الطائرات المسيّرة.. ماذا تعرف عن سلاح الحرب المفضل لدى الجنرالات؟
يشير اصطلاح "طائرة دون طيار"، إلى الطائرة، التي يجري التحكم فيها من بعد، وأحيانًا يكون التحكم ذاتيًّا. وقد واجه هذا الاصطلاح الكثير من النقد؛ لأن الطائرة تقاد من بعد عبر طيار أرضي، وهو من يتكفل بمنع وقوعها. لذلك يُستصوب الأخذ باصطلاح "الطائرة غير المأهولة" أو "أنظمة الطائرات غير المأهولة". كذلك يعمد البعض إلى تداول الاسم "درونز"، وفقًا لمصدره في اللغة الإنجليزية Drones))، المأخوذ من اسم ذكر النحل؛ حيث برز ذلك خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945، عندما مُيِّزت هذه الطائرات بأشرطة سوداء وضعت على طول ذيل كل منها، لتبدو كذكر النحل.
تُصنَّف الطائرات دون طيار من حيث الشكل إلى ثلاثة أشكال:
– ذات أجنحة ثابتة (Fixed Wings).
– على شكل طائرة مروحيةRemotely Piloted Helicopter) ).
– على أشكال خداعية (Decoys).
وقد ظهرت أول طائرة دون طيار، في إنجلترا عام 1917، ثم طُورت عام 1924(4). ومنذ الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة، وألمانيا، والمملكة المتحدة، أولى الدول استخدامًا لها في جيوشها، ثم لحق بها الاتحاد السوفيتي في ثلاثينات القرن الماضي. وقد أتاحت الحرب العالمية الثانية 1939-1945، والحرب الكورية 1950-1953، المجال لاستخدامها من قبل الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية، وكصواريخ موجهة، وفي التصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين، وكانت الواحدة منها تُستخدم في كل غرض من تلك الأغراض مرة واحدة؛ لذلك أنتجت منها نحو 15000 طائرة عبر مصنع يقع جنوبي كاليفورنيا. أما دورها في المجال الاستخباري فقد برز بعد حرب فيتنام 1955-1975، كما ارتبط ذكرها بالاستخدام في الهجوم على كوسوفا، عام 1999، حينما زُوِّدت آنذاك لأول مرة بالصواريخ.
ونتيجة للتطور المستمر في صناعتها، والطلب المتزايد على اقتنائها، يُتوقع أن يقترب الإنفاق العالمي عليها من 100 مليار دولار مع نهاية العام الجاري 2019، خاصة مع تطلع كثير من الدول إلى تطويرها لإحلالها محل الطائرات الحربية المأهولة من المقاتلات والقاذفات بما في ذلك القاذفات النووية، ومن الدول الساعية في هذا المجال الولايات المتحدة وإسرائيل بوصفهما المنتجين الرئيسين عالميًّا للطائرات دون طيار؛ حيث تهيمنان على سوقها وتتحكمان في مفتاحه، خاصة إسرائيل التي تعتبر المُصدِّر الرئيس لها.
يجري التحكم بإقلاع وهبوط بعض الطائرات دون طيار التي تطير لمسافات قريبة بواسطة أدوات تحكم مختلفة، وعبر موجات الراديو، بحيث تعمل هذه الأدوات على الاتصال بالطائرات وتسهيل قيادتها. أما الطائرات دون طيار التي تطير مبتعدة عن محطات التوجيه الأرضية بمئات الكيلومترات فلا إمكانية للتحكم بها عبر موجات الراديو، بل بواسطة الأقمار الصناعية التي تضمن استدامة الاتصال اللاسلكي معها. وعادة ما تُحدَّد لها نقاط مسارها لتقوم بتوجيه نفسها ذاتيًّا بواسطة نظامها الآلي وبناء على إحداثيات محددة سلفًا. وقد مكَّن النظام العالمي لتحديد الموقع Global Positioning System (GPS) ، من تسهيل تحديد مكان الانطلاق للعودة إليه تلقائيًّا إذا تطلب الأمر ذلك.
