيون هنا في أميركا، ويُضيف إليها بُعدا عنصريا. هذا كله جعل من شعبيته داخل الحزب الجمهوري عالية جدا، ومنحه سيطرة كبيرة على قاعدته الانتخابية.

 

أما عن سؤال كيف يبقى الحزب الجمهوري إذا تقلّصت قاعدته الشعبية، وكيف يبقى حزبا من حزبين حاكمين في أميركا؟ فهذا يعود إلى تركيبة ما يسمى المَجمع الانتخابي، وكيفية إجراء الانتخابات ورسم الدوائر الانتخابية في كل ولاية، ما يُسمّى بـ (Gerrymandering)، أي إن حزب الأغلبية (بناء على الإحصاء السكاني) يستطيع إعادة رسم الخرائط الانتخابية في الولايات كل عشر سنوات. وللأسف؛ فإن هذه الممارسة الدستورية رغم أنها عمليا غير عادلة وغير منطقية -بحيث تُفتِّت أصوات الحزب الذي يكون مُعارِضا في تلك الولاية-، فالحزب الجمهوري يملك أغلب الولايات، إذ يسيطر على أكثر من 27 ولاية، ولذلك بقي دائما موجودا بوصفه حزبا قويا في منظومة الحكم. وذلك إضافة إلى أسلوب الانتخابات الذي يتعلّق بالمجمع الانتخابي وعدم التناسب ما بين الحجم السكاني لكل ولاية وما بين تمثيلها في المجمع الانتخابي. على سبيل المثال، حجم سكان كاليفورنيا أكبر 66 مرة من ولاية مثل ماين، لكن تمثيلها أكبر بنحو 55 مرة فقط.

 

بالنسبة لترامب، هذه العوامل كلها؛ ما بين تقلُّص القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري بسبب اتجاهها أكثر إلى اليمين، ثم تقمُّصه هو شخصيا لما تُعبِّر عنه هذه القاعدة، جعلت الحزب ضمن سيطرته. ولذلك نرى تردُّدا من الجمهوريين في تحدي ترامب، أو حتى في إخباره بخسارته للانتخابات. وهذا يرتبط بالعامل الآخر؛ وهو أنهم يحتاجون إليه الآن، خصوصا في انتخابات جورجيا الشهر القادم. إذا أرادوا أن يحافظوا على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ فهناك مقعدان بقي عليهم الاقتراع الآن، أو حال جولة إعادة في ولاية جورجيا. وهم بحاجة إليه عام 2024، لأن الذين صوّتوا له قرابة 75 مليون إنسان، وهذا ليس بالرقم السهل؛ هذا أعلى مما حصّله باراك أوباما عام 2008 بـ 68 مليونا ونصف المليون صوت، وكان هذا أعلى رقم في التاريخ الأميركي للرئاسة حتى جاء بايدن وحقّق 80 مليونا. ولا ننسى أن كثيرا ممّن صوّتوا لبايدن صوّتوا في البريد، في مقابل أن أغلب مَن صوّت لترامب صوّت شخصيا، وهذا يُعطينا فكرة جيدة عن مدى حماسة القاعدة الانتخابية لترامب.

 

الآن ترامب يقول بوجود مؤشرات لإعادة ترشيح نفسه في 2024، لكن هل سيبقى بالقوة ذاتها التي هو عليها اليوم؟ كثير من الأمور قد تتغيّر في فترة أربع سنوات. لكن إذا جرت الانتخابات مرة أخرى اليوم فسوف يسيطر عليها الحزب الجمهوري، وإمكانية بقاء هذا الأمر هي مسألة يُحدِّدها الوقت، ويبدو أنه يفكر فعلا في إنشاء مؤسسة إعلامية تنافس فوكس نيوز، خصوصا أنه الآن غاضب على القناة.

 

إذن، "الترامبية" باقية، وترامب باقٍ، فنحن نتحدث عن شخص يُمثِّل تيارا، ويُمثِّل ظاهرة، ولم يعد الآن مجرد شخص عادي. لقد استطاع فعلا أن يُؤثِّر في عشرات الملايين الأميركيين ويُشكِّل قاعدة شعبية صلبة رغم إمكانياته وقدرته الفكرية المحدودة -وهو شخص يملك ذكاء الشوارع، لكن ليس الذكاء المركب أو المعقد-، كل هذا يجعل منه شخصية فريدة نحتاج إلى دراستها بجدّية.

epa08801919 US President Donald J. Trump supporters attend a protest named 'Stop the Biden steal' demanding election transparency in Miami, Florida, USA, 05 November 2020. The 2020 Presidential Election result remains undetermined as votes continued to be counted in several key battleground states. EPA-EFE/CRISTOBAL HERRERA-ULASHKEVICH

 

  • حسنا، بالانتقال للعرب، كيف نفهم موقف العرب القاطنين في أميركا في الانتخابات الأخيرة، وهل ثمة تغيّر "إيجابي" سيطولهم مع وصول بايدن للسلطة؟

طبعا، لا شك أن العرب الأميركيين تفاعلوا بشكل كبير مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأحد الأسباب، أو في خلفية المشهد، كان إساءة دونالد ترامب للعرب والمسلمين الأميركيين واستهدافه لهم بتصريحاته المستفزة، وتشكيكه في ولائهم ووطنيتهم، على سبيل المثال توقيعه قانون منع مواطني كثير من الدول العربية والإسلامية من دخول الولايات المتحدة على أساس دينهم عند وصوله للحكم مطلع عام 2017.

