حرب بالأفق؟.. ترمب وسيناريوهات الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني
ترامب يلعب بالنار من جديد ويبدو أنه على وشك تفجير كوارث لم تكن بحسبانه جرّاء قراره بالانسحاب من اتفاق لوزان النووي الذي وقعت عليه مجموعة من الدول لرفع العقوبات عن إيران. فما أثر ذلك على الجهات الفاعلة والشرق الأوسط.
اتفاق لوزان النووي الذي تم التوصل إليه بصعوبة والذي وضع عملية لإنهاء برنامج الأسلحة النووية الإيراني يلقط أنفاسه الأخيرة، ويعود الفضل بذلك إلى ترامب. بعد أسابيع من مناشدات نظرائه في الدول الأخرى -التي وقعت على الاتفاق- وزيارتها له، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة سوف تنسحب منه وتعيد فرض العقوبات التي رفعتها الصفقة عن إيران. وهذا التعثر يجعل من مما احتمالية بقاء الصفقة قائمة ضبابية.
نظراً لأن ترامب قد أمضى سنوات في وصف ذلك الاتفاق بأنه "أسوأ صفقة على الإطلاق"، ربما كان قراره بالتراجع ليس مدهشاً ولكن هذا لا يعني أنه ليس صادماً.
من المؤكد أن هناك مشاكل حقيقية في الصفقة التي تم التوصل إليها عام 2015 ووقّعت عليها كل من إيران ومجموعة 5+1 -وهي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا. فشلت الصفقة في معالجة المخاوف طويلة المدى بشأن البرنامج النووي، كما أنها لم تحد من قدرة الصواريخ البالستية للبلاد. ولعل أكبر الانتقادات يتعلق بتدخلات إيران في الشرق الأوسط، والتي لم يتم تقييدها.
وكما قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في الآونة الأخيرة في برنامج "فوكس آند فريندز"، وهو برنامج حواري يميني معروف أن ترامب يشاهده: "انظروا، إيران تتصرف بشكل سيئ، لديها ميل لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات؛ علينا أن نوقف ذلك، علينا التصدي لما تفعله إيران في المنطقة. يجب علينا أن نكون أكثر صرامة". لكن جونسون حث الولايات المتحدة على عدم "التخلص مما هو جيد بينما تحاول التخلص مما هو سيئ".
يبدو أن مناشدات زعماء العالم الآخرين لم تلاقي آذانٍ صاغية. ماذا يعني كل ما يحدث؟ أولاً، إن قرار ترامب بالتخلص من الصفقة بشكل فعال يصب في مصلحة المملكة العربية السعودية وإسرائيل. كما سيشعل التوترات المتأججة بالفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويصب الوقود على نيران الصراع من سوريا إلى العراق ولبنان واليمن وخارجها.
في السنوات الأخيرة، وقعت الدول المتحاربة في صراعات الشرق الأوسط بمختلفها -بشكل عام- ضمن معسكرين منفصلين. من جهة، يوجد معسكر مؤيد لإيران يتكون من الحكومة السورية والحكومة العراقية وحزب الله ومجموعة من الأطراف غير الحكومية. ومن ناحية أخرى، يوجد معسكر مناهض لإيران يتألف بشكل اساسي من المملكة العربية السعودية وإسرائيل ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. ويغتنم كلا المعسكرين فرص إعادة تقويم النظام الإقليمي، وبينما يحاولان وضع الحدود ودفعها لصالحهما، فإنهما يرفعان من فرص وقوع أخطاء وسوء التقدير والكوارث.
لكن في الوقت الذي لعب فيه التنافس الإيراني السعودي دوراً محورياً في تشكيل طبيعة الشرق الأوسط المعاصر، فإن التنافس الإيراني مع قوتين أخريين: ألا وهما الولايات المتحدة وإسرائيل التي تسعى المملكة العربية السعودية إلى إقامة علاقات ودية معها.
