شعار قسم ميدان

آبي أحمد في السودان.. هل تقف الإمارات وراء الوساطة الإثيوبية؟

ميدان - آبي أحمد والبرهان
اضغط للاستماع

  

زيارة تبدو طبيعيةً للوهلة الأولى بين جارين أفريقيين تجمعهما الكثير من المصالح المتبادلة، آبي أحمد، رئيس الوزراء الأثيوبي، يَحضُر للسودان(1). إلا أن توقيت هذه الزيارة تحديدا، لم يكن اعتياديا بحال، وهي الزيارة التي جاءت عقب الفض الدموي لاعتصام الثوار السودانيين في القيادة العامة، وهو الحدث الذي خلّف أكثر من 100 قتيل ومئات الجرحى، ومثّل ضربة قوية لمسار الثورة السودانية برمّتها وانقلابا كما رأت قوى الحرية والتغيير على مسار المفاوضات الماراثونية التي سعت لتحديد ملامح المرحلة الانتقالية.

   

جاءت زيارة آبي أحمد مرتديةً ثوب الوسيط الساعي لنزع فتيل الأزمة التي تبدّى انسداد أفق الحل فيها، وليطرح رئيس الوزراء الأثيوبي في جعبته مقترحات وضعها أمام المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، ليوافق الأول على استئناف التفاوض، في حين حددت المعارضة شروطا للاستئناف. ولتَتبع تلك الزيارة تفاصيل كشفها مبعوث رئيس الوزراء الأثيوبي للسودان محمود دريد (2)، وهو الوسيط المكلف لتسوية الأزمة الناشبة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، حيث أعلن قرب استئناف المفاوضات من حيث توقفت. وهو الإعلان الذي بدا مناقضا من حيث ظاهره للبيان "الغاضب" الذي أعلنه رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان عقب فض الاعتصام الذي أعلن عبره وقف التفاوض.

   

وساطة حقيقة أم إطفاء حرائق؟

    

في سياق الوساطة الأثيوبية، يذكر الدكتور أحمد محجوب الفحل، الأستاذ بجامعة جوبا، أن عقد الوسيط الإثيوبي لمؤتمره الصحفي نجح -حتى الآن- في حل أعظم عقدة للوضع المحتقن بين "الفرقاء السودانيين"، وذلك بالتمهيد للعودة للمفاوضات، ويضيف الفحل أن الوسيط الإثيوبي تعمّد حتما نشر ما عنده للرأي العام لتهيئة الأجواء حول استئناف التفاوض، لأن الوضع الطبيعي -بحسب ما يقول الفحل- أن يُعلن استئناف التفاوض، ثم يحدد المتفاوضون نقطة البداية، لكن فيما يبدو فإن رسائل الأثيوبيين فيها إشارات واضحة للجانبين بأن نقطة الانطلاق عليها أن تبدأ من حيث توقف الحوار، عوضا عن الارتداد عن المكتسبات السابقة.

   

إلا أن نظرة "الفحل" التي تبدو إيجابية تجاه الوساطة الأثيوبية؛ يخالفها تحليل المختص في الشؤون الأفريقية المحلل والصحفي محمد حامد نوار، والذي يُصر في حديثه لـ "ميدان"، أن المبادرة الإثيوبية يمكن وصفها باعتبارها مُقتصرةً على كونها أشبه بعملية علاقات عامة دون تقديم تصورات واضحة ومحددة، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي عاد إلى بلاده دون الكشف عن نقاط أو مقترحات محددة منه، تاركا مبعوثه السفير محمود دريد بالخرطوم، ويضيف نوار لـ "ميدان" أن المبادرة لا تعدو أن تكون مخرج طوارئ لجهات ترغب في تقريب الشقة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وقبل رغبة الوساطة الأثيوبية في وضع آليات فعالة،  فإنها تبحث في حقيقتها عن آلية لرفع الحرج عن مواقف كل الأطراف، والمجلس العسكري تحديدا، عبر استئناف التفاوض.