 

كان هناك استهداف مُمنهج لهم، وتمكين لشخصيات مُتطرِّفة في الإدارة، مثل ستيف بانون، وسباستيان جوركا، ممّن كانوا ينظرون للإسلام على أنه دين شيطاني ومُعادٍ للغرب وأميركا، وأن المسلمين وكثير منهم عرب طابور خامس في أميركا. وصول بايدن لا شك أنه سيُقلِّل من هذا الاحتقان، فهو لا يتبنّى مثل هذا الخطاب، ولا يتحدث به، ولا يُسيء لدين ولا لعِرق بذاتهم، لكن هذا لا يعني أن السياسة -وخصوصا الأمنية- في التعامل مع العرب والمسلمين ستتحسّن سريعا أو تتغيّر بشكل جذري. ونتذكّر أنه حتى تحت إدارة باراك أوباما كان هناك استهداف للعرب والمسلمين من قِبَل الأجهزة الأمنية، وتحديدا جهاز "الإف بي آي"، والنظر دوما للمسلمين بعين الريبة والشك. بالطبع العرب جزء من المسلمين، وليس كل العرب مسلمين، ولكنّ جزءا كبيرا منهم مسلمون يُنظَر لهم بعين الشك والريبة، وهذه مسائل سوف تأخذ وقتا طويلا للعمل عليها.

 

كان هناك حوارات مع حملة بايدن حينما كان مُرشَّحا حول بعض هذه القضايا، وكنت قد شاركت في أحدها، وكان بايدن حاضرا فيها بالحديث عن كيفية معاناة العرب والمسلمين تحت الإدارات المتعاقبة، ديمقراطية وجمهورية، والعمل على تحسين هذه المعاملة، خصوصا فيما يتّصل بتعامل الأجهزة الأمنية، ودائرة الهجرة التي تُعطِّل تجنيس الكثير من العرب والمسلمين أو تُعطِّل إعطاءهم الأوراق القانونية، مثل حق الإقامة وغيرها. أي سيكون هناك تغيير، لكن لا نظن أنه سيكون تغييرا جذريا، وهذا لا يتعلق فقط بقناعات داخل الإدارة، بل أيضا بقوة العرب والمسلمين.

 

  • سمعنا وشاهدنا بعض العرب الذين دعموا ترامب في الانتخابات الماضية، فما أسباب ذلك وما دوافعه؟

هناك عدة أسباب لدعم عدد من العرب لترامب، منها: أن هناك مَن يؤمن أن ترامب والجمهوريين بشكل عام أفضل للاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة في الولايات المتحدة. أيضا هناك مَن يرى أنهم أفضل في ملف الضرائب على سبيل المثال، إذ يريدون ضرائب أقل، ولذلك فإن أصحاب رؤوس الأموال يرون أن هذه ميزة لهم. هناك مَن يؤمن من بعض هؤلاء العرب أن شخصا مثل ترامب يفعل ما يقوله، على عكس الديمقراطيين، الذين تجري في فترات حكمهم انتهاكات بحق العرب في حين أنهم يتكلمون بصورة وردية عن واقع غير إيجابي.

 

وهناك مَن أُسمِّيهم السلبيين، الذين يرون أن وجود فوضى في الولايات المتحدة بسبب رئيس فوضوي يُقلِّل من منسوب العدائية في السياسة الخارجية الأميركية، لأن هذه الفوضوية تنعكس حتى على السياسة الخارجية، وهؤلاء الناس موجودون فعلا، وهم من الذين قالوا إن وجود ترامب بهذه الفوضوية وبهذه الصراعات داخل المؤسسة الحاكمة، أي بين رئيس وإداراته المختلفة، تُخفِّف الضغط على الكثير من قضايانا في الخارج كما كانوا يظنون. رغم أن الحقيقة غير ذلك، إذ نرى أن القتل في سوريا استمر في ظل حالة من السلبية لإدارة ترمب، وهو الرجل الذي انحصر اهتمامه ببقاء سيطرته على حقول الغاز والنفط، ورأينا إلى أين قادت السلبية نفسها في العراق، ورأينا الكيفية التي خلقت بها هذه السلبية توترا في المنطقة بأكملها، وذلك عبر السماح لدول مثل الإمارات والسعودية بالعبث فيها، كما رأينا كيف مَكَّنت النظام المصري من الاستغراق في انتهاك حقوق الإنسان، ونرى سوء الوضع في ليبيا واليمن، وكثير من بلاد المنطقة العربية.

 

لكن هناك مَن يؤمن أن شخصا أقل ذكاء وأكثر فوضوية مثل ترامب قد يكون أفضل للمنطقة، وهذا موقف سلبي وسيئ جدا منهم. وهناك من العرب مَن هم شيعة -الذين انقلب منهم الكثير على ترامب بسبب التصعيد مع إيران-، لكن هناك جزء منهم يرى أن هذه الفوضوية التي يُمثِّلها ترامب قد تكون أفضل، حتى وإن كان هناك ضغط على إيران. لكن مثل الآشوريين وغيرهم من الأقليات الأخرى الذين يرونه أفضل لقضاياهم، وذلك على اعتبار أنه ينظر للإسلام بسلبية، ويتحدث عن استيعاب غير المسلمين، خصوصا المسيحيين العرب في الولايات المتحدة لا المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة، يعني أنه لا يريد عربا مسلمين إنما يريد عربا غير مسلمين يأتون للولايات المتحدة. هذه عوامل كثيرة تضافرت جميعها لتؤدي إلى دعم ترامب بهذه النسبة، إضافة إلى أسباب أخرى قد لا تكون مُفسِّرة حقيقة بكيفية وصول النسبة فعلا إلى 18%.

