ترمب والسي آي أي.. حروب داحس والغبراء

من منا لم يلاحظ علامات الاستفهام الكثيرة التي تصدرت المشهد الإعلامي حول ترمب وصعوده السريع الزخم إلى قمة أعلى بيتٍ في الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقة فوزه بالروس وخطاباته المثيرة لدهشة -وأحيانا سخط- الكثيرين، وبما أن التاريخ عودنا أنه كثيرا ما يعيد نفسه فقد ظهرت تشابهات كثيرة بين الرئيس الحالي لأميركا والرئيس الأسبق لها "نيكسون"، و تتناول هذه المقالة سردا مثيرا لتلك التشابهات وتحمل بين ثناياها توقعات في اللعبة السياسية- الاستخباراتية وفقا لمسار نيكسون الذي يبدو أن ترمب يسير على نفس نهجه، والبطل المشترك هنا علاقة الرئيس بوكالة الاستخبارات المركزية، بين ما حدث في الماضي و ما يرسمه الحاضر.
لم يكن ريتشارد نيكسون الرئيس الأميركي الأسبق يتندر بالكلام عندما وصف وكالة الاستخبارات المركزية بكلمات من قبيل "عاقة" و"عديمة الجدوى" و"طافحة بالموظفين" و"بلا قيمة"، أو حتى عندما تساءل قائلا "ما الذي يفعله هؤلاء المهرجون بحق الجحيم؟". كذلك كان الرئيس دونالد ترمب في حديثه عن الوكالة، عندما وصف ضباط الاستخبارات الأميركية بأنهم "مشينون" و"تحرّكهم أجندات سياسية"، "مرضى" ينشرون أخبارا كاذبة. وعلى الرغم من مسارعة المعلقين الإشارة إلى أوجه التشابه الرئيسة بين ترمب ونيكسون، مثل: قدرتِهما على إظهار الضغينة، وهوسِ كليهما بالمؤامرات، وكراهيتِهما للصحافة، ووضعهما المعلن "كـدخيلين"، واستعدادِهما للقتال من أجل المجهولين والمنسيين "الغالبية الصامتة العظمى"، إلا أن قلة قليلة قد تقصوا التشابهات المذهلة في علاقة كل منهما بوكالة التجسس الأولى في أميركا.
ترمب في مقر وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي" |
من الواضح أن ترمب يعتبر وكالة الاستخبارات المركزية عدوا سياسيا عازما على تقويض مصداقيته في نظر الشعب الأميركي. والحق يقال، فقد وضع العديد من كبار مسؤولي الاستخبارات جل ثقلهم دعما لخصمه الديمقراطي هيلاري كلينتون، واستهلوا منذ ذلك الحين تحقيقات حول العلاقات الروسية المحتملة مع حملته ومستشاريه ومصالحه التجارية. صرح على هامشها مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق بالنيابة مايكل موريل قائلا بأن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جند ترمب جاسوسا عن جهل منه لصالح الاتحادية الروسية".
أمضى ترمب فترة الانتقال إلى الرئاسة، وحتى أيام رئاسته الأولى يهاجم السي آي أي لحديثها حول التدخل الروسي في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني. وكان لافتا، تراجع موريل عن إفادته السابقة بوجود تواطؤ بين حملة ترمب والروس، فقد نقلت شبكة إن بى سي الإخبارية عنه قوله "نعم هناك دخان ولكن لا نيران على الإطلاق". يتحدث بدلاء ترمب في الوقت ذاته، ومنهم السّكرتير الصحفي للبيت الأبيض، شون سبيسر، بصراحة عمن يستبطنونَ العداء للرئيس الجديد من "أنصار أوباما الممتعضين" في السي آي أي.
عندما ظهرت "إضبارة" نُسبت إلى ضابط سابق في الاستخبارات البريطانية كان قد ظهر في وسائل الإعلام عشية تنصيب ترمب -وكانت مليئة بمزاعم مشينة حول تعاملاته التجارية، وهفواته الشخصية، وصلاته بموسكو، وإن كانت غير مثبتة- اتهم ترمب السي آي أي بصناعتها وتسريبها لتقويض رئاسته الوليدة، مقارنا ضباطها بوكلاءِ الدعاية النازية. لكن واحدة من مزاعم الإضبارة على الأقل أثبتت صحتها، وهي أن ميخائيل كالوجين، رئيس قسم الاقتصاد في السفارة الروسية، كان في الواقع جاسوسا سحبته موسكو من منصبه في وقت ما من أغسطس آب 2016 عندما أثيرت الاتهامات بالتدخل في الانتخابات.
