شعار قسم ميدان

فورين أفيرز: لماذا انسحب ترمب من اتفاق باريس للمناخ؟

U.S. President Donald Trump refers to amounts of temperature change as he announces his decision that the United States will withdraw from the landmark Paris Climate Agreement, in the Rose Garden of the White House in Washington, U.S., June 1, 2017. REUTERS/Joshua Roberts

كان قرار الرئيس دونالد ترمب بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس بشأن المناخ يوم 1 (يونيو/حزيران) خاطئًا للغاية، وكان التبرير الذي ساقه مضللاً وغير صادق. فقد أعلن في حديقة الورود في ذلك اليوم، "أنَّ اتفاق باريس بشأن المناخ هو ببساطة المثال الأحدث على دخول واشنطن في اتفاق يضر بالولايات المتحدة لصالح الدول الأخرى، ويجبر العمال الأميركيين ودافعي الضرائب على دفع تكلفة فقدان فرص العمل، وانخفاض الأجور، والمصانع المغلقة، وتقلص الإنتاج الاقتصادي إلى حد كبير". والواقع أن الانسحاب من الاتفاق لن يعيد الوظائف ولن يفيد دافعي الضرائب، ولكنه سيضر بالتأكيد بالولايات المتحدة والعالم.

وكان رد الفعل الأولي من الخارج يعكس الحيرة والارتباك بشأن ما كان ترمب يحاول قوله. فقد أعلن ترمب، بدون أن يفهم شروط وديناميات الاتفاق على ما يبدو، قائلًا، "سأنسحب من اتفاق باريس بشأن المناخ، ولكنني سأبدأ في مفاوضات لإعادة إبرام اتفاق باريس أو اتفاق جديد تمامًا بشروط عادلة للولايات المتحدة". أولًا وقبل كل شيء، إعادة التفاوض مرفوض تمامًا.

إذا لم يكن هذا واضحًا، فقد وضحه قادة العالم في غضون ساعات من الإعلان حين أعلنوا رفضهم للفكرة. فقد أعرب كل من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، من بين العديد من رؤساء الدول الأخرى، عن رفضهم العودة إلى مائدة المفاوضات.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أثناء حديثها حول قرار ترمب بالخروج من اتفاق باريس للمناخ
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أثناء حديثها حول قرار ترمب بالخروج من اتفاق باريس للمناخ
 

وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من إعادة التفاوض، فإنها لا تستطيع "الدخول مجددًا" في اتفاق باريس حتى نهاية عام 2019. فالمعاهدة تقتضي أن أي طرف يرغب في الانسحاب عليه الانتظار لمدة ثلاث سنوات من تاريخ بدء نفاذ الاتفاق في (نوفمبر/تشرين الثاني) 2016. وبمجرد بدء الانسحاب، يستغرق الأمر سنة أخرى من المفاوضات قبل اكتمال العملية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستبقى فى الاتفاق حتى نهاية فترة ترمب الحالية كرئيس.

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي واحدة من أكبر المساهمين في تركيزات غازات الاحتباس الحراري المتراكمة في الغلاف الجوي، فإن رفضها التبرع بالمزيد من الأموال يبدو تصرفًا خسيسًا

 
فكرة "الظلم" محيرة بنفس القدر لأن الاتفاق غير ملزم. يحدد كل طرف أهدافه الخاصة التي كانت تحت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد وضعت لخفض 26-28% في الانبعاثات عن مستويات عام 2005، بحلول عام 2025 وكان يمكن تحقيقه من خلال إغلاق محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم و وبناء المزيد من محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة.

وفي أمر تنفيذي في (مارس/آذار)، بدأ ترمب عملية التراجع عن اللوائح المناخية التي وضعت في عهد أوباما، والتي وفقا لتحليل أجرته مؤخرًا شركة الاستشارات في مجموعة الروديوم، سوف يعني خفض الانبعاثات بنسبة 15-19٪ فقط عن مستويات عام 2005 بحلول عام 2025 . لو كان ترمب يرى أن مساهمة أوباما المعلنة في اتفاق باريس كانت غير عادلة، فبإمكانه خفض النسبة إلى هذا المعيار الأدنى، بدلًا من الانسحاب من اتفاق باريس تماما.
 
ويرى ترمب أيضا أن المساهمات المالية للولايات المتحدة في صندوق المناخ الأخضر غير عادلة، وهو الصندوق الذي تعهدت البلدان الصناعية طَوْعًا بتقديم 10 مليار دولار إليه منذ عام 2013 لمساعدة البلدان منخفضة الدخل على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع آثار تغير المناخ. ولكن إذا قررت الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها الأصلية البالغة 3 مليارات دولار للصندوق، فإن ذلك سيكلف 9.41 دولار للفرد، مما يجعل ترتيبها الحادي عشر بين الدول المانحة الأكثر سخاء.

