شعار قسم ميدان

نهاية أعظم حلفاء نتنياهو.. هل يغير فوز بايدن خارطة السياسة في إسرائيل؟

 

في السادس من (نوفمبر/تشرين الثاني) 2020، أصدر حزب الليكود الإسرائيلي اليميني المتطرف بيانا شديد اللهجة عنونه بـ "زلزال"، مُتهما فيه النظام الإيراني بتشجيع التظاهرات اليسارية لحركة "الرايات السود" الإسرائيلية، محاولا الإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخاتما إياه بالقول إن "النظام الإيراني، أحد أكثر الأنظمة ظلاما في العالم، لا يستطيع الفوز".

 

لم يكن انتقاد إيران من قِبَل الليكود غريبا، على اعتبار أن نظام الملالي يقبع في أعلى سُلَّم أعداء تل أبيب، كما يُعَدُّ حُجة فائقة الأهمية يستخدمها نتنياهو وحزبه على الدوام لتجييش أنصاره ودرء معارضيه، خاصة بعد خروج آلاف الإسرائيليين عبر حركة "الرايات السود" في المدن المحتلة رغم إجراءات التقييد الخاصة بـ "كوفيد-19". لكن ما كان مستغربا هذه المرة هو التركيز على إظهار اليسار الإسرائيلي عميلا لإيران أو متأثرا بها على أقل تقدير، ليتجاهل الليكود بذلك، عن عمد على الأرجح، أن اليسار قد أكمل عقدين كاملين في مرحلة اضطراب وتخبُّط لم يخرج منها حتى الآن، وأن هذا اليسار لا يُعَدُّ بالحسابات المنطقية والسياسية "خصما خطيرا" بالنسبة لليمين الإسرائيلي المتزعّم للمشهد حاليا وعلى رأسه "الليكود" نفسه، لكن ما يُثير الاهتمام في ذلك التوقيت هو أنه بعد ساعات قليلة من ذلك البيان حدث ما يمكن لليكود أن يراه قُبلة حياة لليسار من جديد.

 

لكن قبل الخوض في غمار الحرب الدائرة حاليا بين اليساريين واليمينيين الإسرائيليين، ينبغي توضيح الفارق بين اليسار الإسرائيلي وأي يسار في أي مكان آخر من العالم، فاليسار هناك هو يسار أيديولوجي فيما يخص حقوق مواطني الكيان المحتل، فهو يريد تخفيف القبضة الدينية مقابل إعلاء آلية التحكم المدني في أمور أساسية مثل الزواج والتجنيد، وكذا يريد إجراء تحديثات مدنية على الدستور الإسرائيلي مقابل يمين يتمسك بالدستور الحالي، وأيديولوجيًّا نجد أن اليسار ثلاثة أنواع؛ يسار تقليدي "حزب ميرتس"، ويسار وسط "حزب العمل"، ويسار اليسار، وهو توجُّه أكثر حِدَّة ووضوحا يضم الأحزاب العربية والإسرائيليين الذين يرون ما تفعله حكوماتهم احتلالا لأراضي الفلسطينيين، أما فيما يخص القضية الفلسطينية والأراضي المحتلة فقط فسنجد أن اليسار الإسرائيلي ينقسم بشكل أكثر مباشرة إلى يسار صهيوني لا يتميز عن اليمين المتشدد بالشيء الكثير، ويتبنّى الأجندة الاحتلالية نفسها تقريبا، ويسار لا صهيوني وهو الذي يَعتبر الحركة الصهيونية حركة استعمارية.

epa07740144 Former Israeli Prime Minister Ehud Barak (L) during a press conference with Labor Party member Stav Shafir (C) and chairman of Meretz party Nitzan Horowitz (R) in Tel Aviv, Israel, 25 July 2019. The three leaders announced on a joint political union under the 'Democratic Camp' left -wing party for the upcoming 17 September 2019 Israeli legislative election. aiming to challenge Prime Minister Netanyahu conservative Party Likud. EPA-EFE/ABIR SULTAN
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك (إلى اليسار) وعضو حزب العمل ستاف شافير (وسط) ورئيس حزب ميرتس نيتسان هورويتز (يمين) في تل أبيب

