رجال بن زايد اليمنيون.. هكذا خلقت الإمارات جيشها الخاص في اليمن
بعد زمن على تدخلها في اليمن، في إطار ما يسمى "التحالف العربي لدعم الشرعية"، انتهجت الإمارات استراتيجية واضحة المعالم، لتقليص نفوذ الرئيس، عبد ربه منصور هادي، والتضييق على حكومته، من خلال إيجاد سلطة موازية، مدعومة بقوات عسكرية وأمنية، تسيطر على مناطق واسعة من الجنوب، وتدير عملياتها فيها. وقد ازداد هذا النهج وضوحًا بعد إقالة الرئيس هادي، رئيس حكومته، الموالي للإمارات، خالد بحاح، في مارس/آذار عام 2016؛ حيث تضمن قرار الإقالة، الإشارة إلى عدم قيام تلك الحكومة بدمج فصائل المقاومة الجنوبية في وحدات الجيش والشرطة.
في ظل الجدل الدائر حول هذه القوات، والاستغلال الإماراتي لها، وتداعياتها القائمة والمتوقعة على أطراف التحالف؛ يدور النقاش والتحليل ذلك في سياق مجموعة من المحاور، التي تتضمنها هذه الورقة.
* الساحل الغربي
تنتشر في الجزء الجنوبي والأوسط من هذا الساحل، الوحدات والتشكيلات العسكرية التالية:
1- ألوية العمالقة
برزت ألوية العمالقة كقوة مؤثرة خلال ما عرف بمعركة "الرمح الذهبي"، التي انطلقت أوائل يناير/كانون الثاني 2017، مستهدفة تحرير الساحل الغربي اليمني المطل على البحر الأحمر، من قبضة الحوثيين. وقد وجدت فيها الإمارات ضالتها، للتقدم نحو ميناء الحديدة، الذي يعد أكبر موانئ اليمن على البحر الأحمر، معتمدة في ذلك على طبيعة المكون البشري لهذه القوات؛ حيث ينتمي أغلب المقاتلين إلى التيار السلفي، الذي يتبنى عداء عقديًّا تجاه الحوثيين، فضلًا عن الموقف المشترك مع الإمارات، تجاه حزب التجمع اليمني للإصلاح، الفاعل السياسي والعسكري الأبرز في السلطة الشرعية. وقد تشكلت، خلال تقدمها على الساحل، في خمسة ألوية عسكرية، يقودها أبو زرعة، عبد الرحمن صالح المحرمي اليافعي.
مثَّلت النواة الأولى لهذه القوات، مجموعة من مقاتلي فصائل وكتائب المقاومة الشعبية الجنوبية، التي خاضت معارك شرسة في مواجهة الحوثيين، في كل من: عدن، ولحج، والضالع، وأبين، وشبوة، خلال عامي 2015-2016، وإلى جانبهم مقاتلون من محافظات الشمال، ممن شاركوا في مواجهة الحوثيين في أحداث دمَّاج بين عامي 2013- 2014، وآخرون كشفوا عن أنفسهم في وسائل إعلامية مختلفة، بأنهم ممن انقطعوا عن الخدمة العسكرية؛ نتيجة لتداعيات حروب داخلية سابقة، أبرزها حرب صيف 1994.
بعد السيطرة على ميناء المخاء، أواسط عام 2017، ألحق بهذه الألوية 400 مقاتل. وعند بلوغها محيط مدينة الحديدة، كان عدد ألويتها قد بلغ 12 لواء، نتيجة لانضمام المقاومة التهامية إلى صفوفها، لكن هذا العدد من الألوية لا يعبِّر عن معيارية توافق المألوفَ في سائر الجيوش؛ حيث تفيد مصادر وقفت عليها هذه الورقة، بأن متوسط القوة الفعلية لهذه الألوية، يتراوح بين (600 -700) جندي.