يعيدنا كل هذا لنيكسون وكثيرا ما يذكرنا به، حيث عمل في عالم كانت فيه كافة أمور السياسة مسألة شخصية، وحمّل السي آي أي جزءا من المسؤولية عن هزيمته بفارق ضئيل في الانتخابات أمام جون كينيدي عام 1960، باعتقاده تَقَصُّدَ ضباط الاستخبارات عدم كشف الزيف عن ادعاءات كينيدي الكاذبة حول وضع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات "ما يطلق عليه فجوة الصواريخ". وقد أشار مدير سابق، هو الأدميرال ستانسفيلد تيرنر، إلى أن نيكسون رأى وكالة السي آي أي باعتبارها "جزءا من مؤامرة رابطة اللبلاب الليبرالية". حمل نيكسون الضغينة لمختلف مؤسسات الساحل الشرقي التي هيمنت على أجهزة الدولة الأمنية الوطنية في الحرب الباردة، وبالأخص للرتب العليا في السي آي أي. حيث باعتباره ابن بقال في بلدة صغيرة، ظل نيكسون قريبا من عائلته يرتاد إحدى الجامعات المحلية، ورفض منحة دراسية من جامعة هارفارد بسبب شح التمويل.

تشير الأدلة الأولى إلى تشكيك ترمب الشديد في كفاءة وكالة الاستخبارات. فقد سخر في حملته الانتخابية، كما اعتاد من وكالة الاستخبارات المركزية على تقييمها الاستخباراتي التاريخي المعيب لأسلحة الدمار الشامل في العراق عام 2002. وعندما أفادت السي آي أي في ديسمبر كانون الأول عام 2016، للكونجرس بأن روسيا -بحسب رأيها- اخترقت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية بهدف إيصال ترمب للبيت الأبيض قام ترمب وفريقه الانتقالي بإنكار ودحض الادعاءات قائلا أن جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس، لديه معلومات استخباراتية أفضل من الوكالة.
اشتكى نيكسون طوال فترة رئاسته، من أن دعم السي آي أي كان "معيبا إلى حد كبير" في اللحظات الحرجة، وقد قال لرئيس هيئة الأركان في البيت الأبيض بوب هالدمان "تخلص من المهرجين. ما فائدتهم؟ لديهم 40.000 شخص هناك لا يفعلون شيئا سوى الجلوس وقراءة الصحف" |
ولعل أوضح مؤشر على مدى عدم تقدير ترمب لعمل الوكالة تساؤله في أثناء مقابلة متلفزة، عن جدوى تلقيه النشرة اليومية من الوكالة مشيرا إلى أن ثلاث مرات في الأسبوع تكفي "لرجل ذكي" مثله وأن جنرالاته، بمن فيهم نائب الرئيس، ومستشار الأمن القومي سينبهانِه إن كان هناك ما يتطلب اهتمامه. على الرغم من مشاركة عدة وكالات أمنية في صياغة النشرة اليومية، إلا أن محللي السي آي أي يظلون المساهمين الرئيسيين فيها ويظل ضباطها هم من يقدمون تضحيات هائلة للحصول على المعلومات وفي بعض الحالات من يدفعون حياتهم ثمنا لذلك. لقد كانت تصريحات ترمب هجومية للغاية ومؤشّرا واضحا على انعدام ثقته بـ السي آي أي.
مرة أخرى، يحمل هذا كله تشابها مذهلا بين ترمب ونيكسون. كان لدى نيكسون، رفقة مستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، رأي سلبي في تقييمات وكالة الاستخبارات المركزية، معتقدا أنهم لم يكونوا على "نفس موجته" السياسية، وأنهم كثيرا ما "تستروا على أمور" مخافة أن يتم التضحية بهم إن كانوا مخطئين. وكما ذكر كيسنجر في مذكراته عن عام 1979، فإن وكالة الاستخبارات المركزية، أبعد ما يكون عن "كونها فرقة صقور المغامرين الدوليين كما يطيب لمنتقديها تصويرها".
اشتكى نيكسون طوال فترة رئاسته، بانتظام من أن دعم وكالة الاستخبارات المركزية كان "معيبا إلى حد كبير" في اللحظات الحرجة. على سبيل المثال، عندما أخفقت الوكالة في تحذيره من أن رئيس الدولة الكمبودي قد أطيح به في انقلاب في عام 1970، قال لرئيس هيئة الأركان في البيت الأبيض بوب هالدمان "تخلص من المهرجين. ما فائدتهم؟ لديهم 40.000 شخص هناك لا يفعلون شيئا سوى الجلوس وقراءة الصحف". وللتأكيد على استيائه، أعاد إلى وكالة الاستخبارات المركزية حزمة هائلة من ملخصات يومية لم يفتحها.