إذن بعد ساعات من الاتهام السابق، أُعلِن عن فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن" بمنصب الرئيس الأميركي، ليَفرض تغييرات على ساحة الحليف الأهم لإسرائيل تبدو وكأنها ستصب في مصلحة يسارها من نواحٍ عديدة، فمن جهة لدينا نتنياهو الذي تُحاصره قضايا الفساد وجملة من المشكلات السياسية، ليس أقلها تعامل حكومته غير المرضي عنه شعبيا مع أزمة فيروس "كوفيد-19″، ومن جهة أخرى بث انتصار بايدن الأمل في صفوف اليسار بإزاحة إدارة الرئيس دونالد ترامب التي دعمت اليمين الإسرائيلي لدرجة غير مسبوقة. ورغم أنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة آثار وصول بايدن للبيت الأبيض على يسار الكيان المأزوم منذ ما يزيد على عشرين عاما، فإن سؤالا يبرز في الأُفق عما إن كان ما يحدث الآن هو فرصة كبرى لذلك اليسار شبه المنتهي والمنهار ربما لإعادة تنشيط نفسه وبناء أركانه بشكل أساسي، فهل هي فرصة حقيقية؟ أم أن فوز بايدن أو رحيل نتنياهو لن يؤثرا بأي حال على يسار شبه مُنتهٍ بالفعل؟

 

عنوان ميدان

بعد نصف يوم من إعلان فوز بايدن، استطاع نتنياهو امتصاص صدمة أن "أعظم صديق لإسرائيل" كما وصفه سابقا قد آن أوان رحيله من البيت الأبيض، ليلتحق بركب مُهنِّئي مرشّح الحزب الديمقراطي جو بايدن بالفوز، ومُقدِّما تهنئة يمكن وصفها بالباهتة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، حيث ظهر فيها محاولا التعبير عن سعادته بلا مبالغة قد تُثير غضب ترامب.

بالتأكيد كان نتنياهو يأمل بقاء ترامب، وهو الذي شهدت فترته الرئاسية دعما سياسيا وعسكريا واقتصاديا غير مسبوق لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكان يأمل أيضا كنتيجة طبيعية بقاء فريق ترامب المكوَّن من مستشاره الخاص وصهره وأحد أصدقاء تل أبيب المفضلين "جاريد كوشنر"، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وغيرهم ممن ساهموا بشدة في صياغة حزمة سياسات واسعة عزّزت من نفوذ ومكاسب اليمين الإسرائيلي وحزب الليكود تحديدا، بل ووضعت اليمينيين اليهود أمام رؤيتهم التوراتية بأن تمتد إسرائيل من نهر الأردن إلى بحيرة طبريا عبر ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة تارة، وعبر الاعتراف الرسمي بالقدس "عاصمة أبدية لإسرائيل" تارة أخرى.

 

إذن، أثار وصول رئيس من الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض مخاوف إسرائيلية ليست بالهينة في كيان يحكمه اليمين المُتشدِّد منذ سنوات، فليس من المُستبعَد أن يضع بايدن أمام نتنياهو عقبات تُعجزه عن إرضاء شرائح مؤيديه من المتشددين المهمين لبقائه في رئاسة الحكومة، حيث يدرك نتنياهو أن بايدن، رغم تأييده لإسرائيل، يُعَدُّ محافظا على السياسة الأميركية الحازمة في هذا الشأن، وهو الذي لن يتسامح على الأرجح مع أي سياسات إسرائيلية توسُّعية حفاظا على رضا شرائح واسعة ممّن انتخبوه، ولديه في هذا الصدد أدوات مهمة لتقييد نتنياهو وحكومته، فعلى سبيل المثال فيما يخص أمر الضم الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، يُظهِر استطلاع حديث أجراه معهد بروكينجز أن 79% من الديمقراطيين يعارضون الضم المقترح، بينما يؤيده 56% من الجمهوريين، ومن الممكن لبايدن أيضا أن يُبطِّئ بناء المستوطنات في الضفة الغربية.