تتمركز وحدات من ألوية العمالقة بما فيها المقاومة التهامية، في النسق الأول، الذي يحاصر مدينة الحديدة، وفي النسق الثاني، ضمن قطاعات الساحل، على البحر الأحمر، ابتداء من باب المندب حتى الحديدة، وفي ما وراء مدينة الخوخة، إلى حَيْس، وعلى جانب من الطريق الممتد بين مدينتي تعز والحديدة، بما فيها قاعدة (معسكر) خالد بن الوليد. ويتولى جانبًا من ذلك اللواء 20، بقيادة اللواء هيثم قاسم ، واللواء الثالث دعم وإسناد، بقيادة نبيل المشوشي، واللواء الخامس حماية رئاسية، بقيادة محمد البوكري، واللواء الثالث مشاة، بقيادة بسام محضار، علاوة على انتشار محدود في الساحل الجنوبي.
2- قوات حراس الجمهورية (قوات المقاومة الوطنية)
تعد قوات حراس الجمهورية صورة مستنسخة من قوات الحرس الجمهوري، التي شملتها عملية هيكلة القوات المسلحة، خلال عامي 2012-2013؛ حيث استقطب الكثير من منتسبي الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والأمن المركزي، ومدنيون آخرين من مختلف المناطق اليمنية، والتوجهات السياسية، عبر مراكز استقبال تقع في كل من: مأرب، وقعطبة، وعدن، والمخاء، والخوخة. وقد أُعلن عن استكمال تشكيلها في أبريل/نيسان 2018، بعد خضوع منتسبيها لبرامج تدريب مكثفة في معسكرات تدريب بمدينة عدن، وتحت إشراف ودعم إماراتي.
أُسندت قيادة هذه القوات إلى طارق محمد صالح، وانطلقت أولى عملياتها من مفرق المخاء، غربي تعز، وتمكنت من السيطرة على بعض المرتفعات المطلة على معسكر خالد، فيما دُفع بوحدات أخرى للحاق بقوات العمالقة والمقاومة التهامية المتقدمة نحو ميناء الحديدة. ومع انطلاق هذه العمليات وصفت وسائل الإعلام الإماراتية طارق صالح بـ"قائد المقاومة الوطنية" عوضًا عن توصيف "قائد ألوية حراس الجمهورية"، في خطوة تشي بنوايا الإمارات في فرضه كقائد على كافة القوات المنتشرة في الساحل الغربي.
يتراوح القوام الفعلي للقوات، التي يقودها طارق صالح بين 5000 -6000 جندي، فيما تقول بعض المصادر: إن العدد بلغ 10000 جندي. ومع اقتراب قوات العمالقة من المداخل الجنوبية والشرقية لمدينة الحديدة، نشرت وسائل إعلام مختلفة أن وحدات من حراس الجمهورية تشارك في النسق الأول للهجوم، في محيط كيلو 16، عند أحد مداخل مدينة الحديدة، فيما لا تزال كتائب أخرى تعمل ضمن قوات مختلفة في النسق الثاني، لتأمين المناطق المحررة من هجمات الحوثيين.
* القوات المتمركزة في المحافظات الجنوبية والشرقية
تتمثل هذه القوات في قوات الحزام الأمني، وقوات النخبة، المنتشرة في أغلب مراكز المحافظات الجنوبية والشرقية. وتصفها الحكومة الشرعية بالميليشيات، لعدم خضوعها لها؛ حيث يتقاسم ولاءها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تأسس في مايو/أيار 2017، بقيادة عيدروس الزبيدي، وقوى جنوبية أخرى ذات اتجاهات سياسية مختلفة، لكن هذا الولاء يدور في إطار إماراتي صرف، بوصفها المتكفل بأعباء هذه القوات من مرتبات، وتسليح، وإمداد، وتموين. ويتضح تفصيل ذلك فيما يلي:
1- قوات الحزام الأمني
تشكَّلت هذه القوات في مارس/آذار 2016، وتتبع، شكليًّا، وزارة الداخلية، لكنها، في الواقع، قوات تعمل بالوكالة لصالح الإمارات، التي تمدها بمختلف أشكال الدعم المادي والتأييد المعنوي، مما شجعها على العمل خارج أطر وهياكل المؤسسة العسكرية والأمنية الشرعية. وبحلول عام 2018، بلغ قوامها البشري 15000 جندي. وتفيد تقارير دولية بأن الاتفاقيات، التي أبرمها التحالف مع القاعدة، عبر وسطاء من قبائل شبوة، عام 2016، تضمنت بندًا ينص على "ضم 10000 شخص من القبائل، إلى قوات الحزام الأمني، بينهم 250 رجلًا من مقاتلي القاعدة".