وتعمل أجهزة الاستشعار التي تُزوَّد بها الطائرة مثل: الكاميرات الضوئية العادية، وتلك التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والرادار.. على كشف التحديات التي تواجهها ليقوم نظام الطيران الآلي بإرسال كافة المعلومات إلى الطيار الأرضي فيعمل نظام تفادي الصدماتTCAS) ) Traffic Collision Avoidance System على تجنب وقوع التصادم عن طريق نظام الطيار الآلي، وليس الطيار الأرضي؛ لأنه لا يمكن الوثوق كليًّا بنظام الاتصال اللاسلكي القائم بين الطائرة والطيار الأرضي.
ومع ما وصل إليه التطور في مجال الطائرات دون طيار، إلا أنها لا تزال تواجه مشكلات فنية وتقنية مختلفة، تسببت لها في الكثير من الحوادث. فقد كشفت تقارير صاردة عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) عام 2010، عن تحطم ثمان وثلاثين طائرة دون طيار، من طراز"Predator" وReaper" "، خلال عمليات الجيش الأميركي، في كل من أفغانستان والعراق، وتسع طائرات أخرى، أثناء عمليات التدريب داخل الولايات المتحدة. وتُعزى أسباب هذه الحوادث ومثلها، إلى عدد من الأسباب، من بينها ما يلي:
– تعرض الطائرات للإسقاط، وارتكاب الأخطاء البشرية والتنفيذية، وتعذر تتبعها.
– عيوب في التصميم وأخطاء في التجهيز.
– عدم موثوقية المعلومات المتلقاة من العملاء المحليين في مناطق الاستهداف.
– سوء الأحوال الجوية، مثل: السحب، والأمطار.
والواقع أن خيارات مواجهة هذه التهديدات محدودة ومكلفة. فقياسًا على تطور وتوافر وسائل التصدي للطائرات الحربية المأهولة والصواريخ الباليستية فلا يزال التصدي للطائرات دون طيار -خاصة الصغيرة منها- يواجه صعابًا وتحديات مختلفة؛ حيث يتعذر كشفها أو رؤيتها بواسطة العين المجردة، كما أن رادارات الدفاع الجوي مصممة أساسًا للطائرات الكبيرة، علاوة على التكلفة الباهظة التي تتطلبها أنظمة التصدي للطائرات الحربية المأهولة والصواريخ الباليستية عند اللجوء الاضطراري إليها. فعلى سبيل المثال: فإن أنظمة باتريوت المصممة للتصدي للصواريخ الباليستية يُكَلِّفُ الواحد منها مليون دولار أميركي، فيما قد تبلغ قيمة الطائرة دون طيار نحو 500 دولار أميركي فقط. يضاف إلى ذلك، نواتج التصدي لهذه الطائرات على المناطق الحضرية، لاسيما إذا كانت الطائرات دون طيار مزودة بالمتفجرات.
وفي سياق التنافس الدولي في مجال صناعة وحيازة الطائرات دون طيار، فقد بلغ عدد الدول التي تستخدم هذه الطائرات، والدول التي تعمل على تطويرها، أكثر من أربعين دولة، يمكن الإشارة إلى بعض منها على النحو التالي:
1- الصين الشعبية
تمكنت الصين من صنع 25 نوعًا من الطائرات دون طيار، وقد كشفت عنها في عرض تجاري عام 2010، بعد أربعة أعوام من إعلانها عن تصنيع أول طائرتين من نوع "والتروداكتل"، و" الساوردراغون". ثم أعلنت عام 2018 عن البدء بتصنيع الطائرة دون طيار"CH-7″ المقرر إنتاجها عام 2022 بمواصفات تجعلها قادرة على التحليق إلى ارتفاع 13000 متر، وسرعة 571 ميلًا/الساعة، ويمكنها، بواسطة مخزون صاروخي، وقنابل بعيدة المدى، التعامل مع الأهداف الأرضية والبحرية.