كما هو الحال مع ترمب، فثمة أدلة تشير إلى تجاهل نيكسون في نهاية المطاف نشراته الاستخباراتية اليومية تماما، فعندما تفقّد أندرو مارشال، مستشار مجلس الأمن القومي في شؤون الاستخبارات، الملاحظات اليومية التي أرسلت إلى نيكسون خلال الأشهر الستة الأولى من عمله، لاحظ أن الملاحظات المكتوبة بخط اليد في الهوامش أصبحت أقل وأقل حتى اختفت تماما.
يمكن لنا من خلال التعرف على أوجه التشابه بين ترمب ونيكسون في نظرتهما لوكالة الاستخبارات المركزية، أن نرسَم بعض التوقعات حول كيفية تطور علاقته مع الوكالة على مدى السنوات القليلة المقبلة. حيث تقترح المقارنة بنيكسون اعتماد ترمب بشكل أكبر على المعلومات الاستخباراتية من موظفي البيت الأبيض وأعضاء مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى مواد من البنتاغون -تم عدم مشاركتها على نطاق واسع بسبب التنافس بين الوكالات- عوض التقييمات التقليدية المجمعة بشأن قضايا السياسة الخارجية الرئيسية.
يجعل تزايد المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر هذا الأمر أشد ترجيحا؛ فقد كان كيسنجر، بدعم من فريق المحللين الخاص به وليس مدير السي آي أي، مستشارا رئيسيّا للاستخبارات عند نيكسون، واضعا معادلَه الشخصي للنشرة اليومية للرئيس. وقد تعين على السي آي أي، للوصول إلى الرئيس، أن تمر أولا من خلال كيسنجر، الذي اختار ما يصل إلى مكتب نيكسون وما لا يصل.
من الجدير بالملاحظة محاولة نيكسون استبعاد ريتشارد هيلمز-وهو أحد ثلاثة مدراء لوكالة الاستخبارات المركزية كانوا قد خدموا تحت قيادته- من حضور اجتماعات مجلس الأمن القومي؛ وقد حاول عندما قيل له أن هذا الإجراء غير عملي، مرة أخرى دون جدوى، جعل هيلمز ببساطة يحيط المجلس بالمختصر في بداية الاجتماع ثم يغادر.
وجدت السي آي أي -تماما مثل وزارة الخارجية والبنتاغون- نفسها خارج عملية صنع القرار فيما يتعلق بقضايا هامة من محادثات الحد من الأسلحة إلى قصف لاوس وكمبوديا. حيث اتجه كل من نيكسون وكيسنجر إلى قنوات خلفية سرية مع رجال الدولة في الخارج مثل السفير السوفيتي أناتولي دوبرينين، كوسيلة لممارسة الأعمال التجارية. وكان مدهشا قرار نيكسون وكيسنجر عدم إخبار السي آي أي عن خططهما حول السعي للتقارب مع الصين الشيوعية، وترك محلّليها في الظلام -عمدا- فيما يخص أحد أبرز التطورات السياسية لعقود.
هنري كيسنجر (1923) شغل منصب مستشار الأمن القومي (1969-1975) ومنصب وزير الخارجية (1973-1977) والعديد من المناصب الأخرى |
"كيف يمكننا القيام بعملنا إن كنا لا نعرف ما يحدث؟" هذا ما كتبه مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام كولبي في مذكراته عام 1978 التي تحمل عنوان "رجال شرفاء". وقد أقر كيسنجر، بعد سنوات، بأن تجاوزه وكالة الاستخبارات المركزية كان "معرقلا " للوكالة، ووجد أنه "من غير المرجح أن يوصَى بهذه "الآلية" في كتب الإدارة العامة".
يتجلى تفضيل ترمب -مثل نيكسون- لإدارة قرارات السياسة الخارجية الحرجة خارج المكتب البيضاوي، من خلال إنشاء ما يسمى مجموعة المبادرات الاستراتيجية |
ثمة دلائل مبكرة على سلوك ترمب ذات المنعطف فيما يتعلق بتحييد الاستخبارات التقليدية. منها منح ستيف بانون، رئيس الاستراتيجيين الرئيسيين -زمن كتابة المقال-، مقعدا كاملا في لجنة مديري مجلس الأمن القومي، والمنتدى الرئيسي المشترك بين الوكالات لمناقشة الأمن القومي، في حين قلل من دور كل من مدير المخابرات الوطنية وقائد رؤساء الأركان المشتركة، مع حضورهم في الاجتماعات المطلوبة فقط عندما تتعلق المناقشات بـ "مسؤولياتهم المباشرة". بينما أُخرج مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، تماما من اللجنة.