تتكون قوات الحزام الأمني من فصائل المقاومة الشعبية، التي تصدت للحوثيين خلال عامي 2015-2016، واستُقطب إليها متطوعون جنوبيون؛ تحدَّر أغلبهم من محافظة الضالع، التي ينتمي إليها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي. وقد خضع أفرادها للتدريب على أيدي مدربين إماراتيين، وسودانيين، في مراكز تدريب داخلية، بقاعدة العند العسكرية بمحافظة لحج، وقاعدة صلاح الدين بعدن، وقواعد أخرى أنشأها التحالف في عدد من الجزر اليمنية، فيما دُرِّبت الدفعات الأولى في القاعدة العسكرية الإماراتية بمدينة عصب الإريترية، وعُززت قدراتها المادية بترسانة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وإمكانيات جيدة في جانب المدرعات القتالية، وعربات النقل، وسيارات الدفع الرباعي، وتقنيات الاتصال، والأجهزة الرادارية.
تنتشر قوات الحزام الأمني في عدن، ولحج، والضالع، وأبين، ضمن تشكيلات مستقلة، فعلى سبيل المثال، تتمركز قيادة اللواء الأول دعم وإسناد بمنطقة الجلاء، بعدن، وتنتشر قواته في مناطق مختلفة من المدينة، ويرابط لواء الـ 20 دعم وإسناد، بقيادة اللواء هيثم قاسم، بمدينة المخاء الساحلية التابعة لمحافظة تعز الشمالية.
2- قوات النخبة
أُطلق هذا التوصيف على القوات، التي قامت الإمارات بتشكيلها، وتمويلها، ونشرتها في محافظة حضرموت (الساحل) أثناء السيطرة على مدينة المكلا، وبعد خروج جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة، في أبريل/نيسان 2016، وعلى قوات مماثلة تنتشر في محافظة شبوة، منذ عام 2017. وتتضح ماهية هذه القوات فيما يلي:
* النخبة الحضرمية
تتنوع قوات النخبة الحضرمية بين قوات أمنية وقوات مسلحة، شُكل أغلبها في ألوية قائمة بذاتها، وبأسماء مختلفة، وألحقت بقيادة المنطقة العسكرية الثانية، التي تتمركز بمدينة المكلا، وهذه الألوية هي: لواء شبام، ولواء الأحقاف، ولواء الريان، ولواء بارشيد. وتتمركز جميعها في مدن ساحل حضرموت، وتخضع قياديًّا لمحافظ حضرموت، اللواء فرج البحسني، بوصفه، كذلك، قائد المنطقة العسكرية الثانية، إلا أن الرجل يواجه تحديات في ذلك؛ بفعل تغول القيادة الإماراتية، عبر مندوبها المقيم بمطار الريان، بالقرب من المكلا.
يعد لواء بارشيد حالة خاصة بين الألوية المشار إليها؛ حيث يندر وجود أبناء حضرموت ضمن قوامه؛ فالأكثرية الساحقة فيه من أبناء محافظة الضالع، وتتمركز وحداته في ما وراء المدخل الغربي لمدينة المكلا، على الطريق المؤدية إلى بلحاف بشبوة؛ ليبدو الأمر كخطوة استباقية من المجلس الانتقالي الجنوبي، للاقتراب أكثر من المكلا، ضمن استراتيجية يتبناها المجلس للسيطرة على السلطة في الجنوب. وقد أشرف على ذلك، اللواء هيثم قاسم، أثناء رئاسة خالد بحاح للحكومة عام 2016.