 

ومع أن معظم الطبقة السياسية الإسرائيلية لا تعرف حتى الآن ما الذي تفكر به الإدارة الأميركية الجديدة تحديدا تجاههم، فإن ذكرى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجعلهم لا يستبعدون عودة "العلاقات الباردة" مع أية إدارة للحزب الديمقراطي في البيت الأبيض، وقد وَلَّد عهد ترامب لدى الديمقراطيين نفورا ملموسا تجاه نتنياهو الذي أقام علاقة بالغة الودية مع ترامب على حساب علاقته وحكومته مع الحزب الديمقراطي، وبالتالي صارت نسبة لا بأس بها من يسار الديمقراط، وهو يسار ينتشر ببطء في قلب الحزب الديمقراطي، ترى الحقوق المدنية ودعم إسرائيل شيئين متضادين لا يمكن الجمع بينهما في ظل وجود سياسات اليمين المُتشدِّد، ويُظهِر مسح أجراه مركز "بيو" للأبحاث العام الماضي أن "الديمقراطيين الليبراليين أقل تعاطفا مع إسرائيل فيما يتعلق بالصراع مع فلسطين من أي حزب أو أيديولوجية أخرى، بما في ذلك الديمقراطيون المعتدلون، مقابل أن الجمهوريين المعتدلين والجمهوريين المحافظين لديهم أعلى معدلات تعاطف تجاه إسرائيل".

epaselect epa08173197 US President Donald J. Trump (R) shakes hands with Prime Minister of Israel Benjamin Netanyahu while unveiling his Middle East peace plan in the East Room of the White House, in Washington, DC, USA, 28 January 2020. US President Donald J. Trump's Middle East peace plan is expected to be rejected by Palestinian leaders, having withdrawn from engagement with the White House after Trump recognized Jerusalem as the capital of Israel. The proposal was announced while Netanyahu and his political rival, Benny Gantz, both visit Washington, DC. EPA-EFE/MICHAEL REYNOLDS

ورغم ما سبق، سيضطر الديمقراطيون الآن ولاحقا إلى الحفاظ على قدرتهم على الجمع بين معارضة نتنياهو ودعم إسرائيل ولو بدرجة أقل أو بحسابات أدق، إذ يبقى هذا الدعم قضية أمن قومي بالنسبة لأي إدارة أميركية وليست مجرد قضية سياسية، ويبقى نتنياهو وحزبه بحاجة إلى استيعاب تغيُّر أولويات السياسة الأميركية القادمة ووجهات النظر المستقبلية الصدامية بينهما.

 

عنوان ميدان

"اليهود يغادرون الحزب الديمقراطي.. لقد رأينا الكثير من السياسات المناهضة لإسرائيل تبدأ في عهد إدارة أوباما ثم تنحدر إلى الأسوأ فالأسوأ. هناك معاداة للسامية في الحزب الديمقراطي.. إنهم لا يهتمون بإسرائيل أو بالشعب اليهودي".

هكذا غرّد ترامب في مارس/آذار العام الماضي 2019 نقلا عن إليزابيث بيبكو، عارضة الأزياء الشابة ذات الـ 23 عاما والمتحدثة باسم منظمة "جكسودس" (منظمة أنشأها اليهودي الجمهوري جيف بالابون ذو الـ 56 عاما، وتُعرف على أنها منظمة للشباب اليهود الذين سئموا العيش في ظل سياسات اليسار)، وقد حاول ترامب بهذه التغريدة مغازلة أنصاره في الحزب الجمهوري الذين يعتنقون الصهيونية المسيحية بُغية تحقيق مكاسب سياسية انتخابية لصالحه على خلفية دعمه المُطلق لإسرائيل مقارنا ذلك بتوجُّهات الديمقراطيين، واليساريين منهم تحديدا.