   

كما يبيّن نوار لـ "ميدان" أن قوى الحرية والتغيير صارت عقب عملية فض الاعتصام، تحت ضغط الأنفاس الثائرة من الغاضبين، مما يعني أن عودتها مباشرة عبر طلب منها، قد يسبب لها أزمة كبيرة، وهو ما يعني أن الوساطة الإثيوبية يمكنها أن تلعب دَور جسر العبور لعودة المفاوضات دون أن تكون هناك تبعات مُكلفة.

       

  

وبالمقابل، فإن ورقة الوساطة بالنسبة للمجلس العسكري، قد تُمثّل المنشفة التي يُمسح بها عرق الحرج بشأن التراجع عن قرار وقف التفاوض، وإلغاء الاتفاق السابق. وعليه، يرى نوار أن الوساطة الإثيوبية جرى تطويرها من مجرد نشاط علاقات عامة لتكون رجل إنقاذ مطلوب منه أن يُطفئ النار، وأن يعيد ترتيب المشهد بشكل متفق عليه، ويكمل نوار حديثه ل"ميدان" بالقول إن هذه التطورات قد تعيد رئيس الوزراء الإثيوبي للخرطوم إن لم يتم التراجع عما كشفه الوسيط الإثيوبي من تفاهمات، مشيرا إلى أن استئناف التفاوض سيكون مهرجانا لتسويق الرئيس الإثيوبي الشاب باعتباره المنقذ من الأزمات الأفريقية.

   

ابحث عن الإمارات!

في مسرح الربيع العربي، يكتظ المشهد باللاعبين. وليست السودان سوى إحدى هذه المسارح التي تكتظ بالعناصر بحسب وصف عضو الحركة الشعبية القيادة العامة كوكو بحر عبد السلام لـ "ميدان"، إن هذا المسرح تؤدي فيه العناصر دورا مستمدا من سيناريو مكتوب ومحددة فيه المشاهد، ويضيف كوكو أن بعض القوى السياسية السودانية لا تقل ارتباطا وطاعة للمحاور الخارجية عن المجلس العسكري، مشيرا إلى أن قوىً بعينها، لها ارتباطات وثيقة بحلف الإمارات والسعودية، وأن تلك الدول تعدّ بعض هؤلاء ليكونوا مكوّنا مدنيا مساندا للمجلس العسكري لخلافة الإسلاميين.

   

ويشير كوكو لـ "ميدان" إلى أن رغبة التقارب بين المجلس العسكري وبعض القوى المحسوبة على المعارضة، ربما يكون دافعا لأبوظبي والرياض للتحرك بشكل مستتر عبر الوساطة الإثيوبية، وإنعاشها وتوظيفها لتكون الرافعة الأساسية لحلحلة خلافات الطرفين، وتوقع كوكو انخفاض التصعيد الإعلامي من قوى الحرية تجاه المجلس العسكري، وتحديدا قوات الدعم السريع وقائدها الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن الوسيط الإثيوبي تحدث عن بعض نقاط ما عالجته المبادرة، والمتمثلة في وقف التصعيد الإعلامي المتبادل.

     

الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي)  (وكالة الأنباء الأوروبية)
الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي)  (وكالة الأنباء الأوروبية)

     

اليوناميد.. معركة في الأفق

ليس ببعيد عن ذات السياق، يوضح الدكتور إيهاب عز الدين الباحث بمركز الدراسات الدبلوماسية بالخرطوم في مقابلته مع "ميدان" أن الأنشطة الإثيوبية وبعض الأذرع العربية في الأزمة السياسية السودانية تؤثر سلبا وإيجابا، فهي تأتي ضمن ما أسماه "تشبيكا" خاصا عبر ترسيم حدود الملعب عقب مغادرة البشير، بما يحقق مصالح كل طرف بشكل منفرد أو بالاتفاق الجماعي بين بعض الدول.