* النخبة الشبوانية
تعد قوات النخبة الشيوانية أكثر قوات النخبة ولاء للإمارات، مع ما يربطها من علاقة وثيقة بالمجلس الانتقالي الجنوبي. ويتشكل قوامها البشري من أغلب مديريات محافظة شبوة، فيما تظل مديريات أخرى خارج هذا التشكيل، ومثال ذلك: المناطق الخاضعة، كليًّا، لأجهزة السلطة الشرعية، مثل: مديرية بيحان. ويعبر هذا الانتقاء عن أهمية مناطق انتماء مجندي النخبة، ونشاطها فيها، لما تحويه من مصادر للطاقة، وخطوط نقلها، والشريط الساحلي، والشركات النفطية، ومشروع بلحاف للغاز، والموانئ، والمطارات، والطرق الرابطة بين حضرموت وأبين وعدن.
رغم وقوع مناطق انتشار قوات نخبة شبوة في مسرح عمليات المنطقة العسكرية الثالثة، التي تقع قيادتها بمدينة مأرب، إلا أنها تتلقى تعليماتها من المندوب الإماراتي المقيم بمنطقة بلحاف؛ بحكم ما توفره لها الإمارات من اعتمادات مختلفة، كشأن قوات الحزام الأمني، وتحكمها بمرتبات هذه القوات، وذلك بمعزل عن قيادة وزارة الدفاع اليمنية.
حتى مطلع عام 2018، بلغ قوامها البشري حوالي 6000 جندي، علمًا بأنه ألحق بها حوالي 150 فردًا، سبق أن التحقوا بجماعة أنصار الشريعة (القاعدة)، بعد إخضاعهم لعدد من برنامج الاستتابة والتأهيل، وذلك بناء على اتفاقيات سعت فيه زعامات قبلية، وبرعاية من التحالف.
(توزيع نوعي وجغرافي للقوات اليمنية الخاضعة للإمارات في اليمن)
ترتكز استراتيجية القوات التابعة للإمارات على محددين رئيسين، هما: تحقيق أهداف التدخل الإماراتي، وتنفيذ أهداف المراجع السياسية لهذه القوات. ولا معنى، في الوقت الراهن، لأي محددات أخرى لهذه القوات ومراجعها؛ لأن خياراتها محدودة، وقراراتها مقيدة إماراتيًّا. ويتمثل الإطار العام لهذه الاستراتيجية في إضعاف قيادة السلطة الشرعية في المناطق المحررة، وخلق انطباع سلبي، داخليًّا وخارجيًّا، إزاء قدرتها على تحمل مسؤوليتها، ومن ثم إزاحتها من المشهد تحت أي ظرف. وتعتمد هذه الاستراتيجية على السياسات التالية:
– إحباط أية محاولة لعودة الرئيس هادي إلى عدن، واستقراره فيها.
– السيطرة على الشريط الساحلي مع موانئه، ومطاراته، ومنشآته النفطية والغازية.
– التحكم في مناطق إنتاج النفط، والمنافذ البرية الداخلية والخارجية.
– مصادرة وظائف أجهزة الدولة الرسمية، وإفشال أية محاولة لترسيخ وجودها.
– احتكار أدوات القوة، عسكريًّا وأمنيًّا، وبناء قدراتها، وتعزيز تدريبها.
– قمع قوى المعارضة السياسية، وإفراغ الساحة الجنوبية منها.