 

على الوجهة الأخرى، هناك في إسرائيل، لم يتوانَ نتنياهو عن المخاطرة بعلاقة حالها الاضطراب الدائم مع الحزب الديمقراطي في حقبة ترامب، ليحتضن بشكل كبير توجُّهات إدارة ترامب الذي جهر سابقا بأن اليهود الذين يُصوِّتون للديمقراطيين "اليهود الليبراليين" إما أنهم جهلة أو غير أوفياء لليهودية، وقد أدّى ذلك الاحتضان إلى توتر العلاقات بين الحكومة اليمينية التي يقودها نتنياهو وبين أجزاء كبيرة من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، باستثناء اليهود الأرثوذكس الذين حرص نتنياهو على كسبهم، فرأينا مصادمات واسعة خاصة مع القطاع الليبرالي وغير الأرثوذكسي من الأميركيين، إلى حد خروج تصريحات هاجم فيها أعضاء الكنيست الأرثوذكس بضراوة اليهود الأميركيين التقدميين، لذا لم يكن مستغربا أن يُصوِّت 68% من اليهود الليبراليين (الذين يُشكِّلون غالبية اليهود في أميركا) لصالح بايدن.

علاوة على ما سبق، انتهزت المعارضة الإسرائيلية فرصة فوز بادين لإعادة تأكيد أخطاء نتنياهو بتعريض العلاقات الثنائية مع الحزب الديمقراطي لأضرار كبيرة، مُضيفة أن الديمقراطيين لن يغفروا له عزل العديد منهم عن إسرائيل، ونستطيع رؤية ذلك فيما قاله يائير لابيد رئيس الحزب الإسرائيلي المعارض "يش عتيد" من أن "محاولة نتنياهو الادّعاء بأنه حافظ على علاقات جيدة مع الديمقراطيين مُحرجة، فانفصاله عما حدث في السنوات القليلة الماضية في الولايات المتحدة كبير إلى درجة أنه لا يعرف حتى ما يقوله الديمقراطيون والإدارة الجديدة عن الرجل الذي أنشأ "مرتفعات ترامب" خلال حملة مضطربة في الولايات المتحدة".

 

في النهاية، عاد الديمقراطيون لرأس السلطة، وقد أوصلت أصوات الناخبين الأميركيين بايدن إلى البيت الأبيض، لكن رجل الحزب الديمقراطي الأول حاليا ليس حديث العلاقات بالإسرائيليين، إذ يعود تاريخه معهم إلى مقابلته الأولى مع رئيسة الوزراء "غولدا مائير" في عام 1973، ثم أصبح سياسيا مطلعا بشكل وثيق على تاريخ المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية خلال توليه منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وهي الحقبة التي ظهر فيها بايدن كونه وسيطا جيدا تدخَّل لإزالة الإشارة إلى إسرائيل بوصفها احتلالا من أجندة الحزب الديمقراطي، إلا أن ذلك لم يمنع انتقاده لتعامل نتنياهو مع القضية الفلسطينية في أكثر من مناسبة خلال فترة إدارة ترامب، وهو أمر مألوف غالبا للرؤساء الديمقراطيين الذين يحافظون على تأييد للكيان المحتل مع محاولة السيطرة على اليمين المتطرف هناك وعدم إعطائه ضوءا أخضرَ دائما، وسيُحاول بايدن على الأرجح إظهار رغبة في إحياء جهود التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومع ذلك فإنه حتى ولو أراد اتباع نهج مستقل لسياسة واشنطن تجاه تل أبيب، وهو ما لا نُرجِّحه، فستتعرّض إدارته الحديثة لضغوط قد تكون أكبر مما يجب من اللوبي الإسرائيلي، فهو وإن أعلن بالفعل معارضته لقرار نقل السفارة الأميركية للقدس فإنه لا يستطيع الآن إعادتها إلى "تل أبيب" بأي حال، وهو وإن دعا لاستئناف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية فإنه لن يتردّد عن ربط ذلك بوقف رواتب الأسرى والشهداء على الأرجح، لكن يبقى السؤال عما إن كان بايدن مفيدا لليسار بالفعل أم لا.

 

عنوان ميدان

"بايدن جيدٌ لأولئك الذين يُفكِّرون في إسرائيل، وليس للذين يُفكِّرون بأنفسهم فقط (يقصد نتنياهو)، سيجلب الكثير مما كان مفقودا، هنا في إسرائيل وهناك في الولايات المتحدة، في السنوات الأخيرة".