وصدم الترقي السريع لـ بانون -مستشار يتداول بفكر عتيق الطراز نظريات حول العولمة والهجرة وحكومة الظل- إلى منصب رفيع في مجلس الأمن القومي جنبا إلى جنب مع أمناء الدولة والدفاع وأعلى رتب المخابرات والعسكريين في البلاد، المسؤولين من كافة الأقطاب، والشخصيات البارزة في مجتمع الاستخبارات. فوصفت مستشارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لشؤون الأمن القومي سوزان رايس، في تغريدة لها على موقع تويتر، هذه الخطوة بأنها "جنونية للغاية"، مضيفة أنه قد "تم تهميش رئيس الأركان وتنحية وكالة الاستخبارات المركزية من كافة الأمور". وعلى الرغم من أن بومبيو أعيد في وقت لاحق كعضو عادي في اللجنة، بعد الاحتجاج، وإخراج بانون إلا أن الدائرة تظهر أن كبار قادة أجهزة التجسس يعدون "شكلا للرفاهية" لا أمرا ضروريا في إدارة ترمب.
ومع ذلك يبقى بانون مؤثرا. حيث قام بمناشدة مستشار ترمب وصهره غاريد كوشنر في (مارس/آذار)، عندما حاول مستشار الأمن القومي الجنرال ماكماستر إقالة عزرا كوهين وتنيك، ابن الثلاثين عاما، من منصبه كمدير أول للبرامج الاستخباراتية في مجلس الأمن القومي. وتجدر الإشارة إلى أن كوهين وتنيك الذي لم يكمل سوى جولة واحدة على مستوى المبتدئين مع وكالة المخابرات الدفاعية في أفغانستان يحتل الآن مركزا استخباراتيا يعادل رتبة جنرال من فئة ثلاث نجوم. عادة ما يشغل هذا الدور مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات المركزية. وتشير مصادر مطلعة إلى أن مهمة كوهين وتنيك هي الحد من قوة وكالة الاستخبارات المركزية بالتزامن مع زيادة عمليات البنتاجون الخاصة. وبالنظر إلى أن بومبيو وممثلي وكالة الاستخبارات المركزية لم يكونوا في غرفة إدارة المواقف عندما تم اتخاذ قرار شن هجوم صاروخي على سوريا، فإنه يمكن الحكم على قيادته بأنها ناجحة حتى الآن.
ويتجلى تفضيل ترمب -مثل نيكسون- لإدارة قرارات السياسة الخارجية الحرجة خارج المكتب البيضاوي، من خلال إنشاء ما يسمى مجموعة المبادرات الاستراتيجية. فقد أفادت الصحافة، أواخر (يناير/كانون الثاني)، بتعاون بانون مع كوشنر لإنشاء مركز تخطيط داخلي في أروقة البيت الأبيض للنظر في قضايا استراتيجية طويلة الأمد مثل مكافحة الإرهاب والعلاقات مع روسيا وحلف شمال الأطلسي. وتضم الهيئة، من بين آخرين، أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة غولدمان ساكس وصحفيا في شبكة بريتبارت، وشخصية واسعة النفوذ في مجال العقارات، وبذلك اكتسبت الهيئة سمعة باعتبارها "حيزا بديلا لصنع السلطة وبسط النفوذ" ذلك الحيز الذي كانت تشغله تقليديا وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية.
جيمس شليسنجر (1929-2014) تولى عدة مناصب أهمها منصب وزير الدفاع (1973-1975) |
ثمة احتمال قوي بأن ترمب سينظر في إصلاح وتعديل مجتمع الاستخبارات عموما، ووكالة الاستخبارات المركزية على وجه الخصوص. وكان نيكسون قد توجس بشأن ولاء الوكالة وكفاءتها، فأمر في (ديسمبر/كانون الأول) عام 1970، بمراجعة جذرية وفرعية لمجتمع الاستخبارات، مسندا المهمة إلى جيمس شليسنجر، النجم الصاعد في مكتب الإدارة والميزانية. أفاد شليسنجر، في تقرير الربيع التالي، بأن الرئيس لم يحصل على قيمة جيدة مقابل التمويل الذي نالتهُ وكالة الاستخبارات المركزية، ويرجع ذلك في جزء منه إلى فشلها في تبني تقنيات جمع معلومات جديدة وفي الجزء الآخر إلى تشبثها بعناد بـ "سلالة أو إس إس" -مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي كان سَلَف الوكالة-؛ حيث تميل وكالة الاستخبارات إلى تجنيد أفراد من النخبة الضيقة وتوظيف العديد من رعاة البقر عوض المفكرين.
أمر نيكسون هيلمز بإجراء تغييرات وإرسالها عبر فيرنون والترز، نائب مدير وكالة المخابرات المركزية، لإلقاء نظرة عليها، بهدف تحديث وكالة الاستخبارات المركزية، وجعل الوكالة أشد ولاءً للرئاسة. وعندما توجس هيلمز وأظهر ترددا، أقاله نيكسون ووضع شليسنجر مكانه، ولدى وصوله، كانت كلمات شليسنجر الأولى لوكالة الاستخبارات المركزية "أنا هنا للتأكد من أنكُّم لا تلحقون الضرر بـ ريتشارد نيكسون".