2- جمهورية إيران الإسلامية
تعد إيران إحدى دول الشرق الأوسط التي تشهد صناعتها في مجال الطائرات دون طيار تطورًا كبيرًا؛ حيث أعلنت، خلال العقد الأول من القرن الحالي، عن إنتاج طائرة دون طيار لأغراض استطلاعية، أُسقطت واحدة منها في العراق عام 2009. وفي عام 2013، أعلنت عن تطوير أكبر طائرة استطلاعية-قتالية دون طيار، أطلقت عليها "فطرس"، بطول 7 أمتار، ومدى طيران يصل إلى 2000 كم. وهنالك من يعزو تطور القدرات الإيرانية في هذا المجال إلى استحواذها على طائرة تجسس أميركية دون طيار من طراز آر كيو 170 سينتينيل كانت قد أسقطتها أثناء اختراقها مجالها الجوي أواخر 2012؛ حيث تتمتع هذه الطائرة بتقنية بالغة السرية أنفقت عليها الولايات المتحدة ملايين الدولارات.
3- الجمهورية التركية
خلال هذا العقد، برزت تركيا بوصفها مصنِّعًا ومصدِّرًا منافسًا للطائرات دون طيار، مع إعلانها، مطلع هذا العام، عن تطوير الطائرة دون طيار "أقسونغور" المعروفة، سابقًا، بـالعنقاء-2، وذلك أثناء تجربة إطلاق وتحليق وهبوط ذاتي دامت 4 ساعات و20 دقيقة. وقد وفرت صناعتها الوطنية للجيش التركي ستين طائرة دون طيار استطلاعية-قتالية، لتصبح واحدة من ست دول في العالم، تصنع هذه الطائرات، ثم عُدَّت من الدول المصدرة لها، بعد أن أُعلن في فبراير/شباط 2019، عن إزماع شركة بيكار، تسليم ست طائرات دون طيار، من طراز بيرقدار "TB2" إلى قطر، بموجب عقد أُبرم معها عام 2018، والتحضير لتسليم صفقة أخرى إلى أوكرانيا لم يكشف عن حجمها.
4- الدول العربية
لا تزال صناعة الطائرات دون طيار في الدول العربية محدودة باستثناء الإمارات التي شرعت في ذلك منذ عام 2008 من خلال طائرات "يبهون يونايتد 40" وعدد من نظائرها. وبالمثل، فقد أنتجت الجزائر الطائرة دون طيار "أمل1- 400" عام 2013. وقامت السعودية بصناعة الطائرة دون طيار "لونا"، كنسخة مقلَّدة لطائرة ألمانية تحمل ذات الاسم. وفي مصر، أعلنت الهيئة العربية للتصنيع عام 2016، عن إنتاج طائرة دون طيار، من طراز ASN-209، بحيث تشمل المرحلة الأولى للإنتاج خمس طائرات، والمرحلة الثانية 21 طائرة، وتتمتع بقدرة على التحليق حتى 5 كم، وبسرعة تتراوح بين 120-140 كم/ساعة، ويمكنها تنفيذ أدوار مختلفة، مثل: الاستطلاع، وتحديد الأهداف، وتصحيح نيران المدفعية.
برز الدور القتالي الفاعل والمؤثر لهذه الطائرات في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 حينما استخدمها الجيش الإسرائيلي في إسقاط 28 طائرة حربية سورية، لكنه أخفق في استخدامها ضد الجانب المصري بفعل منظومة الدفاع الجوي التي عُرفت بـ "حائط الصواريخ" والتي كانت تمتلكها مصر آنذاك. وزاد هذا الدور وضوحًا، في حرب لبنان عام 1982؛ حيث تمكنت من تحييد الصواريخ السورية (أرض/جو) في سهل البقاع اللبناني، ولا تزال تلعب دورًا مهمًّا في عملياتها داخل أراضي السلطة الفلسطينية منذ من عام 2008.
ولقد مثَّل الدور البارز لطائرة بايونير Pioneer في حرب لبنان عام 1982، دافعًا قويًّا للولايات المتحدة، للقيام بشرائها ودمجها في إطار الآلة العسكرية الأميركية التي اشتركت في عملية "عاصفة الصحراء" أثناء تحرير الكويت من القوات العراقية عام 1991. فيما استطاعت طائرة بريداتور Predator (المفترسة)، وطائرة غلوبال هوك Global Hawk للمراقبة، والرافن Raven، التي تعد الأصغر والأقل تكلفة، أن تلعب أدوارًا حاسمة في العمليات، التي نفذتها الولايات المتحدة خارج أراضيها، خلال العقد الماضي والحالي من هذا القرن.