هكذا هنَّأ رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك الرئيس الأميركي الجديد بفوزه في الانتخابات الأميركية، ولم يكن باراك الوحيد من القادة اليساريين (ينتمي باراك ليسار الوسط وقد أنشأ العام الماضي الحزب الديمقراطي الإسرائيلي) الذي هنَّأ بايدن، إذ تدفقت تهاني سياسيين سابقين وحاليين يساريين لتهنئة الرئيس الأميركي المُنتخَب، بشكل يُظهِر فرحة يسارية إسرائيلية كبيرة بهزيمة ترامب. وفي هذا السياق برزت تهنئة أقدم حركة يسارية سياسية إسرائيلية "السلام الآن"، قائلة فيها: "تهانينا لأميركا، ولبايدن، ولإسرائيل. بايدن صديق حقيقي لها، ومؤيد لحل الدولتين. لقد انتهى عصر الحرب والمسيحانية وأوهام الضم، وحان الوقت لوضع حدٍّ لجنون البناء في المستوطنات، والعودة إلى طاولة المفاوضات حتى نحصل على السلام هنا".

epa07740138 Former Israeli Prime Minister Ehud Barak during a press conference with Labor Party member Stav Shafir and chairman of Meretz party Nitzan Horowitz (both unseen) in Tel Aviv, Israel, 25 July 2019. The three leaders announced on a joint political union under the 'Democratic Camp' left -wing party for the upcoming 17 September 2019 Israeli legislative election. aiming to challenge Prime Minister Netanyahu conservative Party Likud. EPA-EFE/ABIR SULTAN
رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك

إذن بعبارات شديدة الوضوح كتلك تنفّس اليسار الإسرائيلي الصعداء بفوز بايدن، رغم أن بايدن يُمثِّل الديمقراطيين التقليديين في حزب ديمقراطي أميركي يميل لليسار يوما بعد يوم. وبينما انتشرت مشاعر الخيبة والقلق في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرِّف؛ انتشر الأمل في صفوف اليسار الذي عانى طويلا وما زال من الفوضى بعد أن انصاع للخطاب اليميني الذي روّج لشعارات "اليسار ميت" و"إسرائيل انحرفت إلى اليمين"، فرغم أن الإسرائيليين لا يزالون يتبنّون مواقف اليسار في جبهات عدة، كالاقتصاد والرعاية الاجتماعية والدين، فإن اليساريين فشلوا في ترجمة هذا الانتصار الأيديولوجي إلى انتصار سياسي.

 

تعود تلك الفوضى اليسارية إلى عام 1977، حين وصل حزب الليكود إلى سدّة الحكم بقيادة مناحيم بيغن، واعتُبر فوز بيغن بمنزلة الرصاصة الأولى التي أُطلِقت تجاه صدر اليسار الذي مَثَّله آنذاك "حزب العمل". ثم كان عام 2005 مفصليا في تاريخ الحزب اليساري الأهم، ففي هذا العام أُسِّس حزب "كديما" برئاسة أرئيل شارون واستقطب الحزب أقطاب اليسار، لكن حتى بعد حلّ حزب كديما عام 2015 فإن معاناة حزب العمل وغيره من أحزاب اليسار لم تنتهِ، وهو تكتُّل أيديولوجي واجه المد الشعبوي الضخم لنتنياهو، فيما فرض فشل اتفاقيات أوسلو والانتفاضة الفلسطينية الثانية تغييرا على آراء العديد من الإسرائيليين نحو رسالة "السلام" التي حملها اليسار، ولا يزال اليساريون غير ناجحين للآن في إعادة تقديم أنفسهم، وكانت الانتخابات الأخيرة دليلا لا يقبل التأويل بأن اليسار قد دُقَّ في نعشه المسمار الأخير، حيث فاز اليمينيون القوميون فوزا ساحقا بينما استمر فشل اليساريين الممتد لعقدين من الزمن حتى اليوم في حشد الدعم اللازم لسياساتهم في الساحة الانتخابية.

