لماذا ضرب ترمب سوريا بينما أحجم أوباما
لقد أثارت الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية العديد من التكهنات، فضلا عن المفاضلة ما بين أوباما وترمب، حتى من قبل طاقم إدارة أوباما السابق. ما دفع بـ ديريدك كوليت، نائب المدير التنفيذي لسياسة الأمن والدفاع في إدارة أوباما لتقديم شهادته على ما دار في أروقة الكونغرس والبنتاغون والبيت الأبيض، إبّان الهجوم الكيميائي عام 2013، في هذا المقال المقتضب الذي يقف أيضا على الدوافع الحقيقية خلف ضرب القاعدة الجوية في حمص.
قبل أربع سنوات، كان كل شيء مختلفًا في سوريا. إنني أدعم تلك الضربات، غير أن مخاوفنا المتمثلة بإمكانية التصعيد وفقدان السيطرة، ظلت قائمة. تركت الضربة الأمريكية لسوريا في الأسبوع الفائت العديد من الأسئلة المستعصية؛ لكن ما نعرفه بالتأكيد، أن الجميع متحمس. فقد عرضت جوقة التعليقات في الأيام القليلة الفائتة عددا من الردود المتتالية، كان أبرزها تبجّح نقاد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بأن الرئيس ترمب قد برهن أنه قام بما لم يستطع أوباما القيام به. وقد شكّل الحدث متنفسا للجمهوريين الذين تمكنوا من قضاء يوم دون الحديث عن دراما البيت الأبيض وقضية ضلوع روسيا في الانتخابات الأمريكية.
خبراء إدارة أوباما، من جهَتهم، قالوا بنبرة جلد الذات أن ترمب قد فعل للتو ما أرادوه بالضبط من أوباما. وقد أشاد النقّاد (مرة أخرى) بِترمب كونه يتصرف أخيرًا بشكل "رِئاسي"، مبشّرين فريقه للأمن القومي. أما صقور الشرق الأوسط فقد أعلنوا عن عودة الشرطيّ إلى المنطقة. فيما رفع مراقبون عقلاء الصلوات الأخيرة من أجل "عقيدة أوباما".
بعيدا عن هذه المواقف المحمومة، ما الذي حدث؟ هل تشير ضربات ترمب لِقاعدة الأسد الجوية إلى نقلة جوهرية في الاستراتيجية الأمريكية إزاء الصراع السوري، وإلى تنصل تام من أوباما؟ أعتقد بأن الضربات كانت مبررة وضرورية، لكنني لا أرى دليلا دامغا على أن الهدف منها كان تغيير قواعد اللعبة كما يزعم كثيرون.
فلنبدأ بـ"الخط الأحمر" المشين الذي اجتِيز في أغسطس/آب 2013، وهي فترة كتبت عنها بشكل مكثف لكنها دائما ما ستكون محل نزاع. إن الزعم بأن ترمب قد برهن ببساطة عن امتلاكه جسارة تعزيز "الخط الأحمر" الذي تجاهله أوباما هو تشويه مشين يتغاضى، بما يتلاءم مع أنصاره، عن سياق هام جدا.
في سبتمبر/أيلول 2013، كان أوباما يتحضّر لاستخدام القوة – وقد كنت أنا نفسي أحد مسؤولي البنتاغون الذين خططوا للضربات وناشَدوا الكونجرس من أجل الدعم – لكننا واجهنا رفضا متعنتا من قبل مجلس نواب حذر وعددٍ من الأصوات البارزة الصاخبة (بمن فيهم، للمفارقة، دونالد ترمب) التي حذرت بإلحاح من التورط في المستنقع السوري. ولحسن الحظ، فقد أخذت موسكو ودمشق أوباما على محمل الجد أكثر مما فعلوا مع ترمب. ذلك أن التهديد الحقيقي باستخدام القوة قد دفع بالروس على نحو لم يكن متوقعا للضغط على الأسد لكي يتخلص من مخزون الأسلحة الكيميائية الضخم الذي أنكر أنه بحوزته، ويسلّمه في نهاية المطاف، صاغرا للتحالف الدولي الذي تخلّص من 1,300 طن منها.