إن الجدل والنقاش المحيط بهذه الصفقة النووية هو نقاش حول هذه المعسكرات المختلفة بقدر ما يدور حول الصفقة نفسها. لطالما كانت واشنطن والرياض وتل أبيب قلقة بشأن تطوير سلاح نووي إيراني، إلا أن المخاوف قصيرة المدى تتعلق بسلوك طهران في سوريا والبحرين والعراق ولبنان، حيث تستفيد من الانقسامات داخل حدود الدولة وعبرها. لقد أظهرت إيران لفترة طويلة قدرة ممتازة على استغلال هذه الانقسامات والتلاعب بها. لمعرفة هذه القدرة على أرض الواقع، على المرء فقط أن ينظر إلى الأحداث في العراق ولبنان وسوريا، تاركاً جانباً مزاعم التدخل الشرير في البحرين، حيث تم اتهام إيران بدعم الجماعات المناهضة للحكومة، أو في اليمن حيث تقوم السعودية بشن حملة عسكرية هائلة ضد القوات التي تدعي السعودية أنهم وكلاء إيرانيون.
لا يريد سوى عدد قليل من الإيرانيين أن ينغمسوا في ما وصفه أحد المسؤولين الأمريكيين بـ "الميل إلى الأذى"، كما أن التوترات المتصاعدة في مجتمعات منقسمة أصلاً تخاطر بزيادة الخسائر البشرية الكارثية بالفعل. ما دامت إيران تشعر بالجرأة أو التفويض بالتصرف، فإن الصراعات الكابوسية في سوريا واليمن سوف يكون حلها أكثر صعوبة، لكن ربما يكون القلق الأكبر في كل هذا هو الرد الإسرائيلي.
سعت إيران إلى تخفيف مخاوفها الاستراتيجية من خلال المضي قدماً من الناحية الجيوسياسية، بعيداً عن حدودها السيادية. يعد الحصول على التأثير على الأراضي هدفاً استراتيجياً رئيسياً، لكن عند القيام بذلك، فإن إيران تدخل نفسها مباشرة في حسابات الأمن الإسرائيلية.
منذ ثورة 1979، لطالما نظرت إسرائيل إلى جمهورية إيران الإسلامية بخوف شديد؛ ومع تزايد المخاوف بشأن الطموحات النووية الإيرانية، ازدادت كذلك تصريحات القادة الإسرائيليين الذين يدينون تصرفات طهران. لن ينسى أحد خطاب مارس 2012 حيث قال بنيامين نتنياهو: "إذا سار مثل البط، إذا تحدث مثل البط، فما هو؟ هذا صحيح، إنه بطة. ولكن هذه بطة نووية". وفي الآونة الأخيرة، أنتجت إسرائيل ملفاً يسعى لإثبات أن إيران كذبت خلال المفاوضات التي أسفرت عن الاتفاق.
بالإضافة إلى ذلك، لدى إسرائيل سابقة في توجيه الضربات ضد ما تعتبره تهديداً خطيراً لبقائها. خذ مثالاً على ذلك الغارة على مفاعل أوزيراك العراقي في عام 1981، أو ضرب منشأة نووية سورية مشتبه بها في عام 2007. إذا انهارت الصفقة وأعادت إيران تشغيل برنامجها النووي، فإن هناك إمكانية قوية لحدوث هجمات مماثلة غير معلنة على المواقع النووية المشتبه بها.
إذن أين تقف الأمور حتى الآن؟ إذا تعطلت الصفقة بالكامل، يمكن أن تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط إلى مستوى خطير حيث تهرع الأطراف الفاعلة من المعسكرين وغيرهم من الأطراف لإعادة تقييم مواقفهم. إن الجبهات المختلفة في سوريا ستصبح أكثر فتكاً مع تضاعف إيران للحفاظ على نفوذها على الأراضي هناك وهو ممر سيطرة أطلق عليه "الجسر البري إلى البحر الأبيض المتوسط"، وبالتالي إلى إسرائيل.
في نهاية المطاف، يبدو أن ترامب فوّت مغزى موقف نظرائه في الحفاظ على الصفقة. لا يتعلق هذا الأمر بما إذا كانت إيران تمتلك فسحة من الوقت لبناء سلاح نووي. إنها تدور حول إبقاء التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط تحت السيطرة ومنع وقوع حرب جديدة كارثية. إن الدبلوماسيين في جميع أنحاء العالم يمرون في بعض الليالي المؤرقة.
————————————————-