U.S. Republican presidential candidate Donald Trump signs autographs for supporters holding a Muslim Americans for Trump sign after a rally in Harrington, Delaware April 22, 2016. REUTERS/Jonathan Ernst

 

  • بدأنا نلحظ حضور المسلمين في الكونغرس الأميركي مثل إلهان عمر ورشيدة طليب، بالإضافة إلى وصولهم في مجالس الولايات، بالتزامن مع ما شهدناه مؤخرا من وصول الأميركي ذي الأصول الفلسطينية فادي قدورة عضوا في مجلس شيوخ ولاية إنديانا، فما تأثير هذا الوصول على العرب والمسلمين في الداخل الأميركي؟

لا شك أن تزايد أعداد العرب والمسلمين الذين يترشّحون للمناصب العمومية، ليس فقط للكونغرس الأميركي، إنما لمجالس إدارات المدارس في المدن والمقاطعات الأميركية، ممّن يترشّحون للمناصب الخدماتية، ومَن يترشّحون للمجالس التشريعية الولائية، تضاعفوا بشكل كبير، حيث ترشّح العشرات منهم لهذا العام، وكثير منهم نجحوا في الوصول إلى كثير من المواقع. هذا يدل على أن العرب والمسلمين الأميركيين يفهمون الاندماج وضرورة المشاركة في الحياة العامة على كل المستويات وليست السياسية فقط، وهذا يُعبِّر عن مستوى اندماجهم وعن مستوى الانفتاح الموجود في المجتمع الأميركي.

 

إذن، رغم خطاب الكراهية وصناعة الإسلاموفوبيا في أميركا، ما زال العرب والمسلمون يترشّحون، وكثير منهم يُنتَخب وينجح في الانتخابات، ورأينا منهم محجبات ومتدينين، دون أن تنجح محاولات شيطنتهم وتشويههم في منعهم من الوصول إلى المواقع التي يترشّحون لها. وعليه، نحن نتحدّث عن حالة مُتقدِّمة جدا من الاندماج في الولايات المتحدة الأميركية للمسلمين الأميركيين، ونتحدّث عن نجاح كبير لهم في أن يكونوا جزءا من الحالة الأميركية ومن المجتمع الأميركي، وهذا يعطينا مرة أخرى أملا كبيرا بأن العرب والمسلمين الأميركيين قادرون على إحداث تغيير كبير في النظرة لهم ولحقوقهم، وللإسلام كونه دينا في الولايات المتحدة.

 

نحن نشهد كذلك تصاعدا للنشاط العربي والمسلم في أميركا لخدمة الكثير من القضايا التي نؤمن بها وتهمنا، مثل فلسطين وسوريا وكشمير. لكن بالطبع ما زال الطريق أمامنا طويلا، فالمسألة ليست فقط إيصال عدد من المنتخبين إلى عدد من المواقع، بل القضية هي أن يصبح الوجود العربي الإسلامي هنا وجودا طبيعا ولا يُنظَر له بأنه وجود استثنائي. وضعٌ لا يحصل فيه العرب والمسلمون على حقوقهم ضمن معادلة الاستيعاب، بل بمعادلة المواطنة المتساوية.

epaselect epa08797444 Democratic Representative from Minnesota Ilhan Omar speaks at DFL Election Night at the Intercontinental St. Paul Hotel in St. Paul, Minnesota, USA, 03 November 2020. Americans vote on Election Day to choose between re-electing Donald J. Trump or electing Joe Biden as the 46th President of the United States to serve from 2021 through 2024. EPA-EFE/MARILYN INDAHL
إلهان عمر

 

عنوان ميدان

 

  • هل تتوقع تغيُّرا في السياسة الخارجية الأميركية تجاه القضية الفلسطينية تحديدا في ظل فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، حتى وإن كان هذا التغيُّر مُتمثِّلا في سحب "الشيك على بياض" كما يقال تعبيرا عن أن ترامب فتح الباب على مصراعيه للسياسيين الإسرائيليين؟

لا شك أننا سنشهد تغييرا واضحا في المقاربة الأميركية نحو القضية الفلسطينية ما بين إدارتي بايدن وترامب، الآن كيف سيكون هذا التغيير، دعونا نضع إطارا عاما لما جرى تحت إدارة ترامب حتى نفهم نوعية هذا التغيير.

 

الولايات المتحدة منذ عام 1917 منحازة لصالح الحركة الصهيونية وإسرائيل، وذلك منذ إدارة وودرو ويلسون. في ذلك الوقت، اشترطت بريطانيا على الحركة الصهيونية قبل أن تُصدِر وعد بلفور أن تحصل على الدعم الأميركي لذلك الوعد، وفعلا قامت الحركة الصهيونية بالضغط على وودرو ويلسون.

 

في ذلك العام، وعبر عدد من حلفائها في الولايات المتحدة الأميركية، مُنِحَ الضوء الأخضر للحكومة البريطانية بأن الولايات المتحدة ستدعم وعد بلفور، ثم نعرف ماذا جرى في 1947 بدعم مطالب الحركة الصهيونية بدولة في فلسطين، واعتراف إدارة هاري ترومان بإسرائيل مباشرة عام 1948، واستمر الأمر منذ ذلك الحين. نذكر أن وودرو ويلسون كان ديمقراطيا، أيضا هاري ترومان وليندون جونسون كانوا ديمقراطيين. الولايات المتحدة تحت الإدارات المتعاقبة الديمقراطية والجمهورية كانت دائما منحازة ومتواطئة مع إسرائيل.