وقد كان مكروها لديهم لكونه متطفلا أرعن ومتلاعِبا سياسيا، استهل عملية أدت إلى إلغاء مكتب وكالة الاستخبارات المركزية للتقديرات الوطنية وفصل أو أجبر على التقاعد المبكر ما يقرب من 7% من القوى العاملة. وكان نيكسون قد أراد في البداية خفض "الطاقم" بنسبة 40 %، موضحا لدونالد رامسفيلد، الذي كان مستشارا للرئيس آنذاك، أن "الحكومة تحتاج إلى حقنة شرجية". ورغم بقاء شليسنجر سبعة عشر أسبوعا فقط في مركزه قبل أن ينتقل إلى منصب وزير الدفاع إلا أنه ما زال يعد حتى الآن أسوأ مدراء وكالة الاستخبارات المركزية على مر التاريخ.
على غرار نيكسون، فإن لدى ترمب مخططات تروم إصلاح وضبط، وحتى تقليص مجتمع الاستخبارات. ولكن على عكس الأول، فمن المحتمل أن تكون أداته مختلفة حيث يقود المجتمع الآن مدير المخابرات الوطنية -منصب تم استحداثه في أواخر عام 2004 ردا على الأحكام الصادرة عن لجنة 11 سبتمبر أيلول حول عدم وجود تعاون بين وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، وغيرها من الوكالات.
عين مجلس الشيوخ، الشهر الفائت، دانيال كوتس- وهو عضو سابق في لجنة مراقبة الاستخبارات وسفير ألمانيا، مديرا للمخابرات الوطنية. ويُعد كوتس محبوبا على نطاق واسع لدى قطبيّ الكونغرس. ومثل بومبيو، فإن لديه وجهات نظر قوية إزاء موسكو ويعتبر صقرا في مواجهة روسيا. كان تعيين اثنين من الساسة متماثلي التفكير في أدوار مدير الاستخبارات المركزية ومدير المخابرات الوطنية خطوة أساسية وخاطفة، وذلك ببساطة لأن مكتب المخابرات الوطنية ضعيف جدا ويفتقد القدرة على الموازنة لإجراء إصلاح جماعي بمفرده. ومع تعيين كوتس، فمن المحتمل حدوث تغيير كبير على الأرجح.
وينبع الخوف الأكبر، الذي تدعمّه الأدلة، في أوساط أولئك الذين يرون أن على وكالة الاستخبارات المركزية العمل بشكل موضوعي، بعيدا عن الانحيازات السياسية، من استخدام ترمب -تماما كما فعل نيكسون من قبله- الإصلاح لتسييس الاستخبارات. وقد أرسى ترمب بالفعل قواعد مماثلة. ففي أول زيارة له إلى وكالة الاستخبارات المركزية، في وقوفه أمام الجدار التذكاري، وهو عبارة عن مجموعة من النجوم المحفورة للاحتفاءِ بأبطال الوكالة الذين قضوا أثناء أداء مهامهم، استغل ترمب هذه المناسبة لتقديم خطاب سياسي شديد اللهجة، مفاخرا بأن حفل تنصيبه اليوم السابق كان أكبر مما توقعته "وسائل الإعلام المتحيزة"، وخمن أن "جميع الحضور تقريبا" قد صوتوا له "لأننا جميعا على نفس الموجة يا قوم". وكان المعنى الضمني هو: إما أن تكون معي أو تغرب عن وجهي.
لعل أشد ما يدعو للقلق هو العمل الاستخباراتي السري المسيَّس؛ إذ يبين لنا التاريخ أن بعض أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية الأشد غرابة في القرن الماضي لم تصدر من لانغلي -حيث مقر الوكالة- وإنما من الجناح الغربي -مقر التخطيط للعمليات في البيت الأبيض-. رأى كل من نيكسون وكيسنجر في العمل الاستخباراتي السري لا وسيلة لتوطيد سياسات بعينها وحسب، وإنما وسائل تصفية حسابات شخصية. كان كيسنجر، عام 1971، قد خطط لانقلاب الحكومة في بوليفيا، وهو بلد تعرض فيه نائب رئيس بحجم أيزنهاور عام 1950، إلى الرشق بالحجارة من قبل حشود من اليساريين. وقد يلجأ ترمب الذي لا يُعرف عنه المزاجِ المعتدل، إلى تدشين عمليات قدح شخصي، وذلك مآل مرعب، بالنظر إلى اتخاذِ الاستخبارات المركزية عقب أحداث 11/9، منحى أشد عملياتيةً، بحيث أصبحت ما أسماه العضو السابق في إدارة كلينتون، ليون بانيتا، "قيادة قتالية" في قتالها ضد الإرهاب.