فمع تصدر الولايات المتحدة معركة الإرهاب في دول الشرق الأوسط، أضحت هاتان الطائرتان وغيرهما من الطائرات دون طيار، جزءًا لا يتجزأ من المعدات العسكرية الأميركية؛ إذ ارتفع عددها في الجيش الأميركي، خلال العقد الأول من هذا القرن، إلى أكثر من 7000 طائرة، بعد ما كان العدد قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، لا يتجاوز 200 طائرة. وبرزت أهمية دورها المتعدد والمتنوع المهمات، منذ أن شرع الجيش الأميركي في استخدامها، مزودةً بالسلاح، في كل من: أفغانستان عام 2001، والعراق واليمن عام 2002. واستخدامها من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) Central Intelligence Agency، في باكستان عام 2004.
قدمت تقنية الطائرات دون طيار، حلولًا لكثير من المخاطر والتكاليف البشرية والمادية ذات الصلة بالعمليات العسكرية، التي تقوم بها الجيوش في البر والبحر والجو، علاوة على ما وفرت من ميزات قتالية تتعلق بالحصول السهل، والوافر، والسريع، على المعلومات، بواسطة ما تحمله من مستشعرات، وكاميرات، يعمل، الكثير منها، بدقة متناهية، ويؤدي الغرض في الوقت المطلوب، وعلى ارتفاعات مختلفة قد تصل إلى 33000 قدم، مع قدرتها على تخزين حاجتها من الوقود، لما يكفي 40 ساعة من التحليق المستمر.
ومن أبرز الأمثلة على تأثير الطائرات دون طيار، في الاستراتيجيات العسكرية، اضطلاعها، يوميًّا، أثناء العمليات الموكلة إليها في أفغانسان عام 2010، بتوفير نحو خمسمئة ساعة من الصور والفيديوهات حول الأراضي الأفغانية. وقد بلغت هذه الصور والفيديوهات من الدقة؛ ما مكَّن محللي هذه المواد من التمييز بين المزارع العادية ومزارع الخشخاش الأفغاني. لقد أحدثت، بالفعل، فروقًا جوهرية، استراتيجية وتكتيكية، أمام ما تحققه الجيوش على الأرض، من حيث الرصد، والتعقب، والاستهداف في إطار مهمة واحدة، ولا أدل على ذلك من قيام الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها في الشرق الأوسط، بمواجهة التنظيمات الإرهابية، في كل من: اليمن، والعراق، وأفغانستان، من خلال الأدوار المسندة لهذه الطائرات.
ففي اليمن، مثلًا، أحدثت العمليات المُنَفَّذة بواسطة الطائرات الأميركية دون طيار، فجوة قيادية في صفوف "جماعة أنصار الشريعة"، التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، بقضائها على أبرز قادة هذه الجماعة، بين عامي 2012-2015، وذلك بأقل تكلفة بشرية ومادية. محققةً بذلك ما لم تحققه القوات اليمنية، وأحيانًا الأميركية، في العديد من المواجهات البرية، وعمليات الطائرات الحربية المأهولة. ولعل ما يعزز هذا المذهب، أن غارات الطائرات الأميركية دون طيار، التي نُفِّذت في اليمن، خلال سنتين من تولي الرئيس ترامب السلطة عام 2017، بلغت نحو 176 غارة، فيما كان مجموعها الكلي، خلال فترتي ولاية الرئيس أوباما، نحو 154 غارة.
أمَّا على صعيد التأثير في حجم القوات مثل نشاط الطائرات الأميركية دون طيار في العراق على سبيل المثال فقد أحرز استخدام الطائرات دون طيار تقدمًا كبيرًا ما كان دافعًا لانسحاب غالبية القوات البرية الأميركية عام 2011 وتم تعويض ذلك بمضاعفة نشاط تحليق الطائرات دون طيار باستمرار في المجال الجوي العراقي طوال السنوات التي تلت الانسحاب. ولا يختلف الأمر في العراق عن أفغانستان، التي نفذت فيها الطائرات الأميركية دون طيار، خلال عامي 2007-2009، نحو 476 غارة.