 

الذي غيّره دونالد ترامب هنا أنه انتقل من مربع التواطؤ والانحياز ليُضيف إليهما تماهيا مع أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف، هذا التماهي هو الإضافة الكبيرة، بحيث تحوَّلت إدارته إلى قناة تُمرَّر عبرها أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف. وهذا كان يمر عبر شخصيات مثل جاريد كوشنر تحديدا، الشخصية المركزية هنا، بالإضافة إلى جيسون جرينبلات الذي كان المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، وشخصية السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان. وهذه الشخصيات الثلاث ليسوا يهوديين فقط، بل يهود وصهاينة ومتطرفون في دعمهم لأجندة اليمين الإسرائيلي، وبذلك تحوّلت إدارة ترامب إلى قناة تمر عبرها أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وجاء نتاجا لذلك صفقة القرن التي رأيناها تتحدث عن حل إقليمي فيه الدولة الفلسطينية غير قائمة عمليّا ودون سيادة، أو حدود، بدون أمن وبدون سيطرتها على الموارد، بالإضافة إلى ما طرأ على حق العودة للاجئين الفلسطينيين المشروط بموافقة إسرائيلية، كما هو الحال مع قيام الدولة الذي يشترط أن تكون إسرائيل مركز المنطقة اقتصاديا وإستراتيجيا.

epaselect epa08173197 US President Donald J. Trump (R) shakes hands with Prime Minister of Israel Benjamin Netanyahu while unveiling his Middle East peace plan in the East Room of the White House, in Washington, DC, USA, 28 January 2020. US President Donald J. Trump's Middle East peace plan is expected to be rejected by Palestinian leaders, having withdrawn from engagement with the White House after Trump recognized Jerusalem as the capital of Israel. The proposal was announced while Netanyahu and his political rival, Benny Gantz, both visit Washington, DC. EPA-EFE/MICHAEL REYNOLDS

نعم سيحدث تغيُّر، إذ سنعود إلى المقاربة التقليدية التي تقوم على الانحياز والتواطؤ مع إسرائيل، وهو ما وجدناه حينما تدخَّل بايدن شخصيا في شهر أغسطس/آب الماضي حين صياغة البرنامج الانتخابي للحزب الوطني الديمقراطي، عندما أصرَّ على أن تُزال صفة الاحتلال عند الحديث عن إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالإضافة إلى ما أورده في برنامجه الانتخابي، إذ تحدَّث عن الالتزام المُطلق بأمن إسرائيل في المنطقة. إذن سنعود إلى مربع الانحياز لكن هذه المرة بدون تماهٍ، هذا أولا، وثانيا لن تقبل إدارة بايدن بقرار ضم 30% من الضفة الغربية، لكن هذا لا يعني أنها ستقطع المساعدات العسكرية عن إسرائيل إذا استمرت بتوسيع المستوطنات على سبيل المثال، وهذا كلام قيل رسميا من قِبَل بادين وأنتوني بلينكن المرشح لوزارة الخارجية، أي إن إدارة بايدن لن تعود عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، لكنها ستُعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وسوف تُعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، بالإضافة إلى إعادة المساهمة الأميركية في وكالة غوث اللاجئين أونروا، وقد تُعيد بعض المساعدات الإنسانية التي قطعتها إدارة ترامب عن الفلسطينيين، لكن ليس بالضرورة أن الإدارة ستعود إلى التراجع عن الاعتراف الأميركي بضم إسرائيل للجولان على سبيل المثال.

 

نحن سنشهد تغييرا بالعودة إلى مربع الانحياز، لكن دون أي قرارات جوهرية. سيكون هناك مثلا دفع باتجاه حل الدولتين، لكن القدس قال بايدن إنها حُسمت باعتبارها عاصمة لإسرائيل، وإن السفارة ستبقى فيها، كما أنه لن يضغط على إسرائيل إلى الدرجة التي يُرغمها على اتخاذ مثل هذه الخطوات. وكما فشل باراك أوباما سابقا فلن يكون بايدن أكثر منه حماسة للحل والضغط على إسرائيل في هذا الموضوع.

بلينكن و نتنياهو
وزير خارجية بايدن القادم "طوني بلينكن" ورئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو"
  • دعنا نبنِ على جانب من إجابتك السابقة ونسأل بشكل محدد عما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سيستمر في تنفيذ ما يُعرف بـ "صفقة القرن"؟

أشك في ذلك، هو سيُعيد الاتصالات مع السلطة الفلسطينية، ولن يعتبر صفقة القرن هي نقطة الانطلاق في التعامل مع الفلسطينيين، أي سيعود إلى الموقف التقليدي خلال العقدين والنصف الماضيين وهو أن حل الدولتين هو الحل المطروح أميركيا، لكن حل الدولتين في المقاربة الأميركية قبل إدارة ترامب يقوم على التفاوض على حدود الدولة، بمعنى أنها ليست كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الخامس من يونيو/حزيران 1967. بالإضافة إلى التفاوض حول مفهوم العاصمة في القدس، بمعنى أنها ليست بالضرورة أن تكون القدس الشرقية، بل حتى تحت إدارة كلينتون كان الحديث عن أبو ديس على سبيل المثال والعيزرية وغيرها. أي ستكون هناك مفاوضات من جديد، لكنها لن تنطلق من صفقة القرن أرضية لها، لكنّ جزءا كبيرا مما جاء في صفقة القرن لم يكن جديدا، إنما استُعيرت جوانب منه من إدارات سابقة، مثل موضوع أن القدس الشرقية ليست هي العاصمة بالضرورة، وأن الحدود ستكون داخلها.