طورت الـ سي آي أي، والقيادة السيبرانية الأميركية، قدرات مخيفة في مجال العمل الإلكتروني السري، من صنف النوع المستخدم ضد برنامج إيران النووي في السنوات الأخيرة. ويجعل قرب ترمب من إسرائيل، المناصر الحار للعمليات الهجومية السيبرانية، من الأمر أشد ترجيحا.
في معرض وصفه تصريحات الرئيس حول الـ سي آي أي بـ "الضربة الموجعة"، تنبأ موريل بـ"موجة استقالات" مماثلة لتلك التي تلت تعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق بورتر غوس في 2004، وقراره إجراء تحقيق داخلي والبحث عن أولئك الذي يريدون زعزعة البيت الأبيض. وما ضباط الاستخبارات، في رأيه، إلا قبيلة ضيقة تفضل الاحتجاج بوسائل أخرى عوض تحمل سيناريو آخر مثل أسلحة الدمار الشامل العراقية.

لكن ذلك لم يحدث، ولم يتقدم بالاستقالة منهم سوى محلل معلومات واحد هو إدوارد برايس، مدعيا أن تشكيل مجلس الأمن القومي هو دليل على أن ضباط المخابرات سيضطرون إلى قبول رواية "أميركا أولا". وتشير مقارنة نيكسون أنه لن تكون هناك استقالات جماعية من الاستخبارات المركزية. ففي مواجهة شخصية عدائية مماثلة في البيت الأبيض، يفضل موظفو الاستخبارات البقاء والاستبسال عوض الرحيل وحدهم.
بإتقانِهم فن الجاسوسية السوداء، تلافى ضباط الـ سي آي أي التمرد المفتوح أو المواجهة المباشرة لصالح ما وصفه عالم الأنثروبولوجيا جيمس سكوت بـ"المقاومة اليومية" أو "السياسة تحت الحمراء" وهي حملة تراكمية من أعمال التمرد السرية المقنَّعة، والتي باتت بمرور الزمن شكلا من أشكال حرب العصابات ضد الرئيس.
وكان أوضح عمل للمقاومة في مجال التحالفات الجيوسياسية في عام 1973، إثر انزعاجِهما من السياسات الموالية لرئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث، اتفق نيكسون وكيسنجر على إنهاء تدفق المعلومات الاستخباراتية إلى لندن، أقرب شريك لها في عالم الخدمة السرية، كعقوبة. وقال كيسنجر "سأقطع عنهم المعلومات الاستخباراتية، لا يمكننا الوثوق بهم". في بعض الوكالات تم تنفيذ ذلك بشكل كامل، ولكن وكالات أخرى مثل وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي تشبثوا بموقفهم مستشهدين باتفاقات الاتصال بين البلدين التي يعتقدون أنها لها مكانة قانونية يجب احترامها.
يمكن للمرء أن يتخيل فقط كيف تلقت وكالة الأمن القومي ونظيرتها البريطانية، الاتهام الأخير بالتنصت على مبنى "ترمب تاور" لصالح أوباما. وعلى ما يبدو، فقد شجع المسؤولون الأميركيون في لندن وكالة الاستخبارات البريطانية على إصدار إنكار عام لم يسبق له مثيل، حيث أنها نادرا ما تعلق علنا، لكنها لم تنكر التنصت على الأميرة ديانا عند التحقيق في وفاتها في عام 2008.
تمنحنا فترة نيكسون بعض الأدلة حول كيفية عمل المقاومة. فقد انتشر بين الرتب السرية بعض الرسوم الكاريكاتورية غير المحببة للرئيس لتشويه الصور المعلقة له ولـ شليسنجر. وفي الواقع، لوقف التخريب، تم تركيب كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة مثبتة مقابل الصور في مكتب السي آي أي. مع العلم أن شليسنجر، الذي يراقب الطيور وقت فراغه، كان يرصد موقف سيارات الموظفين من خلال مناظير من نافذة مكتبه. وبين كبار المديرين في وكالة الاستخبارات المركزية، شملت المقاومة عرقلة توجيهات الرئيس لحجب المعلومات. وكانت التسريبات هي المشكلة الأكبر.