وفقط من أجل السياق، فإن 1,300 طن هي أكثر من تخمين الاستخبارات الأمريكية الخاطئ لكمية أسلحة الدمار الشامل عند صدام حسين بعشر مرات، ما يتركنا مع هذه الأحجية: لقد استخدمت الولايات المتحدة في 2003 القوة للتعامل مع تهديد أسلحة دمار شامل لم توجد أصلا؛ ولم تتحرك في 2013، عندما كانت هذه الأسلحة موجودة بالفعل.
من الممكن القول، بأن الأسد لم يتخلّ عن كافة أسلحته. وهو أمر لا غبار عليه؛ فبعد سحب مخزون الأسلحة الكيميائية عام 2014، قامت قوات الأسد بتصنيع قنابل محلية ومواد كيميائّية صناعية كغاز الكلور (والذي لم تشمله الاتفاقية، لكنه كان ما يزال غير قانوني)، وكما رأينا جميعا في الهجوم المأساوي الأسبوع الفائت، يبدو أنه قد استبقى جزءا بسيطا من سلاحه الكيميائي (وهو أمر تدور حوله شكوك دون التثبت منه). ولا شك أن هذه الحقيقة تقلل من حجم الإنجاز -الذي نالت عليه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، جائزة نوبل للسلام – لكنه لا يمحوه. لا بد أن ترمب ممتن لأنه لا يتعامل اليوم مع سوريا المدججة بـ 1,300 طن من الأسلحة الكيميائية.
عندما كنا نخطط لتنفيذ الضربات قبل أربع سنوات، كان يقلقنا مجازَفتان هما: التصعيد وفقدان السيطرة. وكنا نخطط لضربات أوسع بكثير عن تلك التي نفذها ترمب، وأن تشمل الضربات عددا من المواقع لأيام متواصلة لإذلال قوات الأسد وردعها. كان يشغلنا خطر انتقامه باستخدام موسع للأسلحة الكيميائية، لكننا في الوقت نفسه كنا نعلم بأنّه لن يقدم على خطوة مماثلة (بالنظر إلى احتفاظه مرارا بحق الردّ مع الإسرائيليين). وكان يشغلنا أكثر، ما سيفعله الأسد بالمزيد من أطنان الأسلحة الكيميائية التي لن نتمكن من تدميرها – فالضّربات التي خططنا لها كانت لتُبيد جزءا منها بالنظر إلى سرية الأماكن – ومدى سهولة الوصول إليها.
نفذت القوات الأمريكية حوالي 7,500 ضربة ضد أهداف في سوريا، فضلًا عن انتشار 1,000 جندي أميركي تقريبا على الأرض. |
وهذا ما يلخّص السياق المختلف اليوم. فمع أن تهديد الانتقام ما يزال قائما؛ إلا أن الأسد اليوم أضعف من ذي قبل بما أنه قد جُرِّد من أسلحته الفتاكة، ما يجعل التعامل مع تبعات التدخل العسكري أشدّ مرونة مما كان عليه في 2013. علاوة على ذلك، أن تكون سوريا خالية من 1,300 طن من الأسلحة الكيميائية، يقلل إمكانية أن يشعل التدخل العسكري فتيل كابوس التبعات. ولهذا السبب – كما جادلت هنا سلفا – كان في وسع إدارة أوباما إدارة مخاطر القوة العسكرية بشكل أفضل في عامي 2015 – 2016، بينما كان لدى ترمب مهلة أكبر لتنفيذ ضربات الأسبوع الفائت.
علاوة على ذلك، فالجيش الأمريكي اليوم منخرط سلفا في الحرب السورية، وهذا ما لم يتحقق عام 2013. لقد ورث ترمب عن الإدارة السابقة حملة عسكرية مختمرة ضد الدولة الإسلامية والتي بدأت في سبتمبر/أيلول 2014، ومنذ ذلك والولايات المتحدة تقصف سوريا يوميا، فقد نفذت القوات الأمريكية حواليّ 7,500 ضربة ضد أهداف في سوريا، فضلا عن انتشار 1,000 جندي أميركي تقريبا على الأرض. ومع أن هذه القوات تستهدف تنظيم داعش لا الأسد، إلا أنها كانت مصدر عون في توفير قدرات ووعي عسكري في الأرض السورية لم تمتلكه القوات الأميركية قبل أربع سنوات.