 

وأيضا لم تتحدث الإدارة عن عودة اللاجئين، أو السيطرة من قِبَل الفلسطينيين على المسجد الأقصى. الأمر كذلك ينطبق على الدولة، هل هي كل أراضي الضفة الغربية؟ إذ لم تتحدث الإدارة عن إعطاء الفلسطينيين كل أراضي الضفة الغربية.

 

ووعد بوش عام 2004 الذي نص على أن الولايات المتحدة ستعترف بالحقائق القائمة على الأرض بمعنى الاستيطان، والتزمت به إدارة باراك أوباما أيضا أن هناك حقائق على الأرض لا يمكن تجاوزها، وهو الاستيطان والمستوطنون الذين يبلغون مئات الآلاف في الضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن لن تكون صفقة القرن كما هي نقطة الانطلاق، بل ستكون العودة إلى الموقف الأميركي التقليدي بأن الطرفين لا بد أن يتفاوضا ويصلا إلى حل تقوم بمقتضاه دولة فلسطينية، لكن هذه الدولة ليست بالضرورة كاملة السيادة، وليست بالضرورة متصلة ومتماسكة جغرافيا. إذن لن يكون هناك صفقة القرن، لكن لن يكون هناك صيغة أفضل كذلك.

 

قد نشهد تغييرا أساسيا، أي إن موقف إدارة بايدن قد لا يمضي بالمدى ذاته الذي مضت إليه إدارة دونالد ترامب بجعله حلًّا إقليميا على حساب الإقليم كله، بحيث لا تدفع إسرائيل أي ثمن، ويكون الحل بالنسبة للقضية الفلسطينية كالدم الذي وُزِّع بين القبائل. وهذا ما تُقدِّمه صفقة القرن بأن تدمج إسرائيل اقتصاديا في المنطقة، ولا يسيطر الفلسطينيون على حدودهم بينما تسيطر إسرائيل على الصادر والوارد وتكون مركز المنطقة إستراتيجيا وعسكريا وتكنولوجيا. إذن قد لا تذهب إدارة بايدن لهذا البُعد، لكنها ستبقى منحازة ومتواطئة بلا شك.

نتنياهو يستقبل عراب "صفقة القرن" جارد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره الخاص. (مواقع التواصل الاجتماعي)
بنيامين نتنياهو وعراب "صفقة القرن" جارد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره الخاص

 

  • ثمّة مَن يرى، أقلّها على مستوى الخطاب اليومي الشعبي، أنه لا اختلافات جوهرية بين سياسة الجمهوريين والديمقراطيين الخارجية، لكن أحدهم يقتل وهو يبتسم (كما في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما)، والآخر يقتل وهو مُمعن في فعله (كما عاصرنا عهد ترامب)، فما دقّة هذا التصور؟

حقيقة لا يمكن تبسيط السؤال بهذه الطريقة، هناك خلافات جوهرية، لكن هذه الخلافات ليست فقط جمهورية – ديمقراطية، بل ما بين إدارة وأخرى، ما بين نهج وآخر، إذا أردنا الحديث في الخطوط العامة؛ كلا الطرفين يؤمن بأن الولايات المتحدة ينبغي أن تكون القائدة، القوة التي تقود العالم، كيفية القيادة هي ما تختلف بين إدارة وأخرى وليس فقط بين ديمقراطيين وجمهوريين، بمعنى هل نقود عبر تحالفات أم نقود لوحدنا؟ رأينا إدارات أميركية تقود عبر تحالفات جمهورية ديمقراطية؛ ريغن، بوش الأب، كلينتون، ورأينا مثلا إدارات قادت لوحدها ولم تُعر انتباها للتحالفات إلا عندما تورطت مثل إدارة جورج بوش الابن في حرب العراق، لكن كما تفضّلت، السياسة الخارجية الأميركية في مجملها سيئة خصوصا نحو قضايانا، سياسة تقوم على عدم الاعتراف بطموح الشعوب العربية وآمالها في الحرية والسيادة، وأن يكون هناك ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، بل هي دائما ما تقوم على دعم الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، حتى عندما كان هناك مرحلة استثناء في التاريخ الأميركي فترة ما بين 2011 إلى 2013 خلال فترة ما عُرف بثورات الربيع العربي، لم تلبث الولايات المتحدة أن عادت إلى دعم الأنظمة الشمولية مرة أخرى. السياسة الخارجية الأميركية سواء جمهورية أم ديمقراطية نحو المنطقة سياسة سيئة تُعلي من شأن الاستقرار الذي ترى أن هذه الأنظمة الدكتاتورية تأتي به على حساب الحريات والديمقراطية. وأقول دوما إن السياسة الخارجية الأميركية مُدمِّرة، سواء إذا بالغت في التدخُّل أو في الانكفاء، ولا يمكن أن تكون إيجابية خصوصا في منطقتنا.