(السويد تتصدر القائمة حيث تعهدت بدفع مبلغ 59.31 دولار للفرد). وبما أن ترمب يخطط لوقف المساهمات في الصندوق بالكامل، فإن الولايات المتحدة ستسمح فقط بمبلغ مليار دولار أميركي تم تسليمها بالفعل في عهد أوباما، حيث ستخصص حوالي 3 دولارات للفرد، لتحتل المرتبة قبل الأخيرة، وهي أعلى قليلًا من كوريا الجنوبية عند 2 دولار للفرد.

وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي واحدة من أكبر المساهمين في تركيزات غازات الاحتباس الحراري المتراكمة في الغلاف الجوي، فإن رفضها التبرع بالمزيد من الأموال يبدو تصرفًا خسيسًا. حيث تعتبر الولايات المتحدة مسؤولة عن نحو 14% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، أما الصين، الدولة ذات أكبر نسبة انبعاثات، فهي مسئولة عن 30%، يليها الاتحاد الأوروبي بـ10% والهند بنسبة 7%.

 الولايات المتحدة لها النصيب الأكبر من الانبعاثات التراكمية، بنسبة 29%، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 27%، وأخيرًا الصين وروسيا بنسبة 8% لكل منهما (رويترز)
 الولايات المتحدة لها النصيب الأكبر من الانبعاثات التراكمية، بنسبة 29%، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 27%، وأخيرًا الصين وروسيا بنسبة 8% لكل منهما (رويترز)

إلا أن  تغير المناخ يرتبط بتركيزات الغلاف الجوي، وعند النظر في الانبعاثات التراكمية منذ عام 1850، نرى أن الولايات المتحدة لها النصيب الأكبر، بنسبة 29%، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 27%، وأخيرًا الصين وروسيا بنسبة 8% لكل منهما. ومع إعلان ترمب الانسحاب، ستنضم الولايات المتحدة إلى نيكاراغوا وسوريا كدولتين فقط من بين 195 دولة ليستا طرفًا فى اتفاقية باريس.

لا يعتبر الاتفاق ظالمًا للولايات المتحدة. فهيكله يستجيب لجميع مطالب واشنطن، فيما يتعلق بقرار بيرد-هيغل الحزبي لعام 1997، الذي صوت فيه مجلس الشيوخ الأميركي بـ95 صوت مقابل صفر، ضد التصديق على أي اتفاق دولي للمناخ لا يشمل الاقتصادات الناشئة الكبرى (البرازيل، الصين ، الهند، المكسيك، جنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية). وبعد أكثر من عشرين عامًا من المفاوضات المتوقفة، عبرت اتفاقية باريس الأزمة، مما زاد من نسبة المشاركة من الدول التي تمثل 14% فقط من الانبعاثات العالمية فى فترة الالتزام الحالية لبروتوكول كيوتو إلى الدول التي تمثل 97%.

وتشمل المطالب الأميركية طويلة الأمد الأخرى التي تمت مراعاتها في اتفاق باريس، منح جميع البلدان الحق في تحديد أهدافها ومسارات عملها، فضلاً عن مطالبة الدول بالشفافية عند الإبلاغ عن مستويات انبعاثها والتقدم الذي أحرزته نحو تحقيق أهدافها. وبعبارة أخرى، فإن اتفاق باريس لم يظلم الولايات المتحدة مثقال ذرة، وهو يعتبر تلبية لآمال واشنطن، بحزبيها، بعد أكثر من 20 عامًا.

 

العواقب والتداعيات المحتملة
الرئيس الأميركي دونالد ترمب معلنا خروج بلاده من اتفاقية باريس للمناخ
الرئيس الأميركي دونالد ترمب معلنا خروج بلاده من اتفاقية باريس للمناخ
 

قرار ترمب بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ يعتبر إهانة، ليس فقط لرؤساء الدول في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضًا لكبار المسؤولين الرئيسيين في إدارته، مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي أيد بقوة اتفاق باريس عندما كان المدير التنفيذي لشركة إكسون موبيل، وحاجج لصالح الالتزام بالاتفاق منذ انضمامه إلى الإدارة. كما كان هناك أيضًا دعم واسع النطاق للاتفاق داخل الصناعات الخاصة الأميركية – من شركات توليد الكهرباء مثل "بي جي&إي" (PG&E) والشبكة الوطنية، وشركات النفط مثل شيفرون، كونوكوفيليبس، إكسون موبيل، البريطانية للبترول، وشيل، وقائمة طويلة جدًا من الشركات الصناعية، بما في ذلك الشركات العملاقة مثل جنرال موتورز وجنرال إلكتريك.

