شعار قسم ميدان

قوات الدعم السريع.. جنود حميدتي أم جنود الدولة؟

ميدان - حميدتي وقوات الدعم

بعد وصول الثوار لساحة الاعتصام بالقيادة العامة بالخرطوم والاحتماء بالقوات المسلحة السودانية، برزت قوى عسكرية أخرى ذات تأثير كبير في المشهد السوداني، والتي لعبت دوراً محورياً في ترجيح كفّة الثورة والإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير. كان على الرأس منها، قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، والتي كانت تعد سابقاً أحد أبرز دعائم النظام السابق، كما أنها حظيت برعاية خاصة ومباشرة من رئيس الجمهورية المعزول.

 

إلا أن نشأة قوات الدعم السريع، وتطورها وانتشارها، يثير العديد من الأسئلة حول طبيعة هذه القوات، والتي أصبحت عقب سقوط البشير، ركيزة أساسية في تشكيل مشهد ما بعد الثورة، حيث أصبح قائدها، محمد حمدان دقلو، نائبا لرئيس المجلس العسكري، وصاحب القوة التنفيذية الفاعلة في العاصمة الخرطوم، بالإضافة لارتباطاته الخارجية بالإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي.

   

النشأة والتطور

undefined

  

تاريخيا، عُرفت قوات الدعم السريع، التي كانت تُسمّى سابقا بقوات الجنجويد، باعتبارها قوات ذات طبيعة قتالية خاصة في المناطق الوعرة، واستطاعت تحقيق انتصارات بارزة على حاملي السلاح الذين قاتلوا النظام السابق، خاصة في مناطق دارفور وجبال النوبة، وعُرف عن أفرادها إجادة القتال في الجبال وإدارة حروب العصابات بامتياز، الأمر الذي مكّنها من وأد التمرد في دارفور بعد سنوات قليلة من تشكّله.

  

ولا يمكن فهم طبيعة قوة الدعم السريع، إلا بالنظر لتاريخ مأسستها، والتي كانت تشكّل قبل ذلك مجموعة مسحلة غير نظامية تُعرف بـ الجنجاويد"، وهي القوات سيئة السمعة التي اتُهمت سابقا بجرائم حرب نفذتها في عدد من المناطق السودانية، الأمر الذي اضطُرّ معه البشير لإعادة هيكلة تلك القوات ونزع صفة القبلية عنها، ومأسستها ضمن أجهزة الأمن تحت  مُسمّى قوات الدعم السريع في العام 2013م، وذلك بقوه قوامها سبعة آلاف مقاتل طبقاً لتصريحات سابقة لقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي.

   

تشكّلت النواة الأساسية لهذه المجموعة المسلحة من أبناء إقليم دارفور، والتي سُرعان ما  انضم إليها لاحقا مجموعة من أبناء الولايات الأخرى، وهي القوات ذاتها التي أسندت إليها مهام قتال الحركات المسلحة في إقليم دارفور الملتهب عام 2003م، حيث تمكنت قوات الدعم السريع في وقت وجيز من هزيمة الحركات التي تقاتل نظام الخرطوم، حيث انتصرت في معركة (البعاشيم) في العام 2014م ثم في المعركة التي دارت بمنطقة قوز دنقو  بجنوب دارفور في 2015م وكانت تلك المعركة بمثابة قاصمة الظهر لقوات العدل المساواة التي يقودها جبريل ابراهيم والتي مازالت تحمل السلاح حتى الآن، حيث تم إبادة الكثير من قواتها وأسر المئات في هذه المعركة.

 

 وبعد تلك المعارك الطويلة، أضحت قوات الدعم السريع أكثر شهرة وتأثيرا، وتستمد قوتها مباشرةً من الرئيس المعزول عمر البشير، الذي ظل يغض الطرف عمّا يتردد عن انتهاكات جنودها المستمرة، وتذمّر ضباط الجيش من قلة انضباط جنودها والتأثير السالب لهذه القوات على ميزان القوة واستقرار البلاد، ليكون غض الطرف ذلك أشبه بلعبة مقصودة من عمر البشير، والذي سار على توازنات دقيقة بين القوى المسلحة في الداخل السوداني، وليبرز نفسه كناظم لهذا الشتات المسلّح.