تبرز آثار هذه السياسات في المشهد القائم في مناطق انتشار هذه القوات؛ فعودة الرئيس هادي محاطة بالمخاطر، وتسيطر هذه القوات على أجزاء واسعة من الساحل الجنوبي والغربي، ومناطق النفط والغاز، والقيام بوظائف الأجهزة الحكومية الرسمية، وإيلاء ملف الإرهاب اهتمامًا خاصًّا، بوصفه جسرًا لبلوغ رضا واطمئنان القوى الدولية المؤثرة. التي تعد، كذلك، خطوة محسوبة على طريق تحقيق مطالبها بالانفصال. ليس ذلك فحسب، بل ثمة تزايد في قدرات هذه القوات، وتوسع انتشارها، ورفض بعض قادتها الاعتراف بشرعية الرئيس هادي، كما في قوات النخبة، وقوات الحزام الأمني، وقوات حراس الجمهورية.
بالنظر إلى هذه السياسات ونتائجها، تتكشف أبعاد الاستراتيجية الإماراتية للتدخل في اليمن، التي يمكن وصفها بــ "استراتيجية الهيمنة"، وتبرز مع هذه الاستراتيجية طموحات قادة التشكيلات العسكرية والقوى السياسية، التي تعتمد عليها في السيطرة والانتفاع من المناطق الاستراتيجية، ومنها: الموانئ، والجزر، خاصة ميون (بريم) الواقعة عند باب المندب، وكذلك جزيرة سقطرى، التي تقدم، من وجهة نظر البعض، ميزة التحكم في الممرات الملاحية الرابطة بين المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، وإمكانية اضطلاعها بدور مؤثِّر في أي حرب قد تندلع بين إيران الولايات المتحدة الأميركية.
فمثلما تحقق لها أكثر من موطئ قدم في بعض دول القرن الإفريقي الغارقة في الصراعات المسلحة، والأزمات السياسية والاقتصادية، أرادت أن يكون لها مثل ذلك في اليمن، وقد وجدت من يحققه، وفقًا لمشتركات مقبولة، نسبيًّا، تتقاسمها مع شبكة من حلفاء محليين ودوليين؛ ومن أبرز هذه المشتركات "وأد التوسع الإيراني، وقمع تيارات الإسلام السياسي".
أما أهدافها الحقيقية، العسكرية والسياسية، فلم تفصح عنها، لكن كل طرف يدرك ما يريده الآخر؛ فالمجلس الانتقالي الجنوبي يبحث عن انفصال الجنوب، وحلفاء الشمال من أنصار الرئيس السابق، علي صالح، يتطلعون إلى العودة إلى الحكم، ومنهم من يقاتل لدحر الحوثيين وإزاحتهم عن السلطة بدافع عقدي (السلفيون).
خاضت قوات الحزام الأمني بعدن، الكثير من المواجهات مع قوات الحماية الرئاسية، وتمارس أشكالًا من التضييق على السلطة الشرعية، في إطار تمكين الوجود الإماراتي، الذي مثَّل الرئيس هادي حجرة عثرة أمامه. ولعل ما يؤكد ذلك، موقف الإمارات من أحداث فبراير/شباط 2017؛ حيث شاركت مقاتلاتها في ضرب قوات الحماية الرئاسية، إثر سيطرتها على مطار عدن، من قبضة قوات الحزام الأمني، التي منعت طائرة الرئيس هادي من الهبوط فيه، واضطرته للتوجه إلى جزيرة سقطرى.
من المؤكد أن هذه الأحداث لم تكن لتحدث أو تتكرر، إلا في ظل عين الرضا، التي تبديها الإمارات، بوصفها الحاكم الحقيقي لعدن، أو "الاحتلال غير المعلن"، حسب توصيف وزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، أثناء لقاء متلفز مع قناة بي بي إس الأميركية، في مايو/أيار 2018. وعلى نحو موجز يمكن إيراد بعض الوقائع العدائية، التي مارستها هذه بعض التشكيلات تجاه خصومها، وذلك فيما يلي:
– الاشتباك مع أفراد من الحماية الرئاسية، للسيطرة على منطقة العريش، على الطريق بين عدن وأبين، في سبتمبر/أيلول 2017.