   

وعبر هذه الزاوية تحديدا، يمكن فهم الأرضية التي استندت عليها تصريحات الخارجية الأميركية عقب إعلانها بأن مساعد وزير الخارجية الأميركي تيبور ناغي سيزور السودان في ظل مساعيه لوقف الهجمات ضد المدنيين، وحث الأطراف على العمل من أجل خلق بيئة مناسبة للحوار بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي.

     undefined

  

ويوضح الأمين لـ"ميدان"، أن من أهم محطات زيارة ناغي ستكون إثيوبيا إلى جانب جنوب أفريقيا، لكن الأمين يبين أن الوضع بين المجلس العسكري الانتقالي والأمم المتحدة هو الذي سيشهد ربما تصاعدا في وتيرة الأزمة والتي قد تصل لمواجهة حادّة، وذلك على الرغم من تفاخر المجلس العسكري بوجود حلفاء داعمين مؤثرين في المحيط العربي والأفريقي.

   

ويبين الأمين أن أوضح تلك الأمثلة ستكون جليّة في أزمة المجلس العسكري مع اليوناميد (بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور)، وهي التي تأسست عام 31 يوليو/تموز 2007 بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1769 (2007)، والتي تمثلت مهمتها الأساسية في حماية المدنيين، بالإضافة إلى توليها مهمة المساهمة في تأمين المساعدات الإنسانية، ومراقبة وتأكيد تفعيل الاتفاقيات، ومساعدة العملية السياسية المُتَضَمّنَة، وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، ومراقبة وإعطاء التقارير عن الوضع على طول الحدود بين تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.

     

ويضيف الأمين لـ "ميدان" أن واحدا مما اعتبره نظام الرئيس البشير انتصارا دبلوماسيا كان يتمثّل في قرار صدر 29 يونيو/حزيران 2017 برقم 2363 (2017) بواسطة مجلس الأمن الذي بالإضافة إلى تجديد تفويض البعثة، فقد قرر تخفيض قوات الشرطة والجنود خلال السنة التالية على مرحلتين، مع المراقبة الدقيقة للوضع على الأرض وهو ما كان يمضي تجاه سحب تلقائي للبعثة، إلا أن سقوط النظام السابق ثم صدور قرار من رئيس المجلس العسكري بتسليم مقار البعثة لقوات الدعم السريع، أثار موجة انتقادات حقوقية تصاعدت بعد تزايد الانتقادات لسلوكيات قوات الدعم السريع أثناء انتشارها بالخرطوم بعد عمليات فض الاعتصام بالقيادة العامة، حيث طالبت هيئات حقوقية ودولية بالتحقيق في إمكانية ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية وقتلها مدنيين، فيما انتقدت الأمم المتحدة قرار المجلس العسكري تسليم منشآت "اليوناميد" إلى قوات الدعم السريع بقولها إنه مخالف لاتفاق الأمم المتحدة والخرطوم.

    

  

الأمر الذي دفع هيومن رايتس ووتش لمطالبة مجلس الأمن بوقف انسحاب بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام من دارفور بسبب عدم الاستقرار السياسي في السودان وانعدام الأمن المستمر للمدنيين. وقالت المنظمة إن قوات الدعم السريع تحتل الآن 9 من 10 مواقع أَخلتها قوات اليوناميد.

   

يبدو جليا إذا، أن الكثير من تفاعلات المشهد السوداني ترتهن بقوى خارجية ستؤثر ولا شك على مسار الحراك السوداني والمطالب التي خرجت الثورة لأجلها، وأن ما يظهر في قشرته الخارجية باعتباره سعيا لحلحلة الأوضاع ودفعها للاستقرار، قد يمثّل العامل الرئيس في وأد الثورة وتوزيع ترِكتها على أصحاب المصالح، وهو المشهد الذي يبدو تجسيدا لحصان طروادة في قلب السودان.

المصدر : الجزيرة