 

أحد تصريحات الرئيس المنتخب جو بايدن أثناء حملته الانتخابية تمثَّل في نقده لوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتوعّده بمحاسبته حال وصوله للسلطة، فهل برأيك سيعمل بايدن على تحقيق ما وعد به، أم أنه تصريح جاء في سياق الحملة الانتخابية؟

 

نعلم أن الرئيس المنتخب بايدن تحدّث كونه مُرشَّحا عن أنه لن يدعم الحرب السعودية الإماراتية في اليمن، وأن المعاملة التي وجدها ولي العهد السعودي تحت إدارة دونالد ترامب سوف تختلف، لكن هل سيقوم بإحداث انقلاب جذري في العلاقة مع السعودية؟ لا، فالعلاقة مع السعودية علاقة إستراتيجية بغض النظر عن الإدارة، بينما العلاقة مع محمد بن سلمان ليست إستراتيجية سواء لبايدن الديمقراطي، أو أي شخص جمهوري آخر باستثناء ترامب، لأن الذي أحدث استثناء في العلاقة الأميركية السعودية هو ترامب، حيث جعلها علاقة شخصية بينه وبين محمد بن سلمان الذي فعل الشيء نفسه أيضا، وهذا خطر على الأمن القومي السعودي تحديدا، والمؤسسة الأميركية عارضت ما فعله دونالد ترامب لأنهم رأوا فيه شخصنة لعلاقة إستراتيجية.

U.S. Vice President Joe Biden (R) offers his condolences to Prince Salman bin Abdel-Aziz (L), upon the death of on his brother Saudi Crown Prince Sultan bin Abdul-Aziz Al Saud, at Prince Sultan palace in Riyadh, October 27, 2011. REUTERS/Fahad Shadeed (SAUDI ARABIA - Tags: POLITICS ROYALS OBITUARY) (رويترز)

المؤسسة كانت رافضة لتدخُّل ترامب لمصلحة محمد بن سلمان ضد محمد بن نايف، الآن ما سنجده تحت إدارة بايدن أنه إذا ما كان هناك تحدٍّ لسلطة محمد بن سلمان من داخل العائلة الحاكمة السعودية، فإنه لن يجد بالضرورة دعما من بايدن وإدارة بايدن له ضد مَن يتحدّاه من داخل العائلة الحاكمة، مثل عمه أحمد بن عبد العزيز على سبيل المثال، أو ابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف، فإنه لن يكون له دعم بشخصه، لأن الديمقراطيين بشكل عام غاضبون على محمد بن سلمان لأسباب كثيرة؛ غاضبون لعلاقته بترامب، وكوشنير، غاضبون بسبب انتهاكه ملف حقوق الإنسان في السعودية، وبسبب حرب اليمن، والطريقة الوحشية لاغتيال جمال خاشقجي.

 

هناك عدد كبير من أعضاء الكونغرس في المجلسين ممّن هم غاضبون على محمد بن سلمان، بل الكثير من الجمهوريين أيضا، ونعلم أنه في عام 2019 اضطر الرئيس ترامب إلى أن يستخدم الفيتو ضد قرار مجلسي الكونغرس الذين أصدروا تشريعا لوقف تسليح السعودية والإمارات حتى يوقفوا الحرب في اليمن، كل ما احتاج إليه الكونغرس حينها أربعة أصوات إضافية لتجاوز الفيتو الذي وضعه ترامب على قرارهم، بمعنى أن عددا كبيرا من الجمهوريين صوّت أيضا لصالح قطع المساعدات العسكرية أو تسليح السعودية.

 

محمد بن سلمان لديه سمعة سيئة جدا هنا في الولايات المتحدة، وسيجد معاملة أخرى لن تعطيه أو تبحث له عن مبررات في محاولة إنقاذه من ورطته ومغامراته. سيكون هناك إدارة أكثر تشكُّكا وتدقيقا في التعامل معه، لكن لن نشهد تغييرا جذريا بالضرورة، إلا في حال ضعف موقفه في الداخل السعودي، حينها لن يجد الدعم الذي كان يُوفِّره له دونالد ترامب.

epa07881698 (FILE) - US President Donald J. Trump (L) shakes hands with Mohammed bin Salman bin Abdulaziz Al Saud (R), Deputy Crown Prince and Minister of Defense of the Kingdom of Saudi Arabia, before a lunch in the State Dining Room of the White House in Washington, DC, USA, 14 March 2017 (issued 30 September 2019). In an exclusive interview with US television network CBS on 29 September 2019, Mohammed bin Salman warned the international community of the threat posed by Iran to the global oil trade. Iran has been accused by Saudi Arabia and the US of attacking two oilfields in eastern Saudi Arabia last month, allegations that Tehran have denied. EPA-EFE/MICHAEL REYNOLDS

 

  • ربط عدد من وسائل الإعلام العربية مجموعة من التحرُّكات الحقوقية في بعض الدول العربية بتقديرات فوز جو بايدن قبل إعلان النتائج، وذلك في تعبير عن التهيؤ لتغيُّر في التعامل مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، فما دقة هذا الربط؟

لا أستبعد ذلك، لأن الديمقراطيين فيهم تيارات تُركِّز على حقوق الإنسان وتراها مسألة جوهرية في التعامل. بايدن ديمقراطي تقليدي يُمثِّل الوسط الديمقراطي، مَن لا يرى هذه المسألة ليست ذات أهمية قصوى للولايات المتحدة، أي يراها على مستوى الخطاب والشعارات لكن ليس على مستوى السياسة والتعامل. لكن في حالة إدارة بايدن هذه، أظن أننا سنجد تغييرا، والسبب أن الحملة الرئاسية لبايدن احتاجت إلى تضافر كل مكونات الحزب الديمقراطي لكي يتمكّن من النجاح، وما هزم هيلاري كلينتون في 2016 هو أنها خسرت الجناح التقدمي في الحزب. الآن اضطر بايدن أن يأتي بالجناح التقدمي ليكون جزءا من حملته، ويكون معه حتى لا يخسر الانتخابات، وهؤلاء لديهم مطالب كثيرة منها التركيز على حقوق الإنسان. والظن أنه من باب استرضاء هؤلاء والحفاظ على هذا التحالف المتماسك، والحفاظ على كتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ والنواب، فإنه سيضطر أن يجعل من ملف الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية على قائمة أجندته في المنطقة، ولكن ليس بالضرورة أولويته القصوى أو التركيز عليها بشكل كبير، لكنها ستكون حاضرة بلا شك.

