شعار قسم ميدان

بين إيران وإسرائيل.. كيف يدير بوتين التحالفات المتناقضة بسوريا؟

midan - بوتين
مقدمة الترجمة
 يناقش المقال الذي كتبه مارك غيلوتي، الباحث في معهد العلاقات الدولية ببراغ، التكلفة الخطيرة للحرب التي يخوضها بوتين في سوريا. ففي ظل التناقضات الإقليمية التي تشهدها الساحة السورية، تقف موسكو محاولة اللعب على تلك التباينات، فهل ينجح بوتين في مسعاه؟ أم أن الأمور ستخرج عن سيطرته؟

 

نص التقرير
اجتاحت الشرق الأوسط موجة جديدة من الفوضى عبر الحدود بين إسرائيل وسوريا، إذ وجهت القوات الإيرانية يوم السبت طائرة بدون طيار فوق المجال الجوي الإسرائيلي، وردا على ذلك، هاجمت تل أبيب القاعدة الجوية بالقرب من تدمر والتي أُطلقت الطائرة منها. وعندما سعت الأنظمة السورية المضادة للطائرات إلى حماية الإيرانيين، أسقطت طائرة إسرائيلية من طراز F-16.

    

نشرت روسيا التي تدخلت في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2015 لدعم الرئيس بشار الأسد، أنظمة دفاع صاروخية متقدمة من طراز S-400 لمعاونته. لكنهم هذه المرة لم يفعلوا شيئا للتدخل، ويبدو أن موسكو مستعدة للسماح لإسرائيل بإعطاء إيران درسا قاسيا لتحذير الأسد من الاصطفاف بشكل وثيق مع طهران، الأمر الذي قد يبدو فوزا مزدوجا مهما.

    

ربما كان بوتين في حاجة إليه، ففي السابع من شهر فبراير/شباط الجاري حاول السوريون أخذ حقول كونوكو النفطية بالقرب من دير الزور، من قوات الدفاع السورية. وقد بدأوا بالهجوم على منشأة يتواجد فيها ضباط أميركيون، ما أثار ردة فعل أميركية مدمرة. وكان من بين القتلى عدد غير معروف من المرتزقة الروس، كانوا يرتدون زي وحدة عسكرية روسية خاصة، يطلق عليها اسم «فاغنر» – وربما لا يصل عددهم إلى أكثر من 100 كما ذكر البعض، ولكنهم على الأرجح أقل من 20.

 undefined

    

مع هذه التقلبات الجامحة في موازين فلاديمير بوتين، يصير السؤال هو: هل الأمور تحت سيطرته في سوريا، أم أنه عالق في الرمال؟ الجواب الصادق: كلاهما معا.

  

لم يكن أبدا الهدف الوحيد للتدخل الروسي هو ضمان بقاء نظام الأسد المستبد في دمشق. ولكن الهدف كان على الأقل أن تُقحم نفسها في ساحة معركة جيوسياسية هامة وإجبار واشنطن -التي سعت في ذلك الوقت لعزل موسكو دبلوماسيا- على إدراك أن روسيا لا يُمكن تجاهلها. وكان من المهم أيضا الحفاظ على سوريا من أن تصبح تابعة لإيران، إذ إن العلاقة بين موسكو وطهران، على أحسن الأحوال، هي علاقة صداقة وعداوة، فهما سعيدتان بمحاولة تهميش الولايات المتحدة، ولكنهما كذلك يتنافسان بشراسة على النفوذ في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز.

    

واستنادا إلى تلك المعايير، تبدو الأمور جيدة للغاية لموسكو حاليا، إذ استعاد نظام الأسد السيطرة مرة أخرى، ولا يبدو أنه على وشك الانهيار. وقد أوضحت موسكو أنها ليست مجرد "سلطة إقليمية" (باستخدام تعبير باراك أوباما، الذي استاء منه بوتين بشكل واضح). بل هي وسيط سلطة في الشرق الأوسط، وقادرة على تغيير الأمور بشكل حاسم في شمال أفريقيا، وشريكة (مهمة) في آسيا، ما يجعلها على الأقل طرفا فاعلا إن لم تكن قوة عظمى.

    

يلعب بوتين دور صانع سلام محتمل بين إسرائيل والفلسطينيين (رويترز)
يلعب بوتين دور صانع سلام محتمل بين إسرائيل والفلسطينيين (رويترز)

    

كما أن المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل تأتي كذلك بمزاياها الخاصة، فمن الواضح أن روسيا في ظل قيادة بوتين وإسرائيل في ظل قيادة بنيامين نتنياهو، مقربتان بشكل غريب. يدرك بوتين أنه بينما إيران وعميلها حزب الله يُدعمان الأسد، تختلف رؤيتهم لسوريا عن رؤيته هو. وباتباع المسار الذي اختاره، يستطيع بوتين أن يلعب دور صانع سلام محتمل بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى وهو يشاهد إيران وحزب الله يتقطعان إربا. لكن عليه كذلك ألا يسترخي تماما في سوريا.