 

رغم عدم خبرتها فيما يتصل بإدارة الأحداث داخل المدينة، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة والتي أطاحت بالرئيس البشير، رسمت دورا جديدا لقوات الدعم السريع
رغم عدم خبرتها فيما يتصل بإدارة الأحداث داخل المدينة، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة والتي أطاحت بالرئيس البشير، رسمت دورا جديدا لقوات الدعم السريع
 

وفي هذا الصدد، توسعت مهام الدعم السريع مُحققةً انتشارا واسعا في كافة ولايات السودان، كما جرى إعادة تنظيمها عبر ثلاثة قطاعات رئيسية، أهمها قطاع الخرطوم في مناطق (طيبة – شمال الخرطوم)، (والخرطوم 2 بوسط العاصمة)، (وضاحية المنشية بالعاصمة الخرطوم). وتم تسليحها بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة من بينها مضادات للطائرات والمدافع، وخلال العاميين الماضيين تمكن الدعم السريع من تخريج سبع دفعات عسكرية، تضم الدفعة الواحدة نحو ألف جندي .

رصيد قوات الدعم السريع في وأد المعارضات الداخلية، جعل لها ثقلا أمنيا وعسكريا في الساحة السياسية السودانية وهو ما جعل العديد من القوى الداخلية والدولية تسعى لخطب ودها، ورغم عدم خبرة هذه القوات فيما يتصل بإدارة الأحداث داخل المدينة، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها السودان، وما تلاها من أحداث وتقلبات سياسية شهدتها العاصمة الخرطوم، والتي أطاحت بالرئيس البشير، رسمت دورا جديدا لقوات الدعم السريع، والتي سُرعان ما تمركزت، ومنذ اليوم الأول للاعتصام بالمواقع الإستراتيجية للدولة، ونجحت في تأمينها بامتياز دون استخدام عنفها المعهود في حسم الصراعات. فضلاً عن ذلك، رفضت قوات الدعم السريع المشاركة في فض الاعتصام بالقوة رغم التوجيهات الصادرة حينها من الرئيس المعزول عمر البشير، ليقرر قائدها، الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو حميدتي، الانحياز للشارع السوداني.

   

انحيازٌ دارت حوله الكثير من الشكوك في ظل ما يثار حول علاقات حميدتي بالسعودية والإمارات، حيث تعمل قواته جنبا إلى جنب في مناطق تواجد القوات الإماراتية داخل اليمن، وكما ذكرت مصادر لـ"ميدان" فإن جزءا كبيرا من تمويل قوات الدعم السريع يأتي مباشرة من المملكة السعودية، وهي القوات التي لم تتأثر بالمطلق من الناحية المالية في ظل الأزمات الاقتصادية التي طالت السودان في السابق نظرا للتمويل الثابت. كما أن حميدتي يشكل حليفا مثاليا لدول الاتحاد الأوربي، والتي تعمل قواته معها في مجال الحد من "الهجرة غير الشرعية" ومكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر.

  

التسلّح والانتشار

undefined

    

في 11 أبريل 2019، شكلّت لحظة إسقاط البشير نقطة تحول مفصلية في مسيرة قوات الدعم السريع، حيث أوكل إليها من قبل المجلس العسكري عددا من المهام الحساسة، أبرزها تأمين العاصمة السودانية الخرطوم، حيث قام قائدها الفريق أول حميدتي باستدعاء آلاف المقاتلين من عناصر الدعم السريع من المناطق الحدودية بغرض تأمين العاصمة، حيث نُشرت عشرات السيارات المدججة بالسلاح عند مداخل الأنفاق والجسور بالخرطوم، كما أُوكل إليها مهمة تأمين هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهي المهمة التي دائما ما كانت تحت إدارة الجيش السوداني. وبحسب مصادر عسكرية لـ "ميدان" – فضلت عدم ذكر اسمها-  أن قرار انتشار قوات الدعم السريع في العاصمة، كان قد أصدره الفريق أول عوض بن عوف بعد تخوفه من حدوث إنقسام في أواسط الجيش.

على ذات المستوى، نُشرت العشرات من سيارات الدعم السريع داخل القصر الجمهوري بالخرطوم، والذي أصبح أشبه بثكة عسكرية تقع تحت تصرف جنود الدعم السريع، كما تقوم قوات الدعم بتأمين القيادة العامة للقوات المسلحة، وذلك عبر نشرها لمئات من سياراتها وجنودها عند مداخل القيادة العامة، خاصة أمام أركان القوات الجوية والبحرية والبرية، بالإضافة إلى أنه تم رصد –بحسب مصادر ل"ميدان"- انتشار مكثف للدعم السريع داخل محيط القيادة العامة، وتضطّلع القوات في الوقت الحالي بتأمين المنشآت الحكومية والخاصة، كالوزارات والبنوك والمصارف الخاصة، فضلا عن تأمين مقار البعثات الدبلوماسية بشكل كامل. وهو ما يعد تغيّرا جذريا وغريبا لسكان العاصمة، نظرا للتغير الذي طال القوات الأمنية الرسمية في العاصمة السودانية، التي عادة ما اضطلعت بمهامها قوات الشرطة.