في ضوء ما سبق، يمكن إبراز الآثار الاستراتيجية والتكتيكية للطائرات دون طيار، في العمليات العسكرية، في سياق ما يلي:
1. إتاحة التقييم الحي والمباشر لنتائج العمليات القتالية التي تقوم بها الطائرات الحربية المأهولة في أية منطقة قتال أو تدريب أو تجمع لأي عناصر معادية، إرهابية أو نحوها، من خلال تتابع وصول الصور، وتسجيلات الفيديو المباشرة، إلى مراكز التحليل واتخاذ القرار.
2. تصفير الخسائر البشرية، وأحيانًا المادية، باضطلاع هذه الطائرات بدور الطائرات الحربية المأهولة التي قد يتعرض طواقمها للقتل أو الأسر، فضلًا عن الخسائر الناجمة عن سقوط الطائرة ذاتها.
3. تضييق فرص النجاة للهدف المرصود، خاصة عندما تدعم الطائرات دون طيار، الرصد والاستهداف في وقت واحد.
4. توفير نفقات التشغيل، بالمقارنة مع نفقات الطائرات الحربية المأهولة؛ حيث تتطلب عمليات التشغيل 50% من القوى العاملة في تشغيل الطائرات الحربية المأهولة، فضلًا عن توفير الجهد، والوقت، ورفع المعنويات لدى الطرف المستفيد، وعلى النقيض من ذلك لدى الطرف الآخر.
أ- في الصراع اليمني
في إطار الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015، تمكن الحوثيون (سلطة الأمر الواقع في أغلب المحافظات الشمالية اليمنية)، من إدخال الطائرات الصغيرة دون طيار، في منظومة تسليحهم، لتمثل أداة رئيسة من أدوات استراتيجيتهم العسكرية، ومعادِلًا للطائرات الحربية المأهولة، التي دمرتها مقاتلات التحالف العربي في اليوم الأول للحرب. حيث أعلنوا، في أوائل عام 2017، عن حيازتهم طائرة دون طيار "قاصف-1″، ثم أعلنوا في منتصف عام 2018، عن دخول الطائرة "صماد-1" الخدمة، وتخلل ذلك الإعلان عن تصنيع أنواع أخرى، مثل: راصد، وهدهد؛ لأغراض الاستطلاع، والمراقبة، والمسح، وذلك في إطار نشاط ما يطلقون عليه "سلاح الجو المُسيَّر"، الذي لم يكن له وجود في الهيكل التنظيمي السابق لوزارة الدفاع. وقد طالت هجمات هذه الطائرات أهدافًا سعودية تبعد عن الرياض 30 كم، مع قدرتها على حمل 18 كلغ من المتفجرات، متجاوزة في ذلك المدى الذي دأبت فيه على استهداف المدن الحدودية مثل نجران، وعسير، وجيزان.
وفي مارس/آذار 2019، أعلن الحوثيون عن امتلاكهم منظومات جديدة من الطائرات دون طيار، وأن بنك أهداف طائراتهم المسيرة دون طيار يضم أكثر من 300 هدف عسكري، سعودي وإماراتي ويمني. وتوكيدًا لذلك، فقد أغارت هذه الطائرات منذ مطلع مايو/أيار الجاري (2019)، على أهداف عسكرية ونفطية سعودية. ويوضح الجدول التالي نماذج لأبرز استهدافات الحوثيين بالطائرات دون طيار، في اليمن والسعودية والإمارات.
وعلاوة على الأثر المادي لهجمات طائرات الحوثيين دون طيار، الموضح في الجدول السابق، يمكن استنتاج تأثيرات أخرى، يحاول الحوثيون تحقيقها، على النحو التالي:
• الضغط على الجانب السعودي، لحمله على التخلي عن دعم السلطة الشرعية، أو على الأقل، فرض شروط تفاوضية ثنائية بمنأى عن هذه السلطة، تكون أساسًا لتسوية سياسية، تضمن بقاءهم كقوة أولى في البلاد.