المسؤولون عن الاستماع لأشرطة البيت الأبيض والتي قدمت لاحقا دليلا قاطعا على مشاركة الرئيس نيكسون في فضيحة ووترغيت |
وجاء أبرزها من نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي مارك فيلت الذي كان -حتى وصل التسعينات من عمره وكشف عن نفسه كمصدر لـ بوب وودوارد في بعض اكتشافات ووترغيت- معروفًا للجمهور فقط باسم "الكتوم ". وفي حالة مذهلة -أقل شهرة عن السابقة – من التجسس ضد قائدهم المدني، تزايد لدى رؤساء الأركان المشتركة كره شديد لنيكسون حتى أنهم زرعوا جاسوسا على موظفي مجلس الأمن القومي. وبناء على ترتيب من رئيسهم الأدميرال توماس مور، ، تقدم شاب صغير في البحرية، يدعى يومان تشارلز رادفورد بالآلاف من صور من الأوراق السرية، التي انتشلت من أكياس القمامة الذاهبة للحرق والمظاريف الداخلية، وحتى حقائب كيسنجر ونائبه آنذاك، قائد اللواء الكسندر هيغ، وعندما اكتشف نيكسون الحيلة قصف عاملي مكتبه بالغضب.
ويبدو أن ترمب قد أيقظ قوى مماثلة من المقاومة. فعلى حد تعبير زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، "إن تقدمت خطوة فوق الاستخبارات اليوم فلديهم ست طرق جهزوها منذ أسبوع فائت للنيل منك". ووسط مخاوف من إمكانية تسرب بيانات حساسة طريقها إلى موسكو، كانت هناك تقارير واسعة النطاق تفيد بحجب المعلومات السرية عن الرئيس وشركائه. وفي تصريح لجريدة واشنطن بوست، أوضح مسؤول كبير في وكالة الأمن القومي أن الوكالة تعوق بشكل منهجي "الأشياء الجيدة"، على الرغم من أنه أضاف أن لا فائدة منها في ضوء تعليقات ترمب حول الموجز اليومي للرئيس.
وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الأميركية في البنتاغون لصحيفة "أوبزرفر" في نيويورك، إن هناك "تذبذبا" في تدفق المعلومات مشيرا بالقول "منذ 20 يناير كانون الثاني افترضنا أن لدى الكرملين آذانا داخل غرفة الأزمات" ومركز إدارة الاستخبارات البالغ مساحته 5525 قدما مربعا وفي الطابق السفلي من الجناح الغربي للبيت الأبيض. كان التقرير شهيا للغاية، حيث أن كوشنر هو المالك والناشر لجريدة "أوبزرفر". ومن جانبها نفت وكالة الاستخبارات المركزية تماما حجب المعلومات المخابراتية عن الرئيس، حيث ذكر بومبيو أن هذا "لا يحدث، ولم يحدث، ولن يحدث".
لا يوجد رئيس يحب مسربي المعلومات على الإطلاق، وقد قام أوباما بمحاكمة عدد منهم أكبر مما فعل جميع الرؤساء السابقين مجتمعين. وربما سيكسر ترمب هذا الرقم القياسي، فمنذ فوزه في الانتخابات في الثامن من (نوفمبر/تشرين الثاني)، تعرض الرئيس لوابل من الِإفشاءات غير المصرح بها عن المعلومات السرية وغالبا ما كان يستهدفه شخصيا، من تفاصيل اتصالاته الهاتفية مع رؤساء الدول الأجنبية، ومشاريع أوامره التنفيذية بشأن الهجرة والمهاجرين.

وبعد 24 يوما وحسب من إعلان فوزه، أعلنت موجة الكشف عن فضيحة "مايكل فلين" الذي أجبر على الاستقالة عندما تم تسريب تفاصيل محادثاته الهاتفية الخاصة مع السفير الروسي سيرغي كيسلياك، في اليوم الذي طرد فيه أوباما 35 دبلوماسيا روسيا انتقاما من اختراق الانتخابات المزعوم. وتعد الإطاحة بفلين انتصارا رمزيا رائعا، بالنسبة لضباط المخابرات الساخطين، وخاصة أولئك الليبراليي الهوى.
سوف تحدد ردود فعل ترمب على التسريبات معالم رئاسته. فمنذ الحادي عشر من (سبتمبر/أيلول)، ومن أجل مكافحة تهديد الإرهاب الدولي، تضاعف حجم الدولة الأمنية الوطنية وانتقلت من ثقافة "الحاجة إلى المعرفة" إلى "الحاجة إلى المشاركة". ونتيجة لذلك، حصل نحو 5.1 مليون أميركي على تصاريح أمنية: أي أكثر من عدد سكان النرويج. وفي هذه البيئة، سيكون هناك بلا شك بعض من سيتخِذون إجراءات من جانب واحد ضد رئيس يكرهونه، بالنسبة لنيكسون، فقد أضافت التسريبات المزيد إلى إحساسه أنه الضحية ووضعته في حالة من الشكوك والعداء الدائم، حيث تم الخلط بين الخصوم -حتى الأصدقاء منهم-، مع الأعداء.