حتى بعض أكبر منتجي الفحم، مثل آرتش كول، كلاود بيك للطاقة، وبيبودي للطاقة، أبلغوا الرئيس أنهم يريدون أن تستمر الولايات المتحدة في التزامها بالاتفاق. وهذا الإجماع الواسع نابع من حقيقة بسيطة مفادها أن أي فوائد داخلية للانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ لا تقارن بالأضرار الناجمة عن ذلك. وعلاوة على ذلك، فإن الانسحاب من اتفاق باريس لن يكون له أثر مفيد على التوظيف. فوظائف قطاع الفحم لن تعود، لأن الخسائر التي حدثت على مدى عقود تعزى إلى زيادة الإنتاجية الناتج عن التغير التكنولوجي في قطاع الفحم، وفي الآونة الأخيرة، المنافسة في السوق من الغاز الطبيعي المنخفض الثمن لتوليد الكهرباء.

ومع ذلك، فإن الأضرار المحتملة لانسحاب الولايات المتحدة هائلة، وخاصة بالنسبة إلى نفوذ الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة ستفقد بانسحابها قدرتها على الضغط على بلدان أخرى، مثل الاقتصادات الناشئة الكبيرة في الصين والهند، لبذل المزيد من الجهد. في الواقع، من الممكن أن يشجع الإعلان بعض الدول على أن تفعل أقل مما خططت له. وستكون أسوأ نتيجة ممكنة هي تفكيك تحالف باريس تمامًا، ولكن المؤشرات الأولية من الاتحاد الأوروبي والصين والهند والأحزاب الرئيسية الأخرى تقدم بعض الأمل في أن تحافظ على أهدافها وأن بعضها قد يجعلها أكثر إيجابية.

إن ما يضحي به ترمب على المدى البعيد سيكون أصعب بكثير بالنسبة للولايات المتحدة أن تستعيده عن طريق صناديق الاقتراع: السلطة والمصداقية والنفوذ

الوقت وحده سيحدد ما إذا كان خطابهم سيترجم إلى عمل حقيقي. وعلى نطاق أوسع، في الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى التعاون على الصعيد العالمي بشأن مسائل الأمن الوطني والتجارة ومجموعة من القضايا الأخرى، من غير المعقول أن يكون خيارها أن تصبح منبوذة على الصعيد العالمي بشأن تغير المناخ.

وبطبيعة الحال، فإن الانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ ليس نهاية جميع الإجراءات الهادفة لمواجهة تغير المناخ في الولايات المتحدة. ستبقى سياسات المناخ في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن والشمال الشرقي في محلها، ومن المحتمل أن يتم تعزيزها. أكثر من نصف الولايات لديها سياسات للطاقة المتجددة، والحكام الجمهوريين من ولاية إلينوي وميشيغان وقعوا مؤخرًا تشريعات تهدف إلى زيادة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلى المستوى الاتحادي، لا تزال المزايا الضريبية الهامة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية تلقى دعمًا من الحزبين في الكونغرس الأميركي. ولكن من المستبعد جدًا، في غياب ركود اقتصادي كبير، أن تكون تلك السياسات (بالإضافة إلى غيرها في المدن الأخرى في جميع أنحاء البلاد) كافية لتحقيق الأهداف المناخية التي حددها أوباما.
 

بالنسبة لقاعدة ترمب الأساسية للناخبين، ربما ينظر إلى هذه الخطوة بشكل إيجابي للغاية. وكما قال كاري كوجليانيس، أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، "بالنسبة لمؤيدي ترمب، يبدو أنه يفي بوعد حملته الانتخابية، ويظهر كما لو كان يدافع عن الأميركيين ضد بقية العالم". من المؤكد أن إعلان الرئيس ينسجم مع شعاره "أميركا أولاً"، ومن المحتمل أن يحشد قاعدته الانتخابية بينما يواجه صعوبات خطيرة في واشنطن، من جلسات استماع للكونغرس لمستشاريه الرئيسيين وتحقيقات وزارة العدل في علاقاته مع روسيا. ويشير كاتب المقال أنه كتب في (نيسان/أبريل) في صحيفة بوسطن غلوب، هو وبان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة، أن "خفض الانبعاثات لن يكون رخيصًا أو سهلًا، ولكن أكبر العقبات هي العقبات السياسية".

في الحقيقة، قرار ترمب بسحب بلاده من اتفاق باريس المناخ لم يكن مبنيًا على دراسة علمية أو اقتصادية، بل على رغبة مرتبكة، مضللة، وغير أمينة في تسجيل بعض النقاط السياسية على المدى القصير مع ناخبيه. إن ما يضحي به على المدى البعيد سيكون أصعب بكثير بالنسبة للولايات المتحدة أن تستعيده عن طريق صناديق الاقتراع: السلطة والمصداقية والنفوذ. ومما يؤسف له أن الرئيس المكسيكي السابق فينسنت فوكس قد لخص الأمر بشكل أفضل عندما قال "لقد توقفت الولايات المتحدة عن كونها رائدة العالم الحر".
 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

 
هذا المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : فورين أفيرز