 

بعض الأنظمة بدأت الآن تُهيِّئ نفسها لكي لا تكون عُرضة لضغوط من إدارة بايدن، الذي سيكون عُرضة لضغوط أعضاء في حزبه وهو يحتاج إليهم في الكونغرس، وسوف يحتاج إليهم الحزب الديمقراطي في أي انتخابات قادمة، مثلا في الانتخابات النصفية للكونغرس في 2022، ومن ثم الانتخابات الرئاسية في 2024.

 

  • يُشير عدد من التقديرات أن جو بايدن سيضع تركيا نصب عينيه باعتبارها خطرا إقليميا في المنطقة، فما دقة هذا التفسير؟

epa05121006 US Vice President Joe Biden (L) chats with Turkish President Recep Tayyip Erdogan (R) after a meeting at the Yildiz Mabeyn Palace in Istanbul, Turkey, 23 January 2016. Biden is in Turkey for a two day visit and is scheduled to meet both, Turkish president Recep Tayyip Erdogan and Prime Minister Ahmet Davutoglu. EPA/SEDAT SUNA / POOL

بداية حتى نكون واضحين، قضية تركيا في أميركا ليست قضية ديمقراطية جمهورية، مشكلة تركيا في أميركا هي مع المؤسسة الأميركية (Establishment). تركيا لا تُصنَّف حليفا في أميركا على الأقل منذ عام 2011، حيث بدأت تتغير المقاربة نحو تركيا أو التكييف لوضعها في أميركا. فهي تُصنَّف "frenemy"، جمع لمفردتي صديق-عدو، والسبب في ذلك أنه تحت حكم حزب العدالة والتنمية وحكم أردوغان رئيسا للوزراء ثم رئيسا للدولة، بدأت تركيا تميل للاستقلال، والخروج من عباءة الوصاية الأميركية، ومظلة أجندة الناتو في المنطقة، خصوصا بسبب سوريا، وملفات مثل الأكراد، والخلاف على الربيع العربي، والعلاقة مع إسرائيل والأنظمة الدكتاتورية، وأُضيف إليهم الآن اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي وليبيا وغيرها من الملفات.

 

كونها مؤسسة أميركية فإنها تنظر لتركيا اليوم تحت حكم العدالة والتنمية وحكم الرئيس أردوغان على أنها تبتعد كثيرا عن تحالف التبعية الذي ارتبطت به، بشكل عام وليس بالضرورة في كل المحطات ما قبل مرحلة أردوغان. ورأينا أنه تحت إدارة باراك أوباما كان هناك ضغوط على تركيا عبر حدودها الجنوبية في شمال سوريا عبر الأكراد، ورأينا الضغوط على تركيا فيما يتعلق بحرية الصحافة والمعتقلين السياسيين كما تقول الولايات المتحدة، وأظن أن هذا سيستمر.

 

ما جرى خلال فترة دونالد ترامب هو أنه أضاف حالة من الفوضى لإدارة الملف أو للتعامل مع تركيا. المؤسسة مخاصمة لتركيا، لكنه كان يُثير حالة من الفوضى في قرارات المؤسسة، مثل قرار الانسحاب من شمال سوريا. ترامب أثار حالة من الفوضى داخل المؤسسة بعلاقته الطيبة ونظرته الإيجابية للرئيس أردوغان، مع وجود الضغوط عليه في الوقت نفسه، فمثلا كان لا يريد أن يمنع تركيا من الحصول على طائرات الـ "F35″، واعتبر أن إدارة باراك أوباما هي التي دفعت أردوغان وتركيا للذهاب لروسيا من أجل منظومة الدفاع الجوي "S400″، لكن هناك ضغوط كانت عليه من وزير خارجيته، ووزير الدفاع، ومن الكونغرس وأعضاء الحزب الجمهوري ألّا يُعطي تركيا طائرات الـ "F35" على سبيل المثال.

 

التصعيد ومعاقبة تركيا اقتصاديا، كل هذا يُحيلنا إلى أن ترامب لم يكن على وفاق مع المؤسسة، وكان يخلق حالة من الفوضى في موقفها وعدم توحد خطابها ومقاربتها نحو تركيا. لذلك بايدن سيكون أكثر اتساقا مع المؤسسة، ولذلك قد نشهد علاقات أكثر اضطرابا بين الولايات المتحدة وتركيا، لكن بالطبع تبقى تركيا حليفا كبيرا وقويا لا يمكن للولايات المتحدة أن تخسره، ولا يعني هذا أننا لن نشهد اضطرابات وتصعيدا ضد تركيا خصوصا في ملف شرق البحر الأبيض المتوسط في ليبيا وأيضا في سوريا. سنشهد هذا الاتساق، وسنشهد علاقة أكثر اضطرابا.