ولمكافحة التسريبات، اتجه إلى عمليات التنصت التي لا مبرر لها و"وظائف الحقيبة السوداء"، حتى باستخدامها ضد شخصيات مثل "أنتوني ليك"، الذي لم يوافق على غزو كمبوديا، وكان يعتقد أنه يتحدث إلى الصحافة. وفي وقت لاحق، رفع "ليك" دعوى قضائية ضد كيسنجر، الذي كان قد أذن بالتنصت ضده، وفاز في نهاية المطاف برسالة اعتذار. وبطبيعة الحال، أنشأ نيكسون ما يسمى بـ"السباكين"، وهي وحدة تحقيقات سياسية داخلية تم القبض عليها من قبل رجال شرطة محليين في مكاتب ووترغيت بالمقر الوطني الديمقراطي، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث التي كان من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى استقالة.
ومع ذلك فإن ترمب بلا شك معجب بنيكسون. وفي الواقع، من بين الأشياء الشخصية التي يعرضها في المكتب البيضاوي رسالة مؤطرة من نيكسون تنبأ له فيها أنه إذا ترشح لمكتب الرئاسة فلا شك أنه سيكون "الفائز". ومن الحكمة لِترمب أن يتعلم من تاريخ الرئيس السابع والثلاثين لأميركا .
في وقت يعصف بالاضطرابات في الشؤون الدولية، يجب أن يكون ترمب ووكالة الاستخبارات المركزية حلفاء مقربين؛ حيث يتضح كثيرا أن المخابرات والعمليات الخاصة هما الرصاصة الفضية التي يتجه إليها الرؤساء في أوقات الشدة. وطالما لا يزور ترمب المقر في كثير من الأحيان لإلقاء الخطب السياسية، قد يكون هناك مجال للتقارب حول خط أكثر صرامة على الإرهاب.
أقوى وجه شبه بين الرجلين هو عدم قدرة أي منهما على تشكيل مساحة من الولاء والمودة في كافة أنحاء واشنطن، مع التركيز بدلا من ذلك على دائرة داخلية صغيرة من المقربين |
وقد منح ترامب السي آي أي سلطة القيام مرة أخرى بضربات الطائرات بدون طيار، ووفقا لتقرير إخباري، فإنه يوسع الحدود التي فرضها أوباما على العمليات شبه العسكرية للوكالة. ويعتقد بعض قدامى المحاربين في الوكالة، مثل نائب مدير المخابرات السابق كارمن مدينا، أن الاستخبارات الأميركية بحاجة صحوة بعد أكثر من عقد من النمو السريع والانغماس الشديد في حرب شاقة طويلة من التمرد.
إذا نظرنا إلى الوراء فعندما كان بوب غيتس محللا مبتدئا في مكتب روسيا في أوائل السبعينات، أشار حينها إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية تحتاج فعلا إلى بعض" التنظيف المنزلي". ولكنها كانت طريقة شليسنجر الأكثر "تعجرفا وفظاظة " هي التي تسببت في ذلك الاضطراب. واعترف غيتس بأنه كان هناك "بعض التعاطف" لمحاولة شليسنجر "استعادة الطاقة والأهمية بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية".
في الواقع من المستبعد أن تكون هناك نهاية سعيدة بين ترمب والـ سي آي أي فمن خلال الاستمرار في الهجوم وتطويق الوكالة في برامج التلفزيون، فإن الفجوة سوف تتسع وستزيد المقاومة. ما يحتاجه أي رئيس هو مدير محايد للـ سي آي أي فيما يتعلق بالسياسة وأن يخبره بالحقائق بلا خوف، وما تحتاجه الـ سي آي أي هو رئيس يحسن الإنصات. ولا يبدو أن أيا من هذه الأمور موجود الآن. وكما كان الحال مع نيكسون، سوف يقلل جنون عظمة ترمب من فعاليته الشخصية.
أقوى وجه شبه بين الرجلين هو عدم قدرة أي منهما على تشكيل مساحة من الولاء والمودة في كافة أنحاء واشنطن، مع التركيز بدلا من ذلك على دائرة داخلية صغيرة من المقربين. ومع اعتلاء ترمب موجة شعبية شن فيها حملة تحت اسم "نظفوا المستنقع" قاصدا بها المصالح المالية القذرة في واشنطن ووسائل الإعلام والبيروقراطية الراسخة، إلا أنه وبحسب المسار الذي يتبعه الآن -كما قال المعلق السياسي غابرييل شونفيلد- "فإن المستنقع هو الذي سينظفّه!"، كما فعل بـ نيكسون في 8 (أغسطس/آب) 1974 "وهو تاريخ استقالته".
ولا يمكن لـ ترمب القول أنه لم يتم تحذيره!
================================
المقال مترجم عن (الفورين أفيرز)