بالنظر إلى هذا كله، فإن ما يجعل ضربات الأسبوع الفائت تلاقي كل هذا الاهتمام ليس أنها كانت معقّدة أو فريدة من نوعها، وإنما لأن من طلب تنفيذها هو دونالد ترمب؛ فقد دعت هيلاري كلينتون خلال حملة العام الفائت، إلى خطوات مماثلة – لكن ترمب انتقدها في حينه. ما يضعنا أمام سؤال جوهري بشأن ضربات ترمب، ألا وهو، الغاية منها. لقد أثار الأمر بلبلة محمومة حول "عودة" القيادة الأمريكية، لكن فيما عدا إطلاق 59 صاروخ توماهوك، فإن لا دلائل تشير على أن فريق ترمب يعرف ما يتعين عليه فعله.
إن إحدى الدروس التي يسطرها "الخط الأحمر" الذي تكلم عنه أوباما هو صعوبة الوصول إلى فهم مشترك للغاية منه. بالنسبة إلى باراك أوباما، كان "الخط الأحمر" متعلقا دائما وبالتحديد بمسألة الأسلحة الكيميائية السورية، لا بمستقبل الأسد أو بالأسلوب المتبع في استخدام القوة العسكرية الأمريكية بحيث تحدد ديناميكيات الحرب السورية، لكن خلط الأمور مستمر منذ ذلك الحين.
وينطبق الأمر على ترمب اليوم. على عكس أوباما، فإن ترمب لم يفسر خطوته كثيرا، ولا أدل على ذلك من أن يعرض مستشاروه تفسيرات متباينة للهدف الإجمالي من الضربة. لقد كانت إجراءات الرئيس غريزية، واستخدامًا منفصلًا للقوة العسكرية لعقاب الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية. وبغض النظر عما يؤكّده العديد من مؤيديه، إلا أنني لا أرى دليلا على أن الهدف من الضربات كان الإيذان بمنهج عسكري جديد للولايات المتحدة في سوريا. بهذا المعنى، تبدو إجراءات ترمب مشابهة لتلك التي اتخذها كلينتون عندما ضرب بغداد بصواريخ توماهوك في يونيو/حزيران 1993، لعقاب صدام حسين على محاولة اغتيال جورج بوش.
لكن، هل كان من الممكن أن يؤدي تدخل ترمب إلى المزيد؟ من الممكن أن يحدث هذا الأمر بعد تخطيط مسبق، تهدد فيه الإدارة الجديدة، التي تمتلك الآن ثقة أكبر بقدراتها، باستخدام القوة لكسب نفوذ أكبر، يحث الأسد والروس على التفاوض للسلام. وعلى الرغم من استراتيجية مماثلة لا تلوح في الأفق، إلا أن زيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، إلى موسكو هذا الأسبوع ستكون محورية (على الرغم من إمكانية إخفاق المساعي، إذا ما قرر فلاديمير بوتين زجر ضيفه).
غير أن السيناريو المرجَّح هو وقوع تدخل أوسع بالتبعية. إذ كما تعلّم أوباما في ليبيا، في اللحظة التي يبدأ فيها التدخل العسكري، يكون لِمنطق التدخل الأعمق قوة مطلقة، وهو السبب الرئيسي الذي دفعه لأن يكون حذرا في سوريا. كلما تعاظم الضغط على دونالد ترمب للمزيد من التورط، سيشعر بأنه مدفوع للتصرف بما يحفظ مصداقيته. وبالنظر إلى حاجته المَرضِيَّة لأن يظهر بمظهر "القوي" ونزوعه إلى إطلاق النار قبل تحديد الهدف، فإنه سيشعر بالاستهداف. وإن حدث الأمر، فإن ترمب -وجميعنا- سننزلق إلى المنحدر الذي ألفناه طويلا.
__________________________________________________
المقال مترجم عن: الرابط التالي