 

تقول خبيرة الشؤون الحزبية الإسرائيلية مزال معلم على منصة المونيتور الإلكترونية إنه "في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين، عندما علم اليسار أن نتنياهو وصديقه ترامب تمكّنا من التوصُّل إلى اتفاقيات تطبيع مع دول الخليج العربية، بدت الضربة التي وُجِّهت لليسار قاتلة، حيث كانت الرؤية التي يُروِّج أعضاء اليسار لها منذ عقود هي أن إسرائيل، بعد التوصُّل إلى سلام مع الفلسطينيين فقط، ستتمكّن من توقيع اتفاقيات مع الدول العربية الأخرى، رؤية بدا فجأة وكأنها انهارت"، مضيفة أنه "خلال سنوات وجود ترامب بالبيت الأبيض، وجدت حركة "السلام الآن" واليسار الإسرائيلي بأكمله أنفسهم مدفوعين للهامش، وفقدوا أي تأثير امتلكوه على الأجندة الوطنية من حيث الرسائل، كانت فترة مروعة لهم، ما أثَّر على قدرتهم على جمع التبرعات، فيما شعر المستوطنون بأنهم ممتنون لكل ما فعله ترامب، ما أسفر عن مأزق دبلوماسي عميق، وفشل في التواصل بين واشنطن والسلطة الفلسطينية، ونقل السفارة الأميركية للقدس".

epa08671276 (L-R) Bahrain Foreign Affairs Minister Sheikh Khalid Bin Ahmed Al-Khalifa, Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu, US President Donald J. Trump and UAE Foreign Affairs Minister Sheikh Abdullah bin Zayed bin Sultan Al Nahyan during the Abraham Accords signing ceremony, which normalizes relations between the United Arab Emirates and Bahrain with Israel, on the South Lawn of the White House in Washington, DC, USA, 15 September 2020. EPA-EFE/JIM LO SCALZO

من جهة أخرى، يقول أنطوان شلحت، الباحث السياسي في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، لـ "ميدان" إن فوز بايدن يمكن أن يجعل نتنياهو يخسر ظهيرا دوليا مهما كإدارة ترامب التي تماهت مع توجُّهاته واليمين الإسرائيلي كاملا فيما يخص القضية الفلسطينية، ويُضيف أنه "بناء على ذلك فإن فوز بايدن قد يؤدي إلى خسارة نتنياهو لذخيرة تساعده في الصمود أمام المطالبين برحيله، ولكن رغم ذلك فإن ذخيرته الحقيقية التي تجعله صامدا هي وجود تأييد له في أوساط الشارع الإسرائيلي".

 

ويُشدِّد شلحت لـ "ميدان" على أن فوز بايدن يمكن له أن يُقدِّم دفعة تنشيط ضرورية لليسار، لكنه سيظل مأزوما حاليا، مضيفا: "الواقع القائم في إسرائيل يوحي للبعض بأنها على أعتاب تغيير كبير في حال رحيل نتنياهو، وهذا وهم، لأن تغيير نتنياهو لن ينطوي على تغيير جوهري في سياسة إسرائيل".

 

ومع حلم اليسار الإسرائيلي بأن تأتي حكومة يسارية جديدة عطفا على الفوز المهم للديمقراطيين الأميركيين، يبقى هذا اليسار في المقام الأول بحاجة إلى إعادة تشكيل هويته وبناء هيكلية سياسية جديدة تُنهي الإستراتيجية السياسية غير الناجحة التي رافقت أجنداته منذ بداية العقد الماضي وحتى يومنا هذا، فالمطالبات عالية الصوت إثر فوز بايدن بأنه يجب على اليسار "تعلُّم دروسه" من فوز الديمقراطيين لن تكفي على الأرجح، وكما يقول شاي أغمون الباحث في مركز "مولاد لتجديد الديمقراطية الإسرائيلية" فإنْ لم يتخلَّ معتدلو اليسار الإسرائيلي عن مبادئهم بحلول الانتخابات المقبلة كما لو أن ذلك شرط سابق، و"إنْ أدرك الراديكاليون في اليسار أيضا أن السباق نحو السلطة ليس عسكرة خطرة لها وإنما وسيلة مهمة لتطبيق مبادئنا المشتركة؛ إن حدث ذلك فربما سنصير قادرين على إحياء معسكر اليسار المُنهك بشدة".