    

شعر العديد من الروسيين بالاعتزاز الوطني عندما علموا أن الرائد رومان فيليبوف، طيار المقاتلة الروسية التي أُسقطت في سوريا، قضى الدقائق الأخيرة له -بعدما قفز بالمظلة- يتبادل إطلاق النار مع من قالت وزارة الدفاع الروسية إنهم مسلحون إسلاميون. ولكن وراء ذلك الفخر تكمن حقيقة غير مريحة وهي أن هذه ليست حربا عزيزة على الكثير من الروسيين. ولكنهم يتسامحون معها فقط طالما يعتقدون أنها لن تكلفهم المال أو الأرواح.

     

أدت الحاجة لإبقاء الخسائر سرية إلى تشكيل موسكو لوحدة فاغنر العسكرية، وهي وحدة زائفة من المرتزقة. فعليا هي جزء من شركة عسكرية أجنبية خاصة ومُسجلة، ولكن بتمويل روسي، وبقيادة روسية، وأفراد روسيين. كما تقتصر المساعدات العسكرية الرسمية التي تقدمها موسكو إلى سوريا إلى حد كبير على الدعم الجوي والمدفعي وأمن المناطق الخلفية. والغرض من وحدة فاغنر هو توفير قوات هجوم على الخطوط الأمامية – لا ينبغي الإبلاغ عن موت أفرادها أو إقامة جنازات رسمية لهم.

يخسر الجنود المرتزقة الروس أرواحهم بنسبة 2 إلى 5 أضعاف الجيش الروسي  (رويترز)
يخسر الجنود المرتزقة الروس أرواحهم بنسبة 2 إلى 5 أضعاف الجيش الروسي  (رويترز)

    

وفي ظل هذا الاعتماد على المرتزقة، ليس واضحا إلى متى سيتمكن بوتين من الترويج لمغامرته في سوريا على أنها حربا "نظيفةً". وقد استوعبت وحدة فاغنر ما يُقدر بنحو 100 إلى 200 ضحية منذ عام 2015 حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي ما يتراوح بين 2 إلى 5 أضعاف معدل وفيات الجنود الروس العاديين في سوريا. والآن وبعدما صارت هذه الأرقام معروفة للجميع، هل يستطيع بوتين تجنب وقوع رد فعل عنيف؟

     

بالإضافة إلى ذلك، يطالب القوميون الروس حاليا بنوع من الرد على الضربات الجوية الأميركية التي قضت على المقاتلين الروس (بغض النظر عن الزي الذي يرتدونه). وهذا هو آخر شيء يحتاجه بوتين، فبعد أن رسم صورة لنفسه كبطل روسيا القوي، يجد نفسه الآن في مواجهة الانتقادات، ليس من جانب الليبراليين فحسب ولكن من القوميين الذين يشعرون بأنه فشل في الارتقاء إلى مستوى خطاباته.

    

هل هناك نهاية في الأفق؟ في حين أعلن بوتين انتهاء الحرب السورية في ديسمبر/كانون الأول الماضي،  ازداد النزاع الآن وصار أكثر تعقيدا. وقبل الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار، يبدو أنه حريص على تجنب أي شيء قد يثير حفيظة الشعب الروسي. إذا انسحب بوتين من سوريا الآن، فإنه بشكل أساسي يسلم البلاد إلى إيران، وخاصة بعد فشله في محادثات السلام. تتعلم روسيا الآن درسا من الكثير من القوى الإمبريالية السابقة، وهو أن الدخول في نزاعات الشرق الأوسط أسهل بكثير من الخروج منها.

   

احتجاج أمام السفارة الروسية يالأردن احتجاجاً على دعم روسيا للنظام السورى (رويترز)
احتجاج أمام السفارة الروسية يالأردن احتجاجاً على دعم روسيا للنظام السورى (رويترز)

  

 وبينما يزداد الصراع، من المؤكد أن الأحداث ستخرج عن سيطرة الكرملين. فبعد هجوم دير الزور، اقتبست صحيفة كومرسانت من أحد المصادر قوله بأن القيادة الروسية في دمشق لم تأذن بهذه "المبادرة الخطيرة". قد تكون هذه مجرد حالة من فقدان الذاكرة بأثر رجعي. ولكن إذا كان ذلك صحيحا، فهو يوضح مخاطر الفوضى، والصراعات متعددة اللاعبين، والتي يجب على السلطة الإمبريالية التعامل مع تداعياتها عندما يأخذ عملاؤها الافتراضيون بزمام المبادرة. وعندما يتوسع ذلك إلى اختلاق المعارك مع القوات المدعومة من قِبل الولايات المتحدة، وربما تهديد الموظفين الأميركيين، فهذه مسألة خطيرة. غير أن احتمالات تصعيد ذلك إلى مواجهة صريحة لا تزال منخفضة، وأن تضطر موسكو إلى التراجع لتفادي المواجهة احتمال أكبر بكثير.

    

في الوقت الحالي، فاز بوتين بالدور المطلوب منه كلاعب جيوسياسي. وحتى الآن، ربما يشعر بأنه يفوز في سوريا. ولكن اللعبة لم تنته بعد، والتكاليف آخذة في الارتفاع.

———————————————————————————————-

   

مترجم عن ذي أتلانتك

المصدر : الجزيرة