– قيام قوات الحزام الأمني بمنع موكب رئيس الحكومة، أحمد بن دغر، من الوصول إلى الكلية العسكرية، للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967.
– قيام قوات النخبة الشبوانية، بمنع موكب وزير النقل، صالح الجبواني، من الوصول إلى ميناء قنا، في 25 فبراير/شباط 2018.
على صعيد المناوئين السياسيين وأنصارهم من المدنيين، يمكن النظر إلى إحراق مقر حزب التجمع اليمني للإصلاح بعدن، أحد أشكال الأنشطة الموجهة نحو واحد من الخصوم السياسيين للإماراتيين وللمجلس الانتقالي الجنوبي، ضمن حالات كثيرة تعرض لها أعضاؤه البارزون من أبناء المحافظات الجنوبية، وفي عدن خصوصًا، التي لا يُخفي من تبقى فيها من أعضاء الحزب "أنهم مستهدفون من قبل الأجهزة الأمنية المتحالفة مع الإمارات".
لعل ما يعزز هذا الشعور، الانتهاكات التي مارستها هذه القوات وقوات النخبة، تجاه مناوئي الوجود الإماراتي، التي تنوعت بين الاعتقال، والإخفاء القسري، والتعذيب، والتصفية الجسدية، وتورط القوات الإماراتية في ذلك؛ حيث تخضع هذه السجون والمعتقلات لحراستها، بينما تخضع إدارتها والإشراف عليها لقادة إماراتيين لا يفصحون عن أسمائهم، ويقيمون في مراكز قيادة تقع في محيط بعض المعتقلات، كما في مطار الريان بحضرموت، وميناء بلحاف بشبوة، والبريقة وبير أحمد بعدن.
في ظل توافق جميع الفرقاء على محاربة الإرهاب، استغلت قوات النخبة، وقوات الحزام الأمني، ذلك استغلالًا سافرًا، للنيل من الخصوم السياسيين وأنصارهم، وإخضاع بعض المناطق الرافضة للمجلس الانتقالي. وقد برهن على ذلك ما شهدته منطقة مرخة العليا، أوائل يناير/كانون الثاني 2019؛ حيث احتدم القتال بين قوات من النخبة الشبوانية، وقبائل المنطقة، ما أودى بحياة 21 جنديًّا، و8 أفراد من القبائل.
يشكِّل وجود القوات المدعومة إماراتيًّا، تهديدًا للعلاقة التحالفية بين السعودية والإمارات؛ بفعل الاستفراد الإماراتي بها، وتسخيرها في تحقيق مصالحه، وبما يهدد الأمن الوطني السعودي، فضلًا عن الأمن الوطني اليمني. ويتجلى ذلك فيما يلي:
* التداعيات العسكرية والأمنية
مع اقتراب اكتمال العام الرابع للحرب، يتضح اختلال التوازن العسكري بين الإمارات والسعودية في اليمن، من خلال تمكن الإمارات من تكوين تشكيلات مسلحة في الجنوب، وعلى امتداد واسع من الشريط الساحلي الجنوبي والغربي؛ توجهها، دون معارضة، نحو تحقيق أهدافها وحماية مصالحها، بينما تواجه السعودية معارضة شعبية عارمة في محافظة المهرة بعد نشرها قوات في عاصمة المحافظة، الذي جاء على إثر محاولة إماراتية لم يُكتب لها النجاح، لتشكيل قوات نخبة بقوام 2000 جندي.
على ذات النحو، حاولت الإمارات تشكيل قوات نخبة بمحافظة حضرموت (الوادي والصحراء)، التي تمتد حدودها إلى مسافة طويلة مع الحدود السعودية، لتكون نواة لقوات أخرى تدعم التوغل الإماراتي فيها، على نحو توغلها في حضرموت (الساحل)، لكن السلطة الشرعية أحبطت هذه المحاولة بمساعدة السعودية، وكررتا ذلك في أحداث جزيرة سقطرى، في مايو/أيار 2018؛ حيث أخرجت منها القوات الإماراتية، التي نشرتها بعد تصاعد حدة الخلاف مع السلطة الشرعية، ومنعها رئيس الحكومة السابق، أحمد بن دغر، من مغادرة الجزيرة.