• تعزيز موقف الحليف الإيراني، الذي يتعرض لتهديد عسكري أميركي تؤيده السعودية والإمارات.
• الظهور كقوة عنيدة يصعب التغلب عليها عسكريًّا، للتأثير في الموقف الإقليمي والدولي، وفرض الحل السياسي للأزمة وفقًا لوجهة نظرهم.
• رفع معنويات مقاتليهم، وكسب التأييد الشعبي، الذي يتآكل كلما طال أمد الحرب؛ بفعل سوء الظروف الاقتصادية.
ب – في النزاع الليبي
على صعيد الحرب الدائرة في ليبيا منذ عام 2014، فإن قوات الجنرال خليفة حفتر تستخدم الطائرات دون طيار ضد القوات المناوئة لها، لكن استخدامها يأتي كوسيلة دعم قتالية مكملة وليست أساسية ضمن وسائل القتال الجوي والدفاع الجوي الرئيسة، وتعتمد على تلك الطائرات بصورة رئيسة في القيام بعمليات الاستطلاع، والرصد، والمراقبة، والاستهداف. وتعد قاعدة الخديم الجوية، الواقعة بمنطقة المرج شرقي ليبيا، مركزًا لإدارة هجمات هذه الطائرات على مناطق من بنغازي، أما الطائرات دون طيار، التي تستهدف طرابلس، فإنها تُدَار من مهبط قريب منها، بما يتيح لها الوصول الآمن، والتحليق لفترة طويلة، في إطار مهمة الإسناد الموكلة إليها.
وتشير مواصفات الطائرات دون طيار، التي تستخدمها قوات حفتر، إلى أنها صينية الصنع، وتُطابق مواصفاتها نظائر لها مستخدَمة في جيوش كل من: مصر، والسعودية، والإمارات. وهي دول داعمة للجنرال حفتر، وتصنع مثل هذه الطائرات، كما سبقت الإشارة إلى ذلك سلفًا. على أن هنالك من يخشى من تحولها إلى تهديد للمدنيين، ومُحفِّزٍ للتصعيد العسكري، فضلًا عن كون دخولها البلاد، يمثل انتهاكًا لحظر توريد الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة، ولم تطبقه، منذ عام 2011، مما يستوجب فرض عقوبات على من يقف وراء ذلك.
لم تأخذ الطائرات دون طيار، في الصراع الدائر في ليبيا، بعدًا إقليميًّا لتصل إلى عمق دول مجاورة أو أخرى داعمة على ذات النمط الذي يستهدف به الحوثيون السعودية أو الإمارات، أيًّا كان الفاعل أو الداعم الحقيقي لهم. ولا مجال للتوقع بذلك؛ لأسباب كثيرة، جغرافية وأخرى تتعلق بطبيعة الصراع، وأطرافه المحليين والخارجيين.
اختصرت الطائرات دون طيار، متغيرات كثيرة في الحروب، مثل: التكلفة البشرية، والمادية، والزمان، والمكان، ومفهوم القوة. علاوة على أنها وفرت تسهيلات مختلفة لكل من تقع في قبضته هذه التقنية. لقد لعبت دورًا بارزًا ومتنوعًا في كثير من الحروب، وحفَّزت الدول على تصنيعها، أو الحصول عليها، وفي مقابل ذلك أثارت المخاوف من تملكها، لاسيما المتطور منها. ففي سياق الحروب الدائرة في المنطقة العربية، خاصة اليمن، استغلَّ الحوثيون ما تقدمه هذه الطائرات من ميزات عسكرية، فعملوا على جعلها بديلًا لما فقدوه من القوات الجوية، وحققوا بها نتائج أوجعت خصومهم، داخليًّا وخارجيًّا. وعلى نحو قريب من ذلك استخدامها في الحرب الليبية، لكنه استخدام محدود جغرافيًّا وتأثيرًا.
——————————————————————
هذا المقال مأخوذ عن مركز الجزيرة للدراسات.