  

بعد سقوط الرئيس المعزول عمر البشير، اختير قائد قوات الدعم السريع
بعد سقوط الرئيس المعزول عمر البشير، اختير قائد قوات الدعم السريع "محمد حمدان دقلو حميدتي" نائباً لرئيس المجلس الانتقالي العسكري، ولتتم ترقيته لرتبة فريق أول
     

وطبقاً لمصادر لـ"ميدان"  فإن عدد أفراد الدعم السريع من ضبّاط وضبّاط صف، والذين يتمركزون أمام المناطق الحيوية والإستراتجية بالعاصمة السودانية الخرطوم، تتراوح أعدادهم بين (5 إلى 7) آلاف، وتعتبر الساحة الخضراء الواقعة شمال الخرطوم هي المقر الرئيسي لسيارات الدعم السريع، فضلاً عن وجود أكثر من مقر للدعم السريع في منطقتي الخرطوم 2 ومنطقة المنشية شرق الخرطوم، وبحسب المصادر فإن سيارات الدعم السريع المنتشرة بالخرطوم، تجاوزت ثلاثة آلاف سيارة من ذات الدفع الرباعي، ومُسلّحة تسليح قتالي من البنادق والكلاشنكوف وقاذف صاروخي آر بي جي٧ والهاون 60 – 70 والمدافع الرشاشة قرنوف والدوشكا.

 

ووفق مصادر عسكرية ل"ميدان"، فإن ثمة عددا من المعسكرات التي يتدرب بها عناصر الدعم السريع، وذلك بالقرب من العاصمة الخرطوم، أبرزها معسكر طيبة الحسناب في الشمال الشرقي للخرطوم، ومعسكر حطاب بالقرب من منطقة الجيلي التابعة لمحلية بحري بالعاصمة الخرطوم. وقد أصبحت هذه الأماكن الآن محطّة ارتكاز وإقامة لهذه القوات.
  

حميدتي والمشهد السياسي

بعد سقوط الرئيس المعزول عمر البشير، اختير قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي نائباً لرئيس المجلس الانتقالي العسكري، ولتتم ترقيته لرتبة فريق أول، بعدها قام حميدتي بنقل صلاحياته لنائبه، الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو حميدتي، وهو الشقيق الأكبر للقائد محمد حمدان حميدتي، وظل القائد الجديد يطَّلع بعدد من المهام أبرزها تأمين العاصمة الخرطوم، والتدخل السريع لفض الاشتباكات.

   

  

وعقب تأدية حميدتي لأداء القَسَم نائبا لرئيس المجلس العسكري، ارتفع حجم تحركات الرجل صاحب ال(43) عاما والذي أصبح أصغر جنرال يُرقّى إلى رتبة فريق أول في تاريخ الجيش السوداني، وما لبث أن تقدم صفوف جنرالات المجلس العسكري في مقابلات السفراء المقيمين ورؤساء البعثات الدبلوماسية بالخرطوم وضيوف المجلس العسكري من الخارج.

 

ورغم إعلان حميدتي تهوينه من شأن طموحه السياسي، فقد أكّد مبعوثون غربيون وشخصيات بالمعارضة السودانية لوكالة "رويترز" -شريطة عدم الكشف عن هوياتهم- أن حميدتي متعطش لمزيد من السلطة وأنه ساعد على الإطاحة بالبشير بعد 30 عاماً في السلطة لأنه يضع الرئاسة نُصب عينيه. كما أن سيطرته الواقعية على عدد من مفاصل الدولة، يشكل رصيدا إضافيا لطموح الرجل، ذو العلاقات الإقليمية والدولية الممتدة، والتي يظهر أنها –القوى الدولية- ستلعب دورا رئيسيا في تحديد مآل المشهد السياسي في ما بعد الثورة.

 

لكن، ورغم ما سبق، فإن الشارع السوداني يبقى مُصرّا على مدنية السُّلطة، وتمسكه بإزاحة العسكر عن إدراة الشأن السياسي، الأمر الذي يشكّل محور الخلاف القائم في المفاوضات الجارية بين قوى الحرية والتغيير وبين المجلس العسكري، وتحديد صلاحيات المجلس السيادي ورئاسة الوزراء. وهو الوضع السياسي الذي يقف حميدتي بالطبع في القلب منه.

المصدر : الجزيرة