علاوة على ما يشكِّله الدور الإماراتي المتزايد في مجال الأمن البحري، في البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب، من قلق للقيادة السعودية، فإن وجود قوات خارج إطار القيادة الشرعية اليمنية، تسيطر على امتداد طويل من الساحل اليمني، وتدين بالولاء للإمارات، يضاعف من هذا القلق، ويضعها في موقف أكثر ضعفًا مقابل شروع الإمارات في بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون (بريم) بباب المندب. وهنا، يمكن تفسير توجيهات الرئيس هادي بإعادة تشكيل ألوية العمالقة، التي تحاصر ميناء الحديدة، وضمها إلى وزارة الدفاع، بأنها خطوة مدعومة سعوديًّا، لإفراغ أيدي الإمارات من هذه القوات، ومنعًا لتكرار تجربتها في الجنوب.
* التداعيات السياسية
عزَّز وجود هذه القوات الدعوات لانفصال الجنوب عن الشمال، وتقوية الطرف المنادي بذلك، وهذا الأمر يتعارض مع التوجه السعودي المعلن إزاء وحدة اليمن، وقد يؤدي إصرار الإمارات على بقاء هذه القوات خارج السلطة الشرعية، إلى تصدع التحالف، واتساع الانقسام الحاصل داخل مجلس التعاون الخليجي، وقد يزداد ذلك سوءًا عندما تقرر السعودية العودة النهائية للرئيس هادي، فتلمس دورًا سلبيًّا للإماراتيين وحلفائهم الانفصاليين إزاء ضمان استقراره.
تشير تقارير لجنة الخبراء بمجلس الأمن، إلى أن هذه القوات تحظى بتأييد إماراتي، وأن وجودها خارج أطر السلطة الشرعية، يمثل تهديدًا لوحدة اليمن، وللسلام والأمن والاستقرار. وعليه؛ فإن استمرار انقسام القوى السياسية اليمنية المناوئة للحوثيين، قد يقودها إلى خيار العنف، ولا شك أن الإمارات ستقف، كعادتها، إلى جانب حلفائها الانفصالين؛ ما يعني تقسيم اليمن، وما يترتب عليه من تداعيات سياسية داخلية وإقليمية، تُبقي على الحوثيين كمصدر تهديد للسعودية، وتتفرغ الإمارات لمصالحها في الجنوب.
تلعب التشكيلات المسلحة التي تتحكم فيها الإمارات في اليمن، أدوارًا مختلفة في الصراع الدائر، يوجه أغلبها نحو تمكين النفوذ الإماراتي من المناطق الاستراتيجية، التي تسيطر عليها، وقمع خصوم مناوئي هذا النفوذ؛ بناء على أجندات مشتركة، لكنها غير متكافئة. وبطبيعة الحال، فإن قادة هذه التشكيلات، وأفرادها، ومراجعها السياسية، التي تعتمد عليها، مضطرون إلى ذلك؛ نتيجة لتعقيدات الأزمة التي تمر بها البلاد، وارتهان مختلف الأطراف الداخلية لقوى الخارج، التي تقدم مصالحها على المصلحة اليمنية.
وقد يكون مما يستوجب عمله من قبل القيادة الشرعية اليمنية، الإسراع في إعادة تشكيل ما تبقى خارج سيطرتها من هذه القوات، ومعاملتها أسوة بنظرائها في وزارة الدفاع؛ لتتحرر من قيود التبعية الإماراتية، وتجنيبها أي استغلال فوضوي يهدد أمن اليمن ووحدة أراضيه.
————————————————————————
هذا الموضوع مأخوذ عن مركز الجزيرة للدراسات