 

  • هل تتوقّع مصالحة خليجية تلوح في الأفق؟

epa06068150 Saudi Foreign Minister Adel al-Jubeir (L), UAE Foreign Minister Abdullah bin Zayed al-Nahyan (2L), Egyptian Foreign Minister Sameh Shoukry (C), and Bahraini Foreign Minister Khalid bin Ahmed al-Khalifa (R) attend a press conference after their meeting that discussed the diplomatic situation with Qatar, in Cairo, Egypt, 05 July 2017. The Foreign Ministers meetingis held after Qatar sent a formal letter of response to the 13-points list of demands to the emir of Kuwait, the main mediator in the Gulf crisis, in response to diplomatic and economic sanctions from Saudi Arabia and its allies, Egypt, the United Arab Emirates (UAE) and Bahrain on allegations that Qatar is funding extremism. EPA/KHALED ELFIQI / POOL

من الصعب الجزم بذلك، السعودية والإمارات تحديدا لهم مطالب مُحدَّدة من قطر، التي لن تستجيب لها لما فيها من تعدٍّ على سيادتها، مثل الحديث عن سياسة قطر الخارجية وعلاقتها مع تركيا، والإخوان المسلمين، والجزيرة، وغيرها من التعديات التي لا أظن أن قطر ستقبل بها.

 

هل يمكن أن نصل إلى صفقة بسبب وصول بايدن إلى الحكم وأنه لن يكون هناك تعاطف من إدارة بايدن مع حصار قطر؟ احتمال قائم، لكن كيف سيخرج وما المساومة التي ستتم بين كل الأطراف بحيث يحفظ ماء وجه كلٍّ من السعودية والإمارات على وجه الخصوص في هذه المسألة، وأيضا دون الانتقاص من السيادة القطرية؟ ستكون مهمة صعبة لإيجاد تلك المعادلة أو تلك المساومة، لكن أظن أن إدارة بايدن ستدفع بهذا الاتجاه. بشكل عام أظن أننا سننتهي من الحصار المفروض على قطر، لكن لن يكون سريعا ولا سهلا إيجاد الصفقة أو المساومة اللازمة التي تحفظ ماء وجه الجميع.

 

  • مَن هم أبرز الرابحين والخاسرين العرب في ظل فوز جوزيف بايدن بالرئاسة؟

أظن أن أبرز الخاسرين العرب ستكون السعودية لكل الأسباب التي ذكرناها سابقا فيما يتعلق بمحمد بن سلمان، أيضا نظام عبد الفتاح السيسي سيخسر حليفا في دونالد ترامب الذي كان يغض الطرف عن كل أفعاله، وسمعنا أن بايدن أعلن نيته محاسبة نظام السيسي على انتهاكات حقوق الإنسان، وأنه لن يجد المعاملة نفسها المتغاضية عن حقوق الإنسان في مصر. هاتان الدولتان تحديدا ستجدان نوعا من التغيير في المعاملة التفضيلية التي وُجِدت مع دونالد ترامب.

epa04704824 A handout picture released by the Egyptian Presidency shows Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) meeting with Saudi Defence Minister Prince Mohammed bin Salman bin Abdul Aziz al-Saud (L) in Cairo, Egypt, 14 April 2015. EPA/EGYPTIAN PRESIDENCY / HANDOUT HANDOUT EDITORIAL USE ONLY

دولة مثل الإمارات تستطيع أن تُغيِّر جلدها بكل سهولة، وهي الأقدر على التأقلم مع الوضع الجديد، لأنها جعلت من نفسها مصلحة أميركية بالدرجة الأولى، وأداة من الأدوات الأميركية في المنطقة أكثر من كونها أداة لدى دونالد ترامب، وإن كان محمد بن زايد تقارب بشكل كبير مع إدارة ترامب لكنه أذكى من السيسي ومحمد بن سلمان.

 

قد يكونون هؤلاء أبرز الخاسرين، ولا أريد أن أتكلم عن رابحين، فلا يوجد رابحون بين العرب، لكن أظن أن دولة مثل قطر ستجد الآن إدارة أكثر اتساقا مع الموقف الأميركي الذي يُقدِّر قيمتها وتحالفها مع الولايات المتحدة، حيث إنها لن تجد نفسها أمام الادعاءات والاتهامات التي كان يُروِّجها محور الحصار ضدها أمام شخص مثل دونالد ترامب الذي كان مُستعِدًّا لتقبُّلها، بوصفها أنها تدعم الإرهاب وما إلى غير ذلك.

 

قطر ستكون لها بعض المكاسب، حيث إنها ستجد تفهُّما داخل الإدارة الأميركية أكثر مما كان قائما، وبالمناسبة، قطر كانت تتلقّى دعما من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، وهما مَن ضغط على دونالد ترامب ليُعدِّل موقفه من قطر كونها تُمثِّل حليفا أميركيا إستراتيجيا. لكن الآن سيكون البيت الأبيض على الصفحة ذاتها مع الوكالات المتخصصة، ولو أن البيت الأبيض تحت إدارة دونالد ترامب غيّر موقفه من قطر جرّاء جهود من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات والمؤسسة العسكرية، وحتى عبر الجهود القطرية التي نجحت في قلب المعادلات هنا في أميركا. الآن سيكون هناك موقف متزن من إدارة بايدن. لكن بشكل عام، أن نتحدث عن رابحين عرب من وصول بايدن فهذا لا يُمكن ذكره الآن.